الأسد يتهاوى وروسيا تتفرج.. لماذا لا تهب لمساندته أمام تقدم المعارضة؟

مصعب المجبل | منذ ٣ أيام

12

طباعة

مشاركة

نجحت المعارضة السورية في تغيير موازين القوى على الأرض لمصلحتها وعلى حساب نظام بشار الأسد بعد تمكنها من استعادة السيطرة على أجزاء كبيرة من مدينة حلب وريفها.

فقد تسارع تقدم فصائل المعارضة منذ 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 ضمن عملية عسكرية تحت اسم "ردع العدوان" لتشمل انتزاع مدينة حلب بشكل شبه كامل من قوات الأسد ومليشياته في 29 من الشهر المذكور.

غياب روسيا

وفي اليوم التالي أحكمت فصائل المعارضة قبضتها على مدن وبلدات جديدة بريف إدلب كانت خاضعة لسيطرة قوات الأسد، ما مهد الطريق أمامها للتقدم مجددا نحو محافظة حماة.

وقد كان الغياب الروسي عبر الجو لدعم قوات الأسد ومليشياته، أبرز أسباب الانهيار المتسارع لخطوط النظام الدفاعية وطرده من عمق يتجاوز أكثر من 60 كيلومترا انطلاقا من أول نقطة تماس بريف إدلب.

إذ غابت المقاتلات الروسية عن سماء وحدود عملية "ردع العدوان"، في مشهد غير مألوف للمرة الأولى منذ معارك عام 2020 بين المعارضة وقوات الأسد بريفي حلب وإدلب.

إذ فرضت فصائل المعارضة السورية، بعملية "ردع العدوان" سيطرتها على 108 قرى ونقاط عسكرية وحيوية في محافظتي حلب، وإدلب، حيث تقدر مساحة المناطق التي سيطرت عليها بما لا يقل عن 850 كلم مربع.

وانكسار قوات الأسد ومليشياته الإيرانية ميدانيا بهذا التوقيت في حلب وريف إدلب، يعكس حجم وثقل التدخل العسكري الروسي الذي بدأ نهاية سبتمبر/أيلول 2015 لمنع سقوط نظام بشار الأسد وتسبب بمقتل نصف مليون سوري.

فقد شكل التدخل العسكري الروسي في سوريا حينها الحدث المفصلي الأول في رجحان كفة نظام الأسد على المعارضة.

إذ منع سقوط نظام بشار الأسد ومكنه من استعادة السيطرة على مساحات واسعة من المدن التي كانت تحت نفوذ الثوار.

ولهذا صنف "التدخل الروسي الدموي" كأهم نقاط التحول السياسي والعسكري في الثورة السورية التي انطلقت في مارس/آذار 2011.

ولم يكن التدخل الروسي في سوريا دون ثمن بالنسبة للكرملين، الذي وجد الفرصة المناسبة لابتلاع هذا البلد وفرض احتلالا وهيمنة عسكرية شبه دائمة.

فقد ضمنت روسيا وجودا دائما لها على ساحل البحر المتوسط، عبر توقيع عقدي استئجار طويلي الأجل عام 2017 لكل من قاعدة حميميم الجوية بريف اللاذقية وأخرى بحرية على ساحل طرطوس، وذلك لمدة 49 عاما قابلة للتمديد لمدة 25 سنة أخرى.

واليوم في ظل عملية “ردع العدوان”، أثبت الميدان العسكري السوري، أنه لولا التدخل الروسي لسقط نظام الأسد على يد الثوار مبكرا.

وهو الأمر الذي أكده صراحة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بقوله في مؤتمره الصحفي السنوي مطلع يناير/كانون الثاني 2017 إن "العاصمة دمشق كان يفصلها آنذاك أسبوعان أو 3 أسابيع عن السقوط بأيدي الإرهابيين لولا تدخلنا"، وفق وصفه.

وأمام ذلك، يجمع كثير من المراقبين أن هناك تغيرات دولية وظروف ميدانية جديدة بسوريا، تقف خلف الغياب الروسي عن المعركة.

ولا سيما أن قوات الأسد ومليشياته الإيرانية كانت تسير برا طوال المعارك السابقة، بغطاء وتمهيد مكثف جوي روسي على مناطق المعارضة قبل السيطرة على المدن والبلدات السورية.

