مصدر رئيس لـ10 دول.. ما احتمالات نفاد المياه الجوفية في الشرق الأوسط؟

12

طباعة

مشاركة

في ظل أزمات التغير المناخي وشح الموارد التي يشهدها العالم، بدأ الخبراء في تسليط الضوء على واحد من أهم الموارد الطبيعية، وهو المياه الجوفية.

وبما أن المياه الجوفية مياه عذبة مخزنة في أعماق الأرض، فهي أقل تأثرا بالجفاف والحرارة.

كما أنها تعد أهم مصادر المياه العذبة بالنسبة لـ10 دول على الأقل في المنطقة، وفقا لتقرير صادر عن لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا)، عام 2020.

غير مرئية

وقالت صحيفة "دويتشه فيله" الألمانية، إن "المياه الجوفية تعد المكون غير المرئي المسؤول عن الكمية القياسية لحصاد محصول القمح لعام 2023 في العراق، البلد المعروف بأنه واحد من أكثر دول العالم عرضة للجفاف والتأثر السلبي بتغير المناخ".

وأضافت أن "المياه الجوفية ساهمت كذلك في الحفاظ على مساحات شاسعة من واحات النخيل في تونس، والإبقاء على الزراعة مزدهرة في اليمن رغم ظروف الحرب، فضلا عن توفير المياه للمدن الساحلية في ليبيا".

وأردفت: "لكن دور المياه الجوفية أصبح مهما بشكل متزايد في الآونة الأخيرة".

وعزت ذلك إلى أن "التغيرات المناخية تتسبب في ضعف هطول الأمطار في المنطقة، وجفاف المزيد من الأنهار والبحيرات في فصل الصيف الحار".

ووفقا للباحثة في المعهد الألماني للتنمية والاستدامة،  أنابيل هودرت، فإن "الوعي يتزايد أخيرا بأهمية المياه الجوفية وضرورة التعامل معها كمورد حيوي مهم".

وأوضحت هودرت أن "الناس لم يكونوا يفكرون من قبل في الأمر كثيرا، لأنهم لا يستطيعون رؤية المياه الجوفية بأعينهم، لكن على العكس من ذلك، عندما كانوا يرون انخفاض منسوب النهر بشكل كبير، فإنهم يتفاعلون على الفور".

بدوره، حذر محمد محمود، مدير برنامج المناخ والمياه في معهد الشرق الأوسط للأبحاث الذي يتخذ من واشنطن مقرا له، من أن "الضغط على المياه الجوفية في منطقة الشرق الأوسط آخذ في الازدياد".

وأشار إلى أن "المياه الجوفية مورد طبيعي معقد، حيث إن إدارة مخزون المياه الجوفية يعتمد على نوع التربة أو الصخور المخزنة فيها، ومدى عمقها، وكيفية تدفقها، وكيفية اتصالها بالمياه السطحية القريبة للأنهار والبحيرات، وما إن كانت المياه الجوفية تأتي من مصادر متجددة أو غير متجددة".

وتفيد الصحيفة الألمانية أن جزءا كبيرا من المياه الجوفية، في الشرق الأوسط، تراكم تحت الأرض على مدى آلاف السنين، وهو ما يشار إليه باسم "المياه الجوفية الأحفورية"، مؤكدة صعوبة تجدد هذه المياه مرة أخرى بذات السرعة التي تُستهلك به.

قصور متعمد

وفي السياق، أوضح مدير المشاريع في المركز الاستشاري لسياسة المياه الجوفية التابع للمعهد الفيدرالي لعلوم الأرض والموارد الطبيعية في ألمانيا، رامون برينتفهرر، أن "رواسب المياه الجوفية الأحفورية توجد تحت أعماق كبيرة في باطن الأرض، وهي بالكاد قابلة للتجدد عبر أزمان طويلة".

لكنه حذر هو الآخر من أن "طبقات المياه الجوفية هذه تستهلك بمستويات مرتفعة للغاية خلال العقود الأخيرة".

ولفت في ذات الوقت إلى أن "بعض مصادر المياه الجوفية تمتلئ بانتظام، من خلال هطول الأمطار على سبيل المثال".

واستدرك: "ولكن حتى لو كانت موارد المياه الجوفية متجددة، يجب على كل من يستخدمها توخي الحذر للحفاظ على التوازن؛ فلا ينبغي سحب كميات مياه أكبر من إمكانية تجدده".

وهنا تحذر المنظمات ذات الاختصاص، مثل "الإسكوا"، من أن هذا التوازن المطلوب قد يتعسر أن يكون مستداما في الشرق الأوسط.

في الوقت ذاته، من الصعب أيضا قياس حجم الخلل الذي قد يكون موجودا بالفعل، أو معرفة الكيفية المثلى للتعامل معه حال وجوده، وفقا للصحيفة الألمانية.

