صراع مليشياوي.. لماذا تصاعد خلاف حميدتي والحركات المسلحة بالسودان؟

12

طباعة

مشاركة

لم يستطع نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي، قائد قوات الدعم السريع بالسودان،  محمد حمدان دقلو "حميدتي"، إخفاء عدائه المتواصل منذ سنوات إزاء الحركات المسلحة في عموم البلاد، لينفجر في تصريحات مؤخرا شن فيها هجوما لاذعا عليها.

واتهم حميدتي الحركات المسلحة التي تنافسه وتشاركه نفس الأحلام بالسيطرة، بنشر الفوضى، وإشاعة السلاح، وتسهيل ارتكاب الجرائم، وخص بعضا منها المنضوية في اتفاق جوبا للسلام الموقع عام 2020، بأنها تقف وراء "إرهاصات تفكك الدولة" على حد تعبيره. 

ويعيش السودان صداما كبيرا بين المكونات العسكرية والأحزاب المدنية المكونة لـ"قوى الحرية والتغيير" (الائتلاف الحاكم سابقا)، التي انقلب عليها الجيش في 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، لتندلع تظاهرات مستمرة بعموم البلاد تطالب بعودة الحكم المدني. 

رسائل حميدتي

وفي 29 يوليو/ تموز 2022، أدلى حميدتي بتصريحات خاصة للإذاعة السودانية، أثارت جدلا ولغطا كبيرين في الأوساط الشعبية والسياسية بالبلاد التي تواجه مخاطر عديدة حاليا، في مقدمتها الاقتتال القبلي.

وقال قائد قوات الدعم السريع سيئة السمعة، إن "البلاد تعاني من الاقتتال والحروب والفتن والكراهية، والآن تتعافى بدءا من ولاية غرب دارفور". 

ووجه حميدتي إصبع الاتهام إلى الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا للسلام في السودان بأنها تمنح رخص سلاح لأشخاص بصورة غير قانونية.

ثم أعلن القبض على عدد من منتسبي حركة "تمازج" تحديدا لتورطها في الصراع القبلي المندلع في إقليم دارفور.

وأشار إلى أن السلاح يتدفق للسودان من ليبيا وأنها الآن معبر لكل أنواع الجريمة، خاصة منطقة الصحراء الكبرى. 

وأردف أنه تم استهداف قوات الدعم السريع (الجنجويد) بعد نجاح ثورة ديسمبر/ كانون الأول 2018، وأن الاستهداف لا يزال مستمرا.

وشدد حميدتي على أن "السودان يمر حاليا بأزمات هي الأخطر في تاريخه الوطني الحديث، وتهدد وحدته وسلامته وأمنه ونسيجه الاجتماعي".

وأكد أنه يراقب ويعلم "تماما المخططات الداخلية والخارجية التي تتربص بالبلاد".

الغريب أن حميدتي الذي ذكر أن ليبيا يتدفق منها السلاح إلى بلاده، قد أغفل أنه وقواته تورطوا في الصراع الداخلي هناك، وتسببوا في الخراب والفساد عبر دعمهم للجنرال الانقلابي خليفة حفتر.

ففي نوفمبر/ كانون الثاني 2019، كشف تقرير لجنة العقوبات الدولية المفروضة على ليبيا، أن دولا أعضاء في الأمم المتحدة خرقت منظومة حظر الأسلحة المفروضة على ليبيا، من بينها الإمارات والسودان. 

حيث أرسل حميدتي ألف جندي سوداني من قوات الدعم السريع إلى الشرق الليبي لحماية بنغازي وتمكين قوات حفتر من الهجوم على العاصمة الليبية طرابلس مقر الحكومة المعترف بها دوليا.

87 حركة 

وجاء هجوم حميدتي على الحركات المسلحة في وقت انتشرت فيه تقارير عن توسعها ومدى خطورتها. 

ففي 28 يوليو 2022، نشر موقع "سودانيل" المحلي، أن الحركات المسلحة تشظت إلى أكثر من 87 مجموعة مسلحة في عموم البلاد، لكن معظمها يتركز في دارفور (منشأ قوات الدعم السريع). 

وذكر أن تكاثرها بات مثيرا لمخاوف كبيرة في السودان، ويلقي بظلال قاتمة حول إمكانية نجاح جهود الاستقرار في المناطق التي عانت نزاعات أهلية استمرت أكثر من ثلاثة عقود.