وهو عامل أساسي وحاسم في ميل الكفة العسكرية لصالح الأسد؛ لاتباع الطيران الروسي سياسة الأرض المحروقة وكثافة القوة التدميرية للسيطرة على أي بلدة.

فخلال عام 2016، شكلت الهجمات الجوية الروسية  على أحياء حلب الشرقية إبان حصارها من قبل النظام السوري والمليشيات الإيرانية عاملا رئيسا في إخراج المعارضة منها وتهجير معظم سكانها نهاية العام المذكور.

"غياب متعمد"

وضمن هذه الجزئية، يرى الباحث الأمني السوري في مركز "حرمون للدراسات المعاصرة"، نوار شعبان، أن غياب ورسيا عن مساندة قوات نظام الأسد “متعمد”.

وأضاف شعبان لـ “الاستقلال”: "في منتصف سبتمبر 2024 نفذ طيران روسيا هجمات جوية على مناطق المعارضة بأكثر من 50 طلعة بهدف إثبات قوة حضورها العسكري بسوريا".

وأردف: “ذات القوة الروسية موجودة اليوم بسوريا في ظل تقدم المعارضة، حيث كان بإمكان الطيران الروسي تنفيذ هجمات جوية على الأقل لعرقلة تقدم الفصائل في محور واحد في 27 نوفمبر 2024 (يوم اندلاع العملية) لكنه لم يفعل”.

وتابع شعبان: “في اليوم الثاني ومع ازدياد مساحة السيطرة بيد المعارضة واقترابهم من مدينة حلب كان بإمكانه أن يشن ضربات جوية ولم ينفذ. هذا المشهد يؤكد غياب روسيا عن المعركة، وهنا يطرح السؤال عن مصلحته.”

وقال شعبان: “روسيا ليس لديها قوة عسكرية برية على الأرض للتدخل فهذه مهمة النظام السوري والمليشيات الإيرانية وحزب الله”.

 وهذه الأخيرة انسحبت باتجاه مدينة القصير بريف حمص المحاذية للحدود اللبنانية وإلى العاصمة دمشق مما خلق حالة فراغ استغلته المعارضة السورية، وفق قوله.

ورأى الباحث الأمني، أن "الجانب الروسي حاول إقامة منطقة عازلة عام 2018 في درعا بجنوب سوريا ولم يتمكن ما أدى إلى ملء الفراغ هناك من قبل مليشيات إيران، بعد إقامة تسويات أمنية مع فصائل المعارضة".

كذلك “حاولت روسيا إقامة اتفاقات مع المعارضة السورية في شمال حمص لكن حزب الله اللبناني كان السبب الأساسي في الإخلال بها (عرقلها)”، وفق شعبان.

وأيضا في "عام 2019 لم ترغب روسيا في مشاركة مليشيات إيران في معارك ريف حماة، إلا أنها تدخلت فيها وتمركزت في ريفي إدلب وحلب الجنوبيين وكذلك في مدينة الأخيرة".

ويضيف شعبان: "التواجد المليشياوي لإيران في سوريا مزعج لروسيا وللمنظومة الدولية العامة حاليا وخروجها من المعادلة أفضل حل للجميع على الصعيد الدولي".

ولفت إلى أن “المعارضة السورية ليست جزءا من هذه المعادلة المعقدة ولكنها استطاعت انتهاز الفرصة ودراسة المعطيات بشكل صحيح لتنفيذ عملية عسكرية مُحكمة”.

وأمام ذلك، يمكن القول وفق شعبان إن "روسيا بخبرتها العسكرية وجدت أن نظام الأسد لا يستطيع التقدم بسبب خلل تكتيكي يعاني منه وغياب العقيدة القتالية في الوقت الراهن في حال نفذ ضربات جوية مساندة له ما يعني أن تدخله بات مكلفا".

وختم شعبان قائلا: "روسيا في ضوء هذه المعركة مستفيدة على مستويات عدة، وخاصة أن مثل هذا العمل العسكري لا يتم إلا بوجود تخاطر دولي بغض عن النظر عن نوعه سواء أكان تفاهما أم ضغطا".

"تعنت الأسد"

وعبر عملية "ردع العدوان" تمكنت المعارضة من استعادة بلدات وقرى بريفي حلب وإدلب كانت مدرجة ضمن منطقة "خفض تصعيد" وتعديلاتها لاحقا بين روسيا وتركيا.

