ثلاثة مستويات.. ما أهداف زيارات الكاظمي إلى واشنطن وطهران؟
تحدثت صحيفة "إيران ديبلوماسي" عن الأهداف الرئيسة لزيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى طهران ومدى ارتباط ذلك بأدوار بغداد المتوازنة في الشرق الأوسط.
وفي 12 سبتمبر/أيلول، زار الكاظمي، إيران ليوم واحد، كأول مسؤول أجنبي يزور البلاد، منذ تولي الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي مهامه في أغسطس/آب 2021.
وهذه ثاني زيارة للكاظمي إلى طهران، وكانت الأولى في يوليو/ تموز 2020، التقى خلالها الرئيس السابق حسن روحاني والمرشد الأعلى علي خامنئي.
وقال "مبين عبدي"، الباحث في جامعة الطباطبائي الإيرانية في دراسات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: إن الزيارة مرتبطة إلى حد ما بسفر الكاظمي إلى الولايات المتحدة في أغسطس/آب.
وفي واشنطن، ركز الكاظمي على وساطة بلاده بين إيران والمملكة العربية السعودية، وعلى محاولة تقليل التحديات، والسعي نحو التطوير والتوسع في المجال السياسي والاقتصادي والأمني.
وقال عبدي: "كان يرافق الكاظمي إلى إيران وفد رفيع المستوى يتكون من عدة وزراء ومستشارين خاصين به؛ كي يبرز الأهمية الكبرى لهذه الرحلة بالنسبة للعراقيين".
إتمام هذه الرحلة بعد انعقاد "مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة" نهاية أغسطس/آب 2021، ورحلة الكاظمي للولايات المتحدة من النقاط الأخرى الجديرة بالذكر على غرار هذا اللقاء.
ويوضح أنه "من المتوقع أن محاور تشاور الكاظمي في إيران أكثر اتساعا من مجرد قضايا بين البلدين، لأن العراقيين استطاعوا برفقته أن يخلقوا جوا لكي يلعب العراق دورا مناسبا لإقامة التوازن بين قوى المنطقة والعالم".
يمكن بحث أهداف سفر الكاظمي إلى إيران خلال ثلاثة مستويات: داخلي وإقليمي ودولي.
العلاقات الثنائية
ذكر الكاتب أن أهداف سفر رئيس الوزراء العراقي على المستوى الداخلي بين العراق وإيران يمكن توضيحها من خلال الأبعاد السياسية، الأمنية، والاقتصادية.
ويوضح أنه لا يمكن فصل الزيارة عن قرب الانتخابات البرلمانية العراقية (10 أكتوبر/تشرين الأول 2021) وكذلك دور إيران باعتبارها قوة في المنطقة.
وتابع: "إذا أراد الكاظمي أن يظل في السلطة مرة أخرى بالإضافة إلى لفت انتباه الجماعات السياسية القريبة من إيران، سيكون بحاجة إلى خلق توازن بين القوى السياسية في التعاون مع جيرانه".
ويرى أن التعاون الأمني بين البلدين يتضمن التحكم في "القوات الإرهابية العدوانية على الأراضي الإيرانية من ناحية العراق".
إضافة إلى التباحث في واردات الطاقة من إيران التي توقفت بسبب عدم دفع الأموال الإيرانية المحجوبة في العراق حيث تعد من المسائل المهمة للتباحث على المستوى الداخلي.
وذكر أن "هناك تنافسا على تأمين الطاقة في العراق في مقابل نفوذ قوى المنطقة والجيران".
إذن، فالكاظمي بصدد خلق توازن إستراتيجي للتواصل مع الجيران، يمكنه من تقليل التحديات السياسية والأمنية معهم إلى مستوى لافت للانتباه، وذلك في حالة تقوية الشراكات الاقتصادية.
وخلال ترؤسهما الاجتماع الموسع بين الوفدين العراقي والإيراني أثناء الزيارة، أكد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، رغبتهما في تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين بلديهما.
