بعيد المنال.. ما الذي يخفيه نظام الأسد بالترويج لخط حديدي مع إيران والعراق؟
بعد بروز عراقيل أميركية أمام إحياء خط الغاز العربي من مصر إلى لبنان المار بسوريا، بدأت إيران طرح مشاريع متوقفة لتوسيع نفوذها، في مقدمتها ربط السكك الحديدية مع العراق وسوريا، وهو أمر يخدم نظام بشار الأسد.
وخلال حفل تأبيني أقامه النظام السوري بالعاصمة دمشق في 6 يناير/كانون الثاني 2022 تزامنا مع الذكرى الثانية لمقتل قائد فيلق القدس الإيراني السابق، قاسم سليماني، ألقت بثينة شعبان المستشارة الخاصة لبشار الأسد كلمة نيابة عنه .
وطرح الأسد في الكلمة مشروع الربط السككي والكهربائي بين إيران والعراق وسوريا، معتبرا أنه "بداية طيبة لربط دول المنطقة بعلاقات مفتوحة تصب في خدمة أبنائها".
كما احتوت الكلمة على اتهامات مباشرة لقاعدة التنف الأميركية جنوبي سوريا على الحدود مع العراق، بعرقلة المشروع سابقا.
الربط السككي
وجاءت تصريحات الأسد عقب عدة أيام من إعلان وزير الطرق وإنشاء المدن الإيراني رستم قاسمي توقيعه اتفاقا مع الحكومة العراقية، يقضي ببدء أعمال مشروع "الربط السككي" بين مدينتي "شلمجة" الإيرانية والبصرة العراقية بطول 32 كلم، بعد توقف لسنوات طويلة.
وذكرت نشرة "غلوبال كونستراكشين" البريطانية المتخصصة بمشاريع الإعمار، أن طهران ستبدأ بالعمل في عمليات البناء من جهتها على الحدود، بمجرد أن يشيد العراق الجزء المتعلق بجهته.
وخلال زيارته إلى بغداد في 26 ديسمبر/كانون الأول 2021، قال قاسمي: "أجرينا سلسلة من المباحثات مع الجانب العراقي على مدى 20 عاما لتنفيذ هذا المشروع لكن لم نتوصل إلى الحل المطلوب طيلة هذه الفترة".
وأردف: "اتفاقنا اليوم يحمل جدولا زمنيا محددا ويلزم الجانبين الإيراني والعراقي ببدء تنفيذ الخط خلال 30 يوما كحد أقصى، ومن المتوقع أن يستكمل المشروع في عامين كحد أقصى، بتكلفة بين 100 إلى 120 مليون دولار تقسم مناصفة علينا.
وأشار إلى أنه "مع تنفيذ المشروع ستصبح صادراتنا إلى العراق أقل كلفة وأكثر أمانا وسيتم ربط هذا الخط السككي بالبحر المتوسط مستقبلا" في إشارة إلى ميناء اللاذقية السوري.
وأثارت تصريحات قاسمي صخبا واسعا، ليخرج وزير النقل العراقي ناصر الشبلي، في 29 ديسمبر 2021 ، لينفي الأمر، موضحا أن ما جرى هو "توقيع محضر اجتماع مع الجانب الإيراني بشأن الربط السككي، وهو ليس اتفاقية".
لكن يبدو أن إيران تضغط باتجاه الإسراع في الربط السككي مع العراق للوصول إلى المتوسط، لا سيما بعد نقل النظام السوري إدارة مرفأ اللاذقية، الأهم بالبلاد إلى طهران، بعد زيارة أجراها إلى حليفته الشيعية نهاية مايو/ أيار 2019.
وهو أمر يتماشى مع رغبات نظام الأسد في إطلاق مشاريع جديدة بالبلاد، وفق محللين، لتجاوز احتياجات ضرورية في مقدمتها الطاقة والكهرباء، في ظل القيود الأميركية المفروضة عليه، أحدثها عرقلة خط الغاز العربي.
وخط الغاز العربي المعطل منذ 2011 عاد للظهور مجددا بعد موافقة مبدئية من الولايات المتحدة في 19 أغسطس/آب 2021 على خطة لتزويد لبنان التي تعاني نقصا بالطاقة، بالغاز المصري عبر الأردن مرورا بسوريا.
لكن الخطة بقيت حبرا على ورق، لعجز الدول المذكورة على الحصول على موافقات قانونية من واشنطن تحميها من العقوبات الأميركية، وفق قانون قيصر الذي يجرم المتعاونين مع نظام الأسد.
خط بديل
وفي هذا الإطار، قال وزير الاقتصاد والمالية في "الحكومة السورية المؤقتة" المعارضة، عبد الحكيم المصري إنه "عندما بدأت مشاورات حول خط الغاز العربي لم تعترض أميركا على الأمر، لكن عقب طلب النظام السوري نسبة من الغاز، تعطل المشروع، وبالتالي جرى اللجوء إلى خط السكة الحديدية الذي يربط إيران بسوريا عبر العراق".
وأوضح المصري لـ"الاستقلال" أن "هذا الخط السككي سيدعم عمليات التهريب عبر إيران، وهو تحايل على العقوبات الدولية المفروضة التي بالأصل النظام وإيران غير مكترثين لها".
وأضاف: "ومنذ فترة جرى التلميح إلى هذا المشروع وإمكانية نقل الغاز من إيران إلى كل من سوريا والعراق".
وذهب للقول إن "إيران تريد أن تخضع النظام السوري اقتصاديا بحيث يصبح التبادل التجاري ساريا بين سوريا والعراق، بتحكم إيراني مباشر".
