التهويد يحاصر الشيخ جراح.. هل تفجر استفزازات الاحتلال "سيف القدس 2"؟
شددت سلطات الاحتلال الإسرائيلي هجمتها التهويدية على حي الشيخ جراح الذي يقع على بعد 2 كم شمال أسوار البلدة القديمة في القدس المحتلة.
وجاءت تلك الهجمة عقب رفض أهالي الحي في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني 2021، تسوية قانونية من المحكمة الإسرائيلية العليا تقضي بأن يبقوا مستأجرين محميين مقابل اعترافهم بأن هذه المنازل تابعة لجمعية "نحلات شمعون" الاستيطانية.
وردا على رفض العائلات المقدسية التسوية، نفذت سلطات الاحتلال سلسلة إجراءات تهويدية في ذات يوم تسليم قرار الرفض.
وتسلمت سبع عائلات من حي الشيخ جراح في ذات الشهر إخطارات بإخلاء منازلها، التي تقع بالقرب مما تسمى كوبانية أم هارون، في الحي وهي عائلات أخرى غير تلك الـ 8 التي طلب منها التسوية.
والعائلات تسكن في الحي الغربي من الشيخ جراح، وهي: آمال شريتح، لبيبة خطيب، أحمد غزاوي، فاطمة بشيتي، مصطفى خطيب، أمين أبو دولة، عاصم بشیتي، حسب ما أعلنه محامو الأهالي.
إخلاء و"تسوية"
كما أعلنت بلدية الاحتلال في القدس إقامة روضة للأطفال اليهود بالحي لجذب الحريديم (اليهود المتدينين)، في خطوة تصعيدية تهدف إلى إحداث تغيير ديمغرافي بالمنطقة.
وفي ذات اليوم، قضت المحكمة العليا بمصادرة أرض بمساحة 4700 متر في حي الشيخ جراح لصالح بلدية الاحتلال في القدس.
وتعود الأرض لأربع عائلات فلسطينية، سيجرى عليها إنشاء الحديقة (تخدم المستوطنين كونها قريبة مما يسمى مقام شمعون الصديق اليهودي) مقابل تعويض أصحاب الأراضي ماديا.
وبعد رفض التسوية وتعزيز إسرائيل عملياتها التهويدية للحي بدأ المتضامنون يتوافدون لنصرة أهالي الحي في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني.
إلا أن شرطة الاحتلال سارعت إلى قمعهم ووضعت مكعبات إسمنتية لعرقلة وصول أي متضامن وهو ما أشعل غضبا شعبيا في الشارع الفلسطيني.
ونشر موقع “كيباه” العبري في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني هذه الخطوات الاستيطانية في الحي والتي جاءت ردا على خلفية المعركة القانونية في المحكمة العليا على منازل حي “الشيخ جراح”، وردا على قرار العائلات الفلسطينية عدم التوقيع على اتفاق تسوية.
وفي المقابل رفضت الجمعية الاستيطانية "نحلات شمعون" مقترح "التسوية"، وأصرت على طلبها إخلاء 8 عائلات مقدسية منازلها على الفور.
ويعاني أكثر من 500 مقدسي داخل الحي خطر التهجير والإخلاء لصالح المستوطنين، ويتعرضون للمضايقات والتفتيش على مداخله.
ويمنع الاحتلال دخول الفلسطينيين والمتضامنين الأجانب من غير أهل الحي إليه منذ هبة القدس في مايو/أيار 2021.
ومن جانبه، قال الناطق باسم سكان حي الشيخ جراح المقدسي عارف حماد إن "قرار التسوية الذي قدمته المحكمة الصهيونية كان سيحول الأهالي من ملاك أصليين لمنازلهم إلى مستأجرين محميين من قبل المحكمة".
لذلك واستكمالا لمقاومتهم المخطط التهجيري والتهويدي لحي الشيخ جراح قرر أهالي الحي بالإجماع رفض التسوية، وفق ما قال لـ"الاستقلال".
وشدد حماد على أنه بعد رفض سكان الحي هذه التسوية فإن هناك احتمالا لإصدار المحكمة قرارا بتهجير السكان بالقوة، وكان هذا الاحتمال مطروحا على الطاولة في بداية الأزمة.
وأضاف "إصرار الاحتلال على السيطرة على حي الشيخ جراح يعود لكونه من الأحياء ذات الموقع الإستراتيجي، حيث يربط بين شرقها وغربها".
ولذلك يطمح بالسيطرة على هذا الحي الكبير نسبيا وإقامة 250 وحدة استيطانية، وبذلك ينجز خطوة ضخمة من خطوات تهويد القدس، وفق حماد.
وواصل: "كذلك يخطط الاحتلال لإقامة حوض حول البلدة القديمة وذلك بالسيطرة على الشيخ جراح وحي سلوان ومناطق أخرى".
خيارات المواجهة
وبجانب قضية حي الشيخ جراح يواصل الاحتلال عمليات التطهير العرقي ضد الفلسطينيين في القدس بشكل عام.
