لهذه الأسباب تشهد العلاقات التركية- اليونانية تحسنا في الآونة الأخيرة

12

طباعة

مشاركة

تشهد العلاقات التركية- اليونانية تحسنا في الفترة الأخيرة، في ظل توجه أنقرة لتطوير علاقاتها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وفي 5 سبتمبر/أيلول 2023، زار وزير الخارجية اليوناني، يورغوس يرابيتريتيس، أنقرة، وأجرى مباحثات مع نظيره التركي، هاكان فيدان.

وأشار المسؤول اليوناني أنه "يمكن لتركيا واليونان تحديد أهداف من شأنها ضمان فوائد مشتركة في مجالات مثل السياحة والنقل".

وأضاف أن "التعاون في مثل هذه المجالات سيعود بالنفع على البلدين الجارين ولن يقتصر على الاقتصاد، لذلك فإن السياحة والنقل على رأس الأجندة الإيجابية".

وقال موقع "المونيتور" الأميركي، إن "الخصمين التاريخيين يواصلان جهودهما، لإعادة ضبط نزاعهما المستمر منذ عقود حول حقوقهما في بحر إيجه، والبحر الأبيض المتوسط، وجزيرة قبرص المقسمة".

وأشار إلى أن لقاء "يرابيتريتيس" و"فيدان" هو الأول بين الوزيرين الجديدين، بعد الانتخابات العامة في كلا البلدين.

وحسب قوله، فإن أنقرة تسعى إلى تحسين علاقاتها مع الغرب، بعد إعادة انتخاب الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في مايو/أيار 2023.

دبلوماسية الكوارث

ولفت الموقع إلى أن "استجابة اليونان السريعة للزلازل المدمرة، التي ضربت تركيا في فبراير/شباط 2023، كانت سببا في خلق أجواء إيجابية، حيث سعى البلدان منذ ذلك الحين إلى البناء عليها".

ونوه إلى أن "ذوبان الجليد كان واضحا، عندما التقى أردوغان برئيس الوزراء اليوناني، كيرياكوس ميتسوتاكيس، على هامش قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، في يونيو/حزيران 2023، في العاصمة الليتوانية، فيلنيوس".

ويرى "المونيتور" أن زيارة "يرابيتريتيس" هدفت إلى تمهيد الطريق لاجتماع ثان بين ميتسوتاكيس وأردوغان، حيث سيزور الثنائي نيويورك في وقت لاحق من شهر سبتمبر 2023، لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

ومن المقرر أن يلقي أردوغان كلمة أمام اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في 19 سبتمبر 2023.

وأكد "المونيتور" أن "تركيا حاولت تخفيف حدة المواجهات في شرق البحر المتوسط، قبل زيارة الوزير اليوناني، وذلك في إطار مساعيها لتحسين العلاقات مع الغرب".

وفي الوقت نفسه، أكد الموقع على أن "عضوي الناتو لا يزالان على خلاف بشأن حقوق السيادة على وضع جزر بحر إيجه، وحقوق كلا الطرفين في مصادر الطاقة الموجودة شرقي البحر الأبيض المتوسط".

وأورد الموقع أن البلدين كانا على شفا الوقوع في صراع عسكري عام 2020، بسبب هذه الخلافات.

وهناك معضلة أخرى مستدامة في العلاقات التركية- اليونانية، وهي وضع جزيرة قبرص، المقسمة على أساس عرقي منذ 1974.

إذ تحرك الجيش التركي في ذلك الوقت لحماية القبارصة الأتراك- الذين يقطنون حاليا في الثلث الشمالي من الجزيرة- وذلك بعد أن سعى القبارصة اليونانيون لضم الجزيرة إلى اليونان.

وسوغت تركيا تدخلها العسكري بأنها ضامن للوضع في الجزيرة، بجانب اليونان وبريطانيا.

خفض التصعيد 

وخلال أغسطس/آب 2023، أثيرت مخاوف من حدوث تصعيد، بسبب مشروع طريق حاول القبارصة الأتراك شقه، على طول المنطقة العازلة التي تسيطر عليها الأمم المتحدة في قبرص.

ففي 18 أغسطس 2023، وقعت احتكاكات بين القوات القبرصية التركية وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، إثر محاولة جنود أمميين عرقلة بناء طريق.

وقال المونيتور: "إن هذه الحادثة مثلت تصعيدا نادرا في أقدم صراع مجمد في أوروبا، حيث أثارت إدانات شديدة من الأمم المتحدة وكذلك القبارصة اليونانيون، وأثينا، والاتحاد الأوروبي، ولندن".

