لوموند: العلمانية الفرنسية مشوهة بشكل خطير وبعيدة عن القانون
وصفت صحيفة "لوموند" الفرنسية العلمانية التي تعتبر من أعمدة الجمهورية، بأنها "مشوهة بشكل خطير وبعيدة عن الوضوح القانوني، وعلى ما يبدو أنها سقطت في طي النسيان".
وقالت الصحيفة في مقال للباحث في القانون العام "فابيان فورتول": إن "حياد الدولة التي لا تعترف بأي دين أو تنفق عليه أو تدعمه، وحرية الضمير، هما الترجمات القانونية العظيمة للعلمانية الفرنسية التي لا تحصر الدين في المجال الخاص".
يقول الفيلسوف الفرنسي "ألبير كامو": إن "تسمية الأشياء بشكل غير صحيح يزيد من تعاسة العالم".
وأوضح "فورتول" أن العلمانية لم تعد مجرد عبارة، بل تعويذة تبحر في خضم نقاش محتدم، مبينا أن المطالبة بالعلمانية آخذ في الظهور بشكل تدريجي.
يستحضر العديد من المهتمين "العلمانية" التي داسها أعداء الجمهورية، وذلك خوفا من رعب الهجوم، وضياعهم في حدسهم. ومع ذلك، هناك ارتباك قاتل للغاية، يضع العلمانية في مكان ليس مكانها، وفق الباحث.
يتساءل فورتول: "ما هذا التسرع المفاجئ الذي أظهره العديد من البرلمانيين في المطالبة بتشريع جديد حول ارتداء الحجاب، بعد مأساة كونفرنس سانت أونوريه"؟
ويتابع: "ما هو الرابط بين هذا الهجوم الذي لا يزال التحقيق فيه في مراحله الأولى والعلمانية، وفكرة أن وزير الداخلية لديه ما يسمى برفوف سوبر ماركت المجتمع"؟
ويشير الكاتب هنا إلى مقتل معلم فرنسي في أكتوبر/تشرين الأول 2020، ذبحا، بعد عرضه على تلاميذه رسومات كاريكاتورية للنبي محمد، فيما اعتبره الرئيس إيمانويل ماكرون "هجوما إرهابيا إسلاميا"، وفق وصفه.
على هذا المستوى فقد جُرفت الرياح العلمانية ووحدتها في كل الأوقات. يقول الباحث: "من أجل إيجاد ملجأ في راحة الأفكار الضيقة، يصبح أولئك الذين يزعمون أنهم خدام للعلمانية المهاجمة، منتقدين لها".
علمانية زائفة
يقول الكاتب: إنه يجب الاعتراف بأن مسألة الظهور العلني للأديان مرتبطة ارتباطا وثيقا بالجدل التاريخي للعلمانية في فرنسا.
وبالنظر إلى الخلفية المضطربة لأوائل القرن العشرين، لا تزال العلمانية اليوم مُعادِلة لما لم تكن عليه من قبل.
على أي حال، لا يتطلب الأمر أن تقتصر الأديان على الأسرة أو أماكن العبادة فقط. ومع ذلك، يكشف الإدراك الاجتماعي عن شيء مختلف تماما.
يعتقد واحد من كل فرنسَيين تقريبا أن "العلمانية تحظر التعبير عن دين المرء علنا"، وأن "التزام الحيادية يُفرض داخل الشركات الخاصة"، أو حتى "لا يمكن السماح بالتظاهرات الدينية في الشارع"، وفق دراسة رأي أجرتها منظمة "فيا فويس" في يناير/كانون الثاني 2020.
كما أن فكرة العلمانية الحالية تخالف المفهوم الليبرالي الراسخ منذ عام 1905. يقول الكاتب: "إن هذا المفهوم لا يخلو من الحفاظ على مناخ عدائي، هو فقط يُسلط الضوء على العلمانية الزائفة المعادية للإسلام، والتي هي علمانية بالاسم فقط".
يذكر الكاتب أن "العصابة الحالية المناهضة لمرصد العلمانية، التابعة لرئيسها "جان لوي بيانكو"، مستفيدة من هالة إعلامية غير مسبوقة، غالبا ما تكون غير مهتمة بحرياتنا، ولديها علاقات فضولية للغاية مع القوى السياسية المتطرفة، وأنها لا تقول أي شيء آخر".
العلمانية طوطم (عقيدة أيديولوجية فكرية)، أصبحت هشة، وبدلا من أن تجمع المجتمع الوطني، صارت تقسِّمه. وتابع الكاتب: "العلمانية هي قبل كل شيء كلمة قانون تشكلت بشكل رئيسي خلال القرن العشرين من قبل التشريعات".
وأردف: "أصبح من الملح أكثر من أي وقت مضى أن نتذكر ما هي عليه العلمانية اليوم من خلال ترجمة قانونية مزدوجة".
وبين أن "الترجمة الأولى للعلمانية، وربما الأكثر قبولا، هي مبدأ الحياد. بهدف تحرير المجتمع من قبضة الكنيسة الكاثوليكية، كان قانون 1905 تتويجا لعملية طويلة بدأت خلال الثورة".
أما حياد الدولة والخدمات العامة التي تساهم فيها، فتستمد أساسها القانوني من المادة (2) من قانون 1905: "لا تعترف الجمهورية بأي دين ولا تدفع له ولا تدعمه، وهو الذي شكله القاضي ثم المشرع، يشهد اليوم على الاهتمام بالمساواة في المعاملة بين الأديان".
توازن الآراء
على أي حال، العلمانية لا تعارض حوار السلطات العامة مع الشخصيات الدينية، كما أنها ليست معادية لفكرة المصالحة، وغالبا ما يتم تجاهل الأمثلة من قبل عامة الناس.
الترجمة القانونية الثانية للعلمانية هي الحرية، وهي مشروطة ولكنها تستحق حكم القانون لدينا.
واستنادا إلى المادة (1) الشهيرة جدا من قانون 1905: "تضمن الجمهورية حرية الضمير وممارسة العبادة. وحرية التعبير الديني في الأماكن العامة تتعارض من الناحية القانونية مع حدود النظام العام، التي يحددها القانون".
لأولئك الذين يعتقدون أن "الدين شأن خاص"، دعونا نذكرهم بأنهم يسيرون في المسار الخطأ، يقول الكاتب: "العلمانية حسب فابيان هي توازن يسمح لك بالتعبير العلني عن آرائك وإيمانك من عدمه؛ دون تحمل عبء الجرائم الجنائية أو السلامة العامة".
بعيدا عن الجدل، فإن مجال الحرية الذي تسمح به العلمانية اليوم هو الذي يجب أن يوضع في خدمة مجتمع متعلم وأكثر تسامحا مما هو عليه الآن.
يقول فابيان: "إنه من الضروري أيضا حضور الترسانة القمعية في مواجهة السلوك غير المقبول، كما أنه من الملح أيضا التثقيف حتى لا يُترك المجال مفتوحا للظلامية".