بمنعه زراعة البطيخ والأفوكادو.. ما فرص المغرب للتغلب على أزمة العطش؟

جمال خطابي | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

"تهديدات محدقة" يواجهها الأمن المائي للمغرب، بسبب قلة التساقطات المطرية وندرة المياه، مما يهدد العديد من المناطق الحضرية والقروية بـ"أزمة عطش".

هذه "الكارثة المستقبلية" دفعت المغرب إلى إطلاق برنامج لتعبئة المياه من خلال بناء سدود جديدة، إضافة إلى تحلية المياه لتعبئة الموارد المائية الممكنة، واستغلال المياه العادمة بعد معالجتها، بغية ربح رهان توفير الماء للجميع والحد من آثار ندرة المياه.

لكن الحكومة لا زالت لم توقف "خطر" بعض القرارات المتواصلة، ومنها اسـتخدام الميـاه الصالحة للشـرب لسقي المسـاحات الخضـراء وبعـض المشـاريع السـياحية، ناهيـك عـن اسـتمرار بعـض الزراعـات التـي تسـتهلك الكثير من الماء.

تغير المناخ

وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، محمد صديقي، قال إن "المغرب عرف خلال عام 2022 نقصا كبيرا في التساقطات المطرية، لم يشهد مثله منذ 40 عاما، إضافة إلى ندرة المياه على مستوى السدود، حيث سجلت مستوى ملء ضعيف جدا، نتيجة السنوات الخمس الماضية التي لم تسجل تساقطات مطرية مهمة".

وأكد الوزير صديقي، لموقع "هسبريس" المحلي في 10 مارس/آذار 2022، أن "نقص التساقطات المطرية وندرة المياه أثرت بشكل كبير على الموسم الفلاحي والنباتات، وخصوصا الحبوب، وأثرت على المناطق المسقية التي اضطررنا لوقف سقيها".

وفي تفسيره لأسباب ندرة المياه بالمغرب، أوضح المهندس البيئي ورئيس جمعية أصدقاء البيئة، محمد بنعبو، أن "ندرة المياه التي يعيشها المغرب اليوم والتي أثرت على الموسم الفلاحي في شقيه الزراعي وتربية المواشي، ترجع لعدة أسباب، من أهمها تأثيرات تغير المناخ الناتجة عن وجود المغرب بموقع جغرافي بين دول البحر الأبيض المتوسط".

وأضاف بنعبو، في حديثه لـ"الاستقلال"، أن منطقة المتوسط تعد "مركز التغير المناخي" حيث تعيش تغيرا مناخيا استثنائيا مقارنة مع مجموعة من دول العالم، مبينا أن "نسبة التغيرات بهذه المنطقة تزيد بـ20 بالمئة عن باقي مناطق العالم".

وأوضح أن "ندرة المياه بالمغرب هي أيضا نتيجة لتراكم سنوات سابقة من الجفاف، فمنذ عام 2014 والمغرب يعرف تساقطات مطرية أقل من المتوسط الذي كان يعرفه في السنوات العادية". 

ولفت إلى أن "المغرب اضطر خلال سنوات الجفاف، لاستهلاك مياه الفرشة (المخزون) المائية حيث لم نشعر بسنوات الجفاف في السنوات الخمس الماضية سواء على المستوى الفلاحي أو على مستوى التزود بالماء الصالح الشرب، باستثناء بعض المدن من قبيل زاكورة وطاطا (جنوب) التي عرفتا نقصا في مياه الشرب خاصة في فصل الصيف".

وأفاد بنعبو بأن "هذا الضغط الذي تعرض له المخزون المائي، أدى إلى ما يسمى اليوم بالإجهاد المائي بالمغرب، مما نتج عنه تراجع نسبة المخزون بالعديد من مناطق المملكة".

تحديات السدود

ولمواجهة تحديات ندرة المياه، عمل المغرب منذ سنوات على تعبئة المياه من خلال السدود، غير أنه بسبب الجفاف المزمن وظاهرة التغير المناخي، لم تعد السدود حلولا مناسبة للمرحلة الحالية حسب العديد من الباحثين والاقتصاديين.