وقال الكاظمي، وفق بيان صادر عن مكتبه: إن تجدد زيارته إلى إيران "يبين الأهمية التي يوليها العراق لتعزيز التعاون بين البلدين، وتطلعه إلى تعضيد الشراكة الثنائية".
وأوضح، خلال الاجتماع، أن "جملة من الروابط والعلاقات الوطيدة في مختلف المجالات تجمع العراق بجارته إيران، وأن هناك رغبة في توسعة التبادل التجاري والاقتصادي ومجمل نواحي الشراكة البينية".
وأشار الكاظمي إلى أن "العراق ساع لاتخاذ خطوات مهمة فيما يتعلق بالالتزامات المالية تجاه إيران".
ولدى إيران ديون مترتبة على العراق تبلغ قيمتها 5 مليارات دولار على الأقل، هي قيمة مشتريات الغاز المجهز لمحطات الكهرباء وكذلك استيراد الطاقة الكهربائية. وتقف العقوبات الأميركية على طهران حائلا أمام بغداد لسدادها.
كما كشف الكاظمي، عن "نية العراق اتخاذ قرار برفع شرط الحصول مسبقا على سمات الدخول أمام الزائرين الإيرانيين القادمين عن طريق المطارات".
ويتدفق ملايين الإيرانيين سنويا على العراق لزيارة أضرحة دينية مقدسة لدى المسلمين الشيعة.
من جانبه، أكد رئيسي رغبة حكومته في تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية مع العراق، حيث تضع هذا المسعى في مصاف أولوياتها، وفق بيان الحكومة العراقية.
وأشار إلى أن طهران "تؤمن بأن وجود عراق قوي ومقتدر سيخدم المنطقة، مثلما يصب في صالح العلاقات الإيجابية بين البلدين".
ويبلغ الحجم التجاري بين العراق وإيران نحو 13 مليار دولار سنويا تطمح طهران لزيادته إلى 20 مليارا متجاهلين العقوبات الأميركية.
مستوى المنطقة
كما أشير إلى أن إحدى أهداف الحكومة العراقية في زمن الكاظمي، السعي وراء استعادة دور العراق بين قوى المنطقة في الشرق الأوسط وإفريقيا، بالتركيز على الوساطة بين إيران والسعودية خلال البضعة أشهر الماضية، ووصلت هذه المسألة إلى ذروتها.
إذ توصلت الحكومة في العراق إلى نتيجة مضمونها أنه من أجل تقوية مكانة البلد والخروج من وضع تسوية الحسابات وحروب الوكالة بين القوى العظمى على أراضيها، فيجب التركيز على دور الوساطة لحل خلافات المنطقة.
وعبر رئيس الوزراء العراقي في أحاديثه عدة مرات عن عدم رضاه من تحول العراق إلى مكان لتسوية حسابات القوى العظمى؛ ولذلك لا بد من ابتكار دور الوسيط لتحفيز الوضع الحالي نحو التغيير وسيصب هذا التغيير في مصلحة الحكومة العراقية.
ومما لا يدع مجالا للشك أن الكاظمي خلال سفره إلى طهران كان يحمل بضعة رسائل لتسريع تحسين العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية، وفقا لما ذكره الكاتب.
ومن اللافت في هذه القضية، تصريحات العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز 22 سبتمبر/أيلول أن بلاده تأمل في نتائج ملموسة للمحادثات الأولية مع إيران لبناء الثقة.
جاءت تلك التصريحات في كلمة المملكة التي ألقاها الملك سلمان عبر الاتصال المرئي أمام أعمال الدورة الـ(76) للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، في أول إعلان من الملك عن وجود محادثات من هذا النوع.
