على خطى الانقلابيين.. هل يواجه قيس سعيد غضب التوانسة بالعنف؟

12

طباعة

مشاركة

تفجرت موجة من الاحتجاجات في عدة ولايات تونسية، إثر إلغاء الرئيس قيس سعيد تفعيل ما بات يعرف بـ"القانون عدد 38" الذي يقضي بتشغيل خريجي الجامعات التونسية ممن تجاوزت بطالتهم عشر سنوات.

وجاء هذا القانون نتيجة حراك شعبي استمر لأشهر طويلة بالعاصمة تونس وعدد من المدن، حتى صادق البرلمان عليه في أغسطس /آب 2020، ووقعه لاحقا رئيس الجمهورية.

وإضافة إلى غضب شرائح كبيرة في المجتمع من قرارات سعيد الانقلابية، شهدت مدينة عقارب في ضواحي ولاية صفاقس جنوب شرقي البلاد، احتجاجات رافضة لإعادة فتح مكب نفايات أدت إلى سقوط قتيل وعدد من الجرحى، نتيجة الاستعمال المفرط للقوة من قبل قوات الأمن.

وتعتبر أحداث عقارب وأزمة النفايات في صفاقس اختبارا حقيقيا لسلطة الانقلاب في تونس، حيث يرى متابعون أنها فشلت في الوفاء بوعودها والتجأت للحل الأسهل باستعمال القوة ما أدى إلى سقوط ضحايا.

وإلى جانب الضغوط السياسية، يبدو أن الحراك الاجتماعي يتجه لفرض مزيد من الضغوط على سعيد بعد تهديد معتصمي منطقة الكامور بولاية تطاوين جنوبي البلاد، بالعودة لإغلاق مضخة النفط، فيما يتوقع أن تعود الاحتجاجات الاجتماعية بعد إقرار الميزانية الجديدة التي لمح سعيد لشكلها بعد أن دعا إلى مزيد من التقشف.

فيما يرى معارضون أن سعيد لن يلتجئ لاستعمال القوة الأمنية في مواجهة هذه الضغوط، بل هي خياره الأول والأوحد، فهو يرى كل معارض لقراراته خائنا وعميلا ويستبطن تجريم كل حراك اجتماعي".

وتعيش تونس منذ 25 يوليو/ تموز 2021 مرحلة حرجة، حين شرع سعيد في اتخاذ قرارات منها: تجميد اختصاصات البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه، وإلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وإقالة رئيس الحكومة، وهو ما اعتبره جل المواطنين "انقلابا صريحا على السلطات المنتخبة".

صدمة العاطلين 

إثر لقائه في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 بعدد من ممثلي الشباب الذين تجاوزت بطالتهم عشر سنوات، خرج قيس سعيد في مقطع مصور رفقة وزير التشغيل في حكومته ليعلن عن القرار الذي اعتبر صادما لآلاف من الشباب التونسي.

وأكد سعيد خلال اللقاء أن "القانون وضع في تلك الفترة لاحتواء الغضب وليس للتطبيق أو للتنفيذ والوظيفة العمومية لا يمكن أن تستوعب المزيد من الموظفين"، وهو ما اعتبره المحتجون تراجعا منه عن تنفيذ القانون.

واندلعت في نفس اليوم احتجاجات بعدد من المدن التونسية، حيث هدد العشرات بالانتحار في محيط مقر ولاية سيدي بوزيد وسط البلاد، كما اقتحم مجموعة من الشباب مقر ولاية قفصة جنوب غربي تونس رافضين لقرارات سعيد.

وبعد دخولهم في اعتصام في مقر ولاية القصرين قرر عدد من المعتصمين صباح 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 الدخول في إضراب جوع وحشي كردة فعل تجاه تجاهل السلطات لمطالبهم وحقوقهم.

أزمة النفايات

وفي سياق الأزمات المتتالية، تجتاح النفايات وروائحها الكريهة منذ أسابيع شوارع مدينة صفاقس جنوب شرقي تونس، حيث أطلق سكان ومنظمات غير حكومية صيحة إنذار لمواجهة الأزمة.

وتتراكم أكياس القمامة والذباب الذي يغطيها في مناطق مختلفة من صفاقس منذ أكثر من شهرين، حتى إن الأكوام باتت ملحوظة قرب المستشفيات والمتاجر والمدارس.

