في الذكرى الأولى لتأسيسها.. ما حصيلة "جبهة الخلاص" ضد انقلاب قيس سعيد؟

في 18 أبريل/ نيسان 2023، حلت الذكرى السنوية الأولى على ظهور "جبهة الخلاص الوطني" في تونس، التي أسسها معارضون لمواجهة الرئيس قيس سعيد وإجراءاته الانقلابية.
ففي نفس اليوم قبل عام، دعا المعارض التونسي أحمد نجيب الشابي خلال تجمع لشخصيات سياسية وبرلمانية نظمته حملة "مواطنون ضد الانقلاب" (شعبية) إلى تكوين جبهة باسم الخلاص الوطني.
لتنضم إلى الجبهة 5 أحزاب، هي حركة النهضة، وقلب تونس، وائتلاف الكرامة، وحراك تونس الإرادة، وحزب أمل، إضافة إلى حملة "مواطنون ضد الانقلاب"، و"مبادرة اللقاء من أجل تونس"، وعدد من البرلمانيين.
ومع مرور سنة كاملة على التجربة، سعت "الاستقلال" إلى تقييم هذه التجربة المهمة وما تواجهه من تحديدات، فضلا عن آفاق عملها مستقبلا، في ظل استفحال القبضة الأمنية لنظام "سعيد" الانقلابي.
سنة أولى
وتزامنت سنوية الجبهة مع منع السلطات التونسية لقيادتها من عقد ندوة صحفية بالمناسبة، إذ أفادت وسائل إعلام محلية، في 18 أبريل 2023، بأن قوات الشرطة أغلقت مقر حزب "حراك تونس الإرادة"، حيث كان من المنتظر أن يحتضن مؤتمرا للجبهة.
من جانبه، قال رئيس الجبهة أحمد نجيب الشابي، إن "قوات الأمن تمنعني من دخول مقر حراك تونس الإرادة وعقد مؤتمر صحفي لجبهة الخلاص".
من جانبها، عبرت حركة النهضة عن "اعتزازها بمرور سنة على تأسيس جبهة الخلاص الوطني، التي تصدّرت إلى جانب عدة فاعلين آخرين خط الدفاع عن عودة الديمقراطية ومعارضة انحرافات السلطة نحو حكم فردي استبدادي".
وقالت في بيان أصدرته بتاريخ 15 أبريل، إن النظام "عطّل الإصلاحات، وعمّق أزمة البلاد الاقتصادية والاجتماعية والمالية، وضاعف مصاعب الحياة المعيشية، بسوء الإدارة واشتعال الأسعار، ومزيد تدهور المقدرة الشرائية ومستوى دخل أوسع الشرائح الاجتماعية".
ودعت الحركة "إلى لمّ شمل المعارضة"، مؤكدة دعمها "أي مبادرة في هذا الاتجاه، يضع حدّا للأزمة الشاملة التي تعيشها البلاد على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية".
ويرى الإعلامي والناشط السياسي نصر الدين السويلمي، أن تقييم أداء الجبهة يستوجب النظر للأداء وفق القدرات، ولذلك، يؤكد، أن "الجبهة قامت بدورها على الوجه الأمثل، وبشكل جيد، ولن نستطيع أن نطلب منها أكثر مما تم".
ونوه الناشط السياسي في حديث لـ"الاستقلال"، بدور رئيس الجبهة أحمد نجيب الشابي فيما وصلت له، وذلك بفضل حضوره وكاريزميته وصموده في وجه النظام.
وعن سبب ضعف الوجود الحزبي بالجبهة، قال السويلمي إن جبهة الخلاص تتقوى بوجود حركة النهضة، التي تشكل الداعم الأكبر لها، لكن، في المقابل، هذا الأمر يشكل أبرز معالم ضعفها، إذ لم تستطع أن يكون لها حضور حزبي واسع".
وأوضح أن الأحزاب خلال العشرية الأخيرة لم تكن تبني أجسامها، بقدر ما كانت تصارع الحزب الموجود في الأرض، المنظم، أي حزب حركة النهضة.
ورأى السويلمي أن هذه الأحزاب كانت تسعى لديمقراطية شكلية، وكانت توغل في التجاذبات والصراعات الإيديولوجية.
وأوضح المتحدث ذاته أن وجود حركة النهضة يدعم قوة الجبهة، نظرا لأن الأخيرة لها قواعد كبيرة، وتتوفر على فروع بمختلف مناطق البلاد، غير أن النخب العلمانية، وخاصة الاستئصالية منها، لم تنضم ولم تلتحق بالجبهة نتيجة وجود خصم أيديولوجي تاريخي لها بالجبهة.
ومع ذلك، يرى السويلمي أن جبهة الخلاص، بالعناصر المتوفرة لها، وبمن التحق بها، أدت وتؤدي ما عليها، خاصة أمام الضربات التي تلقتها، لاسيما استهداف قيس سعيد لعدد من رموزها وقياداتها.
