المعارضة تتقدم ميدانيا.. ماذا بعد سيطرتها على عاصمة سوريا الاقتصادية؟
تعود أهمية حلب الإستراتيجية لكونها نقطة وصل رئيسة بين الشرق والغرب
أصبحت معظم حلب، العاصمة الاقتصادية لسوريا، تحت سيطرة المعارضة التي تواصل الزحف والتقدم الميداني على حساب قوات النظام برئاسة بشار الأسد ضمن عملية “ردع العدوان”.
وواصلت فصائل "إدارة العمليات العسكرية" في المعارضة تقدّمها في محافظة حلب، في الأول من ديسمبر/كانون الأول 2024، بعد دخولها المدينة وسيطرتها على أجزاء واسعة من أحيائها، خلال اليومين الفائتين.
وأعلنت الإدارة أن فصائلها تمكّنت من السيطرة على المطار والقلعة ومقر الشرطة والأكاديمية العسكرية والكليات الحربية في الراموسة، والمدينة الصناعية في الشيخ نجار بمدينة حلب.
وجاء ذلك بعدما سلمت قوات النظام بعض مواقعها الإستراتيجية في محافظة حلب، بما فيها المطار الدولي، إلى تنظيم "بي كا كا/ واي بي جي" المصنف إرهابيا في عدة دول بينها تركيا.
وبصورة مباغتة، أطلقت فصائل المعارضة السورية، في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 عملية عسكرية تحت اسم "ردع العدوان" باتجاه قرى وبلدات خاضعة لسيطرة قوات الأسد.
وسرعان ما توسعت العملية وسيطرت المعارضة على عدد من المدن كان آخرها إدلب وحلب، مع بدء الزحف نحو حماة.
ومحافظة حلب تقع شمالي سوريا وهي متاخمة لحدود جنوب تركيا، وتعد من أكثر مدن البلاد اكتظاظا بالسكان، ومن أقدم المدن المأهولة في التاريخ، واضطلعت بدور حضاري بارز في المجالين العسكري والتجاري.
وتعود أهمية حلب الإستراتيجية لكونها نقطة وصل رئيسة بين الشرق والغرب، كما ظلت طوال عهودها الغابرة مركزا سياسيا واقتصاديا ودينيا وحيويا مهما بسبب توسطها بين العالمين الشرقي والغربي.
وتنقسم المحافظة بحسب التقسيم الإداري إلى 10 مدن أكبرها حلب، وثماني مناطق و40 ناحية وعشرات القرى، وتعد أهم مركز صناعي في سوريا، إضافة إلى أهميتها التجارية والزراعية، وتلقب بالشهباء، وهي من أقدم وأشهر مدن العالم.
وفي أول تعليق من واشنطن على الأحداث، قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي شون سافيت، إن استمرار نظام الأسد في رفضه الانخراط في العملية السياسية المنصوص عليها في القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، واعتماده على روسيا وإيران، خلق الظروف الحالية.
وبدوره، أعرب جمال رشدي، المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط عن “انزعاج” الأخير "إزاء التطورات المتلاحقة التي تشهدها سوريا، وتأثيراتها على المدنيين، والتي تفتح احتمالات عديدة، من بينها حدوث فوضى تستغلها الجماعات الإرهابية لاستئناف أنشطتها.
وأعلنت رئاسة النظام السوري، أن الأسد تلقى اتصالا هاتفيا من نظيره الإماراتي محمد بن زايد، أكد خلاله وقوف بلاده مع الدولة السورية ودعمها ما أسماه "محاربة الإرهاب وبسط سيادتها ووحدة أراضيها واستقرارها".
واتسمت تغطية وسائل الإعلام السعودية والإماراتية بالانحياز إلى النظام السوري وتبني كامل روايته مع تهميش متعمد لإعلانات المعارضة عن تقدمها فضلا عن شيطنتها.
وأثار موقف أبو الغيط وابن زايد والتغطية الإعلامية المنحازة للنظام السوري، غضبا واستياء واسعا بين الناشطين على منصات التواصل الاجتماعي، عبروا عنها عبر تغريداتهم على حساباتهم الشخصية ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #حلب_تتحرر، #تحرير_حلب، #ردع_العدوان، وغيرها.
وأكدوا أن التطورات في سوريا تعدت مرحلة تأديب الأسد وقد تصل لمرحلة إسقاطه، مستبشرين بأن تحرير حلب هو البداية لنصر أكبر.
