خط الغاز العربي.. ما علاقته بتثبيت إيران وجودها العسكري في درعا؟
على وقع التحركات المكثفة لتزويد لبنان بالغاز المصري عبر الأراضي الأردنية مرورا بسوريا، تبدو حظوظ إيران أكبر في الإمساك بهذا الملف المعروف بخط الغاز العربي، وهو أهم المشاريع الاقتصادية في شرق المتوسط.
كانت الوقائع تشير إلى عجلة غير مسبوقة لتغيير موازين القوى العسكرية في الجنوب السوري، وتحديدا من أحياء "درعا البلد" التي يمر منها خط الغاز العربي.
وبدا واضحا أن إيران تبحث عن أوراق تفاوضية جديدة؛ لتعزيز موقفها على أكثر من صعيد؛ سواء تلك المتعلقة بالاتفاق النووي، والمرتبط بالعقوبات الدولية عليها أو حول إسرائيل أو علاقتها مع دول أخرى عربية كمصر.
وشكل إعلان الرئاسة اللبنانية في 19 أغسطس/آب 2021 موافقة الولايات المتحدة على مساعدة لبنان لاستجرار الطاقة الكهربائية والغاز إليه من مصر والأردن مرورا بسوريا، بداية العودة لفتح ملف خط الغاز العربي.
وتشمل خطة واشنطن إنقاذ لبنان من أزمة المحروقات الحادة، ونقص الوقود المخصص لتوليد الطاقة التي دخل بها منذ يونيو/حزيران 2021، بسبب عدم توافر النقد الأجنبي الكافي لاستيراده.
وخلقت تلك الأزمة أزمات متتابعة كانقطاع الكهرباء في لبنان لنحو 20 ساعة يوميا، وعجز محطات الوقود عن تلبية المواطنين بالمحروقات، وكذلك تضرر عمل المستشفيات والأفران والاتصالات وارتفاع كبير بأسعار المواد الغذائية.
ولكي تتخطى بيروت الأزمة في قطاع الطاقة، كان لا بد من إحياء مشروع خط الغاز العربي وتأهيله من جديد لنقل الغاز المصري إلى لبنان.
وهو ما دفع إيران لمحاولة التحكم بخط الغاز من عقدة درعا التي يمر منها الخط قادما من الأردن، عبر خطوة متقدمة تمثلت بشنها عملية عسكرية على أحياء "درعا البلد" ومحاصرتها أواخر يونيو/حزيران 2021.
المتحكم في الخط
خط الغاز العربي الإستراتيجي أنشئ عام 2000 لتصدير الغاز الطبيعي بين مصر والأردن ولبنان وسوريا إلى أوروبا عبر تركيا، لكن توقف بسبب ثورات الربيع العربي.
كان مقررا أن يبلغ طول الخط الإجمالي عند إتمامه 1200 كيلومترا بتكلفة قدرها 1.2 مليار دولار وينقل 10.3 مليارات متر مكعب من الغاز سنويا، وبذلك يشكل أول مشروع إقليمي يمر عبر ثلاث قارات (إفريقيا، آسيا، أوروبا).
أما الاتجاه العام للخط الذي انطلق عام 2003 فهو من العريش المصرية إلى العقبة ثم الرحاب ثم جابر في الأردن ومنها إلى داخل سوريا من درعا لحمص ومنه فرعان الأول إلى حلب (لم ينفذ) ثم إلى الحدود التركية عند مدينة كلس (لم ينفذ) والثاني من حمص إلى طرابلس اللبنانية.
دفع طهران لحشد مليشياتها مدعومة بحزب الله اللبناني والفرقة الرابعة للسيطرة على أحياء درعا، وتمزيق اتفاق التسوية الذي أبرمته روسيا مع فصائل المعارضة السورية عام 2018 وجعله من الماضي، كان محاولة لتوجيه "ضربة استباقية" لأطراف مشروع الخط العربي.
وهذا ما ذهب إليه الأكاديمي والخبير الاقتصادي السوري، فراس شعبو، بقوله لـ "الاستقلال": إن إيران نجحت في "تركيز مكثف لمليشياتها في الجنوب السوري قبل إعادة الحديث عن خط الغاز العربي، والغاية هو بسط النفوذ ضمن الحصة السورية مع روسيا".
ورأى الخبير الاقتصادي أن هذا "ما سيجعل طهران المتحكم الأساسي في خط الغاز العربي رغم كل محاولات إبعادها عنه، لأنها منذ البداية كانت ترسم بشكل اقتصادي بحت يخص الخط الذي يربط عدة دول".
