"عزلة دولية".. صحيفة ألمانية: هذا ما ستحققه حكومة نتنياهو الجديدة لإسرائيل
سلطت صحيفة "تاجس أنتسيجا" الألمانية الضوء على عودة بنيامين نتنياهو إلى سدة الحكم في إسرائيل بعد ابتعاده عن منصب رئاسة الوزراء قرابة عام ونصف العام.
وتمكن نتنياهو، من خلال تحالفاته السياسية، من العودة إلى صدارة المشهد السياسي الإسرائيلي مرة أخرى، عقب حصده أغلبية في انتخابات الكنيست (البرلمان) الأخيرة، مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2022.
ونتنياهو، البالغ من العمر 73 عاما، يعد أطول من تولى رئاسة حكومة دولة الاحتلال على مدار التاريخ، وحكمها لمدة 15 عاما.
ولفتت الصحيفة إلى ضرورة عدم تفسير عودة نتنياهو كونها استمرارا أو استكمالا لعصر سابق. لكنها تؤكد أنها بداية "فصل جديد من فصول قصة إسرائيل ينطوي على الكثير من المخاطر".
ثمن العودة
ولم تشهد الدولة حكومة كهذه من قبل، ففي تاريخ إسرائيل البالغ 75 عاما تقريبا، كان اليسار يحكم تارة، واليمين تارة أخرى، وشهدت البلاد كثيرا من التغييرات والخلافات.
وكان الأمر دوما يتعلق في نهايته بالرغبة في "إيجاد توازن داخل الدولة التي ينبغي عليها مواجهة صراعات وخلافات في الداخل، وأعداء وخصوم في الخارج".
لكن المختلف هذه المرة، وفقا للصحيفة، أن "نتنياهو دفع ثمن عودته الشخصية إلى السلطة، من خلال تقديم تنازلات عن جزء كبير من السلطة الفعلية لشرائح مجتمعية وسياسية متطرفة، مثل الأرثوذكس والقوميين المتطرفين".
ويصف التقرير حلفاء ائتلاف نتنياهو المتطرفين -الذين يحملون قرابة نصف الحقائب في الحكومة المستقبلية- بأنهم لا يعبأون بمراعاة الأبعاد السياسية المختلفة.
كما لا يمتلكون القدرة على رؤية الصورة الكاملة للأحداث، وليس من سماتهم النزوع نحو الحلول البراغماتية والتوازنات السياسية.
ويرى أن جزءا منهم لديه اهتمام بالحفاظ على وجود مجتمع ديني محافظ مواز، والجزء الآخر يعطي الأولوية السياسية -فقط- لتوسيع السياسات الاستيطانية.
وتعجبت الصحيفة من أن هذه الحكومة قد حوت بين جنباتها العنصريين وكارهي الأقليات ومناهضي الليبرالية وداعمي الدولة الثيوقراطية (الدينية) اليهودية.
وكذلك شملت هذه الحكومة العديد من الشخصيات البارزة الذين دخلوا قديما في صراع مع السلطات القضائية، بسبب تهم تعلق بالفساد أو الاحتيال أو التحريض على العنف أو دعم منظمات إرهابية. وتعقب الصحيفة: "الآن يمثل كل هؤلاء مركز السلطة داخل إسرائيل".
وقد أثارت هذه الأوضاع السياسية، لدى الصحيفة، ثلاثة أسئلة جوهرية؛ أولها ما الذي تمثله هذه الحكومة من تهديد على "الديمقراطية" في إسرائيل؟ إلى أين يتجه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني؟ ما الذي يعنيه المشهد الحالي لشركاء إسرائيل وأصدقائها في الغرب؟
"تهديد للديمقراطية"
لفتت الصحيفة إلى أنه لطالما عرفت إسرائيل نفسها كونها دولة يهودية وديمقراطية، كلاهما بالمستوى نفسه، ويجمعهما حالة توازن، وفق زعمها.
