"هجمات كيماوية".. هل تقف حكومة إيران وراء حالات تسمم طلاب في مدارسها؟
نبهت صحيفة إيرانية معارضة، إلى أنه بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على ظهور حالات التسمم في أوساط التلاميذ والطلاب وانتقالها من مدرسة إلى أخرى في المحافظات المختلفة، لم تتمكن المؤسسات الأمنية من العثور على مرتكبي هذه الهجمات المتسلسلة ووضع حد لها.
ونشرت صحيفة "كيهان" المعارضة (تصدر من لندن)، تقريرا عن أحداث التسمم، تحت عنوان "من المسؤول عن الهجمات الكيماوية؟"
واتهمت الصحيفة الحكومة الإيرانية بـ"عدم الشفافية في تعاملها مع حالات التسمم التي تعرض لها التلاميذ، والتي رأت أنها ناتجة عن هجمات كيماوية أو بيولوجية".
كما اتهمت أيضا السلطات بـ"الإهمال والتقاعس عن أداء عملها"، وهو ما رأت فيه الصحيفة "دليلا على أن هذه السلطات لا تستطيع حماية أمن مواطنيها وحياتهم".
وقالت إن "الارتباك المسيطر على تصريحات المسؤولين بعد انتشار حوادث التسمم واتساع نطاقها وعدم الوصول إلى الجناة يعزز أحد احتمالين، هما وقوف جهة من الحكومة وراء هذه الحوادث، أو عجز الجهزة الأمنية والنظامية عن العثور على الجناة".
انتشار التسمم
واستغربت الصحيفة من أن "الجمهورية التي استخدمت أكثر أشكال القمع فتكا ضد المحتجين من أجل بقائها، وتتفاخر على الساحة الدولية بأنها القوة الأولى في المنطقة وبعمق تأثيرها الإستراتيجي، اتبعت نهجا فاسدا تجاه التضحية بالآلاف من بناة المستقبل، وهو ما يدل على أن المواطنين ليسوا آمنين تحت أي ظرف من الظروف".
واستعرض التقرير آخر ما وصلت إليه أحداث التسمم، فقال إن الهجمات "الكيماوية" المنظمة على المدارس والمدن الطلابية من أهم الأخبار في الأشهر الثلاثة الأخيرة. ورغم أن هذه الهجمات بدأت في أواخر ديسمبر/كانون الأول 2022، حينما تعرضت تلميذات مدرسة النور في مدينة قم للتسمم، فإن الحكومة تسترت على الأحداث لفترة طويلة.
وترى الصحيفة أنه مع ازدياد تواتر الهجمات وانتشارها الجغرافي بشكل كبير، لم يعد من الممكن إنكار هذا العمل المنظم.
وبحسب آخر الإحصائيات التي أعلنتها سلطات إيران، فإن أكثر من خمسة آلاف طالب وطالبة في 25 محافظة ونحو 230 مدرسة قد استهدفوا بالهجوم وتعرضوا للتسمم.
ولكن وكالة أنباء "هرانا" ذكرت في تقرير لها أنه تم الإبلاغ عن 290 هجوما على الأقل على المدارس منذ بداية الأحداث، مما أثر على ما لا يقل عن 7068 طالبا في 99 مدينة من أصل 28 محافظة في البلاد.
كما تعرض طلاب من جامعة أصفهان وجامعة المحقق الأردبيلي في مدينة أردبيل للهجوم، وتسمم العديد منهم.
كما تم نشر أخبار تسمم متفرقة في مراكز التسوق ومترو الأنفاق، بل وفي غرفة الطوارئ بالمستشفى التي تم نقل بعض الفتيات المسمومات إليها.
وبحسب المعلومات المتفرقة التي نشرتها وزارة الصحة، فإن معظم حالات التسمم تمت باستخدام مركبات غاز النيتروجين، وهو غاز عديم الرائحة واللون، ومن أعراضه طنين في الأذنين، وغثيان، وتشنجات، وإرهاق، وخمول شديد، ودوخة، وصداع، وضيق في التنفس، وتشنجات عضلية، وخدر، وأعراض عصبية.
ارتباك أم إجرام
وتوقف التقرير عند عجز الحكومة عن تحديد الجناة، وقال إنه بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على بداية الهجمات وتسمم التلاميذ، مايزال غير واضح من هم الذين يأمرون أو يقومون بهذه الهجمات الواسعة النطاق والمنظمة والمنسقة، سواء كانوا أفرادا أو جماعات.
ووضع التقرير القراء أمام احتمالين تقويهما تصريحات المسؤولين الحكوميين، أولهما هو أن هذه الهجمات تتم عن طريق جهة من الجهاز الحكومي، وأن التعامل معها صعب بالنسبة للحكومة، مثلها مثل عمليات القتل المتسلسل.
وثانيهما هو أن الهجمات محسوبة ومنظمة لدرجة أنها حيرت الأجهزة الأمنية والنظامية وأربكتها، فلم تعد تستطيع العثور على آثار لمنفذيها حتى الآن.
