انقسام بالحزب الديمقراطي الأميركي بشأن فلسطين.. ما النتيجة؟

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

كشف تقرير أعده موقع استطلاعات الرأي الأميركي "538" عن زيادة أعداد المؤيدين للقضية الفلسطينية من الأميركيين وبالأخص داخل الحزب الديمقراطي.

ويقول التقرير إنه بشكل عام كان دعم الولايات المتحدة لإسرائيل موقفا مجمعا عليه لا جدال فيه من أي من الحزبين الكبيرين في البلاد، الديمقراطي والجمهوري.

كما أن تداعيات "تفجيرات 11 سبتمبر/أيلول" 2001 أدت إلى تعميق علاقة الأميركيين بإسرائيل من منظور التضامن ضد الإرهاب، وفق قوله.

استطلاعات مثيرة

ففي عام 2001، عندما استطلعت مؤسسة "غالوب" آراء الأميركيين بشأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي جاءت النتائج واضحة ومحددة، فمن تعاطفوا مع الفلسطينيين كانوا 16 بالمئة فقط، مقابل 51 بالمئة دعموا الإسرائيليين.

وعلى المستوى الحزبي لم يكن هناك انقسام كثير في الآراء، وبلغت نسبة من تعاطفوا مع الفلسطينيين من الحزب الديمقراطي 18 بالمئة فقط.

لكن اليوم وبعد نحو عقدين من الزمان تغير المشهد، فقد ارتفعت نسبة الأميركيين المتعاطفين مع الشعب الفلسطيني إلى 25 بالمئة، بينما تضاعفت نسبة الديمقراطيين الداعمين لفلسطين وأصبحت 39 بالمئة.

ووفق التقرير، هناك عدة عوامل تضافرت خلال العقد الماضي على وجه الخصوص، وقادت إلى هذا التحول.

إذ غيرت وسائل التواصل الاجتماعي الطريقة التي يرى بها الأميركيون العالم، وخاصة الشباب. كما أن الوعي المتزايد بأوجه الظلم الاجتماعي في بلدهم ربما تكون سببا آخر في إعادة تشكيل طريقة تفكيرهم في الصراعات الدولية أيضا.

لكن الأهم من ذلك كله، وفق التقرير، هو أن الشأن الفلسطيني الإسرائيلي أصبح موضوعا يحدد شكل الهوية الحزبية للديمقراطيين، كما يدفع الليبراليين بشكل متزايد إلى إعادة النظر في المبادئ التي تحدد ماهية السياسات التقدمية.

ويعتقد رئيس قسم الدراسات الإسرائيلية في جامعة كاليفورنيا الأميركية دوف واكسمان أن الحرب التي أطلقها الجيش الإسرائيلي ضد غزة في 8 يوليو/تموز 2014 كانت سببا في رفض الرواية الإسرائيلية.

استمر هذا العدوان 51 يوما، مخلفا وراءه 2322 ضحية بينهم 578 طفلا، و489 امرأة، و102 مسنا، فضلا عن الأضرار المادية الهائلة.

ويقول واكسمان إن "أعداد الضحايا هذه أثرت على الطريقة التي يرى بها العالم الصراع، كما أن رواية الدفاع عن النفس التي قدمها الجيش الإسرائيلي كمبرر لم تكن مقبولة عالميا".

ويضيف أن "العقد الماضي بالتأكيد هو الذي غير الأفكار المتداولة في المجال العام، عبر عدد من الأحداث والتحولات والعوامل".

ويضرب واكسمان أمثلة لهذه العوامل؛ كقيام حركات العدالة الاجتماعية الأميركية بالتوازي مع العنف المتصاعد في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

تطرف ترامب

كذلك أشار إلى أن موقف الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، المتطرف في دعم إسرائيل غير تدريجيا نظرة الجمهور الأميركي للفلسطينيين.

ويلمح المقال إلى أن الحرب المذكورة كانت أول تصعيد واسع النطاق ضد غزة في عصر انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وفق قوله. وسبق هذا العدوان حربان أخريان أواخر 2008 ومطلع 2009 وأيضا عام 2012، كما لحقه عدوانان آخران عامي 2021 و2022.

ومنذ ذلك الحين (عدوان 2014)، أعادت وسائل التواصل الاجتماعي تأطير نظرة المجتمع الدولي للحرب، وهذا ما حدث، سواء على مدار العقد الماضي مع الفلسطينيين، أو مع الأوكرانيين في العام 2022.

وهذا بدوره، وفق التقرير، ساعد الشعب الفلسطيني في نشر روايته للأحداث، كما مكن العالم من التواصل مع الفلسطينيين بشكل مباشر.

ويعرج التقرير على إحصائية تدلل على أن تغير آراء الأميركيين تجاه القضية الفلسطينية كان في فئة الشباب على وجه خاص.

