هل تشعل مقارعة "الصواريخ" حربا نووية بين روسيا وأوكرانيا؟

داود علي | منذ ٢٠ ساعة

12

طباعة

مشاركة

تشهد الحرب الروسية الأوكرانية فصلا جديدا غير مسبوق من حيث التوتر والتقنيات الصاروخية المستخدمة التي تنذر بإمكانية أن يتفاقم الصراع ويتحول إلى حرب نووية بعد أن دخلت الصواريخ الباليستية ساحات القتال لأول مرة.

وأطلقت روسيا في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، صاروخا باليستيا عابرا للقارات من نوع "أوريشينك"، استهدفت به مؤسسات وبنية تحتية حيوية في مدينة "دنيبرو" الأوكرانية.

وجاء القصف الروسي بعد يوم واحد من قصف القوات الأوكرانية منطقة بريانسك الحدودية غربي روسيا، بصواريخ “أتاكمز” الأميركية.

وكانت كييف قد حصلت على الضوء الأخضر من الرئيس الأميركي جو بايدن، لاستخدام صواريخ “أتاكمز” بعيدة المدى لضرب العمق الروسي.

تلك التطورات تركت تساؤلات عن هذه الصواريخ وفاعليتها وتأثير استخدامها على الأوضاع الإقليمية والدولية، خاصة في أوروبا القلقة والمرتقبة. 

سلاح لا يقهر 

وبعد أقل من يومين من استخدامه في أوكرانيا، وتحديدا في 22 نوفمبر عقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اجتماعا مع مسؤولين عسكريين، قال فيه "سنواصل الاختبارات للصواريخ الباليستية، خصوصا في الأوضاع القتالية، بحسب تطور الوضع وطبيعة التهديدات التي تستهدف أمن روسيا".

وذكر  بوتين في الاجتماع الذي بثه التلفزيون الرسمي، أنه وجه أوامره بمواصلة اختبار وإنتاج الصاروخ الباليستي الجديد فرط الصوتي "أوريشنيك" في الجبهات القتالية المشتعلة داخل الأراضي الأوكرانية. 

وأشاد بـ"القوة الخاصة" لهذا السلاح الذي وصفه بأنه "لا يقهر"، قائلا إن نظام الأسلحة الذي تم اختباره هو "ضمانة أخرى صادقة لوحدة أراضي روسيا وسيادتها".

كذلك أمر الرئيس الروسي بإنتاج كمية كبيرة من "أوريشنيك" وهو صاروخ باليستي جديد يفوق سرعة الصوت.

وتعني كلمة "أوريشنيك" باللغة الروسية "شجرة البندق"، وهو صاروخ باليستي متوسط ​​المدى، لكن سرعته تفوق سرعة الصوت؛ إذ تبلغ حوالي 10 ماخ (مصطلح يستخدم عند التطرق لسرعات الطائرات وخاصة الطائرات الحربية الفائقة السرعة وكذلك الصواريخ).

وعندما تحدث بوتين عن إمكانياته قال إن "اعتراض هذا الصاروخ بأنظمة الدفاع الجوي الحديثة يكاد يكون اليوم مستحيلا".

وذكرت وسائل إعلام روسية مثل موقع “روسيا اليوم” أن "هذا الصاروخ متعدد الرؤوس الحربية، التي شاهدناها في اللقطات المعروضة للقصف على أوكرانيا من خلال حوالي ست ومضات، أي أن كل رأس قتالي كان يتجه إلى هدفه على حدة".

وأضافت أن "هناك نسخة نووية من صواريخ أوريشنيك، الذي يهاجم الأهداف بسرعة تتراوح بين 2 إلى 3 كيلومترات في الثانية".

ردود الفعل 

تسبب استخدام "أوريشينك" في توتر كبير على الجانب الأوكراني، حيث أعلن الرئيس فولوديمير زيلينسكي، أن بلاده تطلب من حلفائها الغربيين تزويدها بأنظمة حديثة للدفاع الجوي بعدما استهدفتها روسيا بهذا الصاروخ الباليستي فرط الصوتي.

كذلك قال السفير الأميركي السابق لدى الناتو، كورت فولكر، والذي شغل أيضا منصب الممثل الأميركي الخاص في المفاوضات المتعلقة بأوكرانيا، إن "روسيا ربما حاولت بهذه الضربة الصاروخية أن تجعل خطابها النووي أكثر تخويفا". 

كذلك اتهم وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو ونظيره البريطاني ديفيد لامي، في مقال مشترك نشرته صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية، "بوتين بالسعي إلى تدمير المنظومة الأمنية الدولية التي حافظت على السلام لعقود عبر اللجوء إلى ما يعرف بـ(حكم الأقوى)، إذ إن الحرب في أوكرانيا لم تعد مقتصرة على حدود أوروبا، بل باتت تهدد استقرار العالم بأسره".

وفي 27 نوفمبر 2024، حذر رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الألمانية برونو كال، من “زيادة الهجمات الهجينة من قبل روسيا على ألمانيا وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، بهدف اختبار التحالف على أمل أن يفشل”.

