من دارفور إلى مالي.. كيف جلب حميدتي مقاتلين أفارقة إلى صفوف الدعم السريع؟
باتت ظاهرة تهافت المقاتلين الأجانب والأفارقة ذوي الأصول العربية على قوات الدعم السريع بارزة بقوة، وتتناقلها الصحف، والخبراء بالشأن السوداني.
وتنضم تلك العناصر إلى قوات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو "حميدتي" في قتالهم الضاري ضد الجيش، الذي بدأ في 15 أبريل/ نيسان 2023.
وتعد هذه القوات تطورا لمليشيا "الجنجويد" التي ظهرت بقوة عام 2003 عندما قرر الرئيس السوداني السابق عمر البشير الاستعانة بهم، لمواجهة التمرد الذي اندلع في دارفور.
لكن جذورهم وامتداداتهم الإثنية أبعد من كونهم قوة عسكرية مؤثرة حاليا، فلم يكن يعلم كثيرون أن هذه المجموعات التي يغلب عليها طابع المرتزقة ستسيطر على الحكم وتكون قوة نافذة تنشر الفوضى بالبلاد في غضون سنوات.
امتدادات الجنجويد
وتحولت المليشيا إلى قوات الدعم السريع، بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي" ابن قبيلة الرزيقات العربية، أحد أهم أفرع "الجنجويد".
وبدأت سطوة تلك القوات عندما انقلب حميدتي على ابن قبيلته قائد "الجنجويد" موسى هلال، ليتزعم تلك المليشيات ويزيد من قوتها ليطلق عليها لاحقا اسم قوات الدعم السريع، وتصبح كيانا مثيرا للرعب في نفوس شريحة كبيرة من السودانيين.
ورغم أن اتهامات عديدة تلاحق "الجنجويد" فإن حميدتي نجح في إلحاقها بالقوات المسلحة السودانية في أغسطس/آب 2013، مع أنها من خارج البنية الهرمية العسكرية التنظيمية.
واليوم أصبحت هذه القوات ملاذا لكثير من العناصر المرتبطة إثنيا بالجنجويد أو الرزيقات، يجري الاستعانة بهم كمقاتلين أجانب من خارج الحدود السودانية.
في 5 مايو 2023 تحدث الصحفي التشادي، سعيد أبكر أحمد، في تغريدة له عن كيفية تفكير العناصر الأجنبية الإفريقية التي تنضم للدعم السريع.
وقال أحمد: "يمثل حميدتي شخصية أسطورية للمضطهدين الذين ينتمون للقبائل العربية من دارفور إلى مالي، لأنهم من وجهة نظرهم وجدوا رجلاً لديه السلاح والمال وبإمكانه أن يمسح عنهم ألم الاضطهاد".
وأردف: "ذلك الشريط من دارفور إلى مالي يحتوي على قبائل مشتركة أغلبها من فرع قبيلة المحاميد المشهورة".
وأضاف: "أنا شاب من تشاد التي فرط السياسيون العرب فيها وبجميع الامتيازات التي أتمتع بها ويقوم النظام بتهميشي وعدم مشاركتي في المنظومة السياسية".
وتابع: "أسمع برجل أسطوري في السودان ينتسب إلى قبيلتي ومن السهل أن أعمل معه لذلك سأهرول إلى السودان حتى أساعده وعندما يتمكن هناك سيقدم لي الدعم ويرد الجميل".
واستشهد الصحفي التشادي بما حدث مع معظم الشباب في النيجر، إذ كانوا ضحية الاجراءات التعسفية للحكومة النيجر ضد العرب بسبب أزمة شح المياه، خلال العام 2022.
وواصل القول: "لأنهم ينتمون إلى المناطق النائية فمن العسير أن يتم استيعابهم في القوات المسلحة أو المؤسسات المهمة في البلاد، لذلك الانطواء داخل الدعم السريع منحهم تدريبا ومكانة جيدة".
كيف يفكر أتباع الدعم السريع ؟
— سعيد أبكر أحمد (@seid22Abkar) May 4, 2023
يظن البعض أن فكرة الدعم السريع مرتبطة بالدعم المالي ، لكن ذلك ليس هو السبب الوحيد للإيمان بفكرة الدعم السريع، كيف يقدم شاب في مالي أو النيجر أو تشاد الولاء لقائد عسكري لا يعرفه وهو في أتم الاستعداد لأن يقدم روحه فداء له دون تردد أو خوف .
استعجال حميدتي
وأورد سعيد أبكر: "لا يخفى على أحد تعقيدات الأزمة في مالي والحروب التي تحدث منذ الستينيات بين القبائل العربية والطوارق (شعب من الرحل يقطنون في مساحة شاسعة من الصحراء الإفريقية) ضد الحكومة المركزية في باماكو".
وأيضا تحدث عن "صعوبة الوصول إلى حل جذري لهذه الأزمة بسبب تعنت الاستعمار الفرنسي وعدم وجود نية حقيقية من الساسة الذين يجدون في هذا الانشطار المجتمعي مطية لأهدافهم"، ورأى أن الحل الأمثل لهؤلاء الانزواء داخل قوات حميدتي.
ثم اختتم: "بلغ الأمر ببعض القبائل غير العربية التي تعاني الاضطهاد أن تذهب من تلقاء نفسها إلى الدعم السريع بحثا عن مكانة لها في حال نجاح المشروع في السودان".
