رغم تحسن أسعار النفط.. لماذا تعاني ميزانية الجزائر عجزا ماليا؟

طارق الشال | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

سجلت موازنة الجزائر المتوقعة لعام 2022 عجزا تاريخيا فاق عجز موازنة البلاد خلال عام 2021 رغم تحسن أسعار النفط.

فمن المتوقع أن تسجل الموازنة الجديدة عجزا بنحو 4.1 تريليون دينار (30 مليار دولار) مقابل 22 مليار دولار في 2021.

ويشير مشروع قانون الموازنة العامة لعام 2022 إلى أن الإيرادات الإجمالية للسنة المالية المقبلة ستبلغ 5 تريليونات و683 مليار دينار (43 مليار دولار)، بينما النفقات الكلية 9 تريليونات و858 مليار دينار (74 مليار دولار).

وخصص قانون الموازنة العامة للعام المقبل تريليونا و942 مليار دينار (14.6 مليار دولار) للتحويلات الاجتماعية.

ويوجه منها لدعم العائلات تحديدا ميزانية بـ597 مليار دينار (4.36 مليار دولار سنويا)، ما يمثل 31 بالمئة من قيمة التحويلات الاجتماعية، توزع على دعم أسعار المواد الأساسية (الحبوب، والحليب، والسكر، وزيت المائدة)، وأيضا الكهرباء والغاز والماء والتعويضات العائلية لدعم التعليم.

أسباب العجز

تعود أسباب تفاقم العجز إلى رفع نفقات التسيير والتجهيز، بالإضافة إلى الإجراءات المعلن عنها مؤخرا لدعم القدرة الشرائية من طرف رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، وخاصة فيما يتعلق بتخفيف رسوم الضريبة على الدخل الإجمالي، والتي بدورها ستؤدي إلى نقص في الجباية العادية التي تغذي خزينة الدولة وترفع من قيمة الإيرادات.

وبحسب الخبير الاقتصادي، مقدم عبيرات، فإن خصائص النفقات في الموازنة هي الارتفاع، مشيرا إلى أن انخفاض الدينار الجزائري يعد أحد أبرز أسباب هذا العجز، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار محليا، الأمر الذي دفع الحكومة إلى زيادة بند الأجور بالموازنة لتواكب هذا الارتفاع.

وأشار عبيرات، لـ"الاستقلال"، إلى أن الدعم المقدم من الدولة تحت بند التحويلات الاجتماعية يستهلك نسبة كبيرة من النفقات، بالإضافة إلى منح البطالة والشيخوخة.

وسجل الدينار الجزائري أرقاما غير مسبوقة أمام العملات الأجنبية، حيث عاود السقوط مرة أخرى في سبتمبر/أيلول 2021 عند سعر صرف 137 أمام الدولار الواحد.

ويتزامن تهاوي الدينار الجزائري مع استمرار أزمة السيولة التي تعصف منذ قرابة السنة بالمؤسسات المالية، وباتت تهدد أجور ومعاشات الجزائريين.

من جهته، قال الخبير الاقتصادي، إسحاق خرشي، إن عجز الموازنة يعد مشكلة كبيرة ولكنها ليست خطيرة، مشيرا إلى أن أهم شيء في قانون المالية هو الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطن ودعمه حتى يستطيع شراء احتياجاته الأساسية، وبالتالي التضخم أخطر من عجز الموازنة.

وأوضح خرشي لـ"الاستقلال" أن أكبر مساهم في هذا العجز هي التحويلات الاجتماعية التي تقدمها الدولة إلى الأسر من خلال دعم السلع والتعليم والنقل والسكن والفئات المحرومة وغيرها.

وأضاف أن نحو 20 بالمئة من موازنة 2022 خاصة بالتحويلات الاجتماعية.

لذا تسعى البلاد للاتجاه إلى نظام الدعم المستهدف بدلا من الشامل، وبالتالي يتم توجيه الدعم إلى مستحقيه لتجنب تهريب المنتجات المدعمة واستغلال المصنعين والمنتجين المحليين.

 وهو الأمر الذي سيؤدي إلى تراجع حجم الدعم المقدم من الدولة، وبالتالي انخفاض العجز بالموازنة خلال السنوات القادمة، وفق تعبير خرشي.

وتساهم إيرادات النفط في تمويل موازنة البلاد بشكل كبير، إذ تمثل 93 بالمئة من مداخيل البلاد من النقد الأجنبي، كما تمثل نحو 64.8 بالمئة من موازنة عام 2022.

ولكن على الرغم من زيادة أسعار النفط من 50 دولارا فيما أقل إلى متوسط 85 دولارا للبرميل، إلا أن هذه الزيادة لم تنعكس على موازنة الجزائر لعام 2022.

وعقب الخرشي على ذلك بقوله إن أسعار النفط ارتفعت إلى ما فوق 70 دولارا منذ ثلاثة أشهر فقط، وأن السعر المرجعي الذي استندت إليه موازنة 2022 هو 45 دولارا للبرميل.

وأشار إلى أنه إذا استمرت أسعار النفط في التزايد وتحديدا فوق 80 دولارا لمدة سنتين سينخفض العجز إلى أدنى مستوى ممكن بشرط خفض الواردات.

