حققت تقدما كبيرا.. لماذا أطلقت المعارضة السورية عملية عسكرية في ريف حلب؟

منذ ١٨ ساعة

12

طباعة

مشاركة

بعد سنوات من تجميد العمل العسكري، أطلقت فصائل المعارضة السورية عملية جديدة حملت اسم "ردع العدوان"، محققة تقدما كبيرا في ريف حلب الغربي خلال يومين فقط.

وسيطرت المعارضة على 32 قرية ونقطة إستراتيجية بمساحة 245 كيلومترا مربعا، واقتربت من مدينة حلب بمسافة 5 كيلومترات. كما تشمل أبرز المناطق التي سيطرت عليها: الهوتة، أورم الكبرى، عينجارة، الفوج 46، وغيرها. 

وهذه العملية تعد أول اختراق لخطوط التماس منذ اتفاق وقف إطلاق النار في مارس/آذار 2020.

وبدورها، واجهت قوات النظام السوري برئاسة بشار الأسد خسائر كبيرة في معارك "الفوج 46"، حيث قُتل أكثر من 15 ضابطا وعنصرا وفق مصادر موالية للنظام. 

كردّ فعل، صعّدت قوات النظام ومليشيات إيران وطائرات روسيا الهجمات الانتقامية، مستهدفة المدنيين في 16 مدينة وبلدة شمال غربي سوريا باستخدام أسلحة محرمة دوليا، مثل الذخائر العنقودية. وأسفر القصف عن مقتل طفل وإصابة 20 مدنيا، بينهم نساء وأطفال، ونزوح آلاف العائلات.

وتصدر بقوة على منصات التواصل الاجتماعي وسم #ردع_ العدوان، العملية العسكرية التي تقودها "هيئة تحرير الشام" وانضمت لها فصائل معارضة أخرى منها الجبهة الوطنية للتحرير وفصائل أخرى، ما دفعها إلى تشكيل "إدارة العمليات العسكرية".

وقالت الإدارة العسكرية، في بيان أصدرته، "نعلن بدء عملية عسكرية لردع العدو، ودحر قواته المحتشدة، وإبعاد نيرانها عن أهلنا"، مشيرة إلى أن "هذه العملية ليست خيارا، بل واجب علينا أن ندافع عن دماء أهلنا وأعراضهم وأرضهم".

وقال القائد في عمليات إدارة العمليات العسكرية حسن عبد الغني الناطق باسم الغرفة إن هذه العملية العسكرية "تهدف إلى كسر مخططات العدو عبر توجيه ضربة استباقية مدروسة لمواقع مليشياته".

وأضاف أن الحشود العسكرية للنظام "تهدد أمن المناطق المحررة، وواجب الفصائل الدفاع عن المدنيين في وجه هذا الخطر الوشيك الذي يستهدف وجودهم وأمانهم".

وقدم ناشطون قراءات وتحليلات لعملية المعارضة السورية وإحاطات حول التطورات الميدانية وما تعنيه من تقدم وانهيار لقوات الأسد ومليشيات إيران، وعدوها مباغتة نوعية ناجحة عسكريا وسياسيا وإعلاميا وتنظيميا ومطمئنة للشعب السوري بأطيافه كافة. 

وأعربوا عبر تغريداتهم على حساباتهم الشخصية على منصة "إكس"، ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #ردع_العدوان، #عملية_ردع_العدوان، #المعارضة_السورية، #حلب، وغيرها، عن سعادتهم بما سببته قوى المعارضة السورية من انهيار كامل في جبهات النظام السوري في ريف حلب الغربي، وتقدم الثوار السريع باتجاه مدينة حلب.

وأشاد ناشطون باحترافية المعارضة السورية في إدارتها للمعركة من حيث الإعداد والجاهزية وتنصيب متحدث باسمها والإفادات المتتالية بالتطورات الميدانية وتوثيقها، مؤكدين أن جميع القرارات والتعميمات الصادرة عن غرفة العمليات تدل على تطور نوعي في العقلية الثورية.