وإن لم ينجح فعلى الأرجح ستكون لهم الكلمة الفصل في إقليم دارفور، مضيفا "لقد استعجل حميدتي في الحرب ولو تريث لجمع خلقا عظميا من الناس".
يذكر أنه في مطلع مايو/ أيار 2022، أطلق حزب "الأمة القومي" السوداني تحذيراته من فتح حدود إقليم دارفور، الواقع في زمام سيطرة قوات الدعم السريع، لمليشيات عسكرية قادمة من غرب إفريقيا.
وقال الحزب في بيان، إن الإقليم يقع ضمن نظام نزاع الحزام السوداني، وهو عرضة للصراع على الموارد محليا ودوليا، خاصة النزاع على الذهب.
وطالب بالتحقيق في تدفق مقاتلين من غرب إفريقيا للسودان، خاصة من الذين كانوا يقاتلون إلى جانب التنظيمات العسكرية المسلحة في النيجر ونيجريا ومالي.
وطالب الحزب باتخاذ إجراءات رادعة وواضحة لمراقبة حدود البلاد مع دول الجوار، وتطبيق معايير التنقل مع تلك الدول.
مسارات المقاتلين
وفي 10 مايو 2023، نشر موقع "الجزيرة نت" تحقيقا لنقيب الصحفيين السودانيين السابق، الصادق الزريقي، أكد فيه "وجود مجموعات عائدة من حرب اليمن واصلت العمل مع قوات الدعم السريع وبقيت في السودان".
وقدرت تقارير عسكرية أوروبية تلك المجموعات بحوالي 18 ألف مقاتل، أصولهم من تشاد والنيجر ومالي وشمال نيجيريا وجنوب ليبيا، وفق التحقيق.
وأضاف: "مناجم الذهب والتعدين الأهلي في كل دول المنطقة جلبت العديد من العناصر المهاجرة وأصبحت من بؤر تجنيد المرتزقة ونفايات الحروب".
وقال: "التشاديون أهم العناصر الوافدة للعمل العسكري، مع الدعم السريع، لأسباب منها التداخل القبلي وتقارب العادات والثقافة المشتركة مع غربي السودان وسهولة الحركة والتسلل ووجود حواضن اجتماعية".
وأتبع: "ولاية ديفا في جنوب شرق النيجر على الحدود مع تشاد، هي منطقة تقطنها قبائل عربية أهمها المحاميد الذين هاجروا عام 1980 إلى هناك بعد الحرب الأهلية في تشاد".
ولفت إلى أن "الفيديوهات المنتشرة أخيرا (لأفراد ضمن قوات الدعم السريع) تنسب لأشخاص من هذه المنطقة، وتوجد مجموعات عربية أخرى، كما يوجد نشاط لجماعة بوكو حرام، التي يذهب عناصر منها لإسناد حميدتي".
وأكمل: "يطلقون على حميدتي لقب القائد، وجميع هؤلاء المقاتلين يعلمون جيدا خطورة الحرب لكنهم يؤمنون بمشروعه لأنه أشهر شخصية ضمن القبائل الإفريقية ذات الأصول العربية، تعلق عليها الآمال وبإمكانها إعادة الأمل والطموح لهم".
الدولة غائبة
وعن توافد المقاتلين الأجانب إلى قوات الدعم السريع على أسس إثنية وقبلية، قال الناشط السياسي السوداني عمر الخضر، في حديثه لـ"الاستقلال"، "إن هذا وضع طبيعي لغياب الدولة واضمحلالها".
وأردف: "نحن اليوم نرى في الخرطوم هؤلاء الأفراد من كل حدب وصوب، من تشاد والنيجر ومالي وتنزانيا وليبيا، جميعهم جاؤوا لأجل رجل واحد هو حميدتي، وصاروا من جنوده، الذين يضرب بهم أهل السودان وبقية الشعب".
وأضاف: "من المفارقات أن القيادي في المعارضة بإفريقيا الوسطى، المعروف باسم عيسى المسيح، الذي يدعو لتأسيس دولة (أريثيا) هناك، جاء إلى السودان مع بداية القتال بين حميدتي والجيش".
وأعلن هذا الشخص انضمامه إلى قوات الدعم السريع لمحاربة الجيش السوداني، في مؤشر على ما وصل إليه حال السودان من سوء وعبث، بحسب الخضر.
وشدد بالقول: "أقل السيناريوهات سوءا أن هؤلاء جميعا يسعون للاستقلال بدولة في الغرب تكون للجنجويد خالصة وللقبائل المشتتة".
فهم يملكون العصبية والجيش والسلاح وكل المقدرات، والفرضية الأكثر تشاؤما هي السيطرة على السودان بأكمله، وتدمير الجيش ومؤسسات الدولة، وإحلالها بدولتهم، ووقتها ستكون الكارثة قد اكتملت على الأمة السودانية بأسرها، وفق تقديره.
واختتم: "لذلك يجب مساندة الجيش ضد قوة الدعم السريع، وإقامة جيش وطني ودولة وطنية لا عصبية فيها ولا ولاء إلا للوطن، وهو ما يجب أن يدركه الفرقاء سواء داخل المكونات المدنية أو الإسلاميين أو أي اتجاه سياسي".
وأشار إلى أن "الفرقة والرؤى القاصرة هي من أوصلتنا لهذه الحالة المعقدة، ووضعت السودان في مفترق طرق، وخيارات صعبة أحلاها مر".