التيار الخلاصي.. "نازية إسرائيل" الأقرب للحكم والأقوى دعما لهدم الأقصى
في 15 سبتمبر/أيلول 2022 قدمت الأحزاب السياسية في إسرائيل القوائم النهائية لمرشحيها لخوض خامس انتخابات تجرى خلال أربع سنوات مطلع نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام، في سابقة لم تحدث من قبل.
يتنافس في انتخابات البرلمان (الكنيست) رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو على رأس كتلة من الأحزاب اليمينية والدينية المتطرفة، ورئيس الوزراء الحالي يائير لابيد الذي يقود معسكرا يضم أطيافا من اليسار واليمين وحزب إسلامي من فلسطينيي 1948.
وحتى الآن، تظهر استطلاعات الرأي أن أيا من المعسكرين لن يفوز بأغلبية مطلقة من مقاعد الكنيست الـ 120.
صناعة التطرف
لكن آخر استطلاع للرأي العام نشرته صحيفة "معاريف" في 9 سبتمبر 2022 أظهر حصول كتلة نتنياهو على 59 مقعدا، مقابل 55 مقعدا لكتلة الحكومة الحالية برئاسة لابيد ووزير الجيش بيني غانتس، وسعي كل طرف لأصوات حسم من المتطرفين اليهود أو الأحزاب العربية.
وقد توقع "أوري ويرتمان" الباحث في معهد دراسات الأمن القومي (INSS) بجامعة تل أبيب أن "بنيامين نتنياهو على وشك الانتصار في 2022"، ما يعني فوز المتطرفين من التيار الخلاصي معه.
أكد أن الكتلة التي تدعم بنيامين نتنياهو (الليكود والصهيونية الدينية وشاس ويهدوت هتوراة) ستنجح في الفوز بـ 61 مقعدا بسبب توقع نسبة إقبال منخفضة من فلسطينيي 1948، وإقبال كبير بين الناخبين اليمينيين الصهاينة، وفق ما قال لصحيفة جيروزاليم بوست في 22 سبتمبر 2022
وفي انتخابات أبريل/نيسان 2021 انقسمت القوائم العربية إلى "القائمة المشتركة" و"الموحدة".
وفي هذه الانتخابات انقسمت "القائمة المشتركة" مجددا إلى قائمتين منفصلتين، ما يتوقع معه المراقبون قلة إقبال الفلسطينيين على التصويت.
لذا تشير التوقعات إلى احتمالات فوز رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو وخصومه، والأهم تنامي ظاهرة التيار الخلاصي الصهيوني الديني الذي يشبه النازية في أفكاره، ودخوله الحكومة بقوة.
ومفارقة هذه الانتخابات أنه بينما كان التيار الإسلامي وتحديدا حزب القائمة الموحدة بزعامة رئيس الحركة الاسلامية الجنوبية في فلسطين المحتلة 1948 منصور عباس، هو "صانع الملوك" في انتخابات أبريل 2021.
الآن، يرى الخبراء الإسرائيليون أن التيار الديني الخلاصي الحريدي المتطرف سيكون هو صانع الملوك في انتخابات نوفمبر 2022 المقبلة.
يؤكد مراقبون وصحف عبرية أن التيار اليهودي الخلاصي المتطرف سيكون هو صانع الملوك أو "التطرف" في الانتخابات المقبلة وسيكون له دور في تشكيل الحكومة المقبلة وتمثيل كبير داخلها.
يعود ذلك إلى صعود نفوذه القائم على تدمير الأقصى وبناء الهيكل فورا، وتوقع فوزه ممثلا في حزبي "الصهيونية المتدينة" و"عوتسما يهوديت" بـ 9-12 مقاعد، وتحالفه مع نتنياهو، مقابل 4 للقائمة الموحدة.
وتحالف أخطر شطري هذه الحركة الخلاصية المتطرفة وهما "بتسلئيل سموترتش" وعضو الكنيست المتطرف "إيتمار بن غفير" لخوض الانتخابات معا بوساطة من نتنياهو رئيس الوزراء السابق الذي رعي تحالفهما في منزله.
وأعلن حزبا "الصهيونية المتدينة" و"عوتسما يهوديت" التحالف في 28 أغسطس/آب 2022 في انتخابات نوفمبر، بحسب صحيفة تايمز أوف إسرائيل.