الباحثة المغربية آمال النبيه، اعتبرت أنه في سياق تغير المناخ والجفاف ذي الطابع الهيكلي، لا يمكن أن تكون السدود هي الحل بعد الآن، موضحة أن "ظروف المغرب تغيرت، فقد ولى التعاقب المتوقع للمواسم الممطرة والجافة التي بنى عليها المغرب سياساته المائية والفلاحية".

وأضافت في دراسة تحت عنوان "نفاذ الماء" نشرها موقع "المعهد المغربي لتحليل السياسات" في 24 سبتمبر/أيلول 2020، أن "الجفاف بالمغرب، أصبح هيكليا ويمتد لسنوات عديدة، وغالبا ما تأتي الأمطار بغزارة على دفعات قصيرة مما يؤدي إلى تدمير مادي وبيئي، وبالتالي يصعب تخزينها بشكل مناسب". 

وخلصت الباحثة النبيه، إلى أن "بناء السدود لا يعني بالضرورة محاربة ندرة المياه، حيث لا تزال المحيطات المسقية بحاجة إلى أن تشييد، والسدود بحاجة إلى الصيانة والمحافظة عليها من الترسبات من أجل الحفاظ على سعة حجمها الكاملة، كما ينبغي بناء شبكات هيدروليكية وصيانتها أيضا".

أما المحلل الاقتصادي والمهتم بتدبير الموارد المائية، رشيد ساري، فأوضح أن السدود تتطلب صيانة دائمة بسبب إشكالات "الوحل" التي تعتريها، مسجلا "سوء تدبير وتوزيع السدود".

خلال مشاركته في برنامج "ما وراء الحدث" على قناة "ميدي 1 تي في" المغربية (رسمية) في 2 مارس/آذار 2022، أشار ساري، إلى أن "المناطق الزراعية والفلاحية القريبة من السدود، تستفيد من مياهها، في المقابل لا تستفيد المناطق البعيدة عنها".

وأوضح ساري أن "النسب المعلن عنها بخصوص ملء السدود ليست دقيقة"، مبينا أن "في الواقع يمكن أن تكون نسبة الملء أقل مما يتم الحديث عنه اليوم".

تغطية العجز

وإذا كان خيار إنشاء السدود لتعبئة الموارد المائية يواجه العديد من الصعوبات، فإنه ينبغي القيام بإجراءات أخرى تساهم في ربح رهان توفير الماء للجميع وتجنب المغاربة "أزمة العطش" وما قد يتبعها من احتقان اجتماعي.

المهندس عبد الله أيت شعيب، أكد على "ضرورة إعطاء الأولوية لتمويل وتنفيذ الإستراتيجية الوطنية للماء (أعلن عنها عام 2019) التي ترتكز على ستة محاور".

وأوضح أن هذه المحاور هي تدبير الطلب على المياه وتثمين الموارد المائية، وتطوير إمدادات المياه، والمحافظة على الموارد المائية وحمايتها، والحد من هشاشة الموارد المائية وحمايتها، واستمرار الإصلاحات التشريعية والمؤسساتية، بالإضافة إلى الارتقاء بنظم المعلومات وبناء القدرات والمهارات.

وشدد أيت شعيب، على ضرورة العمل على تغطية العجز من الموارد المائية الذي يقدر بـخمسة مليارات متر مكعب في أفق 2030، بتوفير 2,5 مليار متر مكعب عن طريق الاقتصاد في استهلاك المياه، وعقلنة الاستغلال عبر تجنب الزراعات التي تستهلك الماء بكثرة والتي تشكل خطرا على الأمن المائي للمغرب.

ودعا أيت شعيب، وهو برلماني سابق والمهتم بموضوع ندرة المياه، الحكومة إلى "تطوير البحث العلمي وتكنولوجيا تحلية مياه البحر"، موضحا "أهمية البحث العلمي والتطور التكنولوجي في تطويع ما أودعه وسخره الله في هذا الكون، وتوفير ما يحتاجه الجميع من ماء وطاقة وحماية وعلاج من الأمراض ومن كل وسائل العيش الكريم".

