قلق واضح.. ماذا وراء الرغبة الشعبية في كوريا الجنوبية بامتلاك سلاح نووي؟
أفاد معهد إيطالي بأن ثمة تطورا صادما طرأ على الشعب الكوري الجنوبي أخيرا، إذ أصبح أغلبه يطالب بامتلاك سلاح نووي، لردع الجارة الشمالية، رغم أنه كان ضد ذلك النهج لسنوات.
وأوضح "معهد تحليل العلاقات الدولية" أن شعب كوريا الجنوبية لا يثق بوقوف الولايات المتحدة أو اليابان إلى جانبه حال تعرضه لهجوم من قبل كوريا الشمالية أو الصين، وبات يريد سلاحه الخاص.
تطور صادم
وذكر المعهد الإيطالي أن التهديدات المستمرة والعدوانية من كوريا الشمالية تدفع سكان الجنوب إلى المطالبة بتطوير ترسانة نووية، وفقا لما أظهرته استطلاعات رأي حديثة.
وقال إن المزيد من الأصوات في سيول تطالب النظر بجدية في إمكانية التسلح بترسانة نووية في أقرب وقت ممكن.
يأتي ذلك بسبب التوتر المتزايد بين الشمال والجنوب، نتيجة الزيادة المستمرة في اختبارات الصواريخ من قبل بيونغ يانغ، ومن ناحية أخرى على ضوء تعزيز العلاقات العسكرية مع الولايات المتحدة.
والخيارات المطلوبة في هذا الاحتمال مزدوجة: إما أن تمتلك البلاد ترسانة نووية بما يتعارض مع معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.
أو أن تعيد الولايات المتحدة نشر قوتها النووية التكتيكية على الأراضي الكورية الجنوبية كما هو الحال في بعض دول حلف شمال الأطلسي "ناتو" غير النووية.
وكلا الخيارين يواجهان معارضة شديدة من كل من الإدارة المركزية والحلفاء الأميركيين، بينما وصلت العلاقات مع الشمال إلى أدنى مستوياتها التاريخية.
واستعرض المعهد ما كشفت عنه بعض الاستطلاعات التي جرى نشرها في الأيام الأخيرة على غرار استطلاع أجرته جامعة سيول الوطنية.
وأظهر أن 55.5 بالمئة من الأشخاص الذين تمت مقابلتهم يؤيدون إنجاز برنامج نووي محلي في ارتفاع بنسبة 10 بالمئة مقارنة ببيانات العام السابق.
أما الأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة لحكومة سيول، يكمن في كون الغالبية العظمى من المواطنين المشاركين في الاستطلاع، 92.5 بالمئة، لا يؤمنون بإمكانية أن يبدأ الشمال في نزع السلاح النووي.
إذا أضيف إلى هذه البيانات تلك المتعلقة بإعادة التوحيد المحتملة لشبه الجزيرة، يبدو الوضع بحسب الموقع أكثر دراماتيكية، خصوصا وأن 31.6 بالمئة من الأشخاص المستجوبين، خاصة بين فئة الشباب، يعتقدون أن مثل هذا السيناريو "مستحيل".
علاقات معقدة
بينما تعد الصين التهديد الرئيس لسيول، تحافظ كوريا الشمالية على مركزها الثاني ولأسباب ملموسة لا يمكن إنكارها، وفق المعهد الإيطالي.
ويشرح بأن التسريبات لم تؤكد فقط أن بيونغ يانغ على وشك إجراء تجربتها النووية السابعة، والتي قد تجري وفقا لمصادر استخباراتية بين نهاية أكتوبر/ تشرين الأول ومنتصف نوفمبر/ تشرين الثاني 2022.
وإنما تشير إلى أن إطلاق الصواريخ في الفترة الأخيرة كان "محاكاة" لهجوم نووي.
وبحسب ما أوردته وسائل إعلام في بيونغ يانغ، تم تركيب رؤوس حربية نووية مزيفة على الرؤوس الحربية الصاروخية، من شأنها أن تضرب بنجاح نقاطا إستراتيجية في أراضي كوريا الجنوبية في رسالة "تحذير" للجنوب والولايات المتحدة حسب تصريحات النخب في الشمال.
من جانبه، علق رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول، على التطورات الأخيرة بالقول إن كوريا الشمالية، في رأيه، ليس لديها ما تكسبه من الاستخدام الحقيقي لأسلحتها النووية.
يعكس هذا التعليق، وفقا لآراء شخصيات مختلفة من كل من العالم الأكاديمي والعالم السياسي في كوريا الجنوبية، موقفا غامضا عن عمد فيما يتعلق بالمناورات الدفاعية التي يمكن للجنوب تنفيذها تقنيا في حالة التهديدات الملموسة المتزايدة من الشمال المجاور.