قراءات وتحليلات

وفي قراءة وتحليل للعملية، عدها مدير مركز أبعاد للدراسات الإستراتيجية محمد سرميني، خطوة نوعية منذ تجميد الصراع العسكري بداية عام 2020، تركز على مناطق انتشار المليشيات المدعومة من إيران المنتشرة غرب مدينة حلب؛ حيث تنطلق الكثير من الهجمات الصاروخية ضد مناطق المعارضة.

ورأى أن الهدف الذي تعمل عليه الفصائل العسكرية يبدو معقولا ومتوقعا في ظل حالة التراجع التي يشهدها النفوذ الإيراني في المنطقة بعد تهشيم ذراعه الأساسية المتمثلة بحزب الله اللبناني، ورغبتها بعدم استفزاز الموقف الروسي.

وأكد سرميني، أن حدود العملية ونتائجها ستكون مرتبطة بشكل كبير بموقف روسيا، وإذا ما كانت ستتغاضى عن انتزاع مناطق من إيران لا تؤثر على دور موسكو في سوريا، أو إذا كانت ستتدخل سريعا في المواجهة سياسيا وجويا للتأكيد على رفضها تغيير خرائط السيطرة؛ حيث يبدو التدخل الروسي حتى اللحظة محدودا للغاية.

وقال إن سيناريو امتداد المعارك لتشمل مواقع انتشار تنظيم قوات سوريا الديمقراطية “قسد” شمال غربي حلب (تل رفعت - عين عيسى - مرعناز) أمر محتمل نظرا لتحالف عناصر التنظيم في هذه المنطقة مع المليشيات الإيرانية وتعاونهما.

ورأى فواز الجاسم، أن معركة ردع العدوان تثبت أن الحركات الإسلامية (الإسلام السياسي) هي العمود الفقري للمقاومة المسلحة ضد النظام والمليشيات الشيعية العابرة للحدود.

وحذر من أن حملات الطعن والتخوين ضد قوى الإسلام السياسي في سوريا لا تضعف الثورة السورية فحسب، بل تعزز تمدد ونفوذ إيران وبشار الأسد في المنطقة.

وقال تبارك صادح، إن بوصلة أهل السنة والجماعة والشعب العربي والإسلامي هي سوريا، واليوم نرى تحرّك الثوار من جديد لدحر الروس وإيران ومليشياتها وقطع رأس العمالة والإجرام بشار الأسد.

وقال المغرد مُضَر، إن أول يوم في المعركة يظهر النجاح إلى حد الآن ليس فقط عسكريا، بل سياسيا وإعلاميا وتنظيميا، مشيرا إلى أن المعركة أخذت طابع الرد على الاستهدافات بحق المدنيين وممتلكاتهم، وكان من أهدافها الأساسية إعادة النازحين إلى بيوتهم.

ولفت إلى أنه رغم وجود غرفة عمليات قائمة تُدعى "غرفة عمليات الفتح المبين"، والمتحدث باسمها "أبو الزبير الشامي" التابع لهيئة تحرير الشام والذي كان يتحدث بعد كل عملية لهذه الغرفة، تم إنشاء غرفة عمليات جديدة تحت اسم "غرفة إدارة العمليات العسكرية". 

وأشار مُضَر إلى أن  هذا الاسم طابعا تنظيميا مؤسسيا وعسكريا، يركز على حماية أمن المدنيين وضمان الشمولية، مضيفا أن  اختيار متحدث رسمي جديد، "حسن عبد الغني"، يعكس توجها نحو تنظيم أكثر احترافية، مع الابتعاد عن حصر المعركة بفصيل واحد كهيئة تحرير الشام، مما أعطى المعركة طابعا جامعا لمختلف القوى العسكرية المشاركة.

وقال الباحث عبيدة غضبان، إن الملفت والجديد في ردع العدوان حضور "إدارة العمليات العسكرية" الاحترافي، عمليا وإعلاميا، بجانب ذراعها "الإعلام العسكري"، كامتداد واستبدال لكل من "غرفة عمليات الفتح المبين" وحتى غياب "هيئة تحرير الشام".