وخلال حديثه في حدث نظمته الجمعية الألمانية للسياسة الخارجية في برلين، قال كال معلقا على قصف موسكو لأوكرانيا بالصواريخ الباليستية إن "خبراء جهاز الاستخبارات الألمانية يعتقدون أن مسؤولين بارزين في وزارة الدفاع الروسية يشككون فيما إذا كانت التزامات الدفاع المشتركة للناتو وردع واشنطن الممتد في أوروبا سيصمد في مواجهة وضع خطير مثل هذا".

سلاح مدمر 

على الجانب الآخر، تمتلك أوكرانيا سلاحا لا يقل فتكا عن صواريخ "أوريشينك" الروسية، وهي صواريخ "أتاكمز" الأميركية.

وكانت كييف تنتظر طويلا السماح لها من واشنطن باستخدام ذلك السلاح بهدف تعديل موازين القوى في المعارك ضد روسيا.

والحد من فجوة التفوق العسكري الهائل لعدوتها، خاصة فيما يتعلق بمجال الجو والصواريخ شديدة التدمير.

وفي 19 نوفمبر 2024، جاء الضوء الأخضر في المرحلة الأخيرة من عهد الرئيس الأميركي جو بايدن، ليتيح للجيش الأوكراني استخدام نظام الصواريخ التكتيكية "أتاكمز" بعيدة المدى بهدف ضرب العمق الروسي، وهو ما حدث فعليا في اليوم التالي، وأدى إلى نقلة نوعية في مسار الحرب. 

و"أتاكمز" تأتي اختصارا لعبارة "نظام الصواريخ التكتيكية للجيش" أي (Army Tactical Missile System)، وهو نوع من صواريخ أرض-أرض موجهة وبعيدة المدى وشديدة الدقة، وموجودة لدى القوات البرية الأميركية منذ عام 1990، وتم تصميمها لأول مرة عام 1983.

وأعطت الولايات المتحدة لأوكرانيا صواريخ “أتاكمز” من طراز "إم 39 إيه1 بلوك آي إيه" التي توجه جزئيا بواسطة نظام تحديد المواقع العالمي (جي بي إس).

وهي صواريخ يتراوح مداها بين 70 و300 كيلومتر، ويمكنها حمل 300 قنبلة صغيرة. 

وورد في وثائق للجيش الأميركي أن صواريخ "إم 39 إيه1 بلوك" استخدمت في غزو العراق ودخلت ترسانة الأسلحة الأميركية عام 1997.

كما تمتلك أوكرانيا طرازا آخر من صواريخ أتاكمز هو "إم 57" الذي يحمل رأسا حربيا واحدا شديد الانفجار يزن 230 كيلوغراما. 

ومن خلال "أتاكمز" ستتمكن كييف من ضرب أهداف دقيقة في عمق روسيا، على الأرجح في أنحاء منطقة كورسك التي مازالت قوات كييف تسيطر على مساحات شاسعة من أراضيها.

وفي أغسطس/آب 2024، قال محللون في معهد "دراسة الحرب" (مقره واشنطن)، إن "مئات الأهداف العسكرية الروسية المعروفة، بما في ذلك القواعد العسكرية المهمة، تقع في نطاق صواريخ أتاكمز".

العقيدة النووية

ولطالما حذرت روسيا كلا من أوروبا والولايات المتحدة من هذه الخطوة التي تسمح لأوكرانيا باستخدام “أتاكمز”، وعدتها بمثابة إعلان حرب ضدها من قبل حلف الناتو والاتحاد الأوروبي ومبررا موضوعيا لمراجعة موسكو عقيدتها النووية.

وفي 19 نوفمبر 2024، أعلنت موسكو أنها بصدد تفعيل التعديلات التي أجرتها على عقيدتها النووية.

وهددت عن طريق المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، في بيان، بأن التعديلات التي أدخلتها روسيا على عقيدتها النووية تمت صياغتها ولكن لم يتم إضفاء الطابع الرسمي عليها بعد.

ونقلت وكالة “تاس” الروسية الرسمية عن بيسكوف قوله "تمت صياغتها عمليا بالفعل، وسيتم إضفاء الطابع الرسمي عليها عند الضرورة".

وهدد برد "مناسب وملموس" على القوى الغربية التي تدعم أوكرانيا عسكريا بعد قرار السماح لكييف باستخدام أسلحة تستهدف العمق الروسي.

وكان بوتين قد حذر عواصم الغرب، من أن روسيا سيكون بمقدورها بموجب التعديلات المقترحة استخدام الأسلحة النووية إذا تعرضت لضربة بصواريخ تقليدية، ولفت إلى أنها ستعد أي هجوم عليها بدعم من إحدى القوى النووية هجوما مشتركا.

وبذلك تنص العقيدة الروسية النووية الجديدة على أنه إذا شنت دولة هجوما صاروخيا باليستيا على الأراضي الروسية بدعم من دولة أخرى مسلحة نوويا، فإن لموسكو الحق في الرد نوويا.

كذلك يمكن لموسكو استخدام هذا الحق أيضا إذا تعرضت لهجمات بمسيرات أو طائرات حربية.

ووفقا لتحديثات العقيدة النووية، يعد "العدوان على روسيا من دولة عضو في التحالف تطورا يمكن أن يؤدي إلى رد نووي، ويعد جميع أعضاء التحالف الذي تنتمي إليه الدولة المهاجمة طرفا في العدوان المحتمل".