وأظهرت استطلاعات نُشرت نتائجها في الشبكات التلفزيونية الإسرائيلية الثلاث الكبرى (11 و12 و13) في 25 أغسطس 2022 ازديادا في قوة حزب "عوتسما يهوديت". ويتوقع أن يكون واحدا من أكبر الأحزاب في الانتخابات.
وقدر استطلاع للرأي أجرته إذاعة 103FM في 29 أغسطس أن "حزب الصهيونية الدينية الموحد" بزعامة بتسلئيل سموتريش وإيتمار بن غفير سيحصل على 12 مقعدا، ليصبح رابع حزب في كنيست العدو القادم.
وتتوقع بعض استطلاعات الرأي الأخرى أن يؤدي تحالف ابن غفير وسموتريتش لرفع عدد مقاعد الصهيونية المتدينة إلى نحو 10-11 مقعدا في الكنيست المكون من 120 مقعدا، وقد يزيد الرقم إلى 13 مقعدا.
وهي نتيجة مذهلة بالنسبة لبان غفير، الذي كانت أيديولوجيته المتشددة حتى وقت قريب تعد خارج التيار الرئيس للسياسة الإسرائيلية.
وتعني أن هذا التيار سيحل ثالثا في القوى السياسية في إسرائيل بعد تحالفي نتنياهو، ثم يائير لابيد (الحاكم حاليا).
لذلك يقول الخبير الفلسطيني في الشأن الإسرائيلي صالح النعامي إن نتائج الانتخابات المقبلة، أخطر من نتائج الانتخابات الألمانية التي أفضت لصعود النازية عام 1933 لأنها ستجلب كبار متطرفي الصهيونية الخلاصية العنصريين.
ويرى أن الانتخابات الإسرائيلية باتت عبارة عن مباراة بين قوى اليمين، وستضفي شرعية على اندماج التيار الديني الخلاصي في النظام السياسي ومشاركته في الحكومة القادمة، وهو التيار الذي يطالب بتدمير المسجد الأقصى وطرد الفلسطينيين.
خطورة الخلاصيين
في 17 أغسطس 2022 ذكرت صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية أن رئيس حزب "عوتسما يهوديت" أو "قوة إسرائيل" إيتمار بن غفير، سيرحل أيَّ فلسطيني "يعمل ضد الدولة" عقب فوزه في الانتخابات المقبلة.
وقال زعيم "الكهانية" ابن غفير لإذاعة "كان" في 28 أغسطس إنه سيكون وزيرا في مجلس الوزاري المصغر لشؤون الأمن (هيئة صنع القرار في إسرائيل)، وتوعد بتمرير قوانين تنظم طرد الفلسطينيين وإعدام المقاومين وتهويد الأقصى.
وللتدليل على مخاطر صعود هذا التيار اليهودي المتطرف، من جانب اليهود أنفسهم، صدر في أغسطس 2022 كتاب "المُخلص القاسي"، لمؤلفيه رئيس المخابرات الإسرائيلي الأسبق كرمي غيلون والصحفي يوسيف شفيط.
ويتوقع الكتاب سقوط إسرائيل في قبضة التيار الديني الخلاصي وتحولها إلى "دولة شريعة"، وأكدوا أنه سيسبق ذلك ويتبعه سلسلة من المجازر ينفذها إرهابيون يهود ضد المسلمين والمسيحيين في فلسطين.
ويتوقع هذا الكتاب وقوع فظائع رهيبة بحق العرب من الإرهابيين اليهود الذين سيمثلون الأغلبية في إسرائيل، برغم ترويج فلسطينيين وعرب للتعايش مع الصهاينة.
وحذر "دافيد هوروفيتس" رئيس تحرير صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" 28 أغسطس من خطر عضو الكنيست ايتمار بن غفير.
قال إن "ابن غفير هو النجم الصاعد لليمين المتطرف وصاحب رؤية مدمرة لإسرائيل"، ولو حصل على مقعد وزاري في حكومة نتنياهو المقبلة "سيدفع بأجندة كهانية لن تكون فيها إسرائيل ديمقراطية ولا يهودية أصيلة".
تنقسم الصهيونية الدينية إلى فريقين في تناول مسألة الخلاص (المسيح المخلص): فريق يدعي أن "الخلاص بيد الرب وحده، ولا يمكن التأثير عليه بشريا"، وإنما يمكن الاستدلال على قربه أو بعده بمدى الالتزام بتعاليم الدين.
