بضائع إسرائيلية بأسواق موريتانية.. هل تمهد لعودة التطبيع؟

عالي عبداتي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

دون رغبة منه، وجد المواطن في موريتانيا نفسه أمام منتجات تحمل رمز "صنع أو أنتج في إسرائيل" بأسواقه المحلية، لا سيما منتج التمور، الأمر الذي دفعهم إلى الاحتجاج على أرض الواقع.

ويحاول الكيان الإسرائيلي البحث عن منافذ تجارية لسلعه ومنتجاته الغذائية بالدول العربية والإسلامية، حيث يستغل خطوط إمداد غير مباشرة لضمان منفذ تجاري لمنتجاته، خاصة في الدول التي لا تربطه بها علاقات تطبيع.

خطوة مرفوضة

ونظم طلاب موريتانيون وقفة احتجاجية أمام مجمع "ابريم مارت" التجاري بالعاصمة نواكشوط، في 12 يناير/كانون الثاني 2023، احتجاجا على استيراده وبيعه لمنتج إسرائيلي.

وفي هذا الصدد، قالت "المبادرة الطلابية لمناهضة الاختراق الصهيوني وللدفاع عن القضايا العادلة"، المنظِمة للوقفة، إن بيع المنتجات الإسرائيلية "خطوة تطبيعية مدانة ومرفوضة".

وشددت في بيان نشرته عبر صفحتها في "فيسبوك" على أن الأمر "خيانة للدين والأمة، ومشاركة للاحتلال في جرائمه واغتصابه للأراضي الفلسطينية المباركة ونهب خيراتها".

وفي كلمة له خلال الوقفة، دعا نائب رئيس المبادرة الطلابية، أحمد الطالب بونا، إلى مقاطعة المجمع التجاري حتى يتوقف عن استيراد وبيع هذا المنتج.

كما أكد الطالب بونا، استمرار جهود المبادرة الطلابية في "رصد التطبيع وفضح المطبعين في أرض المنارة والرباط، ومناهضة كل نشاط تطبيعي مع الكيان الصهيوني الغاصب".

وسبق لنواكشوط أن قررت تجميد علاقاتها مع تل أبيب عام 2009، قبل أن تقطعها رسميا وتطرد السفير الإسرائيلي عام 2010، وذلك احتجاجا على قصف غزة في فبراير/شباط 2009.

ومن حين لآخر تؤكد الحكومة الموريتانية، أن موقفها ثابت في مناصرة الشعب الفلسطيني وحقه في دولة مستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

في المقابل، شرعت أربع دول عربية اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل بوساطة أميركية منذ سنة 2020، هي الإمارات والبحرين والسودان والمغرب.

تفاعل مجتمعي

وقال الأمين العام لمنتدى المستهلك الموريتاني، الخليل خيري، إن بلاده "أصبحت سوقا مفتوحة، بفعل العولمة، ولذلك تستورد أكثر من 90 بالمئة من حاجاتها الغذائية والدوائية وغيرها، لكن لا توجد رقابة على المستوى المطلوب لرصد منشأ ما يتم استيراده".

وأوضح خيري لـ"الاستقلال" أنه تظهر أحيانا بين الفينة والأخرى بعض السلع والمنتجات، التي تَرد من بلاد العدو أو ما يسمى بـ"إسرائيل"، مشددا على أن "هذا النوع من المنتجات دائما تتم مقاومته من لدن نشطاء مناهضة التطبيع".

وذكر أنه "قبل فترة تم اكتشاف وجود تمور ذات منشأ إسرائيلي، والتي جابهها نشطاء عبر حملة واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي".

وأردف "في منتدى المستهلك عملنا على تنبيه المواطن إلى ضرورة ووجوب رفض استهلاك أي منتج يأتي من الأراضي المحتلة"، ويرى أن "هذا التوجه يجب تكريسه، وأنه أقل ما يمكن القيام به تجاه القضية الفلسطينية وتجاه أراضينا المحتلة".

من جانبه، رأى رئيس المبادرة الطلابية لمناهضة الاختراق الصهيوني وللدفاع عن القضايا العادلة، هدو ولد الداه، أن "أي استيراد وبيع لبضائع منتجة من قبل الكيان الصهيوني هو خيانة للأمة الإسلامية في قضيتها المركزية، وهو تعاون مع من يدنس مقدسات الإسلام وقبلة المسلمين الأولى".