ومنذ إغلاق مكب النفايات الرئيسي في منطقة عقارب بصفاقس نهاية سبتمبر/ أيلول 2021 ترفض البلديات جمع النفايات حتى تجد الدولة الحلول.

ودعت حملة "ماناش ساكتين" (لن نصمت) إلى وقفات احتجاجية أمام القباضات المالية داعين أهالي صفاقس إلى الامتناع عن دفع الضرائب إلى حين إيجاد حل لأزمة النفايات في المدينة.

واحتشد العشرات أمام مقر القباضة المالية (مصلحة الضرائب) بمدينة صفاقس، للتنديد بتراكم النفايات والتهديد بعدم دفع الضرائب، ورفع المحتجون لافتات مدونا عليها عبارات، أبرزها "أنقذوا صفاقس"، و"صحة المواطن فوق كل القوانين والدساتير"، و"ما دام الدولة ما سمعتناش احنا منخلصوهاش (طالما لم تسمع لنا الدولة. نحن لن ندفع لها)".

كما طالبوا الجهات الرسمية بسرعة التحرك لإنقاذ مدينة صفاقس، التي ردمت بالنفايات وتكاثر الحشرات، وباتت مهددة بانتشار الأوبئة.

ودعا الاتحاد الجهوي للصناعة والتجارة (منظمة رجال الأعمال والأعراف) جميع سكان صفاقس إلى العصيان الضريبي (عدم دفع الضرائب) احتجاجا على الوضع الذي وصلت إليه المدينة.

عقارب ليست مكبا

ليس بعيدا عن وسط مدينة صفاقس، يرابط العشرات من الشباب بالقرب من الطريق المؤدي إلى مكب النفايات "القنة" بمدينة عقارب في الولاية نفسها، تخوفا من عودة الشاحنات المحملة بأكوام النفايات للإلقاء بها بعد أسابيع من قرار إغلاقه بقرار قضائي.

وتعيش المدينة حالة ترقب بعد رواج أنباء عن احتمال عودة السلطات لاستعمال المكب وفتحه بالقوة، حيث اتهم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، وزارة البيئة بـ”التواطؤ في ملف مصب القنة بعقارب”.

واعتبر في بيان أن ذلك يتم ”تحت غطاء المصلحة العامة خدمة لمصلحة لوبيات وشركات تخرق القانون والدستور دون أية رقابة أو محاسبة” .

وأعلن المنتدى مساندته ”حراك مانيش مصب” (لست مكبا للنفايات) الرافض لإعادة فتح مصب القنة بعقارب، وطالب بفتح تحقيق ومحاسبة كل المسؤولين في التجاوزات الموثقة بمصب القنة منذ بدء استغلاله في "خرق واضح لدراسات التأثير على المحيط”.

وعبر عن قلقه مما وصفه بـ”التعامل اللامسؤول لوزارة البيئة وإمعان القائمين عليها في سياسة الهروب إلى الأمام عبر مواصلة الضغط والدفع نحو إعادة فتح المصب دون أخذ الرفض المجتمعي بعين الاعتبار”.

وسبق وأن تعهد قيس سعيد في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 بسحب قوات الأمن فورا من مدينة عقارب، مع دخول المواجهات بينها وبين المحتجين يومها الرابع.

وتعهد سعيد خلال لقائه عددا من نشطاء حراك "مانيش مصب"، بإعطاء تعليمات لسحب قوات الأمن، وفتح تحقيق في وفاة المواطن عبد الرزاق الأشهب، الذي توفي بعد اختناقه بالغاز المسيل للدموع الذي تم استعماله بكثافة في محاولة لقمع الاحتجاجات الرافضة لدخول شاحنات النفايات للمكب.

وشهدت المدينة لاحقا مواجهات طيلة 4 أيام، اعتبرها كثير من المتابعين أنها تأتي على نقيض ما يعد به الرئيس التونسي تحت شعار "الشعب يريد" ووعوده بالحوار مع الشباب بشكل مختلف عن الحوارات السابقة.

حلول أمنية

واعتبر عضو المكتب التنفيذي للحزب الجمهوري المعارض عيسى خضري أن "مناقشة ملف عقارب في اجتماع دعا له الرئيس كلا من وزير الداخلية ورئيسة الحكومة كان مؤشرا واضحا لاعتماده على المقاربة الأمنية في البحث عن حلول لهذه الأزمة البيئية، ولو كانت لديه حلول أخرى لناقش الموضوع مع المصالح المختصة بالبيئة".

