ردّ طلبا مصريا.. لماذا رفض العراق تصنيف "الإخوان" منظمة إرهابية؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رفض العراق طلبا تقدمت به مصر لإدراج جماعة الإخوان المسلمين ضمن لائحة الإرهاب في جامعة الدول العربية، في خطوة تعد الأولى من نوعها منذ الانقلاب الذي قاده عبد الفتاح السيسي ضد الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، المنتمي للجماعة، عام 2013.

وكانت جماعة الإخوان المسلمين، قد وصلت إلى السلطة في أول انتخابات رئاسية حرة شهدتها مصر عام 2012، بانتخاب محمد مرسي رئيسا للبلاد، لكن الجماعة الآن محظورة، وسُجن الكثير من أعضائها وقادتها البارزين وصدرت أحكام بالإعدام والمؤبد بحقهم.

صنفت سلطات الانقلاب في مصر ومعها عدد من دول الخليج العربي، الإخوان المسلمين "جماعة الإرهابية" وإصدار قرارات بمعاقبة المتعاطفين معها، في خطوة مناهضة لثورات الربيع العربي في بلدان مثل: مصر، وتونس، وليبيا، واليمن.

وثيقة سرية

قرار العراق رفض تصنيف الإخوان "جماعة إرهابية"، كشفته وثيقة "سرية" تداولتها وسائل إعلام عراقية في 24 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، على أنها مسربة من مجلس الأمن الوطني العراقي، تظهر رد بغداد رسميا، على طلب رسمي مصري.

وأفادت الوثيقة، بأنه "استنادا إلى توجيه مجلس الأمن الوطني بالجلسة المنعقدة بتاريخ 26 يوليو/ تموز 2020 وبناء على ما طرحه مستشار الأمن الوطني بصدد موضوع (موقف العراق من إدراج جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة ارهابية) بناء على طلب جمهورية مصر العربية، من إدراج الإخوان المسلمين ضمن لائحة الإرهاب في جامعة الدول العربية، فإن المجلس قرر في جلسته المنعقدة بتاريخ 23 أغسطس/آب 2020 عدم التصويت على إدراج حركة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية".

وبعد يوم من جدل بشأن الوثيقة المسربة، قال المتحدث باسم الحكومة العراقية، أحمد ملا طلال خلال مقابلة مع قناة "العربية الحدث" السعودية في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2020: "إن بلاده لا تعتبر جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية".

وقال ملا طلال: "أريد أن أوجه عتبي على مؤسسة إعلامية وهي (العربية الحدث) وأطلب منها أن تتوخى الدقة في نشر الأخبار الخاصة بالبلاد عندما تحدثوا عن منع جماعة الإخوان واعتبارها جماعة إرهابية في العراق‎".

وشنت القنوات الإخبارية التابعة للسعودية حملة ضد الإخوان المسلمين في العراق، مشيرة إلى أن قرار العراق برفض الطلب المصري جاء بسبب ضغوط مارستها قوى موالية لإيران التي تربطها علاقات جيدة بالجماعة، وذراعها السياسي الحزب الإسلامي العراقي.

وادعت هذه القنوات أن جماعة الإخوان المسلمين في العراق منقسمة في ولائها بين إيران وتركيا، فالتيار الأخير قريب جدا من حزب "العدالة والتنمية" التركي، وأيضا لهم علاقة قوية بالشيخ يوسف القرضاوي وقطر، وهناك جناح إيران بقيادة رشيد العزاوي الأمين العام للحزب الإسلامي حاليا ويعد المرشد الحقيقي لإخوان العراق.

دور فاعل

تصريحات المتحدث الحكومي في العراق، لم تكن مجرد نفي لأخبار ملفقة أوردتها القنوات السعودية بخصوص منع الإخوان المسلمين من العمل، وإنما كانت تأكيدا لدورهم الفاعل في العملية السياسية وكتابة الدستور العراقي بعد عام 2003.

وأوضح ملا طلال أن "4 رؤساء للبرلمان العراقي لدورات مختلفة هم من الإخوان، ونحن في العراق لا نعتبرهم منظمة إرهابية"، في إشارة إلى قادة الحزب الإسلامي العراقي الذين تولوا رئاسة البرلمان بعد عام 2003.

وشغل قادة الإخوان المسلمين في العراق وهم: محسن عبد الحميد منصب رئيس مجلس الحكم في عام 2004، ثم تولى حاجم الحسني رئاسة الجمعية الوطنية المؤقتة، فيما شغل إياد السامرائي وسليم الجبوري منصب رئيس البرلمان للفترة 2009- 2018.