يُذكر أن فرقة البحث في الجرائم الإرهابية بتونس، قامت خلال فبراير/شباط 2023، باعتقال العديد من قادة الجبهة.
في مقدمتهم شيماء عيسى وعصام الشابي (رئيس الحزب الجمهوري) وجوهر بن مبارك وخيام التركي وعبد الحميد الجلاصي، وسط تنديد شديد اللهجة من الجبهة والنهضة ومنظمات حقوقية.
قراءة نقدية
في قراءته النقدية لأداء جبهة الخلاص في هذه السنة، قال وزير الخارجية التونسي الأسبق رفيق عبد السلام، إن الشابي كان واضحا في وضع مهمة مرحلية جامعة، وهي العمل على إسقاط الانقلاب والعودة للشرعية الدستورية.
وأكد عبد السلام في تدوينة نشرها عبر فيسبوك في 15 أبريل 2023، أن الجبهة نجحت كخطوة أولى، وإلى حد كبير، في تجميع الصف الأوسع من القوى المناهضة للانقلاب، وظلت تبعث بخطاب جامع وموحد.
وتابع: "كما بقيت تدق الأبواب مراهنة على توسيع دائرة التنسيق ووحدة صف المعارضة، ولكنها اصطدمت بجدار سميك من فائض الأيديولوجيا ومخلفات ومهارشات الحقبة الديمقراطية".
وأوضح عبد السلام، أنه "كان هناك اتجاهان رئيسان يتجاذبان الساحة السياسية ويتصارعان على عقل تونس وقلبها. خط أول مناهض للانقلاب شكلا ومضمونا، ورافض له تكتيكيا وإستراتيجيا، وهذا الخط يمتد ما بين مكونات الجبهة وحزب العمال والجمهوري".
واسترسل، "مقابل اتجاه آخر يندرج تحت عنوان ما يمكن تسميته بالبديل الثالث، الذي يرى أن الانقلاب كخطوة تكتيكية أمر جيد وهو مشرعن بالفصل ثمانين من الدستور، ولكنه تحول الى أمر سلبي واكتسب صفة الانقلاب فقط بعد إلغاء الدستور وحل بقية المؤسسات".
وذكر عبد السلام، أن الجبهة تمكنت بخطها السياسي الواضح وحضورها الاحتجاجي الميداني، من إسقاط سردية التصحيح والإنقاذ التي كان ومازال يبشر بها سعيد، حيث باتت مقولة الانقلاب تتردد على كل لسان وتروج في كل بيت، بل إن جماعة سعيد أنفسهم ما عادوا ينكرون ذلك.
وشدد الأكاديمي التونسي على أن الجبهة أصبحت رقما صعبا في المعادلة السياسية ولا يمكن تصور المشهد السياسي المستقبلي بعيدا عنها.
وأكد عبد السلام، أن الجبهة أنجزت نصف المهمة باقتدار ونجاح، وهي تجميع أكبر عدد ممكن من القوى المناهضة للانقلاب وهز السردية الانقلابية، وتقديم العنوان السياسي الجامع لكل مخاطبي الداخل والخارج، ثم تهميش ما سمي بالخط الثالث.
وأردف، "بقي الآن أن تتقدم باتجاه مزيد التلاحم مع النبض الشعبي العام، من خلال وصل المطلب السياسي بالمطلبية الاجتماعية، في ظل أزمة اقتصادية خانقة، مع الاستعداد للمراحل القادمة ببرنامج جبهوي عريض لإسقاط مشروع سعيد".
وخلص الوزير التونسي السابق، إلى أن "النضال ضد الدكتاتوريات والانقلابات هو جهد تراكمي، يساهم فيه الجميع بقدر الجهد والطاقة"، مشددا أن "التغيير قادم حتما، لأن هذا الانقلاب هو عنوان الفشل في كل شيء وهو لا يمتلك مقومات الاستمرار طويلا".
المعارضة والشارع
بدوره، قال القيادي بحركة النهضة سامي الطريقي، إن المعارضة بمختلف تشكيلاتها تحتاج لجهد أكبر لتقريب وجهات نظرها وتجديد خطابها، للاقتراب أكثر من الشارع المهتم بشكل أكبر بالوضع الاقتصادي والاجتماعي، وليس منتبها كثيرا لخطورة الانتكاسة على مستوى الحقوق والحريات والمسار الديمقراطي برمته.
ومع أن الطريقي أقر في تصريح لـ "الجزيرة نت"، في 10 أبريل 2023، بضعف المعارضة في مواجهة سعيد بشكل جدي ضمن رؤية واقعية، ومساهمتها في وقوع تلك الانزلاقات الخطيرة بتمسكها بالعودة للوراء، إلا أنه يتهم أيضا السلطة بإجهاض محاولات أولى من قبل نشطاء سياسيين لتوحيد صفوف المعارضة وذلك عبر الاعتقالات.
