الدولة الغربية الوحيدة.. لماذا أصرت فرنسا على تصدر مؤتمر بغداد للشراكة؟
تحدث مركز الدراسات الإيرانية "إيرام" عن مدى أهمية وجود فرنسا في مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة، الذي عقد في الأردن في 20 ديسمبر/كانون الأول 2022.
وقال المركز، ومقره أنقرة، إنه من المهم بالنسبة لفرنسا تحييد منافستها الصين في العراق، ولهذا، فإن الحد من التعاون الصيني الإيراني في البلاد ودمج طهران في المجتمع الدولي كان جدول الأعمال الرئيس للاجتماع.
وأردفت الكاتبة التركية "بيلجيهان ألاجوز": عقد مؤتمر بغداد الأول للتعاون والشراكة في بغداد في أغسطس 2021، والثاني في الأردن في 20 ديسمبر بقيادة فرنسا.
وكان المؤتمر أول اجتماع دولي كبير لمحمد شياع السوداني، الذي أصبح رئيسا للوزراء العراقي في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2022، بعد أكثر من عام من عدم اليقين والجمود السياسي.
وأضافت الكاتبة أن المؤتمر حضره -إلى جانب البلد المضيف- ممثلون عن العراق وتركيا وفرنسا ومصر والكويت والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر وعمان والبحرين وإيران، فضلا عن ممثلين عن الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي ومنظمة التعاون الإسلامي والاتحاد الأوروبي.
وكان الأردن وفرنسا والعراق ومصر ممثلين على مستوى رؤساء الدول ورؤساء الوزراء. وحضر الاجتماع وزراء خارجية السعودية وقطر وعمان والبحرين وإيران.
خطوات مدروسة
ولفتت الكاتبة إلى أن "تركيا والكويت فضلتا أن تكونا ممثلتين على مستوى السفراء". وحضر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الاجتماع الأول لكنه لم يذهب إلى الثاني.
وبالمثل، لم يحضر وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو هذا الاجتماع. ولذلك، فإن مشاركة تركيا على مستوى منخفض جذبت الانتباه وشكلت قصورا مهما في الاجتماع.
وأشارت الكاتبة إلى أن "أهم عيب في هذا الاجتماع هو أن تركيا وجهت رسالة إلى فرنسا بعدم مشاركتها على مستوى عالٍ، لأن باريس تعمل على تطوير خطابها المتعلق بالعمليات التركية ضد قواعد حزب العمال الكردستاني (بي كا كا) في العراق وسوريا، والتي تعد مهمة لمحاربة تركيا للإرهاب".
ولهذا، خلقت تصريحات السلطات الفرنسية (المناهضة للخطوات التركية) بأنها قد تفرض عقوبات على تركيا بسبب العمليات انزعاجا في أنقرة.
واستدركت ألاجوز: يستند اهتمام فرنسا بالشرق الأوسط إلى سياستها في احتواء الصين. فمنذ عام 2010، ترى باريس بكين أكبر منافس لها في إفريقيا، وهو أمر ذو أهمية إستراتيجية بالنسبة لها.
وخلال رحلته إلى جيبوتي عام 2019، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون: "إن اهتمام الصين المتزايد بإفريقيا يمثل تهديدا على المدى المتوسط والطويل. لا أريد لجيل جديد من الاستثمار الدولي أن يتعدى على سيادة شركائنا التاريخيين أو يضعف اقتصاداتهم".
لهذا السبب، تتبنى فرنسا عددا من الإستراتيجيات لمنع زيادة النفوذ الصيني في مجال نفوذها، وفقا للكاتبة.
وأردفت: يأتي في مقدمة هذه المجالات الإطار المؤسسي الذي أنشئ عام 2014 باسم "مجموعة دول الساحل الخمس" لتنسيق التعاون الإقليمي بين خمسة بلدان في غرب إفريقيا.
ومن الإنجازات الملموسة لمجموعة دول الساحل الخمس إنشاء "قوة مشتركة عبر الحدود"، وهي مبادرة مشتركة لمكافحة الإرهاب والاتجار بالبشر.
ومن المساهمات المهمة الأخرى لمجموعة دول الساحل الخمس "برنامج الاستثمار ذي الأولوية" الذي أنشئ عام 2014.
وبهذه الطريقة، وصلت مليارات الدولارات من المنح والتبرعات إلى البلدان ذات الصلة من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأميركية ودول أجنبية أخرى.
وأشارت ألاجوز إلى أن "فرنسا ترى أن هذا النموذج يمكن تطبيقه أيضا في الشرق الأوسط، لأنها تعتقد أنه بهذه الطريقة، يمكنها منع الصين، التي تركز على الشرق الأوسط، ونتيجة لذلك، بإمكانها الحد من وجود بكين في إفريقيا".
وأضافت أن الدولة المحورية لنموذج دول الساحل الخمس الشبيه بفرنسا هي العراق في الشرق الأوسط. وستواصل بغداد، التي تمتلك واحدا من أكبر احتياطيات النفط في العالم، الحفاظ على أهميتها الجيوستراتيجية للاقتصاد العالمي.
