الاشتباكات بين "حزب الله" والقوى المسيحية.. كيف تؤثر على رئيس لبنان المرتقب؟

12

طباعة

مشاركة

تسببت حادثة انقلاب شاحنة أسلحة لحزب الله على الطريق الرئيس في "الكحالة" قرب بيروت في وقوع اشتباكات مع أهالي تلك البلدة ذات الأغلبية المسيحية المارونية، كادت تودي بالبلاد إلى مواجهة أهلية طائفية.

وقتل شخصان، في 9 أغسطس/آب 2023، بإطلاق نار وسط لبنان عقب انقلاب شاحنة محملة بالذخائر تابعة لـ "حزب الله".

وكانت الشاحنة محملة بصناديق ذخيرة حربية انقلبت في بلدة الكحالة (وسط) ذات النفوذ لحزبي "القوات" و"الكتائب" (مسيحيان) المعارضين لـ"حزب الله".

وتبادل حزب الله والمسيحيين الموارنة في البلدة، الاتهامات، وقال الأول إن أهالي "الكحالة" هم من بدأوا الاشتباك بإطلاق النار على الشاحنة كي لا تمر في بلدتهم.

ورد الموارنة باتهامات طائفية لحزب الله وأنه يسعى لفرض أجندته هو وإيران على مسيحيي لبنان، ما أثار مخاوف من أجواء حرب طائفية، قد تغذيها حالة الشلل التي تعيشها البلاد سياسيا واقتصاديا.

وعاد الحديث عن ما يسمي "الغطاء المسيحي" لحزب الله، وكيف يمكن لهذه الحادثة أن تنهي التقارب بين الطرفين، خصوصا أن شهر العسل بينهما يكاد يصل نهايته في ظل عدم توافق الطرفين علي رئيس جديد "ماروني" للبلاد.

وكان حزب الله متحالفاً مع التيار الوطني الحر، الذي يمثل طيفاً واسعاً من الطائفة المارونية المسيحية، إلا أنه بعد انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون في أكتوبر/تشرين الأول 2022، وذهاب البلاد إلى فراغ رئاسي، لم يتوافق الحزب والتيار على مرشح رئاسي حتى الآن.

وظهرت خلافات متكررة بينهما، أدت إلى دعم كل منهما مرشحا مختلفا، ثم جاءت حادثة الكحالة، ليجري الحديث عن انفصال محتمل وتوقعات أن تتسبب الحادثة في خسارة حزب الله للغطاء المسيحي الذي كان متوافقاً معه منذ سنوات.

الغطاء المسيحي

عقب التحالف بين التيار المسيحي الماروني بزعامة ميشال عون رئيس "التيار الحر" وقتها، وحزب الله عام 2016، والذي نتج عنه تصعيد الرجل المذكور رئيسا للبنان حتى عام 2022، انتقدت أطياف لبنانية مختلفة، ما أسمته توفير "غطاء مسيحي" لسلاح الحزب. 

عدوا الدخول في حلف من هذا النوع هدفه "الذهاب إلى النهاية في لعبة الانتقام من الدروز والسنّة اللبنانيين، ومن (رئيس الوزراء الأسبق) رفيق الحريري تحديداً"، بحسب الكاتب "خير الله خير الله" في موقع "أساس ميديا" 13 أغسطس 2020.

وعقب انفجار ميناء بيروت 4 أغسطس 2020، الذي طال مناطق المسيحيين في بيروت خصوصا، وجه البعض أصابع الاتهام لحزب الله بتخزين أسلحة فيه وتسببه بالحادثة.

وحين أدى هذا لاحقا لتمييع التحقيقات حول الحادث، عاد الحديث عن جدوى "الغطاء المسيحي"، ودوره في حماية "حزب الله" ومن تسببوا في كارثة المرفأ، من المساءلة.

مع هذا، انتقد سياسيون -من بينهم حزب الله وحركة أمل (الثنائي الشيعي في لبنان) -طريقة إدارة القاضي طارق بيطار للتحقيق حول انفجار مرفأ بيروت، متخوفين من أن يصبح هذا الملف ذريعة للمواجهة بين القوى الشيعية وحزب القوات اللبنانية المسيحي.

لذلك يعبّر مصطلح "الغطاء المسيحي" في القاموس السياسي اللبناني عن تحالفات حزب الله مع الأحزاب المسيحية، وعلى رأسها التيار الوطني الحر، الذي أسسه ميشال عون، ويرأسه، جبران باسيل، لصبغ شرعية على سلاح الحزب.

