جدل واسع.. من المستفيد من تأجيل الانتخابات المبكرة في العراق؟

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

رغم تأكيدات كثيرة من الحكومة العراقية والكتل السياسية الكبيرة، على ضرورة إجراء الانتخابات البرلمانية المبكرة في 6 يونيو/ حزيران 2021، أرجأ مجلس الوزراء موعدها 4 أشهر أخرى، بالتوافق مع مفوضية الانتخابات والقوى البارزة في البرلمان.

موعد الانتخابات الجديد في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، أثار تساؤلات عن حقيقة أسباب التأجيل، وفيما إذا كانت ثمة جهات مستفيدة من إرجاء الانتخابات التي كانت تلبية لحراك أكتوبر/ تشرين الأول 2019، الذي راح ضحيته نحو 700 متظاهر، وأطاح بحكومة عادل عبدالمهدي.

جهات مستفيدة

ورغم مبررات المفوضية العليا للانتخابات، فإن تأجيل إجراء الانتخابات 4 أشهر إضافية صبّ في صالح جهات سياسية دون غيرها، والتي كانت تأمل بشكل غير معلن وخلف الكواليس عدم إجرائها في 6 يونيو/ حزيران 2021.

وفي هذا الصدد، كشفت مصادر سياسية طلبت عدم الكشف عن هويتها في حديث لـ"الاستقلال" إن "رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، رغم تشديده السابق على إقامة الانتخابات في موعدها، لكنه بات مؤخرا غير راغب بذلك ويطمح أن تبقى مدة حكومته، أكثر ولكنه لا يستطيع أن يصرح بذلك، حسبما تسرب من أنباء".

وأضافت المصادر أن "الكاظمي مستفيد لأنه الآن أصبح منتهي الصلاحية ولا إمكانية للبقاء سوى تأجيل الموعد، لأن تأييده انخفض بالشارع بسبب قرارات رفع سعر الدولار أمام الدينار، ومقترح خفض رواتب الموظفين، وغلق التعيينات ما أزعج الشارع".

وأشارت المصادر إلى أن كل هذه الأسباب، كانت تدفع تحالف "الفتح" بقيادة هادي العامري (ثاني أكبر كتلة شيعية بالبرلمان) باتجاه إجراء الانتخابات في موعدها المقرر بغية خسارة كيانات سياسية قريبة من الكاظمي، وأخرى تدعي أنها تمثل "حراك تشرين".

وأشارت إلى أن التيار الصدري الذي يعتبر أكبر التيارات الشيعية، يؤكد أن جمهوره ثابت ولا يتأثر بتأجيل الانتخابات أو إقامتها في موعدها، فضلاَ عن عوامل التأثير الأخرى، ويشيعون بين القوى السياسية بأنهم سيأتون بأكبر عدد من المقاعد.

أما بخصوص القوى السنية، فذكرت المصادر أن "تحالف القوى بزعامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي وغيره، حريصون على أن تكون الانتخابات في موعدها حتى لا يكون هناك تحديث أكبر للناخبين في المحافظات السنية  للبطاقات البايومترية، حتى يستخدمون البطاقات الإلكترونية القديمة، القابلة للتزوير".

وأوضحت أن "اتهامات تدور حول الحلبوسي بامتلاك أكثر من مليون بطاقة انتخابية إلكترونية، وأن أطرافا قريبة منه تستعد لتزوير الانتخابات، كما حصل في انتخابات 2018، بعد شراء البطاقات من المواطنين الذين رفضوا المشاركة بالانتخابات، كونها تتيح لغير صاحبها أن ينتخب، على عكس البايومترية التي تعتمد على بصمات اليدين".

وبررت مفوضية الانتخابات قرار التأجيل بأنه يأتي حرصا على إجراء انتخابات متكاملة نزيهة وعادلة، ونظرا لانتهاء مدة تسجيل التحالفات السياسية وقلة عدد التحالفات المسجلة بدائرة الأحزاب والتنظيمات السياسية، ما يتطلب تمديد فترة تسجيل التحالفات وما يترتب على ذلك من تمديد فترة تسجيل المرشحين.

وأضافت المفوضية عبر مقترحها للحكومة في 18 يناير/ كانون الثاني 2021، بضرورة تأجيل الانتخابات لإفساح المجال أمام خبراء الأمم المتحدة والمراقبين الدوليين ليكون لهم دور في تحقيق أكبر قدر ممكن من الرقابة والشفافية في العملية الانتخابية المقبلة، ولضمان نزاهتها.

وتابعت أن ذلك الاقتراح يأتي أيضا انسجاما مع قرار مجلس الوزراء بشأن توسيع التسجيل البايومتري (البطاقة الانتخابية) وإعطاء الوقت الكافي للمشمولين به، وإكمال جميع الاستعدادات الفنية.

تحايل حزبي

وبخصوص موقف المفوضية وتبريراتها عن تأجيل الانتخابات، قالت المصادر إن "قبول المفوضية بالموعد الأول كان انتحارا، إضافة إلى أن من يقودها هم مجموعة من القضاة- وهم ليسوا مختصين- وذلك بعدما حُلّت المفوضية السابقة".

وكشفت المصادر أن "المفوضية العليا للانتخابات حتى قبل أسبوع لم تستلم أي دعم مالي لبدء عملها، رغم حديث الحكومة والقوى السياسية في أكثر من مناسبة عن توفير كل ما يلزم من تخصيصات مالية لها لإكمال أعمالها قبل 6 يونيو/ حزيران".