وتعاني الخرطوم من انتشار الحركات المسلحة، حتى أنه في 9 مارس/ آذار 2021، قامت قوة تابعة لجيش حركة تحرير السودان (جناح مناوي)، باقتحام ومهاجمة مقر اللجنة الأولمبية السودانية بالحديقة الدولية في العاصمة، بكامل عتادها ومدرعاتها وظلت بداخله رافضة الخروج. 

واللجنة الأولمبية تقع ضمن زمام منطقة الحديقة الدولية، الواقعة على بعد أقل من كيلومترين من المطار الدولي في قلب الخرطوم، وكانت تعد متنفسا للأسر والعائلات، لكنها تحولت إلى ثكنة عسكرية لنحو 1000 جندي تابعين لجيش حركة تحرير السودان، الذي لم يكتف بالوضع وقام باقتحام اللجنة الأولمبية.

وفي يوم 17 فبراير/ شباط 2021، دخل ذلك الجيش إلى الخرطوم بـ300 عربة عسكرية مجهزة بكامل عتادها وسلاحها، تمهيدا لتنفيذ بند الترتيبات الأمنية مع الحكومة السودانية والمجلس السيادي بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان. 

وجاءت عودة المقاتلين والحركات المسلحة إلى العاصمة بهذا الكم من السلاح، لتجعل البعض يصفه بـ"احتلال الخرطوم"، حتى أن صحيفة "الجريدة" المحلية تحدثت عن خطورة تلك القوات، بوجودها في العاصمة.

وقالت الصحيفة في 19 فبراير/ شباط 2021: "بدأ تنفيذ المخطط التآمري بوصول قوات مناوي، وغدا ستصل قوات أخرى، وبعد غد ثالثة.. ليس لإنفاذ بند الترتيبات الفنية في اتفاق جوبا كما يزعم البعض، وإنما التمهيد لتولي الحكم في الخرطوم ضد نخب الجلابة".

ولعل ما يزعج حميدتي على وجه التحديد، أن هذه القوات قادرة على التحرك بعتادها وعدتها كما تشاء، ولا تخضع لسيطرة أحد سوى قادتها، بعيدا عن الجيش والدعم السريع. 

 

الحركات والجيش 

ومع تشظي الحركات المسلحة ودخولها في أزمات واشتباكات، تارة مع الجيش وتارة مع قوات الدعم السريع، يظل السودان رهينة تحد أكبر، وهو قيام جيش وطني موحد يضم جميع القوى المسلحة بالبلاد.

فبحسب تصنيف موقع "غلوبال فاير باور" السنوي حول قائمة أقوى جيوش العالم، الذي صدر في 21 يناير/ كانون الثاني 2022، يحتل الجيش السوداني المرتبة 73 عالميا. 

وتحت عنوان "جيش موحد"، كتبت القوات المسلحة السودانية عبر صفحتها بـ"فيسبوك" في 27 فبراير 2021، أنه "من أجمل ما جاءت به ثورة الشعب السوداني هو اتفاق جوبا للسلام بين أبناء شعبه، وهو نواة توحيد الجيوش لتنصهر في جيش قومي لحماية الوطن، وقريبا جدا هنالك مسميات سوف تنتهي، مثل الحركات المسلحة، الدعم السريع وغيرها".

وأضافت: "الترتيبات لتوحيد هذا الجيش تسير على قدم وساق، وستشاهدون كما العهد بالقوات المسلحة بإذن الله جيشا موحدا لا قبلية ولا جهوية، ينتشر في كل ربوع السودان حاميا للأرض والعرض وداعما للتنمية موحدا في الزي الرسمي (الميري)".

لكن هذه الفكرة ظلت تحمل جدلا، وخلقت إشكاليات عديدة، ففي 24 يوليو 2022 ذكرت صحيفة "الراكوبة" السودانية، أن تأخر تنفيذ بنود الترتيبات الأمنية الخاصة باتفاقية جوبا للسلام، والبحث عن الامتيازات والمناصب جعل من مناطق مثل دارفور أرضا خصبة لتوالد مزيد من الحركات المسلحة. 

وأكدت أن ذلك "يهدد بنسف العملية السلمية ويعيد البلاد إلى مربع الحرب من جديد".