فوفق بيانات "مركز بيو" الأميركي للأبحاث الصادرة في مارس/آذار 2022، فإن 61 بالمئة من البالغين الأميركيين دون سن 30 لديهم نظرة إيجابية تجاه الشعب الفلسطيني، مقارنة بـ 56 بالمئة ممن ينظرون بإيجابية تجاه الإسرائيليين.

في هذا السياق، ترى تالي بن دانيال، المديرة الإدارية لمنظمة "الصوت اليهودي من أجل السلام"، المناهضة لسياسات الحكومة الإسرائيلية، أن حركة "حياة السود مهمة (Black Lives Matter)" التي تشكلت عام 2013 لها دور في زيادة تأييد الفلسطينيين.

إذ إن منشورات الحركة على وسائل التواصل الاجتماعي ساعدت في الترويج لبعض المقارنات. فمن جهة، تعامل الشرطة الأميركية المواطنين من أصل إفريقي بوحشية، ومن جهة أخرى، يستخدم الجيش الإسرائيلي سياسة باطشة ضد أهل غزة.

ويعود واكسمان ليضيف سببا آخر للظاهرة ذاتها، وهو اختلاف قوة إسرائيل عبر الأجيال الأميركية، الأمر الذي أثر على نظرة كل جيل لها.

يقول واكسمان إن "وجود إسرائيل لم يكن حتمية مضمونة بالنسبة لأجيال الأميركيين الأكبر سنا، التي عاشت خلال النصف الأخير من القرن العشرين. أما الآن، ينظر جيل الألفية إليها كدولة قوية تتمتع بقوة مالية وعسكرية كبيرة".

وأضاف الأكاديمي الأميركي أن هذا يساعد في تفسير سبب تحول الموقف المؤيد لفلسطين إلى عده جزءا من الهوية التقدمية والديمقراطية.

ضد القيم الليبرالية

ففي الماضي كان ينظر إلى دعم إسرائيل على أنه يتماشى مع القيم الليبرالية. لكن اليوم وبشكل متزايد بات ينظر إليه على أنه يتعارض مع تلك المعتقدات. وقد وقع هذا التحول في المقام الأول بين الديمقراطيين الأكثر ليبرالية.

إذ يورد التقرير استطلاع رأي أجرته مؤسسة "غالوب" في فبراير/شباط 2022، أوضح أن الديمقراطيين الليبراليين يتعاطفون أكثر مع الفلسطينيين مقارنة بالديمقراطيين ككل، بنسبة 52 بالمئة إلى 38 بالمئة. 

وفي المقابل لا يزال الأعضاء المعتدلون والمحافظون في الحزب الديمقراطي الأميركي يميلون إلى دعم إسرائيل بشكل أكبر.

كذلك أورد التقرير استطلاع رأي أجراه مركز "بيو" في أبريل/نيسان 2016، كشف اتساع الفجوة حول الموقف من القضية الفلسطينية بين مؤيدي المرشحة الرئاسية السابقة هيلاري كلينتون، وأنصار السيناتور بيرني ساندرز.

وفي الوقت نفسه انضم أعضاء الكونغرس الأكثر تأييدا للقضية الفلسطينية، رشيدة طليب، وهي نفسها أميركية فلسطينية، وإلهان عمر، إلى الجناح اليساري في الحزب.

ويشير التقرير إلى أن هذا الانقسام بين الديمقراطيين المعتدلين والليبراليين حول الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي يثير جدلا عن توجه الحزب في جملة من القضايا.

وعلى النقيض من انقسام الحزب الديمقراطي حول فلسطين، يرى الكاتب أن المحافظين الأميركيين أكثر دعما لإسرائيل من أي وقت مضى.

ومن اللافت أن المسيحيين الإنجيليين، الذين تميل أغلبيتهم الساحقة إلى الحزب الجمهوري،  يقرون معتقدات داعمة لإسرائيل بشكل أقوى من اليهود الأميركيين أنفسهم، حسب مركز بيو.

ورغم أن التقرير يقر أن "المسألة الفلسطينية-الإسرائيلية" أصبحت تمثل متغيرا متزايدا في السياسة الأميركية، فإنه يرى أنها لا تعد بعد مؤثرا فعليا في السياسة الداخلية الأميركية.

فبغض النظر عن هويتهم السياسية أو أعمارهم، فإن الأميركيين لا يصنفون "إسرائيل" على أنها قضية ذات أهمية قصوى لحياتهم اليومية.

وفي هذا يقول واكسمان إن "الأميركيين لا يصوتون على هذا حقا. إنها قضية بعيدة جدا مقارنة بالمشكلات اليومية الأخرى".

لكن الأكيد، أن هناك خلافا حول القضية الفلسطينية داخل الحزب الديمقراطي، بشكل لا يجعل للحزب هوية واضحة في هذا السياق.

ويختتم التقرير بالتأكيد على أنه من المرجح أن تظل هذه المعضلة تشغل بال الديمقراطيين، حتى لو لم تؤثر على نتائجهم في الانتخابات.