من جهته، رأى الكاتب محمد السيد محسن خلال مقال نشرته صحيفة "الدستور" العراقية في 18 يناير/ كانون الثاني 2021 أن "مبرر مفوضية الانتخابات للتأجيل كان غريبا، والأغرب منه أنها ساقت هذا المبرر في سياق الاقتراح مدافعة عن وجهة نظرها بأن الأمور اللوجستية لم تكتمل بعد وخصوصا تسجيل الكيانات".

وأضاف: "بالعودة إلى أصل تأسيس هذه المفوضية فإننا نستنتج أنها متهمة بعدم الاستقلالية وأنها نتاج الأحزاب المتنفذة التي تقاسمت أعضاءها فيما بينها، وكان ذلك واضحا من خلال عدم التزام اللجنة البرلمانية وقتذاك بالأسس والسياقات المفترضة لترشيح أعضاء المفوضية، وانسحاب بعض الأعضاء بسبب تسويف الديمقراطية الدستورية إلى محاصصة حزبية".

ولم يستبعد الكاتب أن تكون المفوضية أطلقت هذا البالون (تأجيل الانتخابات) كي ترسل رسائل حزبية أولا، ثم سياسية ثانيا"، لافتا إلى أن "كل ما يجري يدخل في خانة التحدي الذي يواجهه رئيس الوزراء منذ إعلانه موعد إجراء الانتخابات المبكرة، حيث تسعى بعض الكتل إلى تأجيل الانتخابات، وتضغط بهذا الاتجاه".

ووصف الكاتب ما تقوم به هذه القوى السياسية بأن "تحايل حزبي" يمارسه اليائسون والمتخوفون من فقد مكتسبات السلطة على مدى 17 عاما، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن المفوضية التي أعلنت قبل أيام استعدادها لإجراء الانتخابات في موعدها المقرر، تتذرع بعدم تسجيل العدد الكافي للكيانات السياسية، و"لعمري تلك نكتة الموسم".

وتعليقا على قرار تأجيل الانتخابات، قال الكاظمي، خلال جلسة مجلس الوزراء حضرتها، مفوضية الانتخابات، في 19 يناير/ كانون الثاني 2021: "الحكومة قادرة على ضمان أمن الانتخابات في 6 يونيو/حزيران المقبل، عبر خطط عسكرية وأمنية نعد لها منذ أشهر، وعبر تدريبات وممارسات تقوم بها المؤسسات الأمنية، استعدادا ليوم الانتخابات".

وأضاف: "حرصنا على توفير موازنة المفوضية، ووجّهنا بتذليل كل العقبات التي تواجهها، وصوّتنا، في الجلسة السابقة، لصالح التسجيل البايومتري لكل الموظفين في الدولة، ونحن داعمون لإكمال التسجيل فهو الطريق الأمثل لمنع التلاعب بنتائج الانتخابات".

ولفت الكاظمي إلى أن "معظم القوى السياسية أكدت لنا دعمها المفوضية، لكن المفوضية أكدت في اقتراحها الذي قدمته إلى مجلس الوزراء أن القضية ذات أبعاد فنية مهمة، وأنها حريصة على نزاهة الانتخابات وتساوي الفُرص أمام الجميع لخوض العملية الانتخابية بعدالة".

ردود القوى

وعلى وقع تأجيل موعد الانتخابات المبكرة، صدرت عن القوى السياسية مواقف عبرت فيها عن رأيها في ذلك، فقد تعهد زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، بعدم السماح بتأجيل الانتخابات مرة أخرى، داعيا الجميع إلى التحلي بروح الوطنية والابتعاد عن الصِدامات والمهاترات.

وحذّر الصدر خلال تغريدة على "تويتر" في 19 يناير/ حزيران 2021 من "تلاعب الفاسدين ومؤامراتهم سواء بما يخص قانون الانتخابات أو التدخل بعمل المفوضية أو غيرها مما يضر بالشعب".

من جهته، أعرب تحالف الفتح بزعامة هادي العامري، وهو الكتلة الأكبر في البرلمان، عن انزعاجه الشديد لتأجيل موعد الانتخابات، عادًّا ذلك مخالفة لما جرى الاتفاق عليه بأن تكون الانتخابات في فترة أقصاها سنة واحدة من تشكيل الحكومة.

وأبدى التحالف في بيان، خشيته من أن يكون هذا التأجيل سببا في تأخيرها إلى 2022، مشددا على ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها الجديد، مبينا أن تحالف الفتح لن يقبل بأي تأجيل آخر.

بدوره، قال تحالف القوى العراقية الذي يتزعمه رئيس البرلمان محمد الحلبوسي إن توجه الحكومة لتغيير موعد الانتخابات هو "تنصل عن وعودها وتراجع عن التزاماتها أمام الشعب العراقي".

ووصف التحالف في بيان هذا التوجه من قبل الحكومة بمثابة "التهرب من اتفاقاتها الأخيرة وإجماع الرئاسات العراقية والقوى السياسية" على إجراء الانتخابات في موعدها.

في المقابل، اعتبر الأمين العام للحزب الإسلامي العراقي رشيد العزاوي، أن تأمين نزاهة الانتخابات أهم من إجرائها في الوقت الراهن، في حين اتهم محافظ نينوى الأسبق أثيل النجيفي مجلس النواب بـ"التلاعب بموعد الانتخابات والاستهزاء بالشعب العراقي".