وأضاف ولد الداه لـ"الاستقلال"، كما أنه "خذلان للشعب الفلسطيني لما يمثل من تطبيع تجاري مع من يقتل الأبرياء من أهلنا في فلسطين يوميا، ويهدم المنازل ويشرد العائلات ويمارس أشنع أنواع الإرهاب والتطرف بحق الفلسطينيين، كما أنه جريمة بحق الشعب الموريتاني بتلويث أسواقه ببضائع صهيونية تم إنتاجها في أرض إسلامية مغتصبة".

وشدد على أن "كل تطبيع من هذا العدو الغاشم هو خذلان للإنسانية، وتعاون مع كيان يمارس أسوء أشكال الاحتلال، وأبشع أنواع التمييز العنصري بحق الشعب الفلسطيني".

ورأى ولد الداه أن "وجود بضائع صهيونية في الأسواق هو جريمة بحق موريتانيا وبحق الأمة وبحق الإنسانية؛ وهو خرق لإجماع الشعب الثابت من رفض كل أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني".

وفي هذا الصدد، لفت ولد الداه، إلى أن "جهود المبادرة الطلابية ستستمر في رصد كل الأعمال التطبيعية وفضحها ومناهضتها، كما أنها، والشعب الموريتاني عموما، لن يسمحوا بتدنيس أرضه بأي تطبيع مع الصهاينة المحتلين".

وضع ضبابي

وسبق لموقع "أنباء" المحلي أن نقل انتقاد نشطاء موريتانيين حضور ممثل عن حكومة نواكشوط في ملتقى نظمه برنامج المناخ الإسرائيلي "DeserTech"، على هامش مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ "COP27" في نوفمبر 2022 بمدينة شرم الشيخ المصرية، مؤكدا "رفضهم لأي شكل من أشكال التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي".

وذكر الموقع في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أن السلطات الموريتانية لم تُعلق على انتشار خبر حضور وفدها إلى جانب وزيري البيئة في مالي وعضو في البرلمان التشادي في جناح السنغال، إطلاق برنامج المناخ الإسرائيلي، وهو منصة لتقنيات المناخ المتكيفة مع المناخات الجافة والصحراوية.

فيما كشف موقع "العربي الجديد" أن "هناك محاولات لإقناع الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني، باللحاق بركب التطبيع مع إسرائيل، حيث تم إغراؤه بالدعم وضخ استثمارات في حال قبلت نواكشوط بالفكرة".

وذكر في 15 سبتمبر/أيلول 2020، أن موقع "أفريكا إنتلجنس" المختص بنشر الأخبار الخاصة، سبق أن أكد أن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، طلب من ولد الغزواني التواصل مع رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، خلال زيارته إلى السعودية في فبراير/ شباط 2020، وهي الأولى من نوعها للرئيس الذي تسلم الحكم في أغسطس/آب 2019.

ويرى الباحث السياسي محمد الأمين ولد يحيى، أن "النظام الحالي لن يغامر بإقامة علاقات مع إسرائيل، طالما أنه ليست هناك سياسة عربية موحدة تجاهها".

وأكد لموقع "العربي الجديد" أن "إقامة هذه العلاقات ستضر النظام أكثر مما ستنفعه، كما ستضر بسمعة موريتانيا ومصالحها القومية".

وأفاد بأنه "بالنظر للعلاقة الجدلية وللتنافس الحامي بين الرئيس السابق محمد ولد عبدالعزيز، الذي قطع العلاقات مع إسرائيل، والحالي ولد الغزواني، الذي يبحث عن شعبية له، فإن هذا الأخير لن يقبل بعودة علاقات مشينة قام سلفه بقطعها، وعدت من النقاط الإيجابية لحكمه".

شعب مقاوم

ليس الشعب الموريتاني بعامة مواطنيه من يرفض التطبيع أو أي علاقة مع الكيان المحتل، بل تميزت موريتانيا بالبلاغ التاريخي الذي أصدره علماؤها، والذي حرموا خلاله أي تطبيع مع إسرائيل، مشددين على أن "العلاقة معه حرام لا تجوز بحال".

وفي بيان صادر مطلع فبراير/شباط 2021، فقد أفتى بهذا 200 عالم موريتاني، بينهم الشيخ محمد الحسن الدوو، والعلامة الشيخ محمد عبدالرحمن.

وجاء في الفتوى أن "العلاقة مع الكيان الغاصب لأرض فلسطين المحتل لبيت المقدس حرام لا تجوز بحال"، مؤكدا أن "التطبيع هو مساندة ودعم كامل للصهاينة الغاصبين على ما يقومون به كافة من حصار وقتل وتدمير ولا يمت إلى الصلح بصلة".