ومنذ نحو شهرين أقدمت وزارة الداخلية على حملة إيقافات واسعة شملت سياسيين معارضين ورجال أعمال وقضاة وصحفيين ونقابيين بتهمة التآمر على أمن الدولة، في حين يقول سعيد بسلامة إجراءات اعتقالهم.
وأكد الطريقي أن السلطة أغلقت كل منافذ الحوار مع المعارضة موجهة شتى التهم للمعارضين، "ما جعلها في حالة تقوقع كبير ورافضة لأي آلية من آليات حل الإشكاليات السياسية في أي مجتمع مدني حديث بالحوار، وهذا يدفع المعارضة إلى مزيد من الراديكالية، وهو ما يزيد تعقيد الأوضاع".
لكن الطريقي يرى أنه من غير المعقول أن تتوجه المعارضة للرئيس بالدعوة لفتح حوار بينما لا يجلس الفرقاء أنفسهم وسط المعارضة على طاولة الحوار لتحديد المشترك الذي يجمعهم، وإعادة حلحلة الأوضاع من خلال بناء أواصر الصلة فيما بينها وترتيب أوضاعها الداخلية وفق رؤية جديدة ومؤثرة.
وشدد الفاعل السياسي على أن المعارضة متفقة في تقييمها أن ما حصل في 25 يوليو/ تموز 2021 هو انقلاب، وعلى هذا الأساس قامت بكل ما في وسعها لإيقاف المسار الانقلابي، وإبراز جملة التجاوزات وتداعياتها الخطيرة على المسار الديمقراطي باستخدام كل الوسائل السلمية من بيانات واعتصامات ومسيرات.
من جهته، قال الأمين العام لحزب العمال، حمة الهمامي، إن "الوضع العام يبعث على التفاؤل على عكس ما يعتقد البعض، لأن الحصار حول سعيد يتوسع، والانقلاب يُفضح أكثر فأكثر".
ولفت في حديث مع صحيفة "العربي الجديد"، في 6 أبريل 2023، إلى أن هناك "قوى عدة كانت مترددة حول الموقف من 25 يوليو تعتقد أنها يمكن أن تشكّل لحظة للإصلاح، ولكنها اليوم بصدد القيام بمراجعات، والالتحاق بصفوف المعارضة".
وأشار الهمامي إلى أن "فئات من الشعب كانت تعتقد أن الانقلاب سيحسّن أوضاعها المعيشية، ولكنها ترى اليوم أن أوضاعها تدهورت".
وأضاف أن "الخيار ليس بالضرورة بين قيس سعيد أو النهضة، ولا حتى مع ورثة نظام زين العابدين بن علي، بل في طريق آخر مستقل حول برنامج إصلاحي يحقق مطالب الشعب وشعارات الثورة، شغل وحرية وكرامة وطنية".
وعن وضع المعارضة التونسية، قال الهمامي إن "المعارضة معارضات، وهذا ليس في تونس فقط، فكل معارضة تُعارض من موقعها ومن وجهة نظرها وليس من المنطلقات نفسها".
في المقابل، أكد رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي، في تصريحات في مناسبات عدة، أنه لا مجال لخط ثالث في تونس، فإما مع الانقلاب أو مع الفصل بين السلطات، وإما مع الشرعية الدستورية أو مع الحكم الفردي، وإما مع الحرية أو مع الاستبداد، وفقه.
كما شكل الشابي خطابه السياسي على رفض الاستبداد والحكم الفردي، والتأكيد على أن الجامع لأعضاء الجبهة هو "الحرية والديمقراطية وإنقاذ تونس"، رغم اختلاف التوجهات والانتماءات.
وعقب ندوة بمناسبة ذكرى التأسيس، والتي حضرها إلى جانب الشابي، عدد من الرموز السياسية بتونس، وعلى رأسهم رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، تم اعتقال الأخير، بدعوى "التآمر على أمن الدولة لتغيير طبيعته بالقوة".
ورأت الجبهة في بلاغ صدر في 20 أبريل 2023، أن "اعتقال الغنوشي يأتي في إطار حملة اعتقالات ضد أكثر من 20 شخصية معارضة بتهم باطلة، وفي غياب أي حجة حول سبب احتجازهم لأكثر من شهرين"
وقالت الجبهة إن هذه الإجراءات أثارت موجة هائلة من الاحتجاجات في الداخل والخارج، نقلتها جميع وسائل الإعلام الدولية وأدانتها جميع القوى الصديقة للشعب التونسي ومؤيدي الديمقراطية في العالم.
وطالبت جبهة الخلاص "بالإفراج الفوري عن الغنوشي وجميع السجناء السياسيين"، محملة السلطات المسؤولية الكاملة عن أي ضرر قد يصيب رجل ثماني يعاني من أمراض مزمنة (بما في ذلك ارتفاع ضغط الدم) قد تعرضه لجلطة دماغية، محتجز في ظروف سجن شنيعة ومخزية.