بالإضافة إلى ذلك، فإن موقعها الجغرافي يعني أن هناك رابط نقل مهما للغاية بين الأسواق الأوروبية والآسيوية، وهو أمر مهم للغاية بالنسبة للصين.
واستدركت: زار ماكرون العراق مرتين بين عامي 2020 و2021. ومن المقرر أن يؤدي زيارته الثالثة في الأسابيع الأولى من عام 2023.
وجاءت زيارة ماكرون الأولى في أعقاب رحلته إلى لبنان في 3 سبتمبر/أيلول 2020. وجرت الرحلة الثانية في 27 أغسطس/آب 2021 لحضور مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة.
ولفتت الكاتبة النظر إلى "حقيقة أن فرنسا هي الدولة الأوروبية الوحيدة المشاركة في القمة أمر لافت للنظر ومؤشر مهم على اهتمامها بالشرق الأوسط".
دور إيران
واستدركت ألاجوز: دولة أخرى ذات أهمية كبير في سياق إستراتيجية العراق - فرنسا، التي قادت المؤتمر، هي إيران.
وأوضحت أن التقارب بين إيران والصين، بغض النظر عن التمزقات التي حدثت أخيرا، يتعمق وله انعكاس مباشر على المجال العراقي.
فالعنصر الأكثر أهمية الذي يدعم رئيس الوزراء السوداني، الذي لا يزال في شهوره الأولى، هو "الإطار التنسيقي" الشيعي المدعوم من إيران. لهذا السبب، يعتقد أن محمد شياع السوداني سينفذ سياسة تتوافق مع مصالح طهران.
مؤشر آخر على أن السوداني سيتبنى سياسة متوافقة مع إيران والصين هو أن من بين العناصر السياسية العديدة التي تدعمها تشكيلا يسمى "الحركة الشعبية لطريق الحرير". وتعزز هذه المجموعة علاقات اقتصادية أوثق مع بكين.
وأضافت ألاجوز أن القضية الرئيسة التي تزعج فرنسا في هذه المرحلة هي أن إيران، نيابة عن الصين، التي تراها منافسا، تعمل كقوة وكيلة في العراق، وبالتالي تمنع المستثمرين الأوروبيين، وخاصة باريس، من دخول بغداد.
لهذا السبب، تريد فرنسا من إيران حل المشاكل مع المجتمع الدولي في أقرب وقت ممكن والتخلص من اعتمادها الاقتصادي على الصين.
وتماشيا مع كل هذا، اجتمع وزيرا خارجية فرنسا وإيران في الأردن، وكان هذا الاجتماع متوترا.
إذ كان متوقعا أن التصريحات وقرارات العقوبات التي اتخذتها الدول الأوروبية، وخاصة فرنسا، بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في إيران وقرارات العقوبات في الأشهر الثلاثة الماضية تسببت في عدم ارتياح الجانب الإيراني.
وقال وزير الخارجية الإيراني "حسين أمير عبداللهيان" في تغريدة على تويتر إنه يجد تدخل فرنسا في الشؤون الداخلية الإيرانية غير مقبول وأن على باريس مراجعة موقفها ضد طهران، لكن إيران مع ذلك تفضل طريق الحوار والدبلوماسية.
وفي هذا السياق، عقد الاجتماع الأهم بين الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية "جوزيب بوريل" ووزير الخارجية الإيراني "حسين أمير عبداللهيان".
وقال بوريل لوزير الخارجية الإيراني، إن طهران يجب أن توقف على الفور دعمها العسكري لروسيا وحملتها على المتظاهرين في الداخل، بينما تترك في الوقت نفسه الباب مفتوحا لاستعادة الاتفاق النووي على أساس المفاوضات.
وأردفت: في محور الاجتماع في الأردن، جرى اتخاذ خطوة مهمة فيما يتعلق بالعلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية، والتي تعد حاسمة للغاية للسلام الإقليمي.
توقفت المحادثات بين الدبلوماسيين متوسطي المستوى التي بدأت في أبريل/نيسان 2021 لإصلاح العلاقات بين البلدين، والتي توقفت عام 2016، لبعض الوقت بعد الجولة الخامسة.
وفي هذا السياق، عقد أول اجتماع رفيع المستوى بين البلدين منذ عام 2016 في الأردن بين وزيري الخارجية.
وكتب "عبداللهيان" باللغة العربية عن الاجتماع أن نظيره السعودي فيصل بن فرحان أكد له أن بلاده مستعدة لمواصلة الحوار مع إيران.
وختمت الكاتبة مقالها قائلة: إن حقيقة وجود اجتماع رفيع المستوى بين إيران والسعودية أمر إيجابي من حيث التوازنات الإقليمية".
وقد أظهر هذا الوضع مرة أخرى أنه من الأهمية بمكان حل المشاكل بين دول الجوار من أجل ضمان بيئة سلام دائم واستقرار اقتصادي وسياسي في العراق.
وبالمثل، أظهرت المحادثات بين المسؤولين الإيرانيين والأوروبيين مرة أخرى أن الطرفين لا يزالان يعلقان أهمية كبيرة على إحياء الاتفاق النووي ومدى أهمية احتواء التهديدات التي يشكلها برنامج إيران النووي من أجل السلام الإقليمي، بحسب الكاتبة التركية.