كما شغل الأمين العام للحزب الإسلامي العراقي الأسبق طارق الهاشمي منصب نائب رئيس جمهورية العراق لدورتين، إضافة إلى عدد من الوزراء والمحافظين والسفراء كانوا ينتمون إلى جماعة الإخوان.

وأكد الملا طلال أن "جماعة الإخوان في العراق جزء من العملية السياسية في البلاد، وكانت ضمن مؤسسيها، وشاركت في كتابة الدستور، ودور فاعل في العملية السياسية"، مشيرا إلى أن "إدراج أي جماعة على لائحة الإرهاب في العراق يأتي بعد أن تقوم بأعمال إرهابية ضد المواطنين أو أن ترفع السلاح بوجه الدولة".

وأضاف المتحدث باسم رئيس الوزراء: أن "تعامل الحكومة مع الإخوان المسلمين غير مرتبط بما يحدث معهم من قبل الحكومات الأخرى في دول العالم".

تداعيات القرار

القنوات السعودية، زعمت أن قرار العراق بعدم إدراج الجماعة في قوائم الإرهاب ورضوخها للضغوط الخارجية، هو خطأ إستراتيجي كبير وقعت به الحكومة العراقية، على حساب علاقتها بمصر والسعودية والإمارات.

لكن قياديا في جماعة الإخوان بالعراق طلب عدم كشف هويته، أكد في حديث لـ"الاستقلال" أن "الإخوان هم جزء من المجتمع العراقي في جميع مفاصله، ولهم حضور سواء على المستوى السياسي أو الدعوي، إضافة إلى منظمات المجتمع المدني وغيرها".

ولفت إلى أن "الوجود السياسي للإخوان في العراق لا يزال حاضرا، فهم تنظيم قوي، ولا يمكن لأحد تجاوزه، وكانت مشاركتهم السياسية بعد عام 2003 من خلال الحزب الإسلامي العراقي".

وأكد القيادي الإخواني أنه "لا يمكن للأطراف الخارجية الضغط على العراق في هذا الموضوع، لأن الدستور يحدد أن من يرفع السلاح بوجه الدولة وينشئ تنظيمات تنفذ أعمالا إرهابية، هي من تصنف على لوائح الإرهاب، وهذه الأمور بعيدة كل البعد عن منهج الإخوان من الأساس".

وأردف: "إضافة إلى أن المنطقة العربية وحتى باقي دول العالم لم تصنف الإخوان المسلمين جماعة إرهابية، سوى مصر والسعودية والإمارات، وهذه الدول الكل يعلم دوافعها السياسية، لأن الإخوان كانوا البديل للأنظمة الفاسدة بعد ثورات الربيع العربي".

من جهته، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي عمر العادل لـ"الاستقلال": إن "الرفض العراقي لإدراج الإخوان على قائمة الإرهاب خطوة شجاعة قائمة على حقيقة واقعة وهي خصوصية التجربة العراقية من جهة، ومشاركة رموز الإخوان عبر ممثلهم الحزب الإسلامي أو غيره في العملية السياسية، وبالتالي الواقع مختلف".

وأضاف: "ربما فعلا سيكون لهذا القرار ردة فعل مصرية أو المحور الذي تعمل معه مصر ولا سيما الإمارات، لكن مصر التي تحتاج اليوم لكل مساعدة تدخل مع العراق في مشروع إستراتيجي فيه بعد اقتصادي مؤثر لها، وبالتالي سيكون تغليب هذا الجانب على ما سواه أو على أقل تقدير التزام الصمت كعادة نظام السيسي".

عقبة قانونية

وفي السياق ذاته، قال المختص في القانون الدولي الدكتور علي التميمي، خلال مقابلة صحفية في 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2020: "مسألة عدم الاعتراف لا يؤثر على العلاقات بين الدول العربية، فهناك مصالح عديدة تجمعها".

وأضاف الخبير القانوني: أن "الأصل في مسألة التصنيف الإرهابي الملزم للدول يجب أن يكون من خلال قرار من مجلس الأمن أو الأمم المتحدة، لكن التنظيمات غير المصنفة من قبل مجلس الأمن هي مسألة داخلية تخص الدول".

وتابع: "ما موجود في العراق من إخوان مسلمين هم أشخاص وليسوا تنظيمات، وبالتالي لا تستطيع الحكومة العراقية إدراجهم تحت عنوان الإرهاب، وإلا يتوجب عندها اعتقالهم وفق المادة 4 إرهاب، إلا إذا كانوا مطلوبين في مصر على سبيل المثال".

