صدام جديد بين أنصار عمران خان وعسكر باكستان.. ماذا وراء الاحتجاجات الدموية؟

داود علي | منذ يومين

12

طباعة

مشاركة

من سجنه في مدينة "راولبندي" الواقعة في إقليم البنجاب شمالي شرق باكستان، دعا رئيس الوزراء السابق عمران خان، أنصاره من حزب حركة "إنصاف" للزحف نحو العاصمة إسلام آباد.

وبالفعل، انطلقت المسيرة الحاشدة، تحت قيادة بشرى بيبي "زوجة عمران خان"، من إقليم خيبر بختونخوا، الذي يقود حكومته علي أمين غاندابور وهو صديق مقرب لخان.

واستطاع 10 آلاف من أنصار خان بمن فيهم زوجته، الدخول إلى العاصمة في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، رافعين شعار "افعل أو مُت" الذي أطلقه خان من محبسه في الرسالة المعنونة بـ"النداء الأخير".

وطالبوا بالإفراج عن رئيس الوزراء السابق والتراجع عن التعديلات الدستورية التي تمت في 30 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، وأحدثت جدلا سياسيا كبيرا، خاصة المواد المتعلقة بتعيين رئيس المحكمة العليا.

المنطقة الحمراء

وتمثلت الخطة الرئيسة لأنصار حركة “إنصاف” في اختراق العاصمة والوصول إلى منطقة "دي شوك" لتكون الوجهة النهائية.

و"دي شوك" ساحة كبيرة وسط إسلام أباد قرب عدد من المباني الحكومية المهمة أبرزها مكتب رئيس الوزراء، والبرلمان، والمحكمة العليا.

وكثيرا ما تستخدم الساحة في التجمعات السياسية، كما يطلق عليها "المنطقة الحمراء".

ومع ذلك، اصطدمت مسيرة الزحف لأنصار خان بالآلاف من عناصر الأمن، خاصة وحدات "رينجرز" العسكرية المختصة بإنفاذ القانون، ومواجهة مثل تلك الاحتجاجات. 

أيضا أغلقت السلطات معظم الطرق الرئيسة في المدينة باستخدام حاويات شحن كما علقت خدمات الهواتف المحمولة، حتى إن المتظاهرين أطلقوا على العاصمة لقب "كونتينيرستان" أو "أرض الشاحنات".

كما فعلت الحكومة "المادة 144" التي تحظر أي تجمع في إسلام أباد يزيد عدد المشاركين فيه على أربعة أشخاص، وذلك لمدة شهرين.

وذكر موقع "بي بي سي" البريطاني في تقريره عن المشهد أن "العاصمة الباكستانية تعيش حالة من الفوضى، فالمدارس مغلقة، والعمال يواجهون معركة شاقة للوصول إلى مكاتبهم، والشركات التي تعتمد على الإنترنت، خاصة خدمات النقل وتوصيل الطعام، متوقفة".

أما وزير الدفاع الباكستاني، خواجة محمد آصف، فقد حذر من أن “أي احتجاج عنيف سيقابل بالرد الصارم”.

صدام دموي 

لكن مع دخول متظاهري حركة "أنصاف" العاصمة واقترابهم من المناطق شديدة الحراسة، أصبح التراجع السلمي غير ممكن.

وشهدت ليلة 26 نوفمبر الصدام الدموي مع قوات الأمن، وسمع دوي الأعيرة النارية تدوي في إسلام آباد.

وفي صباح اليوم التالي استيقظ المواطنون على حواجز وسيارات محترقة وبقايا زجاج وبقع دموية نتيجة الصدامات.

وأعلن التلفزيون الحكومي الرسمي أنه "تم تطهير المنطقة من الأشرار والفوضويين"، بحسب وصفه.

بينما ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية الرسمية أنه تم تفريق مظاهرة أنصار خان والتي أدت إلى مقتل 5 أفراد من الأمن، في حين تم اعتقال نحو ألف شخص.

أما قادة حزب "الإنصاف" فأعلنوا في 28 نوفمبر، أن 20 شخصا على الأقل قتلوا وأصيب المئات في قمع الاحتجاجات، فيما لم تعلن السلطات الرسمية عن الإحصائيات.

لكن الصحفي الباكستاني الذي كان يغطي المظاهرات، زاهد جيشكوري، قد أعلن عبر حسابه على منصة “إكس”، قائلا: "في مظاهرة حزب الإنصاف، قتل 14 شخصا، بينهم 5 من رجال الأمن، و9 من المتظاهرين، مع إصابة 830 شخصا، 564 من رجال الأمن، و266 من المتظاهرين".

وألقى رئيس الوزراء شهباز شريف باللائمة على المحتجين في مقتل الجنود، كما اتهم المحتجين بدهس قوات الأمن بقافلة مركبات كانت على رأسها زوجة عمران خان، بشرى بيبي. 

وأعلن وزير الداخلية محسن نقفي بغضب "هناك امرأة واحدة فقط وراء هذه الفوضى"، في إشارة إلى بيبي.

ردود أفعال 

ونددت منظمة العفو الدولية "آمنستي" بـ"الاستخدام غير القانوني والمفرط للقوة" في الدولة الواقعة جنوب آسيا ويبلغ عدد سكانها أكثر من 240 مليون نسمة.

من جانبه، كتب عضو الكونغرس الأميركي، جريج جاسر، عبر “إكس”، قائلا: "يتظاهر آلاف الباكستانيين من أجل الديمقراطية، لكنهم يواجهون قمعا عنيفا. وأسمع تقارير تفيد بأن الحكومة تستخدم الذخيرة الحية والغاز المسيل للدموع ضد المتظاهرين".

