صحيفة ألمانية: سلبية النظام الأميركي السبب في إعادة إحياء نظام الأسد
مع تصاعد موجة تطبيع العلاقات بين الدول العربية والنظام السوري، والتي تركت شعورا بالخيانة بين السوريين في جميع أنحاء العالم، ترى صحيفة ألمانية أن الأمر في الأساس يعود إلى الولايات المتحدة.
وأرجعت صحيفة "القنطرة" الألمانية ما حدث منذ بداية الثورة السورية وما لحق بها من دمار حتى الآن إلى السياسة السلبية للحكومة الأميركية.
وأشارت إلى أن "الموقف السلبي لم يؤد فقط إلى مشاركة روسيا المشهد، بل عزز أيضا التعاون الصيني مع دمشق، وحتى مع المنطقة ككل".
كما ذكرت أن هذا ما يبرر أيضا التوقيع الأخير على الصفقة التي توسطت فيها الصين بين السعودية وإيران.
وفي هذا الصدد، دعت الصحيفة الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة، إلى تغيير إستراتيجيتها إزاء منطقة الشرق الأوسط.
تطبيع غير مفاجئ
وقالت الصحيفة الألمانية إنه عندما أعلنت جامعة الدول العربية في 7 مايو/ أيار 2023 أنها ستعيد دمشق إلى مقعدها، منهية ما يقرب من 12 عاما من العزلة.
أضر هذا القرار بشدة بالثقة في قدرة المجتمع الدولي على ضمان محاسبة نظام الأسد على جرائمه ضد الإنسانية أو المساهمة في حل سياسي للصراع السوري.
ومع ذلك، تشير الصحيفة إلى أن "هذا التطبيع مع نظام الأسد ليس مفاجئا، نظرا لأن حدوثه كان متوقعا منذ بعض الوقت".
ففي السنوات الأخيرة، استكشفت الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية مرارا وتكرارا إلى أي مدى يمكن أن تذهب في استعادة العلاقات مع سوريا، ولاحظت وجود القليل من المقاومة من الولايات المتحدة في هذا الإطار.
وفق الصحيفة، فإن "الأردن، على سبيل المثال، هو أحد القوى الدافعة وراء جهود التطبيع، إلى جانب مصر".
فبشكل مباشر، بعد زيارة قام بها الملك الأردني عبدالله الثاني للولايات المتحدة في يوليو/ تموز عام 2021، بدأ الأردن ببطء في الاقتراب من نظام الأسد.
وبعد ذلك بوقت قصير، عندما توصِّل إلى اتفاق ثلاثي لبناء خط أنابيب عبر سوريا لتخفيف مشاكل الطاقة في لبنان من خلال إمدادات الغاز المصري، نبهت إدارة جو بايدن الأطراف المعنية إلى وجود ثغرة في نظام العقوبات الخاص بها ضد سوريا.
وعزت الصحيفة هذه السلوكيات إلى التراخي في تطبيق العقوبات الأميركية، حيث تقول الصحيفة إن "هذا السلوك يتوافق مع التطبيق الضعيف للعقوبات من قبل حكومة الولايات المتحدة بشكل عام".
فعلى الورق، العقوبات على النظام السوري هي بالتأكيد من بين أقسى العقوبات التي فرضت على أي نظام على الإطلاق، والتي يغذيها بشكل خاص قانون "قيصر" الصادر في يونيو/ حزيران عام 2020.
وبالإضافة إلى العقوبات المباشرة ضد عناصر النظام السوري، تذكر الصحيفة أن "هذا القانون ينص على ما يسمى بعقوبات ثانوية ضد الأطراف الثالثة التي تتعاون مع النظام".
ومع ذلك، فإن تنفيذ قانون "قيصر" معيب بشدة، مما يقوض فعاليته، وفقا للصحيفة.
وعلى الرغم من أن حكومة بايدن ملتزمة رسميا بهذا القانون، تلفت "قنطرة" الألمانية إلى "أنها تبدو مترددة في تحديث قوائم العقوبات وتعديلها باستمرار".
سلبية قديمة
"ومن الجدير بالذكر أن السلبية الأميركية تجاه سوريا يمكن إرجاعها إلى بدايات الانتفاضة الشعبية عام 2011 خلال إدارة أوباما"، وفق الصحيفة.
وتؤكد أنه "بينما كانت واشنطن من بين أوائل الدول التي شددت العقوبات بعد وقت قصير من بدء القمع الوحشي ضد المتظاهرين ، فإنها لم تتابع هذه الإستراتيجية أكثر بعد استخدام الأسد للأسلحة الكيماوية".
وعلى خلفية صدمة حرب العراق والتدخل الفاشل في ليبيا، وكذلك تحت الضغط السياسي الداخلي، والذي بدأ في الظهور حتى قبل عهد دونالد ترامب، توضح الصحيفة أن "الولايات المتحدة قررت أن تتماشى مع الأسد بشأن قضية الأسلحة الكيماوية، بتفاوض مع روسيا".