وأهمية هذا الغطاء بالنسبة للحزب، أنه أبعد الصبغة المذهبية عن تواجده المسلح، وأعطاه بُعدا وطنيا، لا سيما حين كان يخوض اشتباكا سياسيا وعسكريا مع تيارات أخرى خاصة السّنة في لبنان، ولاحقا في سوريا مع نظام بشار الأسد ضد شعبه.

والتحالف بين حزب الله وتيار "عون" الماروني له جذور تاريخية ترجع إلى اتفاق "مار مخايل" عام 2006.

وهذا الأخير هو تفاهم سياسي بين الحزب والتيار الوطني الحر، حين كان الحزب المسيحي الأكثر انتشارا وتمثيلا في لبنان في ذلك الحين.

وقد خدم هذا "الغطاء المسيحي" مصالح حزب الله لعدة سنوات، في الحرب مع إسرائيل، عام 2006، وحرب الداخل (7 مايو/أيار 2008 والتي قتل فيها العشرات باشتباكان بين الحزب والدولة)، والحرب الخارجية في سوريا.

إلا أنه منذ عام 2019 بدأت أولى مظاهر انكشاف الغطاء المسيحي عن حزب الله بعد الانهيار المالي والانتفاضة الشعبية التي شهدها لبنان.

وبدأ المجتمع المسيحي، خصوصا، يبدي نقمة عارمة على صيغة الحكم القائمة التي تجعل لحزب الله هيمنة سياسية.

كما أنه ينتقد "الأثمان التي دفعها لبنان في علاقاته الدولية والعربية واقتصاده وأمنه نتيجة سلوك "حزب الله" المدعوم من إيران.

وتزايد الانفصال عقب الاشتباكات التي جرت بين جنود حزب الله ومليشيا مارونية في بلدة "الطيونة" المسيحية نوفمبر/تشرين الثاني 2021، ثم بلدة "الكحالة" أخيرا، واتسع افتراق الطرفين.

الحرب الأهلية

تصاعد النقمة المسيحية أكثر ضد حزب الله، ساعد فيها عدم تقديمه تنازلات لتمرير مرشح ماروني لرئاسة الجمهورية يمكن أن يلعب دورا حاسما في إخراج البلاد من أزمتها المركبة بين السياسية والاقتصاد.

مسؤولون في المعارضة المسيحية، بدأوا يتحدثون عن أن حادثة الكحالة، بددت فُرص القبول بمرشح حزب الله للرئاسة، سليمان فرنجية كليا، حتى ولو شمل ضمانات بتلبية مطالب سياسية.

النائب زياد الحواط عضو تكتل "الجمهورية القوية" الذي يرأسه زعيم "حزب القوات اللبنانية" سمير جعجع، أكد أن المواجهة مع الحزب الشيعي "أصبحت علنية، وسنقوم بكل ما يلزم لمنع وصول رئيس للجمهورية من محور الممانعة".

قال في حديث تلفزيوني إن على حزب الله أن يفهم أن سلاحه "أصبح بلا بيئة حاضنة له، كما أنه لا يمكنه أن يفرض السيطرة والهيمنة بقوة السلاح"، بحسب صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية 12 أغسطس 2023.

أيضا هاجم رجل الدين المسيحي الكبير البطريرك بشارة بطرس الراعي، في خطبة يوم 13 أغسطس 2023 سلاح حزب الله، ودعا إلى "سيطرة الدولة على الأسلحة".

وقال "الراعي"، في إشارة على ما يبدو إلى ترسانة حزب الله: "لا يمكن العيش على أرض واحدة بها أكثر من دولة وجيش شرعي وأكثر من سلطة وسيادة".

وكانت 7 أحزاب وقوي مسيحية اجتمعت لإدانة ما جرى في بلدة "الكحالة" منتقدة في بيان، سلاح حزب الله و"دويلته" في مواجهة "الدولة" اللبنانية، وحذرت من "حرب أهلية".

الأحزاب، وهي: «الكتلة الوطنية»، «تقدم»، «خط أحمر»، «لقاء الشمال 3»، «تيار التغيير في الجنوب»، «ائتلاف انتفض للسيادة للعدالة» (طرابلس) و«عكار تنتفض»، وصفت عدة أحداث من هذا النوع بأنها تطور سياسي وأمني خطير.

قالت إن هذا "يجعل من كل منطقة وقرية في لبنان هدفاً للاستباحة ودرعاً بشرياً يتلطّى خلفه سلاح (حزب الله) وكل سلاح خارج سلطة الدولة والمتنقل بين البيوت والمدن والمرافئ".

طالبت بكشف "مصدر هذا السلاح (الذي انقلبت به الشاحنة في البلدة المسيحية) ووجهته وأهداف استعماله وصولاً إلى توقيف المعتدين والمتورّطين كافة وسوقهم إلى العدالة".

