إغلاق الصنبور.. ما رسائل أميركا من تضييق الخناق على شركات صرافة النظام السوري؟
مع تأكيد الولايات المتحدة على عدم تقديمها أي تنازلات في عقوباتها المفروضة على النظام السوري، تمضي واشنطن أكثر فأكثر في تضييق الخناق على شركات الصرافة والحوالات التابعة للنظام والتي تشكل مصدر تمويل أساسي له عبر أذرعها في الدول.
وضمن مواصلة واشنطن تجفيف المنابع المالية لنظام الأسد، أدرج مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية في 30 مايو/أيار 2023، شركتي "الفاضل" و"الأدهم" للخدمات المالية والصرافة والحوالات على قائمة العقوبات بموجب "قانون قيصر".
خرق العقوبات
وقال مكتب مراقبة الأصول الأجنبية إن الشركتين انتهكتا العقوبات الدولية وساعدتا سرا النظام السوري و"حزب الله" اللبناني على إمكانية الوصول إلى النظام المالي الدولي.
وأوضح وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، بريان إي، أن الولايات المتحدة "ستواصل الضغط من أجل الإصلاحات التي من شأنها تحسين ظروف الأشخاص الذين يعيشون في ظل الأسد، ومحاسبة أولئك الذين يمكنون النظام المستمر من قمع شعبه".
ووفق قرار مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، فإن شركة "الفاضل للصرافة" ومقرها دمشق، سهلت المدفوعات من النظام السوري إلى المسؤول المالي في "حزب الله"، المدرج على قائمة الإرهاب الأميركية، محمد قاسم البزال، مقابل شحنات النفط الإيراني، بدءا من منتصف عام 2021.
كما سهلت تحويلات بملايين الدولارات إلى حسابات في "مصرف سورية المركزي"، المصنف من قبل الولايات المتحدة على قائمة العقوبات، في حين استخدم "حزب الله" الشركة لتحويل الأموال من دول أخرى في المنطقة إلى سوريا.
وأشار المكتب إلى أن نظام الأسد و"حزب الله" يجمعان العملات الصعبة من خارج سوريا، ويستخدمان شركة "الفاضل" لتحويل تلك الأموال إلى مصرف سورية المركزي.
وجرى تصنيف شركة "الفاضل للصرافة" وفقا لنظام العقوبات الأميركي، لمساعدتها المادية أو رعايتها أو تقديمها دعما ماليا أو ماديا أو تقنيا أو سلعا أو خدمات لدعم مصرف سورية المركزي.
و"الفاضل للصرافة" شركة خدمات مالية وصرافة وتحويل أموال داخل سوريا، مرخصة من قبل "مصرف سورية المركزي" عام 2015 بموجب قانون ترخيص المؤسسات المالية، ولها عشرات الفروع في الداخل ولبنان وتركيا.
ويملك الشركة الأشقاء فاضل ومطيع ومحمد بلوي، التي أجرت تسهيلات مالية نيابة عن "حزب الله" ومصرف سورية المركزي، ونقل الأشقاء الثلاثة مليارات الدولارات إلى داخل سوريا في العام 2022 نيابة عن النظام.
وسهلت شركة "الأدهم للصرافة" ومقرها دمشق، تحويلات بقيمة ملايين الدولارات منذ العام 2021 إلى حسابات في مصرف سورية المركزي، تفيد بشكل مباشر حكومة النظام.
ومنذ أواخر العام 2022، حولت الشركة الأموال بانتظام إلى الخارج لصالح "مصرف سورية المركزي"، وفق مكتب مراقبة الأصول الأجنبية الأميركي.
الحوالات كشريان
ومعظم السوريين بمناطق النظام والمعارضة يعتمدون على أكثر من مصدر لمحاولة الموازنة بين الدخل والمصاريف، وأبرز تلك المصادر الحوالات المالية من مغتربين خارج سوريا، والاعتماد على أعمال أخرى، فضلا عن استغناء العائلات عن أساسيات كثيرة في حياتها لتخفض من معدل الإنفاق الشهري.
وتلجأ شريحة كبيرة من السوريين في مناطق سيطرة النظام إلى سماسرة الحوالات في السوق السوداء، لاستلام حوالاتهم بسعر أفضل من السعر المطروح في مكاتب الصرافة المرخصة.
لكن مع ذلك هناك خشية لدى المواطنين من اللجوء لشبكات السماسرة تلك، تجنبا لأية مخاطر أمنية، نظرا لأن النظام يعد التعامل مع تلك الشبكات "مخالفا لقانون يجرم التعامل بغير الليرة السورية".
وفي 18 يناير/ كانون الثاني 2020، أصدر رئيس النظام، المرسوم رقم "3" الذي يقضي بتشديد العقوبات على المتعاملين بغير الليرة كوسيلة للمدفوعات، حيث ينص المرسوم على معاقبة الشخص "بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدة لا تقل عن سبع سنوات".