وإيران تأتي في المرتبة الثانية بعد روسيا للدول صاحبة أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي المؤكد في العالم، بـ 33.2 تريليون متر مكعب، وفق تقرير عن إحصاءات الطاقة العالمية نقلته وكالة الأناضول التركية منتصف عام 2018.
لكن إيران بدأت تفكر جديا في فتح أسواق جديدة لزيادة مواردها الاقتصادية، فتولدت فكرة مشروع خط الغاز الإسلامي عام 2009، لتدخل مرحلة المناقشة مع أركانه الأساسيين العراق وسوريا ولبنان عام 2010، عبر مد الأنابيب لنقل غازها الطبيعي عبر الدول المذكورة نحو الأسواق الأوروبية.
إلا أن الثورة السورية التي اندلعت في مارس/آذار 2011، أفشلت إكمال المشروع في القسم المتعلق بسوريا، خاصة أنه وصف آنذاك بأكبر اتفاقية في الشرق الأوسط لتصدير الغاز الإيراني.
إذ ستمتد الأنابيب على مسافة 5600 كيلومترا وسينقل عبرها 110 ملايين متر مكعب يوميا، وكان من المقرر أن ينجز المشروع بمشاركة شركات أوروبية على مدى 5 أعوام وبكلفة 10 مليارات دولار.
ورغم أن شركات إيرانية تشارك في سلسلة مشاريع لتوليد الكهرباء في دمشق، فإن طهران يبدو أنها لا تزال متمسكة بـ "حلم" تصدير الكهرباء وإيجاد أكبر شبكة للكهرباء في العالم الإسلامي عن طريق ربط الشبكة الوطنية في إيران مع الشبكتين في العراق ولبنان مرورا بسوريا.
نوايا إيرانية
وفي هذا السياق، شرح الخبير الاقتصادي في مركز جسور للدراسات، الأكاديمي خالد تركاوي، السبب الكامن وراء سعي إيران للتحكم بالغاز في الدول التي تعمل ضمنها.
يقول تركاوي لـ "الاستقلال": إنه في حالة "العراق فإن إيران هي من تسيطر على إمدادات الكهرباء بجزء من التوريد المباشر وكذلك على معظم توريدات الغاز، وترهن البلاد قرارها السياسي لطهران من خلال الضغط في ملف الكهرباء بشكل رئيس إضافة لملفات أخرى".
واستدرك بالقول: "لذا فإن ملف الغاز السوري مهم لطهران، وهي قدمت مشروع خط الغاز الإسلامي من إيران للسواحل السورية ولبنان وتريد تنفيذه وهذا يتعارض مع خط الغاز العربي".
وألمح الخبير الاقتصادي إلى "وجود تعارض مصالح بين خط الغاز العربي والإسلامي، وذلك لسببين وهما، أن إيران تطمح عن طريق الخط الإسلامي أن تمد هذه الدول بالغاز وتسيطر بالنهاية على قرارها في مجال الطاقة وبالتالي تتمكن طهران عبر موانئ سوريا ولبنان بإمداد الدول الأوربية بالغاز في حال تخلصها من العقوبات وهذا ما تتوقعه".
وكذلك فإن "الخط العربي المتحكم الرئيس فيه هو إسرائيل على الرغم من أنه ينبع من مصر، ولكن تل أبيب ليست على علاقة طيبة مع إيران لكون الولايات المتحدة هي من اقترحت المشروع لتزويد لبنان"، وفق تركاوي.
وحول مدى إمكانية تعطيل إيران لخط الغاز العربي اعتبر الخبير، أن "طهران بدأت بالتعطيل من خلال كلام (الأمين العام لحزب الله اللبناني) حسن نصرالله عن تحرك إمدادات النفط ووصول شاحنات من العراق للبنان".
وبالتالي هنا يطرح السؤال لماذا انتظرت طهران كل هذه المدة واختارت تزويد لبنان بالمحروقات عندما جرى الحديث عن خط الغاز العربي؟ بحسب قوله.
وإيران رغم أنها تنافس روسيا في تجارة الغاز الطبيعي وإيصاله إلى آسيا وأوروبا، فإن موسكو قادرة على مساعدة طهران في مد خطوط الأنابيب عبر شركتها العملاقة العاملة في هذا المجال، وفي الحالة السورية يبدو أن هناك تكاملا بين الطرفين حول هذه المسألة.
وأيا تكن حالة غياب طهران عن إعادة إحياء الخط العربي، فإن كثيرا من المراقبين يؤكدون أنه يسير وفق تفاهمات ثلاثية مسبقة بين إيران ومصر وأميركا، ولا سيما الأخيرة التي أوجدت فكرة استجرار الطاقة الكهربائية لانتشال لبنان بهذه الطريقة.