وخلال 3 أشهر بدءا من يوليو/تموز وحتى سبتمبر/أيلول 2021، قتلت قوات الاحتلال 6 مقدسيين، واعتقلت 443 آخرين، ونفذت 78 عملية هدم، ونظمت اقتحام 14,692 مستوطن للمسجد الأقصى، حسب ما أعلنته محافظة القدس.
ومن المقرر أن يشرد الاحتلال نحو 70 مقدسيا بعد هدم العمارة السكنية التي يعيشون فيها، في بلدة الطور شرقي القدس؛ بحجة عدم الحصول على ترخيص بناء.
إذ أمهلتهم بلدية الاحتلال في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني مدة أسبوع كي يهدموها قسرا، وإلا ستهدمها آليات الاحتلال مقابل مخالفة مالية طائلة.
ومن جانبه، قال الباحث عبد الله الكساب إن قضية حي الشيخ جراح وصلت إلى مرحلة حاسمة بعد رفض السكان التسوية، وهو ما جعل القضية تأخذ مسارا آخر يتسم بالتصعيد في المواجهة من قبل المحكمة والجمعية الاستيطانية "نحلات شمعون".
وأكد الكساب لـ"الاستقلال" أن الاحتلال سيواصل محاولة الوصول إلى حل "قانوني" يضمن ملكية الجمعية الاستيطانية للمنازل.
وفي حال عجز عن الوصول لتسوية قانونية تنفذ مبتغاه فإن المحكمة في النهاية ستصدر قرار الإخلاء بمهلة، وفق تقديره.
وحسب المتوقع فإنه لن يخلي أهالي الحي منازلهم سلميا، وبالتالي سيكون الأمر قسريا وهنا سيخرج للمجتمع الفلسطيني وللعالم بأسره منظر القمع وإخراج الأهالي من بيوتهم.
وأضاف: "طرد سكان حي الشيخ جراح بالقوة من منازلهم سيؤدي لا محالة لتجدد المواجهة الشعبية والعسكرية على غرار ما حدث في مايو/أيار الماضي، والجميع يدرك أهمية الوجود الفلسطيني في هذا الحي للحفاظ على هوية القدس ومحيط المسجد الأقصى".
وأشعلت الاستفزازات الإسرائيلية بحي الشيخ جراح والقدس عموما في ذلك التاريخ مواجهة بين المقاومة في غزة والاحتلال الإسرائيلي استمرت 11 يوما.
وأطلقت إسرائيل على العملية اسم "حارس الأسوار" بينما أسمتها المقاومة الفلسطينية "سيف القدس".
"سيف القدس 2"
وبين الكساب أنه "يجب الأخذ في الاعتبار الضرر الضخم الذي سيلحق بالاحتلال نتيجة عملية الإخلاء والجبهات التي ستفتح بوجهه".
ولكن يرى وجود احتمال آخر وهو مماطلة سلطات الاحتلال واللعب على عامل الوقت ومحاولة تجزئة قضية حي الشيخ جراح.
وبدوره، قال الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني فايز أبو شمالة إن "الحرب الدائرة في الشيخ جراح ليست فقط على الاستيطان بل هي معركة عقائدية، حيث يريد الاحتلال بضغط من كبار الحاخامات المتطرفين عزل المسجد الأقصى عن الوجود الفلسطيني نهائيا".
وبين أبو شمالة لـ"الاستقلال" أن "حي الشيخ جراح أهم هدف للاحتلال الآن، وبعد إنجاز هذه المهمة سيكون الطريق ممهدا لتنفيذ الأطماع اليهودية العقائدية في الأقصى وهو إقامة الهيكل".
وأضاف أن الخيار الأبرز هو بدء المقاومة الفلسطينية بمعركة سيف القدس 2 في حال تم تنفيذ مخطط الإخلاء.
وأكد أبو شمالة أن حي الشيخ جراح محور القضية الفلسطينية في الوقت الراهن لأن من سيحسمها سيحسم مستقبل القدس العاصمة، والمسجد الأقصى ووضعه النهائي.
لذلك تعتبر المقاومة والشعب الفلسطيني هذه القضية الأهم على الإطلاق، "والاحتلال يعلم جيدا مدى استعداد الفلسطينيين للتضحية، لذلك يحاول تمرير قرارات وتسويات تمتص الغضب في ظاهرها ولكنها ضمنيا تؤسس لتهويد تدريجي في القدس"، وفق قوله.
ومن جانبه قال المتحدث باسم حركة المقاومة الإسلامية حماس، عبد اللطيف القنوع إن حماس والمقاومة الفلسطينية التي فجرت معركة سيف القدس انتصارا لحي الشيخ جراح وللقدس العاصمة الفلسطينية الأبدية، ستبقى دائما وأبدا بجانب سكان الحي.
وأضاف القنوع لـ"الاستقلال": "لدى حماس تواصل على أعلى المستويات مع سكان الحي والمؤسسات المقدسية وتتابع عن كثب كل ما يجرى في القدس وفي قضية حي الشيخ جراح خصوصا وأنها أكدت في المناسبات كافة أنها تقف بكل قوتها لإنقاذ الحي المقدسي".