وشدد على أن "التطبيع مع العدو المحتل يعني إقرار الغاصب على غصبه (..) لا يجوز بحال من الأحوال الاعتراف لليهود المحتلين بشبر من أرض فلسطين".

ومطلع يناير 2021، دعا عدد من نواب البرلمان الموريتاني إلى سن تشريع يجرم التطبيع مع الاحتلال، وتقديمه في أقرب وقت للمصادقة عليه.

ووفق جريدة "الأخبار" المحلية، 10 مايو/أيار 2021، أودعت البرلمانية أنيسا با مشروع قانون لتجريم التطبيع مع إسرائيل لدى الإدارة المسؤولة في البرلمان، أكدت في عرض أسبابه أن التطبيع يتعارض مع ديباجة الدستور الموريتاني، التي تنص على أن "الإسلام دين الشعب والدولة".

وأضافت البرلمانية أن العلماء أجمعوا "على أن العدو الغازي المحتل لا يجوز الدخول في معاهدات معه حتى يكف ضرره، ونحن نعلم ما يقوم به الكيان الصهيوني من قتل وتنكيل في الشعب الفلسطيني". 

ورأت البرلمانية أن" أي تطبيع مع الكيان الصهيوني سيزعزع وحدة البلد وأمنه القومي، نظرا لما عرف ذلك الكيان من التجسس وزرع التفرقة والفتن، الأمر الذي يعرض البلد وحوزته الترابية للخطر". 

ويُعرِّف مشروع القانون التطبيع بأنه "أي نوع من أنواع الاتفاق أو التعاون الرسمي أو غير الرسمي مع مؤسسات أو أفراد من الكيان الصهيوني، لأي سبب كان"، ويجرم "الدعوة للتطبيع والترويج له وتبريره في وسائل الإعلام وغيرها".

كما يقترح عقوبات بالسجن سنوات مع التغريم في حق الأشخاص الذين يرتكبون هذه الجريمة، وبسحب الرخصة والتغريم في حق المؤسسات.

لكن لم يتم وضع مشروع القانون في مسطرة المصادقة أو النقاش البرلماني.

كيف وصلت؟

وفي جوابه عن كيفية وصول التمور الإسرائيلية إلى السوق الموريتانية، قال الأمين العام لمنتدى المستهلك الموريتاني، الخليل خيري: "في الغالب الأعم دخلت من إسبانيا، خاصة أن الرحلات الجوية بين البلدين لا تزيد على 40 دقيقة".

بدوره، أكد رئيس المبادرة الطلابية لمناهضة الاختراق الصهيوني وللدفاع عن القضايا العادلة، ولد الداه، لـ"الاستقلال"، أن هذه البضائع "تأتي عن طريق شركات أوروبية، فالأخيرة، هي الوسيط بين الصانع الإسرائيلي والسوق الموريتانية".

وأكد أن "الشعب بإيمانه الراسخ بمركزية القضية الفلسطينية، وموقفه المبدئي الثابت من رفض التطبيع، وإجماع كل قواه الحية على رفض التطبيع، استطاع تطهير البلاد من الوجود الصهيوني، غير أن هناك محاولات عن طريق شركات أوروبية لاختراق السوق بهذه البضائع الصهيونية".

وأبدى ولد الداه أسفه لمستوى وطبيعة تفاعل السلطات الرسمية مع مطالب مناهضي التطبيع، عبر تجريم التطبيع واتخاذ إجراءات عملية في مقاومته، مشددا على أن "تفاعل السلطات إلى الآن مازال مخيبا للآمال".

وتابع: "رغم ما تعلنه الحكومة من مواقف إيجابية تجاه القضية الفلسطينية، ورفضها للتطبيع، إلا أنها لم تتخذ أي إجراءات -رغم مطالباتنا- ضد من يبيعون هذه البضائع، كما أنها لم تقدم أي استجابة للمطالب المستمرة بسن قوانين تجرم التطبيع مع العدو الصهيوني".

وفي الاتجاه نفسه، أكد الخليل خيري أن "ردود الفعل الرسمية تجاه وجود هذه التمور الإسرائيلية في السوق المحلية كانت مخيبة للآمال".

واستطرد: "لا شيء في الواقعة يفرح القلب سوى هذه الهبة الشعبية الكبيرة، من الفعاليات الوطنية والمدنية والشخصيات المستقلة المناهضة للتطبيع، والتي نبهت وأسهمت في الحملة الشعبية التي أطلقها نشطاء عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتي كانت حقا مؤثرة، ولقيت تفاعلا وتجاوبا شعبيا كبيرا".