وفريق يُسمى "الثوريون" أو "الإصلاحيون" يريدون تسريع أو استجلاب الخلاص من خلال الفعل البشري وعدم انتظار "إرادة الرب"، وهؤلاء هم غالبية صهاينة التيار الحالي الذي يقوده "ابن غفير"، ونظيره "بتسلئيل سموتريتش".
ويتبنى هذا التيار الخلاصي الحريدي الصهيوني سياسيا فكرة بناء الهيكل على أنقاض الأقصى وعدم انتظار ما يراه بعض الحاخامات "قدوم المسيح المخلص"، وتوبة اليهود.
وهو ما يعني أن هذه "الكهانية"، نسبة إلى الحاخام المتطرف مئير كهانا، والتي تمثل أقصى التيار الحردلي الخلاصي الموغل في تطرفه ستمثل التيار العام في إسرائيل، إذا فازت.
ويصف قادة هذا الحزب أنفسهم بأنهم تلامذة مؤسس حركة كاخ العنصرية. وقد بدأ الشباب اليهودي من هذا التيار الحردلي، الذي يمثل أقصى اليمين الديني، ممن يطلقون على أنفسهم "أنوية توراتية" الاستيطان في المدن التي يقطنها الفلسطينيون بهدف الاحتكاك بهم وطردهم من بلادهم.
ويقول هؤلاء المتطرفون من اليهود الحريديم، الممثلون بـ "الأنوية التوراتية" والمنظمات الإرهابية وتحديدا لاهافا، أنهم يجدون في مواجهة فلسطيني الداخل "أولوية" لأنهم يرون فيهم خطرا كبيرا على طابع الدولة اليهودية.
ويقول الباحث إياد البرغوثي في تقرير بموقع "متراس" 11 أكتوبر/تشرين أول 2018 إن فكرة "الخلاص" ركنٌ أساسي من أركان العقيدة اليهودية ومن الفرائض (مثل الصلاة)، وهي مرتبطة، أساساً، بانتظار مجيء المسيح، والإيمان بهذا المجيء.
ويشير إلى أن فكرة "الخلاص" ارتبطت بالشتات، كعقاب على الخطايا، وأن الله سيخلص اليهود من الشتات في المستقبل المجهول، لكن عليهم أن يتوبوا أولا عن الخطايا، وأن يؤدوا كل الفرائض الدينية كي يجيء المسيح ويخلصهم من الشتات، وفق معتقداتهم.
ويشير إلى أنه بسبب فكرة أن الشتات لن ينتهي قبل مجيء المسيح، ترفض جماعات دينية يهودية حريدية تأسيس إسرائيل أو تجمع اليهود بها.
وترى أنها غير شرعية قبل مجيء المسيح، لهذا لا تُصنف هذه الجماعات الدينية اليهودية "صهيونية".
أصل التيار الخلاصي
عقب السبي البابلي لليهود وحرق الهيكل (الأول) على يد نبوخذ نصر، نشأت حالة من الردة عند اليهود الذين زعموا أنهم "افتقدوا وقوف الرب معهم"، فاحتاج الحاخامات إلى ترويج فكرة "الخلاص" من أجل المحافظة على اتباع اليهودية.
هذه الفكرة (الخلاص) تقوم على فكرة ظهور المسيح المخلص (ماشيح كما يسمى في اليهودية) في نهاية الزمان، عقب تعرض "المؤمنين" لعذابات ومحن وابتلاءات.
لكن عقب تسهيل ملك الفرس "قورش" الذي قهر بابل، عودة اليهود لفلسطين وبناء الهيكل الثاني (الذي تدمر فيما بعد بفعل الخلافات اليهودية الداخلية)، لم يتحقق الخلاص ولم يظهر المسيح.
فعاد الحاخامات لتبرير وتخريج تفسير آخر لذلك، عبر الادعاء بأن ذنوب ومعاصي اليهود تحول دون خروج المسيح المخلص.
نتج عن هذا أن انقسام الصهيونية الدينية لفريقين: المؤمنون بأن الخلاص بيد الرب وحده، ولا يمكن التأثير عليه بشريا.
و"الخلاصيون" الذين يسعون لتسريع هذا الخلاص بأيديهم بقتل وطرد المسلمين من القدس وبناء الهيكل في الأقصى.
وظهر هذا التيار الأخير، منذ ثلاثينيات القرن العشرين بإطلاق البوق الديني (شوفار) بجانب حائط البراق، ونادى (قبل قيام إسرائيل رسميا 1948) باستكمال عملية الخلاص بقوة الذراع، ونفذ أول اقتحام للمسجد الأقصى عام 1924.