وأدت خروقات قوات الأسد والمليشيات الإيرانية إلى سيطرة الأخيرة على مساحات شاسعة من تلك المنطقة من يد المعارضة حتى عام 2020.

فقد توصلت الدول الضامنة لوقف إطلاق النار في سوريا، وهي تركيا وروسيا وإيران، إلى اتفاق في مدينة "أستانا" الكازاخية، منتصف سبتمبر 2017، على إنشاء منطقة خفض تصعيد في إدلب.

وأدرجت إدلب ومحيطها في منطقة خفض التصعيد، بجانب أجزاء من محافظات حلب وحماة واللاذقية خاضعة للمعارضة السورية.

وهذه الاتفاقيات رسمت حدود السيطرة بعد معارك لقوات النظام استحوذت فيها على مناطق في ريف إدلب، ومنها معرة النعمان وخان شيخون وسراقب، أواخر 2019 وبداية 2020.

وفي عام 2020، وقعت تركيا مع روسيا اتفاقية لـ"خفض التصعيد" تقضي بإيقاف العمليات العسكرية في المنطقة، وتزامن ذلك مع نشر نقاط للجيش التركي لمراقبة الاتفاقية.

ولكن ما حدث اليوم أن معرة النعمان وخان شيخون وسراقب في ريف إدلب وبلدات وقرى بريف حلب أصبحت في قبضة المعارضة ضمن عملية "ردع العدوان"، كما بدأت الفصائل عملا عسكريا في محور جديد بريف حماة وسيطرت على عدد من القرى هناك.

وهنا يرى المحلل والخبير العسكري إسماعيل أيوب، أن “المعركة الحالية بسوريا هي عند حدود منطقة خفض التصعيد المتفق عليها في أستانا بين روسيا وتركيا”.

وبين لـ "الاستقلال" أن الولايات المتحدة كطرف دولي وازن في الملف السوري تشترط أن تعود تركيا وقوات المعارضة إلى حدود منطقة خفض التصعيد بريف حماة الشمالي ومحافظة إدلب بالكامل. 

وقال أيوب: "إن العملية العسكرية تأتي في ظل رفض بشار الأسد الاتفاق مع تركيا بشكل سلمي حول كثير من الملفات التي تخص سوريا؛ واليوم تعنته يدفعه للعودة إلى اتفاقيات أستانا وأن تخرج قواته من هذه المناطق".

واستدرك قائلا: "وهذا ما يشير إلى سرعة انهيار قوات النظام السوري العسكرية والتقدم السريع لفصائل المعارضة".

وذهب الخبير العسكري للقول: “وعليه فإن المعطيات الجديدة في مدينة حلب وريفها وإدلب وحماة تفسر أحد أسباب غياب روسيا عن المعركة”.

وكانت وزارة الخارجية التركية علقت على تطورات الأوضاع العسكرية في سوريا، بتحميل النظام مسؤولية التصعيد، دون تحديد موقف مباشر من عمليات فصائل المعارضة في مدينة حلب.

وقالت الوزارة، في 29 نوفمبر 2024، إن الهجمات الأخيرة من قبل النظام على الشمال السوري وصلت إلى مستوى من شأنه أن يضر بروح وعمل اتفاقيات أستانا ويتسبب في خسائر فادحة بين المدنيين.

وقال المتحدث باسم الخارجية التركية، أونجو كتشلي، إن القصف العنيف على شمال غربي سوريا، أدى إلى تصعيد غير مرغوب فيه بالمنطقة.

وأشار إلى أن الحفاظ على الهدوء في إدلب والمناطق المحيطة، يمثل أولوية قصوى بالنسبة لتركيا، وفق ما نقلته وكالة الأناضول التركية.

وكانت إدارة العمليات العسكرية لعملية "ردع العدوان"، قالت خلال بيان على تلغرام في 27 نوفمبر، إن هدف المعركة منع استهداف قوات الأسد ومليشياته الإيرانية للشمال السوري المحرر.

وكذلك تمهيد المناطق التي تمت استعادة سيطرتها عليها الطريق لعودة المهجرين إلى منازلهم وأراضيهم، مما يسهم في تخفيف المعاناة الإنسانية في شمال غربي سوريا.