وبينت أن "منطق الفرض والقوّة الذي يمارسه (حزب الله) بحق جميع اللبنانيين يشكل تهديداً لمشروع بناء الدولة ومنع قيامها، ويزيد خطر الانزلاق إلى مزيد من الفتن وتعميق الانقسام الداخلي، ويُحيي هواجس الحرب الأهلية".

ورأت الأحزاب أن "استمرار تعطيل انتخاب رئيس الجمهورية وكذلك الأحداث الأمنية يؤكد أن مواجهة سعي (حزب الله) لتكريس الهيمنة، قضية تعني المجتمع اللبناني كله ومصالحه الوطنية"، متهمة الحزب بأنه لا يهتم سوى بـ "مصالح محوره الإقليمي"، في إشارة لإيران وسوريا.

ملف الرئاسة

ويقول المحلل السياسي اللبناني ربيع دندشلي، إن التيار الوطني الحر (الماروني) الذي سارع لشجب "ما افتعله حزب الله"، كان يسعى إلى إعادة الاتفاق مع الحزب بشأن اختيار رئيس البلاد، ولكنه الآن قد يعيد النظر بكل هذا التقارب.

أوضح أن "ما جرى قد يكون جزءاً من استهداف هذا التقارب بين باسيل وحزب الله، لأن أي توتر أو اشتباك مسيحي – شيعي سيؤدي إلى توقف هذا المسار، في ظل تنامي جو مسيحي عارم مناهض للحزب"، وفق ما نقل موقع "عربي بوست" 12 أغسطس 2023.

وتابع المحلل اللبناني أن "المعركة التي حدثت في منطقة "الكحالة" في جبل لبنان، كشفت أن حزب الله خسر الغطاءين السني أولا عبر خروج سعد الحريري من السلطة، والمسيحي ثانياً".

ومع هذا تتجه الأنظار إلى شهر سبتمبر/أيلول 2023، حيث يعود جان إيف لودريان موفد الرئيس الفرنسي الخاص بلبنان، لعرض صياغة للحوار بين القوى السياسية بعد جولتين سبق وأجراهما إلى لبنان من أجل التوصل إلى حل للأزمة الرئاسية.

وفيما تأتي هذه التطورات في ظل صراع سياسي على ملء فراغ رئاسة الجمهورية، يرشح فيه حزب الله، سليمان فرنجية، للمنصب، بعكس رغبة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل.

ومنذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون، فشل البرلمان 12 مرة في انتخاب رئيس على وقع انقسام سياسي يزداد حدة بين حزب الله المدعوم من إيران بالمال والسلاح وخصومه.

ويريد حزب الله زعيما للدولة "مطمئنا للمقاومة" بينما يرغب خصومه في رئيس "سيادي وإصلاحي وإنقاذي".

ومن هنا فإنه لا يحظى أي فريق سياسي بأكثرية تمكنه منفردا من إيصال مرشحه إلى المنصب، الأمر الذي فتح الباب أمام لعبة طرح الأسماء المرشحة للرئاسة وحرقها بناء على ما يمتلكه كل طرف من ثقل في التصويت داخل مجلس النواب.

ولكن، يبدو أن التيار الوطني قد يستغل حادثة "الكحالة" للضغط على حزب الله لتقديم تنازلات وتجديد التفاهمات والتحالفات على الساحة المسيحية، وحلحلة الملف الرئاسي، لضمان بقاء شكلي لهذ الغطاء المسيحي لسلاح الحزب حسبما يرى محللون.

يرجح هذا الخيار، الباحث بالشأن اللبناني محمد قليط، الذي يؤكد أنه كي يظل حزب الله محافظا على الغطاء المسيحي سيضطر للتجاوب مع مساومات محتملة من التيار الوطني الحر الماروني، ليحصل على مكاسب سياسية.

قال لموقع "الحل نت" 14 أغسطس 2023، إنه بالرغم من أن حزب الله لا يزال متمسكا بجبران باسيل الحليف اللدود لهم، فإن الأخير لم يقدم الغطاء السياسي للحزب في حادثة الكحالة منعا للإحراج أمام جمهوره.

وقد تفهّم حزب الله ذلك طالما أن الأمر لا يعيق المحادثات الحاصلة بين الطرفين حول منصب الرئاسة، وفق تقديره.

وحذر التيار الوطني الحر، بزعامة جبران باسيل من أن حادثة الكحالة "جرس إنذار لخطر وشيك يتمثل في انهيار دولة ومجتمع متشنج" وسببه "عيوب من حزب الله أو الأجهزة الأمنية".

لكن التيار أكد رفضه أي محاولة لاستغلال الوضع لإحداث "فتنة ترقى إلى حد الانتحار الجماعي"، في إشارة للحرب الأهلية.