وأضاف: "أدين هذا العنف وأحث الحكومة على السماح باستمرار هذه الاحتجاجات سلميا". 

من جهته، قال الإعلامي الباكستاني حامد مير، في تصريحات أمام البرلمان، إنه "حين وصل المحتجون كانوا بالآلاف، وبينما كانت قوافل أخرى في الطريق أو في أماكن قريبة من البرلمان".

وأضاف: "رأيت رجال الأمن يصافحون المحتجين ويتركون المنطقة، لكن بعد ساعات جاءنا أمر من جهة مجهولة (المؤسسة العسكرية)، وأنا في مكتب قناة جيو القريب من موقع الاعتصام، بأن نطفئ الأنوار و(نقوم) بإخلاء المبنى والخروج فورا".

من جانبه، أعلن المتحدث باسم حزب حركة إنصاف، ذو الفقار بخاري، أن "الاشتباكات تمثل أسوأ أعمال عنف سياسي منذ أشهر، وأنه تم تعليق الاحتجاجات، والبحث في اتخاذ إستراتيجيات أخرى لمواجهة قمع السلطة". 

مع ذلك، لم تكن الآلة القمعية للسلطة فقط العائق الوحيد الذي واجه متظاهري "أنصاف"، إذ دبت الخلافات بين أنصار خان داخل الميدان. 

وهو ما ظهر في مقاطع فيديو تداولتها وكالة "دبليو إي نيوز" المحلية، عندما نشرت لقطات عن خلافات مشتعلة بين أنصار خان وقيادات الحزب، وظهر رجل غاضب وهو يقول: "نحن لا نعرف سوى خان، ولا نعرف غيره، وإن رغبت القيادات في الانسحاب، فسنكسر نوافذ السيارات ونسحبها من أعناقها إلى موقع الاحتجاج".

وكتب الباحث الباكستاني حذيفة فريد، معلقا على الأوضاع بين أنصار خان، عبر "إكس" في 27 نوفمبر قائلا: "تمكنت بشرى بيبي ورئيس وزراء إقليم إقليم خيبر بختونخوا -التابع لعمران خان- من الهرب والوصول إلى إقليم خيبر".

وتابع: “لكن، ماذا عن المتظاهرين الذين تم شحن عواطفهم، ثم تركوهم وهربوا؟ ماذا عن الوعود عن عدم العودة حتى إطلاق سراح عمران خان؟"

ثم عقب: "هربوا بأنفسهم، وتركوا أنصارهم يواجهون الأمن وحدهم، حزب الإنصاف: الخيانة والتخلي والجبن في أبهى صورة". 

دور سعودي 

ومع ذلك لا بد من الإشارة أنه في خطابها أمام أنصار خان، في 21 نوفمبر 2024، استعدادا لترتيب المسيرة الزاحفة إلى إسلام أباد، تحدثت بشرى بيبي عن دور السعودية في الإطاحة بزوجها. 

وقالت: "إنه جرى الترتيب للإطاحة بعمران خلال زيارته الأخيرة للسعودية (في أكتوبر 2021)، عندما ذهب إلى المدينة المنورة ولم ينتعل حذاءه (من باب التقديس)".

وعقبت: "بعد عودته اتصلت جهات سعودية (لم تسمها) بقائد الجيش قمر جاويد بدوا، وقالت له (من هذا الشخص الذي أتيتم به إلى الحكم؟) نحن لا نريد باكستان إسلامية". 

وكان خان قد أطيح به من منصبه في 10 أبريل/ نيسان 2022، عندما تم إجراء تصويت بحجب الثقة عنه من قبل الجمعية الوطنية (البرلمان)، بعد ضغوطات كبيرة من الجيش وأحزاب المعارضة.

وبذلك أصبح أول رئيس وزراء في باكستان يتم عزله من منصبه عن طريق التصويت بحجب الثقة. 

ومنذ أغسطس/ آب 2023، يقبع خان في السجن، ويواجه أكثر من 150 قضية جنائية. 

ورغم ذلك، يحظى بشعبية هائلة بين ملايين المواطنين، حيث يؤكد حزبه السياسي “إنصاف” أن القضايا المرفوعة ضده “ذات دوافع سياسية”.

وبلغت الأزمة في باكستان ذروتها بعد أحداث العنف في 9 مايو/ أيار 2023، عندما دخلت البلاد في أزمة سياسية وأحداث عنف جراء اعتقال عمران خان للمرة الأولى في قضية "توشاخانا" أو ما يعرف بـ"مستودع الهدايا".

وعن مستقبل خان في ظل المواجهات الدموية الأخيرة، قال السياسي الباكستاني عبد الشكور كامران: "من المرجح أن يعلن قياديون من حزب إنصاف انفصالهم عن الحزب قريبا، كما سيتم تشديد القضايا في المحاكم ضد خان".

ولم يستبعد  السياسي الباكستاني في حديث لموقع "مونت كارلو" الفرنسي في 29 نوفمبر، اعتقال بيبي، خاصة أن الحكومة سجلت دعوى "إرهاب" ضدها في المحكمة بسبب ما حصل في إسلام أباد.

كذلك توقع كامران أن "الجيش سيقضي تماما على حكومة خان في إقليم خيبر بختونخوا، لأنها ورقة الضغط الأخيرة في يده".