وأضاف خضري لـ"الاستقلال":  "لا أعتقد أن الرئيس التجأ لاستعمال القوة، فالمتابع لخطابات الرئيس يرى منسوبا كبيرا من العنف والتحقير  للمعارضين، لذلك أرى أن خيار الرئيس الأول والأوحد هو استعمال القوة".

والسبب الحقيقي وفق الخضري في ذلك هو "عزلة يعيشها سعيد نتيجة أحكام مسبقة، مفادها أن كل معارض لقراراته خائن وعميل وبالتالي هو يستبطن تجريم كل حراك اجتماعي".

ويدعم هذه المقاربة التشابه الكبير وفق مراقبين بين خطوات انقلاب قيس سعيد وانقلاب يوليو/تموز 2013 في مصر بقيادة رئيس النظام الحالي عبد الفتاح السيسي الذي يراه كثيرون ملهما لرئيس تونس.

وأجرى سعيد زيارة إلى القاهرة بين 9 إلى 11 أبريل/نيسان 2021، قبل شهور قليلة من انقلابه، ويبدو أنه عاد من القاهرة مسلحا بأفكار حول كيفية سحق المعارضين والتنكيل بهم كما شهدت مصر في الشهور والسنوات التالية للانقلاب.

ومع اتساع دائرة المعارضة السياسية لقرارات قيس سعيد الانقلابية، ورُغم التضييقات الأمنية التي تشهدها البلاد، تساهم مثل هذه المقاربات في التحاق الحراك الاجتماعي بالحراك السياسي ما يعني أن الضغط صار مضاعفا على سلطة الانقلاب. 

وفي تعليقه على قرار سعيد إلغاء القانون عدد 38، اعتبر المعارض التونسي أن "كل الحجج لا تؤكد عجز حكومة الانقلاب على تقديم حلول فقط، بل عن استهتارها بالعقل والذكاء التونسي، فكيف لرئيس ختم قانون أن يتهمه بأنه قانون وهمي وحبر على الورق وجاء لامتصاص الغضب؟"

ودعا القيادي في الحزب الجمهوري النخبة التونسية إلى الانتباه لأن "الشباب الذين كان منسوب ثقتهم في الرئيس مبالغا فيه سيعيشون خيبة أمل أكبر، فالانقلاب مثل للبعض قشة النجاة الأخيرة وآخر أمل في الدولة، ما يعني أننا سنشهد ظواهر اجتماعية خطيرة نتيجة انعدام الثقة".

وأكد أن "شعبوية الرئيس سعيد لن تهدد رصيده الانتخابي فقط بل حتى السلم الاجتماعي أيضا".

 

وفي سياق متصل، كشف الناطق باسم اعتصام الكامور طارق الحداد أن عددا من شبان الاعتصام تلقوا استدعاءات للمثول أمام القضاء على خلفية احتجاجات الكامور رغم أن الاتفاقية الموقعة مع الطرف الحكومة سابقا تنص على عدم تتبع المشاركين في الاحتجاجات.

واعتصام الكامور حركة احتجاجية دارت أحداثها في منطقة الكامور البترولية في ولاية جنوبي تونس، للمطالبة بالتنمية والتشغيل والتوزيع العادل للثروات الطبيعية، بين 23 أبريل/نيسان و16 يونيو/حزيران 2017، تاريخ توقيع اتفاق بين الحكومة والمعتصمين.

وعبر الحداد في بث مباشر على فيسبوك في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، عن استغرابه من عدم تفاعل الرئيس سعيد مع مطالب شباب الاعتصام، خاصة وأنه استقبلهم سابقا بقصر قرطاج وتعهد بإيلاء الاهتمام اللازم بقضاياهم والسعي لتطبيق كل ما جاء في اتفاق الكامور.

ومع نهاية المهلة التي أعلنت عنها تنسيقية اعتصام الكامور، في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 لتطبيق ما تم الاتفاق عليه سابقا، دخل الشباب في سلسلة من الاحتجاجات، كما عبروا عن استعدادهم لغلق جميع المنافذ المؤدية للشركات البترولية المنتصبة بتطاوين، ما قد يؤدي إلى خسائر مادية كبيرة.