ولعل أحد أسباب هذه الصعوبة، أن الدول لديها طرق ومقاييس مختلفة ومتعددة لقياس مستوى المياه الجوفية، وأن الأوضاع السياسية والاقتصادية في دولة معينة قد لا تسمح بإنفاذ هذه المقاييس في بعض الأحيان، كما هو الحال في دولة مثل اليمن، التي بات قياس منسوب المياه الجوفية فيها أكثر صعوبة بسبب سنوات الحرب.

لكن من جهة أخرى، استدركت الصحيفة: "يبدو أن دولا أخرى، مثل السعودية، تدرك جيدا منسوب المياه الجوفية لديها، وتقدر أهميته بشكل كبير".

ودللت على ذلك بما قررته السعودية عام 2018، حين أوقفت برنامج التوسع الزراعي الذي بدأ في السبعينيات.

وكانت المملكة تعتمد على استخدام المياه الجوفية لزراعة القمح، لكن أُنهي البرنامج "لأنهم على ما يبدو كانوا يخشون نفاد مخزون المياه الجوفية الخاص بهم"، حسب الصحيفة الألمانية.

وألمحت إلى أن "دول الخليج الغنية -مثل السعودية- يعرفون مواردهم المائية جيدا، لكنهم لا يتيحون هذه البيانات بشفافية".

أما في الأردن، على سبيل المثال، أفادت الصحيفة أن "حالة ومنسوب المياه الجوفية معلوم لدى المسؤولين، لكن هناك قصورا في إنفاذ اللوائح المتعلقة باستخدام هذا المورد في الزراعة".

وفي هذا السياق، قالت الخبيرة، أنابيل هودرت، إن "العديد من دول الشرق الأوسط لديها بالفعل لوائح بشأن استخدام المياه، لكن في بعض الأحيان يكون لديهم إشكاليات في إنفاذ هذه اللوائح".

احتمالية النفاد

وبناء على ما سبق، "إذا لم يتعرف أحد بالفعل على مقدار المياه الجوفية المتبقية، في ذات الوقت الذي يتزايد فيه الاستهلاك، فهل هناك احتمال لنفاد المياه الجوفية في الشرق الأوسط؟" تساءلت الصحيفة.

ولفتت إلى أنه "يمكن قياس مستوى المياه الجوفية من الفضاء بمساعدة الأقمار الصناعية، مثل تجربة وكالة ناسا بالقمر الصناعي (GRACE)".

وأفادت أن البيانات الأخيرة التي جمعت بواسطة القمر الصناعي (GRACE) أظهرت أن المياه الجوفية في المنطقة قد استنفدت بشكل كبير خلال العقد الماضي.

كما أخبرت الإسكوا التابعة للأمم المتحدة أن العديد من طبقات المياه الجوفية المحلية يتم تجفيفها بالفعل بشكل أسرع مما يمكن إعادة ملئه.

وعقبت الصحيفة: "ومع ذلك، ورغم هذه التحذيرات، فلا أحد يعرف حقا ما إن كان الشرق الأوسط ستنفد مياهه الجوفية أم لا، وفي حال النفاد، فلا أحد يعلم أيضا متى يكون ذلك".

وفي السياق، قال يوسف بروزين، الممثل الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المعهد الدولي لإدارة المياه، وهو منظمة بحثية مقرها سريلانكا، إن "المياه الجوفية جزء من نظام معقد يتفاعل مع أنظمة طبيعية أخرى"، في إشارة إلى أن تعقد هذا النظام يسبب هذه الضبابية في المعلومات الدقيقة حول المياه الجوفية.

وأضافت الصحيفة سببا آخر تعزو إليه صعوبة تحديد منسوب المياه الجوفية، وهو أن "المياه لا تحترم الحدود الوطنية".

وتقدر الإسكوا أن هناك 43 طبقة مياه جوفية عابرة للحدود في المنطقة.

ومع ذلك، نقلت الصحيفة عن تقرير الإسكوا عام 2021، الذي رأت فيه أن القليل من البلدان في الشرق الأوسط لديهم ممارسات "كافية" لإدارة المياه الجوفية.

وحول المياه العابرة للحدود، ذكرت الصحيفة أن ليبيا وتونس والجزائر يشتركون في حوض المياه الجوفية. 

وحسب التقارير الحديثة، تدير ليبيا نحو نصف الآبار المستخرجة من هذا الحوض، أي نحو 6500 بئر، في حين لا تملك تونس والجزائر سوى عدد أقل من ذلك بكثير.

ورغم الخلافات الموجودة بين الدول بسبب حصص المياه الجوفية، يرى بروزين أن هناك سببا يدعو للتفاؤل، حيث يعتقد أن بعض الدول مستعدة لتوحيد قواها حين يتعلق الأمر بإدارة المياه.

وختم بروزين حديثه للصحيفة الألمانية بالقول: "يكمن التحدي في تحقيق التوازن بين المصالح قصيرة الأجل، والتي غالبا ما تكون خاصة ومحدودة، مع المصالح الاجتماعية والبيئية طويلة الأجل".