وأوردت أن مسؤولي ملف الترتيبات الأمنية يحاولون بذل جهود مكثفة لإنقاذ الترتيبات الأمنية رغم المصاعب المالية واللوجستية.

إضافة إلى أن حميدتي وسلوكه تجاه الحركات، وعداءه الصريح لبعضها، قد يحمل على نسف الاتفاق بالكامل مستقبلا. 

وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2020، وقعت الخرطوم اتفاقا لإحلال السلام مع حركات مسلحة ضمن تحالف "الجبهة الثورية"، فيما تخلف عن الاتفاق "الحركة الشعبية ـ شمال" بزعامة عبد العزيز الحلو، وحركة "تحرير السودان" بقيادة عبد الواحد نور، والتي تقاتل القوات الحكومية في دارفور.

ويهدف الاتفاق إلى تحقيق الاستقرار في السودان بعد عقود من الصراعات الأهلية المتعددة، التي راح ضحيتها أكثر من 300 ألف نسمة وشرد أكثر من مليونين ونصف مليون آخرين وفق تقديرات أممية، لا سيما بعد أن اتسعت رقعة الصراع في دارفور منذ عام 2003.

تقلبات حميدتي 

وفي تعليقه على المشهد، أكد الصحفي السوداني محمد نصر لـ"الاستقلال"، أن "المليشيات والحركات المسلحة هي الخطر الأكبر على وحدة السودان". 

وأضاف: "لا يوجد بلد حقيقي مستقر توجد به قوات موازية للجيش الوطني، وهذه واحدة من أكبر جرائم (الرئيس المعزول عمر) البشير". 

وشرح ذلك بالقول إنه "عمل البشير على تشكيل قوات خارج مظلة الجيش، مثل الدعم السريع، وبسببه تشكلت الحركات المسلحة بفعل المعارضة والانقسام، وفي النهاية أصبح السودان على شفا جرف هار". 

وشدد نصر على أن "الدعم السريع رغم أنها قوات تابعة رسميا للجيش السوداني، لكنها واحدة من أكبر الأخطاء الإستراتيجية، لأنها قوات قامت على الاستقطاب القبلي والإثني، وعلى غرارها خرجت عشرات المليشيات". 

وعن الخلاف بين الحركات المسلحة وحميدتي، أوضح الصحفي السوداني أنه " أمر طبيعي، وفقا لقاعدة (لا يفل الحديد إلا الحديد)، وهو يعلم جيدا مدى خطورتها لأسباب عديدة".

وتابع: "أهمها كونها قوات غير نظامية، وتشرذمها في عموم البلاد، وانتشارها الواسع على الأرض، فهو يواجه عدوا غير نمطي، ليس مثل الجيش والمخابرات وبقية الأجهزة الأمنية". 

وفي السياق، أشار نصر إلى أن "هناك أيضا حركات شرسة تلعب دورا ثقيلا، وتهدد مكانة الدعم السريع، ولها مشاريع انفصالية، تحديدا جيش تحرير السودان بقيادة عبدالواحد نور، والحركة الشعبية لتحرير السودان (شمال) بقيادة عبدالعزيز الحلو".

وأضاف أن "هذه الحركات لا تريد السلطة فحسب، بل تريد الثروة أيضا، تحديدا الذهب والمعادن، كما تتاجر في السلاح وتساعد في عمليات تهريبه عبر الحدود، وحميدتي يعلم مدى خطورة دورها، واصطدامه بها سيؤدي إلى إنهاكه في ظل الحرب الباردة مع الجيش، حتى وإن بدا عكس ذلك". 

ومضى يقول: "حميدتي يتقلب بين الحركات من جهة، والجيش والأجهزة الأمنية من جهة أخرى، فهو يوازن جيدا حتى لا ينساق إلى مواجهة غير محسوبة، مع الأخذ في الاعتبار العلاقات مع القوى الإقليمية تحديدا في الإمارات، التي تدعم حميدتي بشتى الطرق، وسهلت له صفقات سلاح ضخمة".

وختم نصر بالقول: "كأنما هو الوزير على رقعة شطرنج السودان، يتحرك كيفما شاء، ويستعد لقتل الملك، ولكن قد تأتيه ضربة مفاجئة من الطابية أو الفيل".