ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل.. لهذا لن ينقذ الاقتصاد اللبناني المتدهور
استبعد موقع إيطالي إمكانية أن يسهم اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، في تغلب لبنان على أزمته الاقتصادية الحادة.
وقال موقع "معهد تحليل العلاقات الدولية" إن هذا السيناريو غير وارد في الوقت الحالي عكس المأمول.
وأردف: "الاتفاق الذي جرى التوصل إليه بوساطة أميركية من خلال مبعوث واشنطن لشؤون الطاقة عاموس هوشستين، وضع حدا لنزاع بحري مستمر منذ عقد".
وأضاف أن النزاع يتعلق بجزء من البحر قبالة السواحل الإسرائيلية واللبنانية الغنية بالغاز والنفط يطالب بها بشدة كلا الطرفين المعنيين.
وأشار إلى أن التوصل إلى اتفاق لم يكن مضمونا بالنظر إلى أن الجانبين لا يزالان في حالة حرب رسميًا وأن لبنان لا يعترف بدولة الكيان.
ولهذا السبب تحديدًا، زعم رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق يائير لابيد الاتفاق بأنه "إنجاز سياسي" وبين أن "لبنان اعترف بموجبه بدولة إسرائيل".
وتابع: "ليس في كل يوم تعترف دولة عدوة بإسرائيل، باتفاق خطي، على مرأى من المجتمع الدولي كله".
من جانبه، وصف الرئيس الأميركي جو بايدن الاتفاق بـ"التاريخي، ويعزز مصالح البلدين والمنطقة، ويمثل فصلا جديدا من الازدهار والأمل".
وبدوره، أوضح الرئيس اللبناني السابق ميشال عون أن ترسيم الحدود البحرية يعد "عملية فنية دون أي تداعيات سياسية" ولهذا السبب لا يتعارض مع "سياسة لبنان الخارجية تجاه الدول الأخرى".
المفاوضات البحرية
استبعد الموقع الإيطالي أن "يؤدي الاتفاق إلى تغيير جوهري في العلاقات السياسية بين الطرفين"، لافتا إلى أن ما تأمله بيروت أن "يعمل على إنعاش الاقتصاد الوطني الذي يواجه منذ سنوات واحدة من أشد الأزمات الاقتصادية في العالم".
تمتد المنطقة البحرية المتنازع عليها على مسافة 860 كيلو مترا مربعا، بين الحدود التي قدمها لبنان إلى الأمم المتحدة الخط 23، والحدود التي تطالب بها إسرائيل على أساس اتفاقية 2010 مع قبرص، الخط 1.
انطلقت المفاوضات للمرة الأولى عام 2011 بوساطة الدبلوماسي الأميركي فريدريك هوف، الذي اقترح إسناد 55 بالمئة من المنطقة المتنازع عليها إلى لبنان وتخصيص الباقي لإسرائيل.
لكن الاقتراح قوبل بمعارضة حزب الله وحركة أمل اللبنانيين الشيعيتين، لذلك توقفت المفاوضات عام 2012.
وفي عام 2013، انتهت محاولة جديدة مرة أخرى إلى طريق مسدود، وبعد ذلك ظلت المفاوضات متوقفة تماما لسنوات لتستأنف مجددا عام 2020.
وانتهت بدورها إلى طريق مسدود بسبب المطالبات الجديدة من لبنان بمسافة إضافية تمتد على 1430 كيلومتراً مربعاً وتبلغ حدود الخط 29.
ويشمل ذلك جزءا من حقل كاريش الذي تطالب به لبنان بالكامل وهو ما رفضه كل من الاحتلال والولايات المتحدة الأميركية كذلك.
أشار الموقع الايطالي إلى أنه بعد مرحلة جديدة من الجمود، وتعيين هوشستين وسيطًا وبعض التوتر في يوليو/تموز 2022، تنازل لبنان رسميًا عن المطالبات المتعلقة بالخط 29.
وقرر لبنان العودة إلى الخط 23، بشرط الحصول حقوق الاستخراج في منطقة حقل قانا كاملة. على إثر ذلك استؤنفت المفاوضات مجددا وتوصل الطرفان في أكتوبر/تشرين الأول إلى اتفاق.
