رغم استفادتها من خسائر الأسد.. ما سر قلق إسرائيل من انتصارات ثوار سوريا؟

إسماعيل يوسف | منذ يومين

12

طباعة

مشاركة

على عكس الادعاءات التي تروجها وسائل إعلام دولية وعربية عن استفادته من تحرك المعارضة السورية ضد رئيس النظام بشار الأسد، إلا أن الكيان الإسرائيلي يبدو قلقا من انتصارات الثوار وتحريرهم حلب واحتمالات تغييرهم نظام الحكم.

فبعدما بدأت أصوات إسرائيلية وأميركية تروج لأن انتصارات المعارضة السورية هي انتصارات لتل أبيب؛ لأنهم استعادوا مناطق كان يسيطر عليها منتسبون لحزب الله وإيران، استفاقوا وتعالت الصرخات تحذر من أن المنتصرين "إسلاميون" سيشكلون خطرا أكبر على الاحتلال.

"احذروا الإسلاميين"

مع توالي انتصارات المعارضة السورية، توالت أيضا تحذيرات محللين إسرائيليين من أن "خطر جماعات المعارضة السورية سيكون أشد على إسرائيل من بشار الأسد".

ركزوا على التحذير من أن جماعات المعارضة السورية المسلحة، "ذات عقيدة إسلامية جهادية، تعد الدفاع عن الوطن من صميم إيمانهم وعقيدتهم، لذا سيمثلون خطرا على حدود إسرائيل".

ودفع هذا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لعقد اجتماع أمني خاص مساء 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، لمناقشة التطورات في سوريا بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت".

وذكرت الصحيفة أن هدف لقاء نتنياهو بمسؤولين عسكريين ومخابراتيين، هو "مناقشة الهجوم المستمر في شمال سوريا وانتصارات قوات المعارضة"، وتداعيات ذلك على إسرائيل.

من جانبها، أكدت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" في 30 نوفمبر، أن "رؤساء أجهزة الاستخبارات قالوا لرئيس الوزراء الإسرائيلي إن تقدم المتمردين في سوريا قد يعني فوائد قصيرة الأجل".

ولكن "التطورات على المستوى السياسي في سوريا قد تؤدي في نهاية المطاف إلى مشاكل لإسرائيل".

وأوضحت أن الفوائد التي ذكرها رؤساء الاستخبارات لنتنياهو أن إسرائيل ستجنيها بسبب ما يجرى في سوريا، هو أن اهتمام حزب الله سينتقل الآن إلى سوريا، و"قواته ستنتقل أيضا إلى هناك، من أجل الدفاع عن نظام الأسد".

ومن شأن هذا أن يعزز احتمالات صمود وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان، كما أن "حرية العمل العسكري لإسرائيل ستتوسع على ما يبدو في أرض سوريا".

لكنهم حذروا من أن "انهيار نظام الأسد من المرجح أن يخلق حالة من الفوضى التي قد تتطور في ظلها التهديدات العسكرية ضد إسرائيل".

وتحت عنوان: "يجب على إسرائيل أن تستعد لظهور تهديد جهادي سني محتمل على حدودها"، قالت "يديعوت أحرونوت": إذا انهار نظام الأسد وتمكن المتمردون السنة من السيطرة على سوريا، فقد تواجه إسرائيل تحديا أمنيا أعظم وأخطر".

قالت: "يتعين على إسرائيل أن تستعد لظهور تهديد جهادي سُنّي محتمل على حدودها الشمالية الشرقية".

وذكرت أنه رغم أن إضعاف الأسد يفيد إسرائيل في بعض النواحي، فإن "المتمردين السنة يشكلون أيضا تهديدا كبيرا، وتشكل حماس مثالا واضحا على المخاطر التي يفرضها الجهاديون السنة".

وبسبب هذا التهديد، تقول الصحيفة الإسرائيلية إن الأسد سوف يسعى إلى تجديد العلاقات مع الغرب والدول العربية السُنّية المعتدلة، خاصة السعودية والإمارات، للوقوف معا ضد الإسلاميين، وعلى إسرائيل أن تحدد ماذا ستفعل.

أيضا قالت صحيفة "هآرتس" مطلع ديسمبر/ كانون الأول 2024 إن "السلطات الإسرائيلية تخشى أن تزداد قوة منظمات الإرهاب في سوريا، مما سيمكنهم من السيطرة على مناطق واسعة هناك"، ومن ثم تهديد دولة الاحتلال.