لكن "المصرف المركزي السوري" سمح في أبريل/نيسان 2021، لشركات الصرافة بتسليم حوالات التجار والصناعيين بالدولار، وهذا لا يشمل المواطنين ويقول اقتصاديون إن قيمة حوالات السوريين من الخارج تصل إلى 2 مليار دولار سنويا.
وأمام ذلك وفي ظل العقوبات الغربية على النظام عقب عام 2011 لقمعه الثورة، وجد النظام في الحوالات المالية "مصدرا بديلا" لتحصيل النقد الأجنبي، بعدما حرمت البنوك في مناطقه من الوصول إلى النظام المالي العالمي وسط حالة انهيار غير مسبوق لليرة السورية.
لكن الحوالات المالية القادمة من الخارج إلى مناطق النظام تسلك طريقا طويلا لا يخلو من الصعوبات والمعوقات التي تتركز في معظمها على قضم نسب من تلك الأموال لحساب شركات الصرافة، في حين ينتهي المطاف بتلك الحوالات في خزينة النظام، وفق موقع "اقتصادي" المعارض.
وأضاف الموقع في تقرير نشره في 25 مايو/أيار 2023، بأن شركات الحوالة العاملة في مناطق النظام السوري باتت محدودة بعدة شركات وهي الفاضل والمتحدة والهرم، بعد إغلاق النظام معظمها، وتشدده بالسياسات النقدية بحجة مكافحة التضخم.
بينما السبب الحقيقي هو خلاف بين تيار رامي مخلوف ابن خال رئيس النظام ومدير منظومته المالية السابق، وتيار زوجة الأسد (أسماء) التي تدير "اقتصاد الحرب" من داخل القصر الجمهوري بدمشق.
وفي 18 ديسمبر/كانون الأول 2000، تزوجت أسماء الأخرس من بشار الذي ورث الحكم عن أبيه منذ 17 يوليو/ تموز من العام نفسه، وهي من مواليد لندن عام 1975، وتحمل الجنسية البريطانية، وتنحدر من عائلة سنية من مدينة حمص، لكن والدها فواز عاش في المملكة المتحدة ويحمل إجازة في الطب.
وحصلت أسماء على شهادة البكالوريوس في علوم الكمبيوتر من كلية "الملك" التابعة لجامعة لندن عام 1996، وتدربت على العمل المصرفي في نيويورك.
مصدر للعملات الأجنبية
ولشركة "الهرم" التي تأسست عام 2007 ويقال في الأوساط الاقتصادية أنها تحظى بتغطية من ماهر الأسد شقيق بشار، 125 فرعا في مختلف المحافظات السورية، كما أنها أصبحت وكيلا حصريا لتسليم مدفوعات بعض المنظمات الدولية الناشطة في مناطق سيطرة النظام، ومنها وكالة "الأونروا".
ويوجد في مناطق الشمال السوري الخارجة عن سيطرة النظام شركات وسيطة تتقاضى نسبا على الحوالات القادمة من الخارج، لا تتجاوز الـ1 بالمئة أيضا، بينما يصب دولار الحوالات في نهاية المطاف في يد النظام الذي يمنح شركات الحوالات في مناطقه ربحا بقيمة 15 بالمئة.
ويستفيد نظام الأسد من الحوالات القادمة عبر شركات الصرافة والحوالات المرخصة في مناطق سيطرته، لأن تسليم الحوالة يجري بالليرة، فيما تذهب الدولارات إلى "مصرف سورية المركزي".
كما يلزم "مصرف سورية المركزي"، المستوردين بتمويل صفقاتهم بالقطع الأجنبي، عبر قنوات محددة، أبرزها شركات ومكاتب الصرافة المرخصة.
ويسهم نشاط شركات الحوالات في مناطق النظام، بضخ سيولة القطع الأجنبي لدى أذرعه المالية التي تشكل تلك الشركات سندا قويا لاقتصاده شبه المنهار.
فبحسب ما قال أستاذ النقد والمصارف في جامعة دمشق، علي كنعان، لصحيفة "الوطن" الموالية، في 21 أبريل/نيسان 2023، فإن قيمة الحوالات الخارجية تقدر بنحو 5 لـ7 ملايين دولار، ووصلت إلى 10 ملايين دولار في اليوم.
ونوه كنعان إلى أن "هذا الرقم يؤمن للاقتصاد الوطني إمكانية تمويل المستوردات الأساسية، أو سداد الالتزامات المالية المترتبة، كما أن الناتج المحلي الإجمالي بحاجة كبيرة للقطع الأجنبي إما لاستيراد المواد الأولية أو لاستيراد الآلات والتقانات اللازمة للاستثمار".
وأضاف كنعان أن "العمالة التي هاجرت عقب عام 2011 "حصلت على مواقع معينة في الاقتصاديات العربية والأجنبية، وأصبح لديها مصدر دخل جيد، وبالتالي يقوم هؤلاء العاملون بإرسال حوالات لذويهم في الداخل السوري، وهو مورد لا يستهان به في الظروف الحالية لكون هذه المبالغ تجاوزت أرقاما كبيرة".