وأردف: "هذا كله مرتبط بفكرة البنك المركزي المشترك بين سوريا وإيران، بحيث السوري يبيع مواده للإيراني، بينما السوري يأخذ قيمة مواده من إيران دون تحويل الأموال والعكس صحيح وفي آخر السنة يجري دفع النقص المترتب لكل منهما".
وكان المدير العام لمنظمة تنمية التجارة الإيرانية علي رضا بيمان باك، أعلن أن بلاده بصدد تأسيس مصرف مشترك مع النظام السوري، سيكون له دور مهم في إدارة موارد العملة الصعبة.
وأضاف وفق ما نقلت وكالة فارس الإيرانية، في 3 ديسمبر 2021 أن المصرف يأتي ضمن محاولة طهران تدعيم الحراك المالي لنشاطها التجاري في سوريا، وتسهيل العلاقات التجارية بين البلدين.
كما أنه سبق للمؤسسة العامة لخطوط الحديد السورية ووزارة الطرق وبناء المدن الإيرانية أن وقعتا محضر اجتماع للتعاون في مجال النقل الشامل في يوليو/ تموز 2019.
وشمل حينها العمل على الربط السككي للشبكات الحديدية للدول الثلاث، حيث يقوم كل طرف بتقديم تقرير يتضمن معلومات عن حجم النقل وتكاليف التأسيس والصيانة ودراسة الجدوى الاقتصادية.
نقل "آمن"
وتنظر طهران إلى مشروع الربط السككي بأنه سيسهم بشكل فاعل في اختصار الزمن وتحقيق مسار نقل آمن واقتصادي ينعكس إيجابا على تكاليف البضائع.
وتسعى إيران إلى إنشاء ممر بري يربطها بالبحر المتوسط، وهو من الأسباب الرئيسة التي جعلتها تتدخل مبكرا إلى جانب قوات الأسد منذ عام 2012 لقمع ثورة الشعب السوري، ومنع بشار من السقوط.
كما أن المشروع هو دعامة للهلال الشيعي الذي تحلم به إيران منذ سنوات طويلة، المتمثل بربط إيران بالعراق وسوريا ولبنان.
ولطالما طالب مسؤولون إيرانيون بتنفيذ المشروع بسرعة، خاصة أنهم وصفوه بـ"أحد أكبر خطوط السكك الحديدية في العالم"، وأنه سيخفض مدة عملية نقل البضائع إلى 3 أيام فقط للبحر المتوسط.
لكن رغم هذا "الحلم الإيراني"، الذي يتطلب على الأقل سنتين لتنفيذه فقط من طرف العراق إن سار ولم يتوقف، فإن القسم المتعلق بسوريا سيكون حلما "بعيد المنال"، يصنف ضمن المشاريع الإعلامية التي يستخدمها الأسد للترويج المحلي كلما اشتد الخناق عليه اقتصاديا.
وهذا ما أكده المحلل المختص في الشأن الإيراني، معن الشريف، بقوله لـ"الاستقلال" إنه في الحالة السورية سيبقى الخط السككي عرضة للتهديد الأمني كونه يمر بمساحات شاسعة في البادية السورية".
وأضاف: "هو أيضا مرتهن بالحل السياسي في سوريا، لكن المشروع بالنسبة للنظام السوري هو للاستهلاك الإعلامي والترويج ضمن حاضنته أن لدى حلفائه مشاريع على المدى المنظور، وأنه يمتلك البدائل لإسعاف الاقتصاد وتغيير حياة المواطن وهذا ما لم يتحقق خلال عشر سنوات".
وفي نفس الاتجاه، يرى الأكاديمي والخبير الاقتصادي السوري، فراس شعبو أن "النظام السوري يحاول اللعب على جميع الأوراق، لا سيما أن موضوع خط الغاز العربي فيه قبول عربي لكن لا تتوفر موافقة أميركية".
ربط اقتصادي
وقال شعبو لـ"الاستقلال" إن "مشروع الخطط السككي بين إيران وسوريا والعراق هو بيد طهران بالمطلق، لأنها تسيطر على البلدين الأخيرين".
وألمح شعبو إلى أن "الاقتصاد السوري حاليا جرى تقسيمه بحيث تكون حصة إيران هو البنية التحتية والطرق بينما روسيا أخذت الثروات الباطنية وبعض الامتيازات على الساحل".
وبين الأكاديمي أن "إيران تسعى إلى الوصول إلى الساحل السوري بشكل أساسي عبر هذا الخط ما يسهل وصول البضائع الإيرانية إلى أوروبا".
وزاد بالقول: "كما أن النظام يمكن أن يستفيد منه من خلال بعض الإيرادات وتأمين بعض المنتجات من إيران والعراق، فضلا عن كون هذا الخط سيكون محميا من قبل المليشيات الإيرانية".
وفي هذا الإطار تطمح إيران بربط ميناء الإمام الخميني الواقع على الجانب الإيراني من مياه الخليج مع ميناء اللاذقية على البحر المتوسط.
وتعد إيران حاليا أهم وأكبر مصدر للكهرباء إلى العراق، فثلث احتياجاته من الطاقة تأتي عبر استيراد الكهرباء والغاز الايراني.
فيما تقدر خسائر قطاع الكهرباء في سوريا منذ عام 2011 حتى 2020، وفق أرقام حكومية، بـ100 مليار دولار، كما يتبع النظام بمناطق نفوذه خطة تقنين في التيار الكهربائي، حيث تصل ساعات القطع اليومي إلى 17 ساعة.
ويتذرع النظام بالنقص في الوقود اللازم لتشغيل المحطات، ويرمي عجزه في تأمين ذلك على الحصار الاقتصادي بموجب العقوبات الأميركية والأوروبية.