وأوضح التقرير ذلك فيذكر أنه بعد تقديم التقارير الرسمية عن تسميم ما لا يقل عن 117 طالبا في قم، وتجمع أولياء أمور الطلاب أمام مبنى المحافظة، صدر أول رد فعل رسمي من جانب الوزارتين المعنيتين بهذه الاعتداءات، وهما الصحة والتربية والتعليم.
ووصف وزير الصحة، بهرام عين اللهي، حالات التسمم بأنها خفيفة، وألقى وزير التربية والتعليم، يوسف نوري، باللوم على "الشائعات الإعلامية الأجنبية"، وعدها السبب في انتشار الأخبار الخاصة بتسمم التلاميذ.
ونُشرت في نفس الأيام صورة لرسالة من رئيس جامعة قم للعلوم الطبية، مهدي مصري، موجهة إلى مدير إدارة الأزمات بمحافظة قم، محسن أوروجي، أشار فيها إلى انتشار واسع النطاق للتسمم بين التلاميذ، وطالب بأخذ عينات من التلاميذ المصابين لتحليلها.
وبالتزامن مع التصريحات المعلنة لوزيري الصحة والتعليم، أعلن محافظ قم عن وصول أجهزة المخابرات والأمن والحرس الثوري للتحقيق في قضية التسمم.
وأخيرا، شكلت الحكومة في مارس/آذار 2023، لجنة برئاسة وزارة الداخلية للتحقيق في القضية، كما تولت وزارة الاستخبارات أيضا مسؤولية المتابعة الأمنية لهذه الهجمات.
في غضون ذلك، ألقت وزارة الداخلية، في بيانها الأخير، بالمسؤولية عن عمليات التسمم المنظمة في المدارس على عاتق المواطنين المحتجين المشاركين في "الحركة الثورية"، وكتبت أن "بعض المعتقلين لهم تاريخ في المشاركة في أعمال الشغب والتواصل مع وسائل الإعلام المعادية".
من المسؤول؟
وربط التقرير ذلك بوجود يد للأمن في الأحداث، ويقول إن التقارير التي تتحدث عن وجود قوات أمنية في المدارس بعد وقوع الهجمات، جنبا إلى جنب مع المسؤولين الحكوميين والطوارئ، تدل على أن المؤسسات الأمنية كانت موجودة في مواقع العمليات البيولوجية المنظمة منذ الهجمات الأولى، بما فيها وزارة الاستخبارات.
في مثل هذه الظروف، لم تكن تصريحات المسؤولين الحكوميين إلا محاولة لتضليل الرأي العام والمواطنين الذين صار أولادهم ضحايا لهذه الاعتداءات.
ثم انتقل التقرير إلى تدخل الحرس لثوري، فيقول إن عدم قدرة وزارة الاستخبارات على وضع حد لهذه الكارثة الرهيبة التي عصفت بالبلاد، وما زالت عواقبها طويلة المدى على صحة الضحايا غير معروفة، أدى إلى ظهور جهاز مخابرات الحرس الثورى في المشهد بشكل رسمي.
وكان القائد العام للحرس الثوري، حسين سلامي، قد أعلن في رسالة إلى وزير الإعلام، أن الحرس مستعد لأي تعاون من أجل تسريع البحث في قضية تسميم الأطفال، والتعامل الجاد مع العناصر التي تتسبب في انعدام الأمن النفسي بين العائلات.
وكانت أنباء قد ترددت عن وجود ضباط مخابرات "الحرس الثوري" الإيراني في المدارس بعد الهجمات الكيماوية.
ولفت التقرير الأنظار إلى أن "السبق" من جانب وسائل الإعلام والمسؤولين الحكوميين هو أحد الأمور التي أثارت لدى الرأي العام إمكانية أن تكون هذه الهجمات مرتبطة بالحكومة.
فبينما كان بعض المسؤولين ينكرون الهجمات البيولوجية ويتحدثون عن تصرفات الطلاب وإلحاق الأذى بهم أثناء "تفجير المفرقعات" و"رذاذ الفلفل"، فإن البعض الآخر كان يتحدث عن عدم كفاية الأدلة والمتابعة الأمنية والنظامية.
ورغم أنه لم يكشف الستار حتى الآن عن مرتكبي الهجمات الكيماوية المنظمة، والتي استهدفت التلاميذ والطلاب، ولم يعرف إن كانوا جماعة أو أفرادا أو الدولة، فإنه مايزال لدى الناس شواهد على أن للدولة يدا في هذه الهجمات، تقول صحيفة "كيهان".
ومن هذه الشواهد إرسال قوات مكافحة الشغب إلى المدارس، وقمع التلاميذ وأولياء الأمور، وتوصية المسؤولين بالكذب والتستر والكتمان.
وحمّل التقرير النظام الإيراني في كل الأحوال، قائلا "حتى لو تم تنفيذ هذه الهجمات من خارج النظام، بناء على مزاعم مسؤولي الجمهورية، فإن هذه الحكومة هي المسؤولة عن حماية أمن المواطنين وحياتهم".
وختم بالقول: "وبالتالي، فإن تقصير المؤسسات الأمنية والقضائية والتنفيذية وإهمالها خلال الأشهر الثلاثة الماضية دليل على أن الجمهورية غير قادرة على حماية أمن المواطنين وحياتهم".