وأضاف أن كل هذا كما يبدو أنه يعكس حالة من تتويج تراكم الجهود والرؤية ومأسستها باتجاه "حكومة الحرب": تأتي الإدارة اليوم جنبا إلى جنب مع "إدارة الشؤون السياسية" و"مكتب تنسيق العمل الإنساني"، في أسماء ومهمات وأداء تعكس بعدا مؤسساتيا ودولتيا كبيرا يوازي حضور "حكومة الإنقاذ" المسؤولة عن تسيير المنطقة.

تعريف بالعملية

وتعريفا بالعملية وحديثا عن مآلاتها، قال أبو عمر، إن ردع العدوان ليست معركة داخلية ولا حربا بين أطراف متنازعة في سوريا حول سلطة أو مال.

وأكد أن هذه حرب شعب خاض ثورة أسطورية ضد نظام طاغية مجرم، استعان في سبيل القضاء على هذا الشعب بأعتى قوى الإجرام والقتل، فاستقدم إيران ومليشياتها الشيعية أولا ثم روسيا وطيرانها المحتل.

وعد من يسوي بين الطرفين هو شريك في الإجرام والقتل، قائلا: “إن لم تكن عارفا بتاريخ هذه الثورة وتضحياتها فلا أقل من تعرف ذلك، أو تصمت فهو خير من أن تصطف بجانب أقذر قوات عرفها العصر الحديث.”

وأوضحت المديرة التنفيذية لمؤسسة مدى للرؤية الإستراتيجية نيسان بابلي، أن عملية ردع العدوان تعني أن لواءات زينبيون وفاطميون وحزب الله والنجباء والعصائب وأبو الفضل وكتائب سيد الشهداء وغيرها هي مليشيات إرهابية إيرانية استقدمها نظام الأسد لقمع ثورة الشعب السوري.

وأشارت إلى أن هذه المليشيات ارتكبت إلى جانب نظيراتها المحلية مثل قوات الدفاع الوطني ولواء باقر التي كانت تتلقى أوامرها مباشرة من الحرس الثوري الإيراني، أفظع المجازر (معركة القصير 2013- معركة حلب 2016- معركة دير الزور والبادية 2017) وغيرها من الجرائم التي يندى لها الجبين.

وأكدت بابلي، أن هذه المليشيات لم تكتفِ بالدور العسكري المباشر، حيث لعبت دورا حاسما في معارك كبرى غيرت مسار الحرب لصالح نظام الأسد.

بل عملت على تأمين مناطق إستراتيجية ذات طابع ديني مثل مقام السيدة زينب في ريف دمشق والممر البري الإيراني، كقاعدة لعملياتها وممرا لتسهيل مرور الأسلحة والإمدادات لحزب الله.

وأضافت أن هذه المليشيات عملت على إحداث تغيير ديمغرافي في محافظات ومدن سورية، فعمدت إلى تهجير سكان المناطق السنية مثل داريا والزبداني في دمشق، وكذلك صلاح الدين والحمدانية في حلب لصالح توطين عوائل مقاتليهم مما يخدم الأجندة الإيرانية.

وأكدت أن المليشيات الإيرانية وظفت الخطاب الطائفي (حماية المقدسات الدينية) كذريعة لتجنيد مقاتليها داخل سوريا، وقدمت إعلاميا الحرب على أنها صراع طائفي ضد التكفيريين، وذلك لاستجلاب مقاتلين شيعة من عدة دول.

وأكد الداعية غَازي التَّوبَة، أن ردع العدوان معركة حق مقابل باطل، وعدل مقابل ظلم، وأُمّة مقابل مشروع طائفي خبيث.

وتابع: “نُشدد على عدالة قضيتنا وظلم عدونا؛ لا نغفل عن مساندة رجال الحق في الميدان، فمن المناسب أن ندافع عنهم ونحمي ظهرهم ولا نخذلهم، فهذه معركة شرف وحق ورفع ظلم.”

وأشار الكاتب حسن بالفكيه، إلى عودة جبهة سوريا من جديد للواجهة، متوقعا أن تستمر روسيا في دعم النظام البراميلي لكن ليس كما في السابق.