وركزت على أن "المخاوف تتزايد من أن هذه التنظيمات قد توسع من نفوذها على الحدود (مع دولة الاحتلال) مما يؤثر على الوضع الأمني في إسرائيل".

وذكرت القناة 12 الإسرائيلية أن المشاورات الأمنية التي عقدت يوم 29 نوفمبر في إسرائيل، أثيرت خلالها مخاوف من أن "تقع القدرات الإستراتيجية لنظام الأسد في أيدي الجهاديين، بما فيها بقايا الأسلحة الكيميائية".

وأوضحت أن "نتنياهو أكد خلال مشاورات أمنية عاجلة بشأن التطورات في سوريا أن هناك تنسيقا وطيدا بين الجيشين الإسرائيلي والأميركي تحسبا من انهيار النظام في سوريا وتداعياته".

وأشارت إلى أن "الجيش الإسرائيلي يستعد لاحتمالية أن يضطروا للعمل (التدخل) في سوريا بسبب الوضع الحالي"، في إشارة ربما لتدخل الطيران الإسرائيلي ضد قوى المعارضة السورية لضمان بقاء الأسد.

يفضلون "الأسد"!

منذ وأد الثورة السورية واندلاع الصراع بين المعارضة وجيش بشار الأسد في مارس/آذار 2011، صدرت عشرات التصريحات من قادة الاحتلال يؤكدون فيها أن “إسرائيل تفضل بقاء الأسد في السلطة على المعارضة إسلامية التوجه”.

رئيس الأركان السابق "دان حالوتس"، قال "إن إسرائيل تفضل أن يظل بشار الأسد رئيسا في سوريا، بدلا من ترك فراغ في السلطة يمكن أن يملأه المتطرفون الإسلاميون"، وفق صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" 11 ديسمبر عام 2013.

وفي نفس العام، وفي ظل الانتقادات الدولية لقتل الأسد شعبه، اعترف نتنياهو بأن "النظام في سوريا يقتل مواطنيه كل يوم"، ولكنه قال: "يجب أن نعترف بأن المعارضة في سوريا تتألف من متطرفين مسلمين، والسؤال “ما هو الأفضل لإسرائيل؟”

قال: "يجب أن نسأل أنفسنا إذا كنا نريد استبدال النظام السيئ الذي نعرفه بالنظام (الإسلامي) السيئ للغاية الذي لا نعرفه وقد يأتي بدلا من بشار، وهذا أمر يتطلب دراسة جادة"، وفق "معاريف".

لكنه أجاب قائلا: "العالم يدرك أنهم لا يستطيعون استبدال نظام الأسد طالما أنهم لا يعرفون من سيحل محله، والآن يبدو أن البديل هو قوى (إسلامية) من شأنها أن تعرض استقرار المنطقة للخطر".

وعقب انتصارات المعارضة الأخيرة وتحريرها حلب، نُشر تحليل في صحيفة "إسرائيل هيوم"، في 28 نوفمبر، بعنوان: “لماذا الكل يريد أن يكون حليفا لسوريا (يقصد بشار)؟”

وكانت خلاصته: "نريد (في إسرائيل) أن يستمر بشار في دوره في المحافظة على هدوء الوضع على الجولان كما المعتاد، ولكن يجب أن يتخلى عن علاقاته مع إيران".

ونشرت صحيفة "معاريف" تحليلا للخبير الإسرائيلي المحاضر في قسم الدراسات الشرق أوسطية والإسلامية بجامعة حيفا الدكتور يارون فريدمان، حول التأثير المحتمل للتغيرات المستقبلية في الخارطة السياسية السورية لصالح المعارضة على إسرائيل.

ركز فيه على أن "إحدى القضايا التي تثير القلق لإسرائيل، هي الهوية الأيديولوجية (الإسلامية) للثوار الذين يقاتلون النظام السوري، خاصة "هيئة تحرير الشام".

قال إن "هذه الجماعات تمثل تهديدا ليس فقط للنظام السوري، بل أيضا للأقليات في المنطقة مثل العلويين والمسيحيين والشيعة"، وإن "أول ضحايا هذا التطور سيكون العلويون، يليهم المسيحيون، الشيعة، والإسماعيليون".

وأوضح أن "إسرائيل ستستفيد من إضعاف الوجود الإيراني في سوريا، والذي سيضر بإمدادات الأسلحة الإيرانية إلى حزب الله في لبنان، كما ستستفيد الولايات المتحدة أيضا إذا أجبر الروس على مغادرة سوريا".

