صحيفة روسية: فوز قوميي إيرلندا الشمالية بالانتخابات مسمار في نعش بريطانيا
أكدت صحيفة "غازيتا دوت رو" الروسية، أن وصول حزب "شين فين" القومي إلى السلطة لأول مرة في تاريخ إيرلندا الشمالية البروتسنتية، قد يمهد الطريق إلى انفصال الأخيرة عن بريطانيا وتوحدها مع إيرلندا الأم الكاثوليكية، ما يهدد نفوذ التاج البريطاني.
وذكرت الصحيفة في مقال للكاتب "ألكسندر أختركو"، أنه رغم مفاجأة وصدمة هذا التطور، إلا أنه يستبعد حدوث تغييرات سياسية واقتصادية بالمنطقة في القريب العاجل، نظرا لأن الأمر متروك قانونا لموافقة بريطانيا على عمل استفتاء.
مرحلة جديدة
وفي 7 مايو/ أيار 2022، حقق حزب "شين فين" القومي المؤيد لإعادة توحيد الجزيرة الإيرلندية فوزا تاريخيا في انتخابات إيرلندا الشمالية، واعدا بـ"حقبة جديدة" على الرغم من خطر شلل سياسي يلوح في الأفق.
وأظهرت نتائج هذا الاستحقاق الذي نُظّم لاختيار 90 نائبا في الجمعية الوطنية، تقدم "شين فين" على منافسه "الحزب الاتحادي الديمقراطي" المؤيد للتاج البريطاني.
وسيشكل فوز "شين فين" علامة فارقة في تاريخ الحزب، الذي ارتبط اسمه لفترة طويلة بـ"الجيش الجمهوري الإيرلندي"، وهو جماعة شبه عسكرية استخدمت العنف لمحاولة إخراج إيرلندا الشمالية من حكم المملكة المتحدة خلال عقود من الاضطرابات.
ومن حق الحزب حاليا الحصول على منصب الوزير الأول "رئيس الوزراء" في العاصمة بلفاست للمرة الأولى منذ تأسيس إيرلندا الشمالية دولة ذات أغلبية بروتستانتية عام 1921.
وتعليقا على النصر، قالت رئيسة حزب شين فين، ميشيل أونيل: "يمثل اليوم لحظة تغيير مهمة للغاية. إنها لحظة حاسمة في سياستنا ولشعبنا".
وأضافت أنه يجب أن يكون هناك الآن "نقاش صادق" حول هدف الحزب المتمثل في توحيد الإقليم مع جمهورية إيرلندا.
ولن يغير انتصار شين فين من وضع المنطقة لأن الاستفتاء المطلوب لمغادرة المملكة المتحدة يخضع لتقدير الحكومة البريطانية ومن المحتمل ألا يجرى قبل عدة سنوات.
وهي أول مرة خلال مائة عام يتصدر فيها "شين فين" الانتخابات في هذه المقاطعة التي تشهد توترات على خلفية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكسيت".
ومن شأن فوز شين فين في الانتخابات أن يجعل زعيمته رئيسة للحكومة المحلية التي ينص اتفاق السلام المبرم في 1998 على أن يتقاسم القوميون والوحدويون السلطة فيها.
من جهته أشار "الحزب الاتحادي الديمقراطي" الحاكم السابق إلى أنه "سيرفض الانضمام إلى حكومة جديدة ما لم تتم تغييرات كبيرة على ترتيبات الحدود بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي".
تفكك مرتقب
وأشارت الصحيفة الروسية إلى أن فوز مؤيدي توحيد إيرلندا لا يعني أن المملكة المتحدة تتجه نحو التفكك قريبا.
ففي مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، قال نائب رئيس الوزراء، وزير العدل البريطاني دومينيك راب: "هناك أمران يتطلبان منا الاهتمام. أولا، الحاجة إلى استقرار الوضع، لأن شعب إيرلندا الشمالية يريد أن تبدأ الحكومة في العمل، وبالتالي نحتاج إلى محاولة تقريب الأطراف من بعضها البعض لتحقيق هذه النتيجة".