أعباء وحلول

ولكن في ظل اتساع العجز بموازنة البلاد يتساءل البعض عن إمكانية اتجاه البلاد إلى البحث عن تقليص بعض بنود النفقات العامة بالموازنة كالأجور الموجهة للقطاع العام على سبيل المثال؟ خاصة في ظل تمسك الجزائر بعدم اتجاهها إلى الاقتراض الخارجي.

وأكد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في العديد من المناسبات أن بلاده لن تلجأ إلى الاقتراض الخارجي، وبخاصة صندوق النقد الدولي، ما يعني أنه لا مفر من الذهاب إلى أموال الخزينة العمومية والقروض البنكية، لتمويل عجز الموازنة.

بدوره، يرى عبيرات أنه من الصعب لجوء الحكومة إلى هذا الأمر، ولكنه يرى أنه عليها عدم توظيف عمالة في القطاعات العمومية غير المنتجة، بل في النشاطات الاقتصادية العمومية ذات التأثير على الاقتصاد الوطني، والقطاعات الحساسة مثل التعليم والصحة.

ويتوقع أن تستحوذ كتلة الأجور على نحو 27 مليار دولار من أصل 43 مليار دولار للميزانية العمومية، أي ما يمثل أكثر من 62 بالمئة من إجمالي الموازنة الجزائرية، بواقع 2.5 مليون عامل، منهم 60 بالمئة في مناصب إدارية غير خالقه للثروة.

ويضاف إلى أعباء كتلة الأجور بموازنة 2022 استحداث منحة للشباب العاطلين لأول مرة ضمن الفئة العمرية 18 - 40 سنة من الباحثين عن عمل، شرط أن يكونوا مسجلين لدى الوكالة الحكومية للتشغيل، ما يعني زيادة العاملين في القطاع العام خاصة مع تراجع التوظيف في القطاع الخاص أيضا.

وحسب أحدث بيانات حكومية جزائرية صدرت في مارس/آذار 2021 فإن نسبة البطالة بلغت نحو 12 بالمئة، بينما تتعدى 20 بالمئة لدى الشباب.

من جانبه، قال خرشي: إن الجزائر قد تضطر للجوء إلى الاستدانة الداخلية عبر طرح سندات محلية بدلا من تسريح موظفيها بالقطاع العام؛ لأن طابع الدولة يجعلها تغلب البعد الاجتماعي على الاقتصادي.

واستدل بذلك على تقديم الدولة قروضا للشركات في القطاع الخاص من أجل إعادة إجمالي العمالة التي سرحتها خلال فترة الانتشار الواسع لوباء كورونا، "وبالتالي ليس من الطبيعي أن تستبعد الدولة موظفيها بنفسها".

وأوضح أنه في حال اتخذت الدولة هذا المنحى فمن المتوقع أن يحدث انفجار اجتماعي، سينعكس بدوره على البعد الاقتصادي والسياسي.

يبقى الحل اللازم والأبرز لتقليص عجز الموازنة هو تنويع الاقتصاد المحلي، للتخلص من التبعية المفرطة لإيرادات المحروقات بأنواعها، ما يسهم في اتساع إيرادات البلاد دون الاعتماد على مصدر واحد.

خاصة مع توقع رئيس الوزراء الجزائري أيمن بن عبد الرحمن في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 تراجع إيرادات البلاد من المحروقات عام 2022، إلى 28 مليار دولار في 2022، نزولا من 33 مليار دولار متوقعة نهاية السنة الجارية.

على أن لا يمنع هذا ضرورة تقليص بعض المخصصات، ما يسمح للدولة بالتخلص أيضا من النفقات غير المجدية أو توفير مساحات من المصروفات للمشروعات التنموية ذات العائد الاقتصادي الإيجابي لتسهم فيما بعد على المدى المتوسط والبعيد في اتساع حجم الإيرادات، وبالتالي يتقلص عجز الموازنة.

وأشار عبيرات إلى أن على الحكومة تقليص الدعم الاجتماعي وتحرير أسعار السلع مقابل تقديم إعانات لأصحاب الدخول الضعيفة، نظرا لأنه "ليس من المنطقي أن يحصل الموظف السامي أو الكبير على نفس الخبز والمازوت أو البنزين المدعم الذي يحصل عليه الموظف الصغير"، لتخفيف أعباء الموازنة، وفق قوله.

فيما أوضح خرشي أن الحكومة مطالبة على المدى القصير لتقليص عجز الموازنة الضغط على الواردات نظرا لأنها تستنزف العملة الصعبة من الاحتياطي الأجنبي للبلاد.

أما على المدى المتوسط "فنحن ننتظر نتائج خطة الإنعاش الاقتصادي والاجتماعي للحكومة التي طرحت في أغسطس/آب 2020 لتنفيذها خلال الفترة بين 2020 و2024".

وعلى المدى الطويل يجب أن يكون هناك شكل اقتصادي للجزائر يختلف عن واقعها الآن، والتعويل على الشركات الصغيرة والمتوسطة مما يخلق قيمة مضافة في السوق الوطني ويقلص العجز بالموازنة، وفق تعبير خرشي.