لكن فريدمان حذر من البدائل، قائلا: "إذا سقط الأسد، فإن المعارضة السورية التي تقودها جماعات سلفية قد تخلق تهديدا أكبر على الحدود الإسرائيلية".

وحذر خصوصا من "نشوء دولة دينية سنية متطرفة (حسب قوله) تشكل تهديدا أكبر لإسرائيل من نظام الأسد الذي حافظ على الهدوء في مرتفعات الجولان لمدة 50 عاما".

ولفت الكاتب إلى أن "الأسد لم يتخذ أي خطوات لدعم حماس في غزة أو حزب الله في لبنان، في حين تؤيد المعارضة السورية حماس".

ويختم الباحث بالتحذير من أن "الإطاحة بالأسد قد تعني بداية عهد جديد من الفوضى وعدم الاستقرار، مع تصاعد القوى التي تهدد مستقبل سوريا وإسرائيل والمنطقة ككل" على حد زعمه.

هل يتحركون بتنسيق أميركي؟

عقب التحرك السريع لقوى المعارضة السورية لتحرير حلب وتراجع جيش بشار الأسد، اتهمت أوساط قومية ويسارية داعمة لمحور إيران، الثوار بأنهم تحركوا بأوامر وتنسيق مع أميركا وإسرائيل.

إلا أن مراجعة مواقف فصائل المعارضة السورية من أميركا والاحتلال الإسرائيلي، والتعرف عليها عن قرب، ينفي هذه الادعاءات، حيث تحارب المعارضة قوات "قسد" الكردية في سوريا التي أنشأتها أميركا ودربتها، وتساند المقاومة في غزة.

مسارعة الاحتلال لعقد اجتماعات عاجلة وفتح قنوات تواصل سياسية وعسكرية مع واشنطن للرد على انتصارات ثوار سوريا، مؤشر أيضا على ذلك.

كما أن تصنيف أميركا لبعض هذه الجماعات السورية المعارضة بأنها "إرهابية" ينفي ضمنا تعاونها مع الولايات المتحدة، خاصة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا).

وقد صدر بيان من المتحدث باسم مجلس الأمن القومي "شون سافيت" بعد تطورات سوريا، يوم 30 نوفمبر، شدد فيه على أنه "لا علاقة للولايات المتحدة بهذا الهجوم الذي تقوده هيئة تحرير الشام".

وقد حذرت مسؤولة سابقة رفيعة في البنتاغون من أن تدهور الوضع في سوريا يتطلب اهتماما فوريا من الولايات المتحدة، بسبب قيادة إسلاميين لهذه المعارضة ودعم تركيا لهم.

"سيمون ليدين"، التي شغلت منصب نائبة مساعد وزير الدفاع لشؤون سياسة الشرق الأوسط، قالت "إن الجهاديين السُنّة المدعومين من تركيا يحققون تقدما على حساب الموالين للأسد المدعومين من إيران وروسيا، مما قد يعيد تشكيل ديناميكيات القوة الإقليمية".

وقالت ليدين، وهي باحثة حاليا في مركز "شتراوس": "نحن نشهد نقطة تحول حاسمة يمكن أن تؤدي إلى امتداد النفوذ التركي ليشمل حلب، في استعادة للروابط الأناضولية (الإمبراطورية العثمانية) قبل الحرب العالمية الأولى".

ورجحت "ليدين" أن تؤدي هذه التحالفات المتغيرة، روسيا إلى البحث عن شراكات غير متوقعة "إذا تراجع نفوذ إيران"، مشيرة إلى أن "موسكو قد تلجأ إلى تل أبيب لموازنة تنامي القوة الإقليمية لتركيا".

وحرضت ليدين، التي أشرفت على سياسة الدفاع الأميركية تجاه 15 دولة في الشرق الأوسط خلال فترة عملها في البنتاغون، على أنقرة، قائلة إن "تصرفات تركيا في سوريا وابتعادها عن مبادئ الناتو يستدعي إعادة تقييم إستراتيجي".

ويقول محمد سرميني مدير مركزي أبحاث "جسور" وأبعاد" السوريين إن استعادة فصائل المعارضة السورية السيطرة على مدينة حلب والمناطق المحيطة بها، يعكس تحولات جوهرية في التوازنات العسكرية والسياسية ويعيد رسم خارطة الصراع الإقليمي.