تبنت هذه الصهيونية الثورية أو التصحيحية (اليمين العلماني الذي ينتسب له الليكود) فرض خطاب ديني بالقوة في فلسطين، بحسب دراسة لـ "أشرف عثمان بدر" الباحث بمركز القدس للدراسات في جامعة بيرزيت 18 مايو/أيار 2022.
إذ يرون أنه يجب فرض السيادة الإسرائيلية على القدس والمسجد الأقصى بصفتها قلب العالم.
لذلك سعى هؤلاء المتطرفون الصهاينة لمحاولة بناء الهيكل الثالث على أنقاض الأقصى منذ عام 1941 بالقوة.
ويرى اليهود أن الهيكلين الأول والثاني أقيما في موقع المسجد الأقصى (قبة الصخرة تحديدا)، لكن علماء الآثار، وبعض الإسرائيليين يؤكدون أنه لم يُعثر على أي موجودات أثرية تدل على أن الهيكل كان قائما في هذا المكان.
ويوجد في إسرائيل العديد من الحركات الدينية اليهودية الخلاصية التي تدعو إلى بناء الهيكل في المسجد الأقصى، وتنظم هذه الحركات اقتحام المجموعات اليهودية للمسجد.
وترى هذه الحركات أن بناء الهيكل الثالث، هو المفتاح لحل كل مشاكل اليهود ومصائبهم وخاصة الدينية والروحية.
لذلك يقتحمون الأقصى على مدار العام، ويتسع حجمهم خاصة خلال أيام عيد العرش اليهودي، 9-16 أكتوبر.
إلا أن المؤسسة الدينية اليهودية وكبار الحاخامات تحظر دخول اليهود إلى المسجد، وتعلل ذلك بأن الظروف لا تسمح حالياً بذلك، لأنه ينبغي أن تتوفر عدة أمور قبل الدخول إلى المكان، ضمنها ظهور "المسيح المُخلص المنتظر".
لكن هؤلاء الصهاينة المتدينين الثوريين أو التصحيحيين أو العلمانيين، وفق تسميات مختلفة تطلق عليهم في إسرائيل، يرون أنفسهم "أداة الرب لتحقيق الخلاص وتقريب مجيء المخلص من خلال تجديد الاستيطان".
أي أنهم يؤمنون بـ "تسريع النهاية" لا انتظار "مشيئة الرب" كما يدعوهم حاخاماتهم، وتسريع الاستيطان واقتحام الأقصى وبناء الهيكل وطرد الفلسطينيين من القدس، بحسب مركز القدس للدراسات.
وقبل حرب 1967، كان هؤلاء الصهاينة الخلاصيون يرفضون دخول الجيش الإسرائيلي. لكن بعد احتلال القدس، شجعهم ذلك على الانضمام للجيش وصبغه بصبغة توراتية "جيش الله حامي الهيكل" لتحقيق فكرة "الخلاص" سريعا.
وشجعهم على هذا التوجه ما حدث عقب إخلاء المستوطنات في سيناء عام 1982 (بعد توقيع اتفاقية السلام مع مصر) فوضعوا خطة للسيطرة على الجيش حتى يضمن عدم تنفيذه أوامر الإخلاء لـ "أرض الله" لاحقا في أي اتفاق سلام.
وبدأوا يصدرون فتوى دينية عن لجنة حاخامي المستوطنات في الضفة وقطاع غزة، منذ عام 1996، تسمح باقتحام المسجد الأقصى (يسمونه جبل الهيكل)، وتدعو كل حاخام إلى "الصعود بنفسه للأقصى وإرشاد أبناء مجتمعه".
ثم ركزوا على اقتحام الأقصى كنوع من التقدم البطيء نحو "الخلاص والمفهوم المقدس للدولة"، وبدأوا ينضمون للكنيست، ويسعون للسيطرة على الحياة السياسية وصبغها بصبغة توراتية لتحقيق أهدافهم وحماية تحركهم.
وضمن هذا التيار عدة رؤساء لمناصب منهم رئيس الحكومة السابق نفتالي بينيت، ورئيس جهاز الاستخبارات (الموساد) ديفيد برنيع، وسفير إسرائيل في الولايات المتحدة مايكل هرتسوغ، وغيرهم، ولديهم قرابة 10 نواب في الكنيست.