وفي مايو/أيار 2021 أعلن الرئيس العراقي برهم صالح أن بلاده استضافت أكثر من جولة حوار بين السعودية وإيران خلال الفترة الماضية، وتلاها تصريح من وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان يصف المحادثات بأنها في مرحلة "استكشافية".
وكانت هذه هي أول مرة يكشف فيها رسميا عن إجراء مباحثات رسمية مباشرة بين الرياض وطهران منذ قطع العلاقات بينهما عام 2016، إثر اعتداء محتجين على السفارة والقنصلية السعوديتين في إيران، تنديدا بإعدام الرياض رجل الدين الشيعي نمر النمر بتهمة الإرهاب.
وقال العاهل السعودي في كلمته: "إيران دولة جارة، ونأمل أن تؤدي محادثاتنا الأولية معها إلى نتائج ملموسة لبناء الثقة".
كما أعرب عن أمله أن تمهد تلك المحادثات لـ"إقامة علاقات تعاون مبنية على احترام السيادة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، ووقفها جميع أشكال الدعم للجماعات الإرهابية والمليشيات".
الحراك الدولي
وتابع عبدي: "سياسة الحكومة العراقية في تقوية دورها بالمنطقة والعالم أمر ثابت، وكذلك وجود القوات الأميركية في العراق أحد مشاكل بغداد مع فرق المقاومة"، في إشارة إلى الفصائل المدعومة من طهران.
ووصلت هذه الخلافات إلى ذروتها عدة مرات باعتقال كبار "قادة المقاومة" العراقية بحجة مواجهة الإرهاب، وفق وصف الكاتب.
ومن هذا المنطلق، لحل تلك المشاكل العديدة يحتاج الكاظمي إلى المساعدة والتحالف مع الجمهورية الإسلامية، مع الانتباه إلى نفوذ إيران بين الفصائل العراقية.
وكذلك يلفت الكاتب إلى أنه يجب الأخذ في الاعتبار أن سفر الكاظمي إلى واشنطن يعد بمثابة حمل رسالة للأميركان من أجل التسريع في بداية مفاوضات فيينا بشأن النووي الإيراني.
ولكن من الأمور الجديرة بالذكر في سياسة المنطقة والسياسة الدولية الخاصة بالعراق هو أن مصطفى الكاظمي خلال هذه المرحلة بصدد إعادة التعريف بالدور الجديد للعراق.
وينوي الكاظمي إفساح المجال أمام التنافس الاقتصادي في السوق العراقي لتقليل التحديات الأمنية والعسكرية.
انعقاد مؤتمر المنطقة لدعم العراق أيضا ضمن السبب نفسه بهدف تقوية التحالفات في الشرق الأوسط والعالم.
اختتم عبدي مقالته بالقول: "يحاول الكاظمي التعامل والتحالف بإستراتيجيتين مختلفتين من ناحية إيران وأميركا في العراق عن طريق خلق توازن مقبول كي يحفظ الاتصال بين الطرفين بشكل مرضي جزئيا".
ويرى أنه "كلما استقر هذا التوازن أكثر، كلما أعطى الكاظمي فرصة أكبر للأميركان، لكنه عمل على تأمين المصالح المحدودة للدولتين؛ لكي يستطيع أن يقلل التحديات الأمنية والسياسية الخاصة به بهذه الطريقة".
ولذلك يسعى رئيس الوزراء العراقي إلى التركيز على الوساطة، وإفساح المجال لتقليل التحديات، وتطوير وتقدم العراق في المجال السياسي، والأمني، وخاصة الاقتصادي.
هذا الأمر الذي يستلزم التحالف مع دول المنطقة والعالم بشكل أكبر، وكذلك إحلال السلام والاستقرار السياسي والأمني، وفق الكاتب.
وذكر موقع راديو فردا الإيراني أن سفر الكاظمي إلى طهران أدى إلى إلغاء التأشيرة بين إيران والعراق، كما أعلن إبراهيم رئيسي خلال مؤتمر صحفي مشترك.