ويرى أنه "رغم عدم وجود تدخل مباشر من الغرب في هذا الحدث، إلا أن تحرير حلب قد يُنظر إليه (من جانب الغرب) على أنه جزء من التوازنات الدولية الجديدة التي تعكس توجها نحو تحجيم القوى المناوئة مثل إيران".

الفصائل السورية الإسلامية

يرجع القلق الإسرائيلي والأميركي من تقدم فصائل المعارضة السورية المسلحة أمام قوات النظام السوري وحلفائه من الإيرانيين والروس، إلى انتماء أغلب هذه الفصائل لمجموعات سلفية معتدلة أو موالية فكريا لجماعة الإخوان المسلمين.

فضلا عن تيارات وطنية أخرى، وضباط وجنود منشقين عن جيش الأسد، وكلهم معادون لإسرائيل، ومنظمون في غرفة عمليات مشتركة لتنفيذ عملية "ردع العدوان".

وأبرز هذه المجموعات المشاركة في الهجوم هي "هيئة تحرير الشام"، وهي جماعة إسلامية مسلحة تشكلت في يناير/كانون الثاني 2017 نتيجة اندماج فصائل جهادية عدة.

وتضم "هيئة تحرير الشام"، المتحولين عن أفكار "جبهة النصرة" والمنشقين عنها، حيث كانت "النصرة" تابعة لتنظيم القاعدة في سوريا ثم انفصل الطرفان في يوليو/تموز 2016.

وهؤلاء (تحرير الشام) تغير فكرهم ليصبح فكرا معتدلا يقبل التفاهمات السياسية، ولديهم حكومة مزدهرة في إدلب، واختاروا اسما جديدا لهم هو "هيئة تحرير الشام".

وتسيطر هيئة تحرير الشام التي يتزعمها "أبو محمد الجولاني" على معظم مناطق محافظة إدلب شمال غرب البلاد، وتديرها من خلال جبهة إدارية تسمى "حكومة الإنقاذ السورية". 

ويقود الهيئة أبو محمد الجولاني الذي كان يقود جبهة النصرة قبلها، أما هدف الهيئة العام فهو "تحرير سوريا" من النظام السوري.

لكن إعلام الغرب وأنظمة عربية معادية للتيارات الإسلامية تشوه المقاومين بوصفهم "إرهابيين من جبهة النصرة" رغم أن الأخيرة لم يعد لها وجود.

وثاني أبرز المجموعات المقاتلة أيضا ضد نظام الأسد "حركة أحرار الشام" الإسلامية، التي نشأت إبان الثورة السورية باتحاد أربعة فصائل إسلامية هي: "كتائب أحرار الشام" و"حركة الفجر الإسلامية" و"وجماعة الطليعة الإسلامية" و"كتائب الإيمان المقاتلة".

و"أحرار الشام"، تيار سلفي معتدل ذو أصول من فكر جماعة الإخوان مثل: محمد سرور ومحمد العبدة وعصام العطار.

هناك أيضا "الجبهة الوطنية للتحرير"، وهو تحالف للمعارضة السورية المسلحة في جنوب غرب سوريا، تم تشكيله من قبل 11 فصيلا في "الجيش السوري الحر"، في مايو/ أيار 2018 بمحافظة إدلب شمال غربي البلاد ويضم 30 ألف مقاتل.

والفصائل الـ 11 هي: "فيلق الشام"، "جيش إدلب الحر"، "الفرقة الساحلية الأولى"، "الجيش الثاني"، "الفرقة الساحلية الثانية"، "جيش النخبة"، "الفرقة الأولى مشاة"، "جيش النصر"، "لواء شهداء الإسلام – داريا"، "لواء الحرية"، "الفرقة 23".

أيضا يشارك في القتال "الجيش الوطني السوري"، وهو تحالف من فصائل المعارضة المدعومة من تركيا والتي تعارض القوات الموالية للنظام السوريين، وتأسس في ديسمبر/كانون الأول 2017.

ويعمل كجيش للحكومة المؤقتة التابعة للمعارضة السورية ومقرها تركيا، في محاولة لوضع الجيش السوري الحر تحت "قيادة موحدة".

وثالث هذه المجموعات المعارضة السورية التي تقلق إسرائيل وأميركا، كتائب "نور الدين الزنكي"، وهي حركة إسلامية ثورية شاركت في القتال ضد النظام السوري خلال السنوات الماضية. وهم من تلامذة "المدرسة الحلبية المشيخية" التي يرأسها الشيخ توفيق سابقا.