"سيناريو شبيه بالصومال".. تحذير أوروبي من استمرار الحرب المسلحة في السودان
أكدت مجلة "فورميكي" الإيطالية أن روما مدعوة إلى دور فاعل سياسي بالأساس في أزمة السودان الحالية التي تهدد بالانزلاق نحو سيناريو شبيه بما حدث في الصومال خلال تسعينيات القرن الماضي.
والتقت الأطراف المتحاربة لإجراء مباحثات في السعودية على إثر ضغط الوسطاء لإنهاء الصراع الذي "قد يتحول قريبا إلى كارثة جيوسياسية وإنسانية"، تحذر المجلة الإيطالية.
ورحبت السعودية والولايات المتحدة عبر بيان مشترك في 6 مايو/ أيار 2023 ببدء المحادثات الأولية بين ممثلي القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع في مدينة جدة.
وحث البيان كلا الطرفين على استشعار مسؤولياتهما تجاه الشعب السوداني والانخراط الجاد في هذه المحادثات ورسم خارطة طريق للمباحثات لوقف العمليات العسكرية.
ورجحت المجلة الإيطالية أن "يكون هناك بعض التطورات، لكن ليس من الواضح إلى أي مدى سيتم تنفيذ حظر وقف إطلاق النار خاصة مع إعلان الطرفين بحث هدنة لأسباب إنسانية وأنهما لن يشرعا في مفاوضات لإنهاء الصراع".
توازن الميدان
وقالت المجلة إن "القوات المسلحة السودانية سيطرت فعليا على البلد منذ الاستقلال، ولكن السنوات الأخيرة، شهدت صعود مجموعة المليشيات الموجودة في قوات الدعم السريع التي يقودها محمد حمدان دقلو (حميدتي) من حيث الأهمية والأدوار والصلات".
وأضافت "بعد سقوط الرئيس السوداني عمر البشير، قاد الطرفان بطريقة ما عملية الانتقال من خلال إدارة ميزان القوى والأمن الداخلي، لكن كان لكليهما مصالح وطموحات وأهداف مختلفة".
وأشارت فورميكي إلى أن "دمج قوات الدعم السريع في قطاع الدفاع والأمن السوداني، وفقا لخارطة طريق الانتقال إلى حكومة بقيادة مدنية بدعم من المجتمع الدولي، أدى إلى تسريع الخلافات واندلاع الاشتباكات العنيفة".
وأوضح الخبير الإيطالي، المستشار السياسي السابق للاتحاد الأوروبي، في حديثه لمجلة "فورميكي"، أومبرتو تافولاتو، أن "الجيش يملك عدد مجندين أكبر وأصولا أكثر، خاصة الطائرات".
في المقابل، تضم قوات الدعم السريع في صفوفها "عشرات الآلاف من رجال المليشيات في العاصمة والضواحي، يحصلون على رواتب أفضل، كما أنهم أكثر اعتيادا على حرب العصابات بفضل ما اكتسبوه من خبرة ومهارات".
وشرح أن "القوات النظامية تهدف إلى بسط السيطرة الكاملة على الخرطوم وفرض الأمن ونقل الصراع إلى أطراف السودان لسهولة استهداف المليشيات".
"لهذا السبب لا يبدو أن الجيش مهتم بتجميد وقف إطلاق النار، لكن يبقى أن نفهم ما إذا كانوا سينجحون في تحقيق هدفهم "، وفق رأي تافولاتو.
على الطرف المقابل، بيّن أن "قوات الدعم السريع تطمح لاستغلال مهاراتها في حرب العصابات للسيطرة على البنية التحتية الرئيسة للعاصمة، ما قد يؤدي إلى تفكك القوات النظامية".
صومال جديد
وحذر تافولاتو من أن البلاد تواجه وضعا محتملا مشابها للوضع في مقديشو خلال التسعينيات، لذلك قد يؤدي الصدام بين مكونات الأمن الداخلي إلى "انهيار الدولة، وانتشار المليشيات وأمراء الحرب لاحقا، وقد يستغرق الأمر عقودا لإعادة بناء الدولة".
وبحسب رأيه، "ستكون الأسابيع القليلة القادمة حاسمة لفهم إذا ما كان الجيش سيكون قادرا على هزيمة قوات حميدتي بطريقة واضحة ونهائية، أو لفهم إذا ما كانت هناك مساحة لاتفاق يمكن أن يوقف القتال".