قراءات وتحليلات
وقدم أكاديميون وصحفيون وناشطون قراءات للتقدم السريع لقوات إدارة العمليات العسكرية التابعة للمعارضة في سوريا، وانهيار قوات بشار الأسد، وتحدثوا عن دلالاته وما يحمله من معانٍ.
وأوضح أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية عصام عبدالشافي، أن ما يجرى لا يعني سرعة الحسم، ولكنه مجرد خطوة على الطريق تحتاج لمزيد من الجهد والتركيز والتخطيط دون مبالغة أو تهويل.
وأشار إلى أن مظاهر التراجع السريع لقوات الأسد، ليست دليلا على الانهيار الكامل لبنية النظام، لأن خلفه حلفاء وداعمين، لن يتورعوا عن استخدام كل إمكانياتهم وقدراتهم المتاحة للحفاظ على حليف مهم، قدم لهم البلاد والعباد قربانا للبقاء في السلطة.
وأكد عبدالشافي، أن السياقات الإقليمية والدولية، التي تحركت فيها قوات المعارضة السياسية، بقدر ما تُوفر لها فرصا مهمة، بقدر ما ترتب تهديدات كبيرة يجب مراعاتها، مبينا أن إدارة الموقف تحتاج للكثير والكثير، إن كان الهدف الكبير تحرير سوريا من المحتل الداخلي وشركائه الإقليميين والدوليين.
ورأى الصحفي وائل المساري، أن انهيار قوات بشار الأسد بهذه السرعة هو أكبر دليل على أن من كان يحكم ليس إلا نظاما هشا لا يعتمد على دعم شعبي حقيقي هذه اللحظات تكشف زيف القوة التي تم الترويج لها، وتؤكد أن إرادة الشعب لا يمكن كسرها.
وقال المصور العسكري معاذ الجلال، إن انهيار قوات بشار الأسد بهذه السرعة أكبر دليل أن من كان يحكم سوريا هم إيران وروسيا وأذيالهم من طراطير المماتعة (محور الممانعة) مثل حزب اللات (حزب الله اللبناني) والحشد الشعبي.
وأشارت الصحفية مريم محمد، إلى أن المدن والبلدات السورية تتساقط مثل قصور الرمل دون أدنى مقاومة ولا أسف على حكم عصابات النظام.
وأكدت أن ذلك دليل آخر على أنه لولا المساعدة الروسية الإيرانية لكان النظام البعثي سقط في السنوات الأولى للثورة.
وعد الكاتب الصحفي عوض شقير، السقوط المتسارع للمدن السورية في أيدي الثوار ورفض جيش النظام مقاومتهم، دليلا على انحيازه إلى الشعب والوطن، وفق تعبيره.
دلالات ومؤشرات
وعن تقدم المعارضة ميدانيا، قال المعارض السياسي سمير نشار، إن دخول الفصائل مدينة حلب منظم ومنضبط، وكل الاتصالات مع الأصدقاء تشير إلى أن الأوضاع هادئة وإن كان هناك شعور عام بالتوتر.
ورأى أن هذا الشعور طبيعي نتيجة التغيير السريع والمفاجئ الذي أذهل جميع المراقبين قبل السوريين وأهالي حلب بالذات، مبشرا بأن سوريا أصبحت على موعد قريب من تحقيق حلم الحرية.
وأشار أحد المغردين إلى أن مناطق سيطرة المعارضة في حلب تجاوزت ما تم السيطرة عليه في ذروة أيام الثورة عام 2015.
وأكد أن الأسلحة والذخائر والمعدات الموجودة فيها كافية لفتح الطريق نحو دمشق وما بعد دمشق، وأنها مسألة وقت بإذن الله لكن قد لا تحتاج الفصائل إليها.
وأوضح أن ما يحصل حاليا في سوريا هو "عملية تغيير معيَّرة لنظام الحكم" تجنبا للفوضى العارمة، مؤكدا أن الأسد مطالب بضبط الأوضاع فورا كي يدحض هذه الفرضية.
وأضاف أنه حتى الآن، ما حصل في حلب دليل على نجاح الخطة، فقد بسطت المعارضة سيطرتها على المدينة بكل سلاسة وضبطت الأمن دون حوادث.
ورأى أستاذ الأخلاق السياسية محمد المختار الشنقيطي، أن مجريات عملية ردع العدوان الحالية تدل على تطور مهم في بنية الثورة السورية وأدائها، ومن معالم ذلك وحدة الإرادة الإستراتيجية بعد تناقض وتضارب لعدة سنين، أضعف القوى الثورية وفككها.