لكنها تخوفت من القادم، إذ "يبدو أن إسرائيل ستعرف نفسها في المستقبل كونها دولة يهودية أكثر من أي شيء آخر".
وقد استدلت الصحيفة الألمانية على فرضيتها بعدد من الأحداث والتصريحات، منها المطالب المتعددة التي تظهر بين الفينة والأخرى داخل جنبات تحالف نتنياهو بضرورة فرض حظر على مباريات كرة القدم.
وأيضا إغلاق محطات الكهرباء يوم السبت (الإجازة الأسبوعية المقدسة لدى اليهودي)، والمطالبات بالفصل بين الجنسين في الأماكن العامة، إضافة إلى رغبة شركاء التحالف في تقليص صلاحيات المحكمة العليا الإسرائيلية.
وأشارت الصحيفة إلى تصريحات وزير الأمن القومي الجديد، إيتمار بن غفير، الذي يدعو إلى إظهار "التفوق اليهودي". إذ يريد أن يظهر للأقلية العربية الفلسطينية في إسرائيل من هو "صاحب الأرض".
وأكد التقرير أنه "لا يوجد أحد في الحكومة الجديدة يجول في خاطره إنهاء احتلال الضفة الغربية الذي دام 55 عاما، بل إنهم يستبعدون إقامة دولة فلسطينية من الأساس".
كما تنبأت الصحيفة بحدوث صراع مرتقب في الشرق الأوسط، لا سيما بسبب الأحداث الأخيرة ومستجدات الأوضاع فيما يتعلق بالشأن الفلسطيني والصراع اليهودي الفلسطيني.
وترى أن حلفاء إسرائيل متخوفون من فشل مشروع حل الدولتين، وهو ما يؤدي إلى "توتر العلاقات بين إسرائيل والغرب، الذين دأبوا دائما على الدعوة لهذا الخيار".
وشددت على أن القيم المشتركة بين الغرب وإسرائيل كانت هي السبب دائما للعلاقات الوثيقة بين الجانبين.
وعلى خلفية التطورات الأخيرة، تتساءل الصحيفة عن "الأسلوب الذي سيتعامل به الغرب مع إسرائيل في ظل إدارة ظهرها صراحة لحل الدولتين وابتعادها عن القيم المشتركة بينهما".
وأبدى التقرير مخاوفه من أن تقود الحكومة الإسرائيلية الجديدة الدولة اليهودية إلى "عزلة دولية متزايدة".
وقد حاول نتنياهو غير مرة تهدئة المخاوف بشأن تطرف السياسة الإسرائيلية، مؤكدا أنه "يجلس في قمرة القيادة، بينما الآخرون في مقاعد الركاب".
وشدد نتنياهو على أنه "لم يكن هو الذي حدد المسار في مفاوضات الائتلاف، وإنما الشركاء الذين أصبح معتمدا عليهم بشكل كلي من أجل بقائه السياسي، وبالتالي لا يستطيع التخلي عنهم".
ونبهت الصحيفة إلى أن أمرًا آخر يهدد إسرائيل، لا يقل خطورة عن تطرف النخبة الحاكمة الحالية، وهو أن نصف الناخبين الإسرائيليين تقريبا لم يصوتوا لنتنياهو وشركائه.
وذكرت أن بعضهم يدعو للخروج للشوارع ضد الحكومة الجديدة، وآخرين يدعون للهجرة الجماعية من إسرائيل.
وبينت أن أمل هؤلاء المناهضين للحكومة قائم على أمرين اثنين؛ أولهما أن يضغط أصدقاء إسرائيل في جميع أنحاء العالم، لا سيما في واشنطن، على الحكومة الجديدة لمنعها من فعل الأسوأ.
وثانيهما أن هذه الحكومة ستنهار بسبب صراعاتها الداخلية قبل أن تتمكن من إحداث الكثير من الأذى للدولة اليهودية ومستوطنيها.