وأكد أن مليشيات إيران والنظام السوري البراميلي لا تصمد بدون غطاء جوي روسي، لافتا إلى أن روسيا مستنزفة بشدة في اوكرانيا.

قراءات عسكرية

وقدم ناشطون قراءات عسكرية لعملية ردع العدوان ونتائجها الأولية، وأعربوا عن سعادتهم بتمكن الفصائل السورية من تحرير بعض المناطق وأسرها لعدد من أفراد مليشيات إيران والأسد، وتحدثوا عن الأسباب التي أدت إلى ذلك.

وعدد مدير مركز لندن للإستراتيجية الإعلامية أحمد رمضان، أسباب سرعة انهيار قوات الأسد والمليشيا الإيرانية المحيطة بمدينة حلب، رغم الدعم الكبير الذي تلقته من قبل الحرس الثوري وحزب الله والحشد الشعبي العراقي ومليشيا أفغانية وباكستانية.

وأرجع أسباب انهيار قوات الأسد إلى أنها تعاني من تدنٍّ في المعنويات، وأغلبهم عسكر من قوات الاحتياط، وقد سِيقوا رغما عنهم إلى الخدمة الإلزامية، ومعظم هؤلاء مستعدون لتسليم أنفسهم إذا توفرت لهم فرصة مناسبة، لافتا إلى أن حزب الله يعاني هو الآخر من تصدُّع كبير في صفوفه.

وأكد رمضان، أن تطورات لبنان تركت أثرا بالغا على حزب الله، وعلى باقي عناصر الميليشيا التي تتبع الحزب وفيلق قدس الإيراني، لافتا إلى أن انشغال الروس في أوكرانيا ترك تأثيره على استعدادهم للتدخل.

ولفت إلى أن أسباب انهيار قوات الأسد، تكمن بجاهزية قوات الثورة، والتي أظهرتها الكفاءة في إدارة المعركة، ميدانيا وإعلاميا وسياسيا وتعبويا، وتوحيد جهد الفصائل في "إدارة العمليات العسكرية" وانضباط الأداء وتبني خطاب مقبول وطنيا والسعي لتطمين السوريين بمختلف أطيافهم.

وقال الباحث في الجماعات الجهادية خليل المقداد: "نبارك ونفرح بتحرير كل قرية وبلدة، بل وكل شبر من أرضنا التي يحتلها المستوطنون من روافض ونصيرية وملاحدة".

ونصح بعدم المبالغة الفرح فاسم العملية ينبئ بمآلاتها، قائلا إن ردع العدوان وليس أي اسم آخر ينبئ بتحرير أو دحر لقطعان المستوطنين رغم ضعفهم.

وأشار الناشط الإنساني ملحم قدور، إلى أن المعطيات تشير إلى أن العدو في حالة انهيار ميداني ملحوظة حتى اللحظة، مما يتيح نافذة زمنية مهمة قبل أن يتمكن من إعادة تنظيم صفوفه واستعادة تماسكه العملياتي.

ولفت إلى أن التحدي الأكبر الذي يواجهه العدو حاليا هو طبيعة خارطة السيطرة التي فرضتها قوات الثورة السورية.

وقال المتحدث باسم مجلس شورى المجاهدين في المنطقة الشرقية مظهر الويس، إن المعركة أظهرت امتلاك المقاتلين زمام المبادرة، واستعادة الثقة من جديد بعد مرارة الانكسار التي ذاقها الجميع، مؤكدا أن هذا بحد ذاته نصر عظيم .

وقال الناشط أحمد معاذ، إن تقدم المجاهدين أمام انسحابات النظام المجرم وتساقط القرى تباعا على أيدي المجاهدين يكشف أنهم ما كانوا يحتاجون سوى للقرار العسكري في لحظة الصفر.

وعرض الناشط عمر مدنية، مقطع فيديو يوثق لحظة أسر عددا من عصابات الأسد وإيران في معارك ريف حلب، وهم يزحفون على بطونهم من الخوف.