وأشار المعهد الإيطالي إلى ظهور إشارات عديدة في العديد من اللقاءات والبيانات إلى "إستراتيجية الردع الموسعة والمجموعة الاستشارية".
عقد الاجتماع الأخير لهذه الهيئة الكورية الأميركية في واشنطن في 16 سبتمبر/ أيلول 2022 بعد توقف دام أربع سنوات.
وعلى الرغم من أن التوقعات من الجمهور الكوري الجنوبي كانت عالية في المتوسط، إلا أنه يبدو أنها لم تتحقق جزئيا.
والبيانات المشتركة أعادت تأكيد رغبة واشنطن في السعي بحزم لتحقيق الهدف المشترك المتمثل في نزع السلاح النووي من الشمال وضمان الأمن الكامل للجنوب في حالة وقوع هجوم.
خطوة غير مقنعة
ولفت المعهد إلى أنه في ظل التطورات الدولية الأخيرة، ولا سيما الحرب في أوكرانيا، لم تقنع هذه التأكيدات العديد من المواطنين في ظل عدم وجود خطط ملموسة في حالة وجود تهديدات جدية من بيونغ يانغ.
كما يخشى أن تقرر الولايات المتحدة الانسحاب من شبه الجزيرة في حالة وقوع هجوم خوفا من انتقام نووي على أراضيها بشكل يعارض وعودها على غرار ما حدث في أوروبا.
ويذكر أن الولايات المتحدة قررت في عام 1991 من جانب واحد سحب أسلحتها النووية وتركت الجنوب فعليا بدون أسلحة دمار شامل مماثلة لتلك التي في الشمال.
في هذا السياق، يلاحظ بأنه على الرغم من أن 40 بالمئة من المستجوبين يؤيدون الحفاظ على علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة.
إلا أن أكثر من نصفهم يؤيدون الحفاظ على حياد الدولة في النزاعات بين واشنطن وبكين (الحليف الرئيس لكوريا الشمالية).
جزئيا، يرجح المعهد الإيطالي أن يكون هذا الرأي مستمدا من حقيقة أن تحالفا مع واشنطن سيؤدي إلى تحالف ثلاثي مع اليابان، وهو ما يرغب فيه صراحة الرئيس يون.
من جهته، اتهم زعيم المعارضة الكورية أخيرا الرئيس باتباع سياسة دفاعية "موالية لليابان"، الأمر الذي أثار مخاوف لدى البعض من إنشاء قواعد يابانية داخل البلاد.
هذا التحالف الثلاثي، من ناحية أخرى، أحد الأهداف الأميركية في المنطقة، إلا أن الماضي الاستعماري لليابان في شبه الجزيرة الكورية يقف حائلا دون تحقق مثل هذا السيناريو.
بحسب هونغ جون بيو، الذي ترأس في عام 2017 حزب الحرية الكوري، الطريقة الوحيدة التي يمكن لسيول أن تتعامل بها على قدم المساواة مع جارتها الشمالية هي من خلال تطوير برنامج نووي مستقل خاصة عن الأميركيين.
كما حذر هونغ، عبر فيسبوك، بلاده من وضع مشابه قريب لأوكرانيا التي تهددها روسيا بشكل ملموس باستخدام الأسلحة الذرية.
و يتهم الرئيس الحالي بالخضوع" لسياسات واشنطن التي تخشى أن يؤدي "منح" الطاقة النووية لسيول إلى انتشارها في جميع أنحاء المنطقة، وكذلك بخيانة الوعود التي قطعها في الحملة الانتخابية.
وعلى الرغم من أن يون سوك يول اتسم بتصريحات عدوانية، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات مع كوريا الشمالية، إلا أنه بمجرد وصوله إلى الرئاسة حافظ على سياسة خارجية غامضة تجاه بيونغ يانغ.
وقال إنه حاول، مثل حلفائه الأميركيين، على استحياء دعوة نظام كيم للحوار مكثفا من التدريبات العسكرية في المنطقة، وبالتالي أثار ردود فعل سلبية من الشمال الذي يرفض في الوقت الحالي أي نوع من العلاقات الدبلوماسية.
في الختام، رأى المعهد أن الصورة الحالية تتسم بوجود قلق بين السكان في حين تستمر الأمور السياسية في نفس مسارها السابق، بينما تتلاشى احتمالات الحوار والسلام تدريجيا في سياق أصبح فيه سباق التسلح ساخنا بشكل رهيب.