نفس الأخطاء حدثت بأفغانستان والعراق.. لماذا لا تقر أميركا بالفشل في أوكرانيا؟
تحدثت صحيفة "تيليبوليس" الألمانية، في مقال نقدي، عن الأخطاء التي ارتكبتها السياسة الأميركية في العراق وأفغانستان.
وتوضح الصحيفة كيف أن الأميركيين يغضون الطرف عن هذه الأخطاء ويتجاهلون بحثها وأخذ العظة منها، ويهربون من البحث عن أسباب الإخفاق ودراسته.
ويعتقد الكاتب ناتول ليفين، وهو باحث أول لشؤون روسيا وأوروبا في معهد كوينسي، أن الأميركيين يكررون أخطاءهم في أوكرانيا كذلك.
السياسة الأميركية
يقول إنه "في الذكرى السنوية الثانية للهزيمة النهائية لتورط الولايات المتحدة في أفغانستان، يتعين علينا أن نأخذ في الحسبان الدروس المستفادة من هذه الكارثة بالنسبة لإستراتيجية واشنطن في أماكن أخرى".
وسيطرت حركة طالبان على مقاليد الأمور في أفغانستان، منتصف أغسطس/ آب 2021، وذلك بعد معارك اندلعت عقب فشل مفاوضات السلام بينها وبين حكومة الرئيس أشرف غني.
ومع وصول طالبان إلى السلطة، بدأت القوات الأجنبية الموجودة في أفغانستان تحت مظلة حلف شمال الأطلسي "ناتو" بمغادرة البلاد على دفعات.
ومع مغادرة آخر جنودها لأفغانستان، انتهى الاحتلال الأميركي لأفغانستان والذي بدأ في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2001.
ويضيف الكاتب: "في حين أن حالة أفغانستان فريدة من نوعها في حد ذاتها، فإن أخطاء واشنطن وإخفاقاتها تعكس أنماطا أوسع وأعمق -وأمراضا- في السياسة الأميركية والثقافة السياسية".
وأكد ناتول ليفين أنه "إذا لم تُعالج هذه الأمور، فستؤدي إلى المزيد من الكوارث في المستقبل".
وأشار إلى أن "أغلب وسائل الإعلام الرئيسة ومؤسسات الفكر والرأي يتعاملون مع ذكرى حرب الولايات المتحدة في أفغانستان ليس بصثفتها مصدرا للتأمل، بل باعتبارها حدثا محرجا للنسيان في أسرع وقت وبشكل كامل قدر الإمكان".
ويعلق قائلا إن "هذا التوجه الذي يتبناه التيار السائد في الولايات المتحدة يذكرنا بالطريقة التي جرى التعامل بها مع ماضي حرب فيتنام، والتي أدت بدورها إلى الكارثة في العراق".
ولاحظ ليفين أنه من بين السمات الأكثر لفتا للانتباه في المناقشات والمباحثات الأميركية قبل غزو العراق كان إخفاقهم العام في الاعتبار أو التعلم أو التدارس مما حدث في تجربة فيتنام.
ورأى أن الرفض المستمر لتعلم الدروس ينطبق كذلك على ما وصفه بأنه "تورط الولايات المتحدة في أوكرانيا" بالحرب المستمرة مع روسيا.
دروس مستفادة
ويعزو فشل الأميركيين في التفاوض الدبلوماسي مع طالبان قبل الغزو الأميركي لأفغانستان إلى غضبهم من هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001.
وتبدّى هذا الفشل في رفض طالبان تسليم المطلوبين من تنظيم القاعدة على الفور.
ونظرا للتكلفة الضخمة والمروعة للغزو الأميركي لأفغانستان، يرى الكاتب أنه من المفيد التساؤل عما إن كان هناك نهج آخر يسمح لطالبان بحفظ ماء وجهها والبقاء متسقة مع معتقداتها الدينية الخاصة (التي تحظر عليها تسليم مسلمين للأميركيين)، وهو ما كان سيؤدي إلى نتائج أفضل لكابول وواشنطن.
ويعطي مثالا على النهج الدبلوماسي الآخر، والمتمثل في دراسة إمكانية التفاوض مع طالبان وإقناعها بتسليم قيادة تنظيم القاعدة إلى دولة إسلامية أخرى.
وفي الحالة العراقية، يعتقد لفين أنه لم تكن هناك جهود دبلوماسية جادة، لأن إدارة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش كانت قد اتخذت قرار الغزو بالفعل.
ويوضح أن أحد الدروس المستفادة أيضا من هذه التجارب "قديم قدم الحرب نفسها"، وقد أبرز ذلك المنظر العسكري كارل فون كلاوزفيتز.
إذ قال هذا الأخير: "لا يمكن أبدا أن يكون هناك ضمان للنصر على المدى الطويل في حالة الحرب، لأن الحرب يمكن أن تؤدي إلى تداعيات ونتائج غير مقصودة أكثر من أي نشاط إنساني آخر".
فشل مستمر
وفي هذا الصدد، يشير الكاتب إلى أن "مهمة القضاء -في الحالة الأفغانية- على تنظيم القاعدة وإزاحة طالبان من السلطة تحولت إلى جهود أكبر بكثير لإنشاء دولة أفغانية ديمقراطية حديثة".
وبين أن هذه الجهود المحكوم عليها بالفشل منذ البداية، كانت تهدف إلى إنشاء الدولة الأفغانية المذكورة، من خلال التدخل والدعم والتوجيه الأجنبي".
وأوضح أن ذلك بدوره كان يقتضي محاولة تدمير العلاقة القديمة والقوية بشكل استثنائي بين العقيدة الإسلامية وقومية البشتون، والتي أدت إلى ظهور حركة طالبان.
وشكل البشتون العمود الفقري لحركة طالبان وكانوا رأس الحربة في مقاومة الغزو السوفييتي عام 1979.
وكانت المناطق القبلية للبشتون في باكستان المجاورة القاعدة الخلفية للتزود بالسلاح والمؤن وتجنيد المقاتلين وتدريبهم.
كما أنهم لعبوا نفس الدور بعد الغزو الأميركي لأفغانستان عام 2001 حيث عجزت القوات الأميركية عن كسر شوكة حركة طالبان، على مدى عقدين من الزمن.
وكان من صعوبات النجاح الأميركي، صعوبة مقاومة النظام الشيوعي والتدخل السوفيتي في الثمانينيات، وكذلك ظهور العديد من الانتفاضات ضد الإمبراطورية البريطانية.
ويقول الكاتب: "بما أن أغلب البشتون يعيشون في باكستان، فقد أدى ذلك حتما إلى انتشار الصراع إلى إسلام أباد أيضا، مما قاد المشهد إلى حرب أهلية باكستانية مات فيها عشرات الآلاف".
وأضاف: "رفض باكستان أو عجزها عن طرد حركة طالبان الأفغانية، أدى إلى التهديد بالتدخل الأميركي المباشر في إسلام أباد"
وأكد أن ذلك لو حدث لكان "قد أدى إلى كارثة أسوأ بكثير من كارثة أفغانستان والعراق مجتمعتين".