ولفتت إلى أن هذا حدث حتى بعد تجاوز "الخط الأحمر" الذي أعلنه أوباما، والذي لم يمهد في النهاية الطريق فقط لصعود تنظيم الدولة، ولكن أيضا أتاح الفرصة أمام التدخل العسكري لموسكو، ما ساعد الأسد على تجنب هزيمته العسكرية.
وفي رأي الصحيفة: "لم يؤد الموقف السلبي المتزايد لواشنطن على مر السنين إلى تدخل روسيا عسكريا واقتصاديا فقط، بل عزز أيضا تعاون الصين مع دمشق، وحتى مع المنطقة ككل".
"وقد بلغت السلبية الأميركية ذروتها أخيرا بانضمام سوريا إلى مبادرة طريق "الحرير" الجديد الصينية"، بحسب الصحيفة.
بل إن بعض المراقبين يلومون الولايات المتحدة بشكل غير مباشر على تمكينها وتشجيعها لسياسات بوتين الإمبريالية وتمهيد الطريق في نهاية المطاف أمام المواجهة المباشرة، وهي الحرب في أوكرانيا.
من ناحية أخرى، تذهب الصحيفة إلى أن "التوقيع الأخير على الصفقة التي توسطت فيها الصين بين إيران والمملكة العربية السعودية تعد نتيجة لهذه السياسة الأميركية".
وبينما انتقدت واشنطن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، تقول الصحيفة إن "إدارة بايدن غير قادرة على ثني شركائها الإقليميين عن القيام بذلك".
مرحلة غامضة
ولفتت الصحيفة الألمانية إلى أن نظام الأسد، رغم عودته إلى جامعة الدول العربية ببعض الشروط، لا يزال لا يبدي أي اهتمام بعملية جادة للمصالحة مع المعارضة.
علاوة على ذلك، في خطابه في القمة، شدد على أن "الدول العربية يجب أن تنظم شؤونها الداخلية بنفسها"، في إشارة منه إلى قضية اللاجئين.
وبعد وقت قصير من اجتماع مع وزراء خارجية عرب آخرين في عمان، تذكر الصحيفة أن وزير خارجيته فيصل المقداد، تراجع عن إعلان مشترك لحل الصراع السوري، مدعيا أنه "لا توجد خطط ملموسة في هذا الاتجاه".
كما استبعد المقداد التنازلات على وجه التحديد، على النحو المطلوب بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 لعام 2015، بالإضافة إلى أنه دعا إلى إنهاء العقوبات الغربية.
وبحسب الحقائق المذكورة سابقا، تؤكد الصحيفة على حقيقة أخرى، وهي أن "آمال واشنطن بتغيير موقف نظام الأسد مقابل التطبيع غير مجدية".
وبدلا من تعزيز الاستبداد، وربما الإضرار بصورة لا يمكن إصلاحها أمام أكثر من نصف مليون قتيل وأكثر من 13 مليون نازح وعدد لا يحصى من ضحايا التعذيب، تطرح الصحيفة إستراتيجية شاملة يمكن تنفيذها عبر حلف شمال الأطلسي "ناتو".
وتلفت إلى أن هذه الإستراتيجية، المكونة من أربع خطوات، يجب أن تأخذ الديناميكيات الإقليمية في الحسبان، كما يجب أن تجمع بين الحوافز للحلفاء الإقليميين والضغط الشديد على نظام الأسد.
وكخطوة أولى، ترى الصحيفة الألمانية أن "تنفيذ العقوبات الحالية يجب أن يكون في الأولوية".
وتؤكد أن إقرار "قانون مناهضة التطبيع مع نظام الأسد لعام 2023، والذي لن يلزم إدارة بايدن بتنفيذ قانون "قيصر" فحسب، بل أيضا بتقديم إستراتيجية شاملة ضد جهود التطبيع في الدول الأخرى، سيكون بمثابة خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح".
ثانيا، تعتقد الصحيفة أن "هناك حاجة إلى تنسيق أقوى عبر الأطلسي عند وضع قوائم العقوبات وتنفيذها، بالإضافة إلى نهج منسق لإنشاء آليات سيطرة أفضل وإستراتيجية مشتركة ضد تطبيع نظام الأسد".
ثالثا، بحسب ما طرحته الصحيفة، "يجب منح دول الجوار التي تستقبل لاجئين سوريين مزيدا من الدعم. كما أن التعاون مع الجهات الفاعلة الإقليمية مطلوب أيضا للسيطرة على تجارة مخدر الكبتاغون الذي يعتمد عليه نظام الأسد ماليا.
وتلفت الصحيفة إلى أن هذا من شأنه أن يعالج قضيتين رئيسيتين تزعج الحلفاء الرئيسين في المنطقة.
رابعا وأخيرا، تقول الصحيفة إن "اتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه إيران، بهدف إضعاف نفوذها، قد يؤدي إلى تخفيف التوترات الإقليمية".
وفي النهاية، تشدد الصحيفة على أن "الوقت قد حان لأن تعود إدارة بايدن وحلفاؤها إلى دور أكثر نشاطا فيما يخص السياسة الخارجية لحقوق الإنسان".