وأشاد بعزم الحكومة الشروع في تقييم وتحديث الإستراتيجية الوطنية للماء، من خلال إعداد البرنامج الوطني للماء والذي سيمتد لسنة 2050 من أجل توفير العرض المائي.

من جهته، أكد المهندس بنعبو، على "ضرورة اعتماد فلاحة مستدامة لا تستهلك مياها كثيرة، وألا تكون موجهة للتصدير فقط بل أن تكون الأولوية لضمـان الأمـن الغذائـي الوطنـي".

وقال إنه "من غير المعقول في ظل ندرة المياه، أن يبقى المغرب من أهم المصدرين في العالم لفاكهة البطيخ الأحمر".

وتابع: "رغم أهمية ما يصدره المغرب من هذه الفاكهة غير أننا نؤدي الضريبة على حساب مواردنا المائية".

وهو نفس ما سبق أن ذهب إليه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (هيئة رسمية)، الذي اقترح في ورقة تحت عنوان "نقطة يقظة"، إعداد دراسة التأثير والفعالية المائية للمشاريع الاستثمارية، خاصة في الفلاحة والصناعة والسياحة.

وأشار بنعبو في حديثه مع "الاستقلال"، إلى أن "الفلاحة ركيزة أساسية ببلادنا حيث توفر مناصب شغل مهمة"، مستدركا: "لكن علينا الانتباه لكلفة بعض المزروعات بالنسـبة للدولـة وللمجتمـع". 

وبخصوص الموارد غير التقليدية التي يمكن أن تساهم في الحد من خطورة ندرة المياه على مستقبل المغرب، أبرز بنعبو، أن "المغرب يمتلك حاليا تسع محطات لتحلية مياه البحر".

وأوضح أن "تحلية مياه البحر يمكن أن تسهم في حل إشكالية ندرة المياه رغم أن تكلفتها ستكون مرتفعة".

ولفت بنعبو إلى "أهمية استغلال المياه العادمة المعالجة في المجال الفلاحي"، معربا عن أمله في أن "يتم اعتماد قرار من الهيئات المعنية لسقي بعض المزروعات بمياه الصرف الصحي المعالجة، خاصة الحدائق والمنتزهات التي يتم سقيها بمياه الآبار والمياه الجوفية مما يؤدي إلى استنزافها".

قرارات خارج السياق

وفي ظل الإجهاد المائي للمغرب وضرورة البحث عن سبل بديلة لحفظ الأمن المائي والغذائي، فإن الحكومة تستمر في اتخاذ قرارات تستنزف الثروة المائية للمغرب. 

وصادقت الحكومة في 03 مارس/آذار 2022 على مرسوم متعلق بالترخيص بزراعة وإنتاج القنب الهندي وإنشاء واستغلال مشاتله (في أقاليم الحسيمة، وشفشاون، وتاونات).

وهي الزراعة التي تخلف، حسب خبراء، أضرارا كبيرة على المجال البيئي من خلال الاستغلال المفرط للمياه، إضافة إلى تأثيراتها السلبية على التربة.

كما أن المناطق التي تعرف زراعة القنب الهندي بطريقة غير قانونية "تم استنزاف مخزونها المائي رغم أنها تعرف تساقطات مهمة!". 

وتعتزم إحدى أكبر الشركات الزراعية الإسرائيلية، استثمار 80 مليون درهم مغربي (نحو 9 ملايين دولار)، في زراعة فاكهة الأفوكادو في المملكة، على مساحة تقدر بـ455 هكتارا.

وذكرت صفحة "إسرائيل بالعربية" على "تويتر" أن "أكبر شركة للمنتجين والمصدرين لفاكهة الأفوكادو في إسرائيل (مهادرين)، أعلنت عن انطلاق مشروع لإنتاج الأفوكادو بالمغرب".

وأكدت الصفحة التابعة لوزارة الخارجية الإسرائيلية، في 22 أغسطس/آب 2021، أن "الشركة تتوخى من وراء هذا المشروع إنتاج 10 آلاف طن من فاكهة الأفوكادو سنويا".

ويشدد خبراء في الزراعة على أن هذا القرار سيزيد في تعميق أزمة ندرة المياه بالمغرب، لكون زراعة الأفوكادو تستهلك كميات كبيرة من الماء.