وقال إن "هذا الاتفاق إن تحقق سيكون بين الجنرالات، وبالتالي ستترك مساحة أقل من ذي قبل للقوى الديمقراطية الضعيفة بشكل متزايد في البلاد".
أشار الخبير إلى أنه "من المفهوم أن المجتمع الدولي قد ركز على إجلاء الأجانب، إلا أن هذا أدى إلى إفراغ الخرطوم فعليا مما أعطى مساحة أكبر لعمليات القتال".
وتابع بأنه "من غير المرجح أنه إذا استمرت الحرب أن يكون لدى الطرفين القدرة على السيطرة الكاملة على مكوناتهما، ومن هنا ستبدأ عملية صوملة الأزمة".
وقال تافولاتو إن "تفككا محتملا للقوات في مسرح مثل المسرح السوداني، حيث توجد بالفعل مجموعات قتالية واسعة النطاق مرتبطة بعدة جهات فاعلة موجودة في البلاد، سيقود إلى خطر انتشار الجماعات المقاتلة المتطرفة".
وشرح أن "السودان تقليديا يعد البلد الذي يربط ديناميكيات القرن الإفريقي والبحر الأحمر بديناميكيات منطقة الساحل وشرق شمال إفريقيا".
لذلك حذر من أنه "إذا انزلق إلى الفوضى، قد يمتد إليه نموذج الساحل القائم على الدول الضعيفة التي يكون فيها للجهات الفاعلة غير الحكومية والشبكات الإجرامية نفوذ على الاقتصادات غير الرسمية المرتبطة باستخراج الموارد والاتجار غير المشروع بمختلف أنواعه".
وأشارت المجلة في هذا السياق إلى "إمكانية تأثر تشاد بالتوسع الإقليمي للأزمة السودانية".
لذلك يخشى الرئيس محمد إدريس ديبي، الذي يعد حميدتي تهديدا لسلطته بسبب المسائل العرقيةـ من أن يؤدي تزايد نفوذ قوات الدعم السريع إلى تعزيز المعارضة المسلحة في تشاد وإمكانية وقوع انقلاب في إنجامينا.
دور إيطاليا
وأكدت فورميكي أن "إيطاليا مطالبة بمتابعة ما يحدث في السودان باهتمام بالغ، لا سيما وأنها ليست الدولة الأوروبية فقط، بل أيضا الدولة الغربية الأكثر تعرضا لتداعيات الأزمة السودانية"، وفق المستشار الأوروبي السابق.
واستنكر تافولاتو غيابها عن الرباعي المكون من الولايات المتحدة وبريطانيا و السعودية والإمارات الذي رعى العملية الانتقالية السودانية.
وأشار إلى أن "إفريقيا تشكل أولويات حكومة جورجيا ميلوني ضمن السياسة النشطة في منطقة المتوسط الموسعة في الوقت الحالي".
وشدد "من هنا، تبرز الحاجة إلى رؤية المنطقة بمنظور أوسع، ليس فقط إثيوبيا والصومال اللذين تربطنا بهما علاقات تاريخية وأساسية، ولكن أيضا السودان".
وأردف الخبير الإيطالي بأن "هناك أيضا حاجة ملحة وراء هذا الاهتمام وهي أزمة الهجرة المحتملة الناتجة عن الصراع السوداني، إذ إنه لطالما رحب السودان باللاجئين من جميع الحروب التي أثرت على القرن الإفريقي، على سبيل المثال حرب تيغراي".
لذلك يتوقع "ارتفاع كبير في تدفقات الهجرة غير النظامية في حال استمرار الحرب الأهلية لا فقط من السودانيين الفارين، وإنما أيضا من غير السودانيين الموجودين داخل البلاد".
وبالنظر إلى هذه الصورة الحاسمة والمعقدة، أكد بأنه من "المهم للغاية أن تلعب إيطاليا دورا يتجاوز إدارة الهجرة والاستثمارات الاقتصادية، يكون سياسيا وأكثر نشاطا في تحقيق الاستقرار في البلاد والقرن الإفريقي بشكل عام".
وذلك إلى جانب "شركاء إقليميين رئيسين مثل إثيوبيا ومصر والسعودية والإمارات التي أقامت معها ميلوني علاقات ممتازة في الأشهر الستة الأولى من حكمها، وكذلك في الاتحاد الأوروبي".