أزمة قانون المعاشات تهز فرنسا.. كيف استفاد اليمين المتطرف ورفع من أسهمه؟ 

قسم الترجمة | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة الموندو الإسبانية الضوء على أزمة المعاشات التقاعدية التي تهز ربوع فرنسا منذ أسابيع وتضعف بشكل ملحوظ سلطة الرئيس إيمانويل ماكرون، لافتة إلى أن كفة الميزان تميل في الأوساط الشعبية حاليا لصالح زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان.  

وأوضحت الصحيفة أن لوبان التزمت الصمت طوال فترة النقاشات حول قانون التقاعد التي أقرته حكومة ماكرون دون تصويت برلماني، إذ آثرت أن تظل غائبة، ويبدو أن هذه الإستراتيجية نجحت في توجيه الغضب الشعبي لصالحها، وتكسب دعما كبيرا يمكنها من الفوز في الانتخابات لو أجريت اليوم. 

امرأة ذكية

وقالت "الموندو" إن النواب في الجمعية الوطنية الفرنسية تفاعلوا بشكل مختلف على إعلان رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن، أن إصلاح نظام التقاعد المتنازع عليه لن يطرح للتصويت لأن الحكومة قررت الموافقة عليه بمرسوم؛ ولعلّ أذكاهم كان موقف لوبان.  

وبينما سحبت كتلة اليسار لافتاتها المعارضة ورفعت صوتها استهجانا، صفّق النواب الموالين لنهج ماكرون، فيما بقيت كتلة مارين لوبان دون أي ردّة فعل، وكأن النقاش لا يشملها. 

وبينما كان نصف المجلس يهتز احتجاجا، بقيت زعيمة اليمين المتطرف صامدة، جالسة في مقعدها، بهدوء مذهل وكأن النقاش لا يعنيها، وكانت تنتظر دورها. 

في الحقيقة، إذا كان هناك من يستغل الأزمة السياسية التي تمر بها فرنسا بسبب إصلاح نظام التقاعد، فهي مارين لوبان. 

صمتت في الجمعية العامة واختفت في مظاهرات الشوارع. وحسب آخر استطلاعات الرأي، ستفوز بالانتخابات الرئاسية إذا أجريت الآن. 

ووفقا لاستطلاع رأي أجرته "ايلاب"، سيحصل اليمين المتطرف على 55 بالمائة من الدعم مقارنة بحوالي 45 بالمائة التي ستكون من نصيب ماكرون.

ونقلت الموندو عن دومينيك أندولفاتو، خبير الأحزاب السياسية بجامعة بوردو، أن "في الأزمة الحالية، خرجت فرنسا الشعبية للاحتجاج. وفي صلب هذه الفئة الانتخابية تحظى لوبان بشعبية كبيرة بالفعل وتهدف إلى الاستفادة من كل هذا الغضب". 

ونوهت الصحيفة بأن لوبان تعي جيدا هذه الحقيقة. وفي اجتماع مع حزبها قبل أيام، قالت لوبان: "الاستطلاعات تعني أننا في وضع يسمح لنا بالحكم. يجب أن نكون على قدر المسؤولية التي تنتظرنا. لدينا واجب أخلاقي تجاه الفرنسيين". 

وبحسب أندولفاتو "تنتظر لوبان بصبر دورها في مواجهة الانتخابات الرئاسية لعام 2027". في الواقع، لن يتمكن ماكرون، الذي أعيد انتخابه قبل سنة، من الترشح في ذلك الوقت ولا يوجد زعيم واضح داخل حزبه أيضا لخوض هذه المناسبة الانتخابية. 

بالإضافة إلى ذلك، يرى الخبير أن "اليسار أكثر انقساما من أي وقت مضى ولا يوجد زعيم في الأفق لمواجهة لوبان".

وأشارت الصحيفة إلى أن زعيم اليسار الراديكالي، جان لوك ميلينشون، والثالث في الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفارطة، أعلن أنه لن يترشح مرة أخرى.  

وفي أحزاب الكتلة اليسارية الأخرى، على غرار الحزب الاشتراكي والشيوعيين وحزب البيئة "لا يوجد زعيم بارز أيضا".  

وفي هذا الإطار، يوضح الخبير قائلا: "قد يكون هذا أيضا في صالح معسكر ماكرون. وعلى الرغم من أنه لا يحظى بشعبية كبيرة، ولم يعد قادرا على الترشح؛ إلا أنه إذا تم انتخاب زعيم معتدل في حزبه، والذي يعطي صورة أكثر وسطية، فيمكنه إعادة بناء الجبهة ضد لوبان". 