وفي المقابل، حمّلت جمهورية شمال قبرص التركية، قوة الأمم المتحدة لحفظ السلام مسؤولية التوتر الذي حدث، مؤكدة أن مشروع الطريق يهدف إلى تسهيل وصول القبارصة الأتراك القاطنين في قرية "بيله"، إلى أراضي جمهورية شمال قبرص وأراضيهم في القرية.

و"بيله" هي القرية القبرصية الوحيدة التي يعيش فيها القبارصة اليونانيون والأتراك معا، وتقع على الخط الأخضر، ما يعني أنها تخضع لسيطرة الأمم المتحدة.

وقال عمدة القبارصة الأتراك بولنت بيبك- الذي تتولى بلديته مسؤولية الخدمات المقدمة للقبارصة الأتراك في بيله- لـ"المونيتور" إن "أعمال البناء توقفت مؤقتا أثناء محادثات الأمم المتحدة مع الأطراف المعنية".

وأوضح الموقع أن "صمت أثينا حيال الحادث، وتوقف الجانب التركي عن الاستمرار في بناء الطريق، فُسِّرا على نطاق واسع بأن تركيا واليونان لن يسمحا لهذه الحادثة بعرقلة مسار إعادة ضبط العلاقات بينهما".

وفي الوقت نفسه، سرّع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إلى جانب بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، جهوده لإحياء محادثات التسوية في الجزيرة، التي توقفت منذ فترة.

والتقى كبير مسؤولي الأمم المتحدة لمنطقة أوروبا وآسيا الوسطى والأميركيتين، ميروسلاف جينكا، بزعماء القبارصة اليونانيين والأتراك، بالإضافة إلى كبير مستشاري الرئيس التركي للسياسة الخارجية، عاكف كيليتش، أواخر أغسطس 2023.

سياسة تصالحية

ومن العلامات الأخرى الواضحة على رغبة أنقرة في تحسين علاقاتها مع اليونان -وفق المونيتور- صمتها بشأن رسوّ مدمرة أميركية في قبرص اليونانية، في 26 أغسطس 2023.

ويرى الموقع الأميركي أن "غياب احتجاج تركيا على ذلك، كان بمثابة خروج عن الخط العام الذي تتبعه في مثل هذه الحوادث".

غير أنه يتماشى مع النهج التصالحي الذي تتبعه أنقرة خلال الفترة الأخيرة في سياستها الخارجية، وفق قوله.

ومن جانبه، قال مدير برنامج الأبحاث التركية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، سونر چاغاپتاي، إن "هذا الموقف قد يفسر أيضا تعامل تركيا الهادئ مع أزمة قرية "بيله".

وتابع: "أعتقد أن وجهة النظر (لدى الإدارة التركية) هي أنه إذا كان هناك تحسن في العلاقات التركية- اليونانية، فإن هذا سيساعد في تحسين علاقة أنقرة بواشنطن".

"لا سيما مع موقف تركيا في الكونغرس، حيث يعارض عدد من أعضاء مجلس الشيوخ وغيرهم بيع طائرات إف 16 لتركيا"، يضيف چاغاپتاي.

وتسعى أنقرة للحصول على 40 طائرة مقاتلة جديدة من طراز إف 16، بعد أن استُبعدت من برنامج الطائرات المقاتلة الأميركية إف 35؛ ردا على شرائها نظام الدفاع الصاروخي الروسي"إس 400".

وأشار چاغاپتاي إلى أن "إدارة (الرئيس الأميركي جو) بايدن تفضل أن تبدأ مرحلة تحسين العلاقات مع تركيا بتصديق الأخيرة على انضمام السويد إلى الناتو، على أن يلي ذلك موافقة البيت الأبيض على بيع طائرات إف 16 لأنقرة".

"وفي خضم هذه العملية، سيتشكل رأي عام على أن العلاقات التركية اليونانية في حالة ممتازة، ما سيجعل أعضاء في الكونغرس، مثل السيناتور بوب مينينديز، يسحبون اعتراضهم على بيع طائرات إف 16 لتركيا"، وفق چاغاپتاي.

وعلاوة على ذلك، تسعى تركيا أيضا إلى تحسين علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي، لإعادة بناء ثقة المستثمرين الغربيين فيها، وللتفاوض على اتفاقية اتحاد جمركي حديثة مع الكتلة الأوروبية.

وختم چاغاپتاي بالتأكيد على أن ذلك يمكن أن "يحسن بيئة الاستثمار في تركيا ويحقق المزيد من النمو".