تستند الحدود المنصوص عليها في الاتفاقية إلى حد كبير إلى الخط 23، ومُنحت حقوق الحفر في حقل قانا للبنان، في حين تحصلت إسرائيل على حقل كارديش بأكمله.
كما ستحصل تل أبيب على نصيب من عائدات عمليات الاستخراج في ما يسمى "بلوك 9" من حقل قانا في إطار اتفاق وقعته مع مشغلي الحقل توتال إنرجي وإيني الإيطالية.
آمال التعافي
لفت المعهد الإيطالي إلى أن لبنان يأمل أن يتمكن، على إثر ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل وإمكانية البدء في أنشطة استخراج الغاز والنفط، في مواجهة ما وصفها البنك الدولي بإحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية في العالم خلال الـ 150 عامًا الماضية.
ويعيش اقتصاد البلاد منذ عام 2019 وضعا مأساويا، كان له تداعيات اجتماعية شديدة، وفي ظل انهيار قيمة الليرة اللبنانية والنمو المتسارع للتضخم، حدّت البنوك من إمكانية سحب المواطنين أموالهم نتيجة عدم وجود سيولة كافية.
ويقتحم بعض المواطنين البنوك ويهددون باستخدام القوة لاستعادة أموالهم، وهو ما تمكن من تحقيقه البعض منهم. كما يُعتقد أيضًا أن انهيار النظام الاقتصادي اللبناني يرجع إلى الفوضى السياسية والفساد المستشري.
في غضون ثلاث سنوات، انخفضت قيمة الليرة اللبنانية بنحو 95 بالمة مقابل الدولار، ووفقا للأمم المتحدة، يعيش قرابة 80 بالمئة من السكان تحت خط الفقر مقارنة بـ 42 بالمئة في عام 2019 أي النصف تقريبا.
عد الموقع تحسن الأوضاع الإقتصادية كليا بفضل الاتفاق الموقع بشأن ترسيم الحدود البحرية بعيد عن الواقع لمجموعة متنوعة من الأسباب.
أولا، على عكس إسرائيل، التي بدأت بالفعل الاستخراج من حقل كاريش، لن يحقق لبنان أي فوائد اقتصادية لفترة طويلة.
ولا سيما أنه لم يجر التأكد بعد من وجود احتياطيات كبيرة من الغاز في حقل قانا، كما ستستغرق عملية الانطلاق في استغلال الموارد سنوات.
علاوة على ذلك، إذا كان هناك دليل على كمية قابلة للتسويق من الوقود الأحفوري، فسيتعين على توتال إنرجي الدخول في "اتفاقية صريحة مع إسرائيل" قبل تنفيذ أي استثمارات كبيرة مما قد يتسبب في مزيد من التأخير.
من حيث العائدات، حسب دراسة أجرتها قبل عامين مبادرة النفط والغاز اللبنانية ومجموعات أخرى، لن تتجاوز الإيرادات المحتملة من استخراج الغاز والنفط في المنطقة 8 مليارات دولار، أي ما يمثل 10 بالمئة فقط من الدين العام اللبناني.
وبحسب الموقع، هناك جوانب أخرى يجب مراعاتها في حال افتراض أن حقل قانا يحتوي على احتياطيات كبيرة، مثل الأسواق المحتملة للغاز وتوافر البنية التحتية للتصدير.
ويشرح أن لبنان سواء كان لديه كميات كافية من الوقود الأحفوري للتصدير أو للاستهلاك المحلي، سيحتاج إلى استثمارات في البنية التحتية مثل خطوط أنابيب الغاز وتطوير محطات جديدة له.
ويرى أن البلاد مطالبة بالشروع في مسار عميق لإصلاح و"تطهير" المؤسسات للحيلولة دون إهدار الأرباح والاستثمارات ولتجنب أن تنتهي عائدات استغلال الموارد الطبيعية في جيوب النخب السياسية الحاكمة بفضل نظام مشروط بالفساد والمحسوبية.