مرحلة جديدة

وبينت الصحيفة أن الانتخابات الرئاسية الأخيرة في فرنسا، شهدت نجاح مايسمى بالطوق الجمهوري ضد اليمين المتطرف. ويعني ذلك أن الناخبين الذين أبدوا دعمهم لمرشحهم المفضل في الجولة الأولى من الانتخابات، دعموا في الجولة الثانية منافس لوبان، بهدف منع اليمين المتطرف من الحكم. 

وبحسب تحليل أندولفاتو، اختارت لوبان "إستراتيجية التكتم والحذر، التي تفيدها كثيرا وتساهم في تلميع صورتها". 

ويشير الخبير إلى "محاولة لوبان التخلص من صورة الزعيم المتطرف، تلك الصورة التي كان يمتلكها والدها جان ماري لوبان، ونقلت صورة أكثر اعتدالا من أجل توسيع قاعدة جمهورها الانتخابي". 

في الحقيقة، تضمنت تلك المحاولة لإزالة وصمة العار تغيير اسم الحزب: من التجمع الوطني، الذي كان يعرف به سابقا، إلى الجبهة الوطنية حاليا. 

وخلال عملية تلميع صورتها هذه، واجهت زعيمة اليمين المتطرف أزمة المعاشات التقاعدية بكل حذر. ويوضح الخبير: "في سياق الأزمة هذا، أظهرت لوبان ونواب حزب التجمع الوطني أنهم حذرون للغاية وغير مرئيين تقريبا". 

وأضاف: لقد اختاروا إستراتيجية الصمت ضد أعضاء اليسار الراديكالي الذين أحدثوا الكثير من الضجة والضوضاء. لقد اختارت الخيار المعاكس: أي خيار العرقلة". 

خلال العملية البرلمانية للإصلاح، قدمت حركة فرنسا الأبية بقيادة جان لوك ميلينشون آلاف التعديلات مما أدى إلى إبطاء المناقشة في الجمعية ومنع مناقشة المادة الأكثر إثارة للجدل، تلك التي تؤخر سن التقاعد. ونتيجة لذلك تم تمرير القانون إلى مجلس الشيوخ.

وتر الفوضى

وأشارت الموندو إلى أن هنا جانبا آخر يلعب لصالح لوبان، والمتمثل في أعمال الشغب التي اندلعت في المظاهرات الأخيرة، والتي تسببت في اشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين، وحرق الحاويات، والتدمير. 

وبحسب الخبير، "إنها أعمال شغب منخفضة الحدة، لكنها تفيد لوبان، لأن كل هذه الفوضى تبرز الشعور بعدم الأمان".

لكن، يمكن أن تفيد هذه الفوضى أيضا السلطة الحالية. في إحدى الثورات الفرنسية الكبرى الأخرى، ثورة آيار/ مايو سنة 1968، اضطر الرئيس شارل ديغول إلى حل الجمعية العامة والدعوة إلى انتخابات مبكرة، نظرا لحجم الاحتجاجات. 

ويقول أندولفاتو: "لقد انتصر لفترة طويلة وخرج أقوى، بفضل فرنسا العميقة التي انقلبت ضد الثورة عندما تبيّن أنها تولد حالة من عدم الأمان".

وتعليقا على ميزة لوبان في مواجهة الانتخابات الرئاسية لعام 2027، أشار فريديريك دابي، مدير معهد الاستطلاعات "إيفبوب"، إلى أن "لوبان غيرت صورتها تماما، ما غيّر قاعدتها الانتخابية. لم يعد التصويت للوبان هو ذاته الذي عرفناه السنة الماضية، لقد أصبحت تستقطب الجميع". 

وفقًا لبعض الأشخاص المقربين من الرئيس إيمانويل ماكرون، فإن احتمال أن تخلفه مارين لوبان في الإليزيه أمر سيجعله يفقد النوم. 

في الأثناء، كشفت دراسة أخرى من موقع "إيفبوب" نُشرت قبل أيام أن غالبية الذين شاركوا في الاستطلاع يرون أن لوبان "قريبة من اهتمامات الفرنسيين" بنسبة 58 بالمائة، أي بزيادة نقطتين في عام واحد؛ و"مرتبطة بالقيم الديمقراطية" بزيادة أربع نقاط؛ وأيضا "قادرة على إصلاح البلد" بزيادة ثماني نقاط مقارنة بأرقام السنة الماضية.