ومع إدراك النظام السوري إلى إحجام المواطنين في الخارج عن تحويل أموالهم عبر القنوات الرسمية الحكومية، على تقدير أنهم يخسرون نصف قيمة الحوالة وفق أسعار البنك المركزي، يضطر هؤلاء إلى التحويل عبر السوق السوداء.
إلا أن "مصرف سورية المركزي" وفي محاولة منه للسيطرة على السوق السوداء، فقد لجأ لرفع سعر صرف الدولار أمام الليرة لديه من 7800 ليرة إلى 8100 بمعدل ارتفاع ثلاثمئة ليرة في 17 مايو/أيار 2023.
وكان المصرف المركزي يتدخل بانتظام لبيع الدولار إلى شركات ومكاتب الصيرفة، لكنه أصبح خلال السنوات الأخيرة عاجزا عن هذه الخطوة بسبب نقص احتياطي العملات الأجنبية لديه.
وأعلن البنك الدولي في 20 أبريل 2016 انهيار احتياطي "المصرف المركزي السوري" من العملات الأجنبية بحيث تراجع من 20 مليار دولار قبل عام 2011 إلى 700 مليون دولار.
رسائل أميركية
وانخفض سعر الليرة إلى 9 آلاف للدولار الواحد خلال مايو/أيار 2023 لأول مرة في تاريخها، مما يشكل انخفاض قيمة العملة السورية دليلا ملموسا على الاقتصاد المنهك لنظام الأسد، في ظل تقلص المداخيل والإيرادات وانخفاض احتياطي القطع الأجنبي لديه.
ويقول مصرفيون إن البنك المركزي السوري أحجم عن مواصلة التدخل القوي لدعم الليرة الذي يعتقد أنه قام به فقط في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2011.
وكانت الخزانة الأميركية عاقبت عام 2016 عددا من الأفراد والشركات التي تشارك في عمليات تحويل الأموال الدولية، كشركة "مونيتا" للصرافة وتحويل الأموال، لقيامها بتحويل قيمة مشتريات لصالح حكومة نظام الأسد.
وحينها طالت العقوبات صرافين حولوا مبالغ مالية بين سوريا وروسيا ولبنان أيضا.
وضمن هذه الجزئية، يرى الباحث والمحلل الاقتصادي، رضوان الدبس، أن "العقوبات هذه تهدف لإغلاق الصنبور لشراء النفط وتحويل الأموال من وإلى النظام السوري وحزب الله والحرس الثوري الإيراني".
وأضاف الدبس لـ"الاستقلال" أن "تلك العقوبات هي رسالة أميركية موجهة إلى دول الخليج العربي وأي دولة عربية تريد إعادة تفعيل العلاقات مع نظام الأسد أو تساعده أو تفكر بإعادة الإعمار في مناطقه".
واستطرد: "واشنطن مستمرة في العقوبات وستبقى عملية الحجز على الأموال والشركات التابعة للنظام السوري، بمعنى أن يصبح لدى تلك الدول نظرة للتوجه الأميركي".
واعتبر الدبس، أن "مثل هذه العقوبات هي نوع من الإنذار الأميركي للدول العربية الراغبة في تعميق علاقاتها أكثر مع النظام السوري عقب إعادته للجامعة العربية التي لم تكن الولايات المتحدة بما في ذلك الاتحاد الأوروبي راضية عن خطوة عودة الأسد للصف العربي".
وجرى إعادة النظام السوري لشغل مقعد سوريا بالجامعة العربية في 7 مايو/أيار 2023، ومشاركته بجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها بعد طرده منها في نوفمبر/تشرين الثاني 2011 لقمعه الثورة التي تفجرت في مارس من العام المذكور، كما حضر رأس النظام بشار الأسد القمة العربية في جدة بتاريخ 19 من الشهر ذاته.
ونوه الدبس، بأن "هناك رسالة أميركية إلى إيران وحزب الله بأن الولايات المتحدة لديها إطلاع كامل على جميع تحركاتهم ومصادر تمويلهم وحركة الأموال التي تغذيهم بطرق التفافية على العقوبات المفروضة عليهما".
بدوره، رأى الباحث في معهد "بروكينغز" في واشنطن، مايك أوهانلون، أن "العقوبات على شركات الصرافة التابعة لنظام الأسد تندرج ضمن الأدوات السياسية للولايات المتحدة المحدودة والتي تؤكد أن من قام بجرائم الحرب في سوريا يدفع الثمن".
وأضاف أوهانلون، خلال تصريحات تلفزيونية في 31 مايو/أيار 2023، أن "محاولات الولايات المتحدة ترمي إلى منع نظام الأسد من استعادة نظامه بشكل كامل".
وختم بالقول: "لكن كل ذلك لا يتعلق بالضرورة بإستراتيجية تؤدي إلى استقرار سوريا، بل هذا التحرك هو مجرد معاقبة لجرائم الأسد ضد الشعب والمنطقة ومنعه من خلق مشاكل إضافية في المستقبل".