ورصد من معالم تطور الثورة السورية أيضا، التخفف من الشطط الأيديولوجي الذي ظهر مع تنظيم الدولة وأخواتها، والانتقال نحو الاعتدال والعقلانية السياسية، والتحرر من وصاية الحلفاء غير الأوفياء، من الأميركان والتابعين لهم بإحسان، ممن يكيدون للثورة وهم يزعمون دعمها.
وأشار الشنقيطي إلى توثيق الصلة والتنسيق مع تركيا، وهي الصديق الوفي والعمق الإستراتيجي للشعب السوري، ووضع الثقة في أهل الميدان من المجاهدين العمليين أكثر من معارضي المنفى الغارقين في الكلام والأحلام.
وتمنى أن تستمر الثورة السورية المجيدة في هذا المسار، بعد استيعاب مزالق الماضي، وأن تستكمل تجويد البناء والأداء، حتى يتحقق النصر الكامل الذي بدأت بشائره في حلب.
وقال الصحفي أحمد منصور، إن ما يحدث في شمال سوريا باختصار هو أن أهلها يستردون بلادهم ويحررونها من المغتصبين.
وأضاف أن الذي لا يفهمه كثير من الناس أن معظم الأنظمة المستبدة الفاسدة، واهية كبيت العنكبوت تستند إلى جرف هار.
وحينما يعد الأحرار أنفسهم، ويوحدون صفوفهم، ويحددون وجهتهم وأهدافهم ويستعينون بالله تنهار هذه الأنظمة الهشّة أمامهم كبيت العنكبوت، كما قال.
وتابع منصور: "ما نظام أميركا الذي انهار أسرع من ذلك في أفغانستان منكم ببعيد. تحررت حلب وهم في طريقهم إلى حماة وحمص ودمشق لن تكون منهم ببعيد".
ورصد الناشط أحمد أبازيد، التطورات، معلنا انهيار قوات النظام سريع في ريف حلب الشرقي وريف حماة الشمالي، وسيطرت ردع العدوان على مورك، اللطامنة، كفرزيتا، صوران، قلعة المضيق، طيبة الإمام، كفرنبودة، وتتقدم إلى مدينة حماة.
وأكد أن فجر الحرية سيطرت على مطار كويرس العسكري وتتقدم لفتح المناطق بين مدينة الباب وحلب، وأن النظام على وشك الزوال في كامل الشمال السوري.
انحياز سياسي وإعلامي
وتنديدا بالانحياز الإعلامي للنظام السوري وشيطنة المعارضة وتذكيرا بجرائم الأسد، استنكر الناشط الإعلامي عبدالباسط الحسن، الشيطنة الإعلامية العربية للتحرك الأخير في سوريا.
وقال: “يبدو أن العملية التي أدت لتحرير حلب ومئات المدن والقرى وتعرية نظام الأسد لم تعجب الدكتاتورية العربية خوفا من ردات فعل مشابهة في دول أخرى، وعدم إعطاء فرصة للسوريين لتقرير مصيرهم”.
وعد مصطفى الصمدي، هجوم الأنظمة العربية وأذرعهم الإعلامية دليلا على أن المعارضة محقة وأن تحرير سوريا سيأتي بعده تحرير كل الدول العربية لأن الثورة والتحرير أمر مُعْدٍّ.
وكتب الناشط السياسي فيصل الشعوري: "مع تحرير سوريا من الثعل المجوسي والقزم الفارسي والحقير العلوي فلا هو بشارة خير ولا أبوه حافظ للأمانة ولا جده أسد، فليذهب هو ومليشياته إلى الجحيم وليحكم البلاد بعده من حكم من أهلها فكل المسميات تهون إلا مسميات أحفاد حمالة الحطب".
وعن تأكيد ابن زايد وقوفه مع رئيس النظام السوري، تساءل مراد علي: “هل ستتدخل الإمارات كعادتها في الوقوف ضد استعادة الشعوب حريتها؟ وإن لم يكن بشار_الأسد إرهابيا فمن الإرهابي؟”
وذكر بأن الأسد قتل ما يزيد على 600 ألف مدني من شعبه، وألقى على المدن البراميل المتفجرة، وشرد 10 ملايين سوري، واستولى على بيوتهم وممتلكاتهم، واستعان بالطيران الروسي لقصفهم وبالقوات الإيرانية لقتلهم، مستنكرا أن بعد ذلك يقولون إن من يقاومه هم الإرهابيون؟