ثانيا، يظل بروتوكول إيرلندا الشمالية عقبة أمام تحقيق هذا الاستقرار، وهذه المشكلة تحتاج إلى حل" يضيف الوزير البريطاني.
ويشير الخبراء إلى أن هذا البروتوكول يفرض الحصول على إذن من الوزير البريطاني لإيرلندا الشمالية، لإجراء استفتاء.
وبموجب اتفاقية بلفاست لعام 1998، يجب تشكيل الحكومة الإقليمية لإيرلندا الشمالية من جميع الأحزاب السياسية بالمقاطعة.
وفي الوقت نفسه، حسب استطلاع رأي أجرته صحيفة "ذا ايرش نيوز" الصادرة من بلفاست، في أبريل/ نيسان، فإن ثلث سكان إيرلندا الشمالية فقط سيصوتون لصالح الانفصال عن بريطانيا.
ويعزو علماء السياسة النجاح غير المسبوق لحزب "شين فين" في الانتخابات إلى حقيقة أن الدعم الذي كان يعتمد عليه النقابيون كان غير واضح بين عدة أحزاب ذات أيديولوجية مماثلة.
فإجمالا، فاز الحزب الاتحادي الديمقراطي وحزب أولستر الوحدوي (وهو الحزب البروتستانتي الأساسي في إيرلندا الشمالية) وحزب الصوت الوحدوي التقليدي بشكل جماعي بأصوات أكثر من حزب "شين فين ".
ولفتت الصحيفة إلى أنه نظرا لأن الاتحاديين والقوميين مطالبون بالتعاون مع بعضهم، فإن تشكيل الحكومة سيصبح مشكلة بشكل منتظم، ما يؤدي إلى استمرار الفوضى الفعلية لفترات طويلة.
معضلة بريكسيت
ورأت الصحيفة الروسية أن الانخفاض في شعبية الحزب الاتحادي الديمقراطي يرجع إلى حد كبير إلى الصعوبات في تنفيذ بروتوكول إيرلندا الشمالية.
حيث تفترض اتفاقية التجارة المبرمة في ديسمبر/ كانون الأول 2020 بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا أن إيرلندا الشمالية، التي غادرت الاتحاد الأوروبي هي جزء من بريطانيا، ولا تزال عضوا في الاتحاد الجمركي للمجتمع.
وتجنب هذا الوضع المزدوج إنشاء حدود بين بلفاست ودبلن (عاصمة إيرلندا)، لكنه تطلب في الوقت نفسه إدخال إجراءات مراقبة في موانئ إيرلندا الشمالية لنقل عدد من البضائع من أجزاء أخرى من بريطانيا.
ونتيجة للعديد من الصعوبات البيروقراطية، تم إعاقة توريد المنتجات البريطانية إلى إيرلندا الشمالية بشكل كبير، ما تسبب في استياء السكان المحليين.
ففي أبريل 2021، اندلعت أعمال شغب في مدن أولستر الرئيسة، ما أدى إلى إصابة العشرات من ضباط الشرطة.
والاتحاد الأوروبي يضغط من أجل الحفاظ على حدود جمركية بحكم الأمر الواقع بين إيرلندا الشمالية وبريطانيا في البحر الأيرلندي لتجنب الدخول غير المنضبط للمنتجات البريطانية من أولستر إلى إيرلندا.
ويضمن البروتوكول أن تظل الحدود في جزيرة إيرلندا نفسها شفافة وخالية من عمليات التفتيش من أجل الحفاظ على اتفاقية بلفاست.
والحزب الاتحادي الديمقراطي، وكذلك الحكومة البريطانية والأحزاب الوحدوية الأخرى، جميعها تؤيد مراجعة البروتوكول بسبب عدم فعاليته.
بينما يؤكد ممثلو "شين فين" والسلطات في دبلن، مرارا وتكرارا إلى الحاجة إلى الامتثال لبنود الاتفاقية.