وبخصوص الحديث عن تشبيه حزب العمال الكردستاني بالإخوان المسلمين وضرورة اتخاذ العراق موقفا واحدا، أكد التميمي أن "هذا غير مقبول، لأن الإخوان في العراق لا ينفذون هجمات على مصر ولا تربطنا حدود جغرافية معها، لذلك المقارنة غير صحيحة بين الطرفين".

ونوه التميمي إلى أن مصر تختلف مع الإخوان بعد مشاركتهم بالعملية السياسية وقامت بحظرهم، وأن العراق أيضا يمنع حزب البعث العربي الذي كان يحكم البلد من العمل في العراق، لكنه في القاهرة غير محظور ولا في بلدان أخرى، فلكل بلد حالته ووضعه الخاص.

وتابع: "لكن في حالة واحد يصبح أي تنظيم محظور في جميع البلدان، وهي إذا قرر مجلس الأمن الدولي- الذي يعتبر الجهة التنفيذية للأمم المتحدة- وضعه على لوائح الإرهاب كما حصل مع تنظيم الدولة، وبهذه الحالة يصبح لزاما على جميع أعضاء الأمم المتحدة العمل بالقرار".

التجربة السياسية

جماعة "الإخوان المسلمين" في العراق هي إحدى التنظيمات الحركية الإسلامية، التي تأسست عام 1944، على يد الداعية الإسلامي المعروف محمود الصواف، وهي امتداد فكري للجماعة الأم بمصر التي نشأت عام 1928.

وفي أبريل/ نيسان 1960، أعلنت الجماعة في العراق، تأسيس حزب سياسي أطلقت عليه "الحزب الإسلامي العراقي" برئاسة نعمان عبد الرزاق السامرائي، وذلك في عهد الرئيس الراحل عبد الكريم قاسم.

لكن عبد الكريم قاسم أمر بحل واعتقال قيادات الحزب الإسلامي في أكتوبر/تشرين الأول 1960، أي بعد 7 أشهر فقط من تأسيسه. لكنه بقي يعمل سرا حتى يوليو/تموز يوليو 1968.

وخلال هذا العام حاول أن يظهر للعمل في العلن مرة أخرى لكنه سرعان ما اصطدم بحكومة حزب البعث الثانية مما اضطره إلى تجميد نشاطه عام 1970، ومع ذلك تعرضت مجموعة من قيادته إلى الاعتقال والتنكيل وحتى الإعدام، ومن أبرز من أعدم من قيادات الإخوان مطلع السبعينيات محمد فرج الجاسم وعبد الغني شندالة.

توقف عمل الإخوان في العراق قرابة الـ 20 عاما، ثم عادت الجماعة إلى العمل مع الانفراج الذي حصل من جانب النظام تجاه التيارات الإسلامية، وبشكل خاص الجماعات السنية إبان ما عرف بالحملة الإيمانية التي دشنها نظام صدام حسين مطلع تسعينيات القرن الماضي.

وتذكر أدبيات "الإخوان" أنهم أعادوا نشاطهم داخل العراق بتنظيم سري عام 1989، كما أعادوا بناء هياكلهم التنظيمية بقيادة مؤقتة وكونوا مجلس شورى من مسؤولي تنظيمات المحافظات، وعملوا على هذا الأساس حتى عام 1996 عندما انتخبوا مجلس شورى جديد، اجتمع بدوره وانتخب قيادة جديدة ومراقبا عاما عام 1996.

لكن هذا التنظيم سرعان ما كشف وجرى اعتقال قسم من قياداته منهم الدكتور محسن عبد الحميد، الذي أفرج عنه لاحقا بعد وساطة من قيادات إسلامية في تركيا والأردن والسودان.

من جانب آخر، استمر الإخوان العراقيون بالعمل السياسي المعارض لنظام البعث في الخارج، وكان أبرز نشاط لهم في لندن مطلع التسعينيات برئاسة الدكتور أسامة التكريتي، واستمروا على هذا الحال حتى عام 2003.

كما شهدت حقبة التسعينيات نشاطا ملحوظا للحزب الإسلامي العراقي في المنفى ‏برئاسة إياد السامرائي بشكل منفصل عن خلايا الحزب أو نشاطه في الداخل حتى عادوا إلى العراق بعد 2003، ليتم دمج تنظيمات الخارج والداخل.

وشارك الحزب الإسلامي العراقي، مبكرا في العملية السياسية الجديدة، إذ دخلوا إلى مجلس الحكم إبان حقبة الإدارة المدنية الأميركية برئاسة بول بريمر في العراق، ومثله في ذلك أمينه العام  الدكتور محسن عبد الحميد، الذي شغل منصب الرئيس الدوري لمجلس الحكم  لشهر مارس/آذار عام 2004.