تأثير جيوسياسي
وحول هذه الجزئية يؤكد المحلل السوري المختص في الشأن الإيراني، معن الشريف لـ "الاستقلال" أن "إيران بوجودها في الجنوب السوري يمكنها أن تلعب دور العراب الخلفي لسوريا ولبنان".
وخاصة في المرحلة الحالية من إقرار تمرير الغاز والطاقة الكهربائية من مصر والأردن عبر سوريا إلى لبنان، "بمعنى أنها تضرب عصفورين بحجر واحد".
ففي حالة لبنان "سينتعش حزب الله اللبناني وتحل مسألة أزمة الوقود الحادة التي تعاني منها البلاد وتشغيل محطات كهرباء عاملة فيه على الغاز وكانت متوقفة منذ سنوات"، وفق الشريف.
وفي حالة سوريا كما يوضح المختص "فالاستفادة ستكون بنسبة أكبر حيث سيحصل النظام السوري على جرعة من التنشيط الاقتصادي من ناحية المشاريع ومدها بالكهرباء، وخاصة تلك المتعلقة بالمشاريع التي تنفذها الشركات الإيرانية سواء في مجال البناء أو التي بدأت تنشط على المجال التجاري".
وذهب المحلل السوري للقول: "تثبيت إيران وجودها برقعة أوسع في درعا عبر المليشيات الشيعية يمنحها تأثيرا جيوسياسيا جديدا سيخفف الصراع مع إسرائيل ويجمد الحرب الخفية الدائرة في الظل بينهما".
لذا فهو يتوقع أن يساعد ذلك الوجود طهران على قطع الطريق على إسرائيل التي تحاول إيقاف البرنامج النووي الإيراني ومنعه من التقدم.
وأضاف أن إيران تبحث "عن وقف الضربات الجوية الإسرائيلية على مواقعها بسوريا، خاصة أن الروس محرجون من هذا الملف ويلتزمون الصمت إزاء تلك الهجمات مما يعني أن ثمة مخرجا جديدا يخفف على إيران الضغط الحاصل عليها بدمشق".
كما أشار الشريف إلى أن "إيران تريد امتلاك أوراق ضاغطة ولا سيما في وقف استهداف ناقلات النفط الإيراني الداعمة لنظام بشار الأسد، والتي تسير بشكل ملتو قبل أن تصل إلى السواحل السورية ويجري أحيانا قصفها من قبل إسرائيل وأكبر دليل على ذلك هو الهجوم على ناقلة نفط كانت قبالة ساحل اللاذقية في أغسطس/آب 2021".
وتعطش إيران للعب دور في الجنوب السوري الذي يعتبر بوابة سوريا إلى الخليج العربي عبر تجارة الترانزيت مع الأردن الملاصقة لدرعا، سبقه تركيز إيراني على الدخول بقوة على القطاع الصناعي السوري، حيث نجحت في توقيع اتفاقيات مع النظام لإنشاء معامل في مختلف المجالات.
لكن هذا وفق الكثير من الخبراء يحتاج إلى إحداث تغيير جذري بالبنية التحتية المتعلقة بقطاع الكهرباء والمحروقات السائد في سوريا، والذي يعجز النظام السوري عن حله.
لذلك لجأ النظام للترويج إلى حملة قادها بشار الأسد شخصيا خلال شهري (مايو/أيار – يونيو/حزيران 2021)، لدعوة رجال الأعمال للدخول بقوة باستثمارات تتركز في المدن الصناعية الكبيرة كـ"عدرا" الصناعية بريف دمشق ذات الموقع الإستراتيجي الهام، حيث تتوسط الدول المجاورة (الأردن - العراق - لبنان)، وكذلك مدينة حسياء بحمص وسط البلاد.
وهذا ما نوه إليه المختص بالشؤون الإيرانية معن الشريف بتأكيده أن "إيران وقعت بالفعل اتفاقيات لمشاريع حيوية تتضمن إقامة صناعات حديثة جدا وأبرزها توقيع عقود مع الأسد لإنشاء معمل حليب أطفال ومعمل أدوية لأمراض السرطان وآخر للسيارات عام 2019، وكذلك نجحت في الحصول على عقد تدوير وترحيل النفايات الصلبة الناتجة عن هدم المباني".
المصادر
- ما هو خط الغاز العربي الذي انفجر في سوريا اليوم؟
- الغاز المصري و"مساعدة" واشنطن يدفعان بوفد لبناني رسمي إلى زيارة دمشق
- خطة أمريكية تشمل الأردن وسوريا ومصر لمساعدة لبنان في تجاوز أزمة الكهرباء
- مخاوف من الوجود الإيراني على الحدود
- الميليشيات الإيرانية في درعا بديل عن الغطاء الجوي الروسي
- تقرير: روسيا صاحبة أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي المؤكد