خمسة محاور رئيسة.. ما القواسم المشتركة بين القضيتين السورية والفلسطينية؟
"هناك ثلاثة سيناريوهات محتملة لتطور الأحداث في فلسطين وسوريا"
تعج منطقة الشرق الأوسط بأزمات متواصلة منذ عقود، في مقدمتها القضية الفلسطينية والإبادة الجماعية الإسرائيلية المتواصلة في غزة، والقضية السورية والنجاح الأخير في إسقاط نظام بشار الأسد.
وفي هذا السياق، نشرت صحيفة "ستار" التركية مقالا للكاتب “محمد رقيب أوغلو” سلط فيه الضوء على أزمات الشرق الأوسط من خلال خمسة محاور رئيسة وتأثيرها على مستقبل الأوضاع في فلسطين وسوريا.
محاور رئيسة
وقال الكاتب التركي إن الشرق الأوسط يبرز كمنطقة تشهد أزمات متعددة الطبقات ومتشابكة الأطراف.
وهذه الأزمات لا تقتصر فقط على الأبعاد الفكرية فحسب، بل تمتد لتشمل الحقائق المادية والبنية الهيكلية للمنطقة.
ولفهم هذه الأزمات بشكل أعمق، يجب وضع إطار مفاهيمي وتحليل الأبعاد المختلفة لهذه الأزمات.
والمحور الأول للأزمة هو عجز النظام الدولي، حيث يعاني النظام الدولي من قصور في إنهاء الحروب وحل النزاعات.
فقد أظهرت المؤسسات الدولية مثل مجلس الأمن فشلها بسبب تضارب مصالح الأعضاء الدائمين، مما أدى إلى تفاقم الأزمات الإقليمية.
من جهة أخرى فإن المحور الثاني يتناول النزاعات المتعلقة بتوزيع الأراضي والموارد والتي كانت نتاجا للحدود الاستعمارية المصطنعة.
حيث أدّى التسابق على الموارد إلى صراعات مستمرة في المنطقة، مثل النزاعات حول النفط والممرات المائية.
ثالثا، تعد أزمات الشرعية من بين أكبر الأزمات في المنطقة. فغياب الإصلاحات السياسية العميقة وافتقار الأنظمة إلى الدعم الشعبي يزيد من حدة هذه الأزمة، مما يجعلها واحدة من أكبر التحديات التي تواجه المنطقة.
رابعا، لقد أثرت الأزمات الأمنية أيضا على استقرار الشرق الأوسط لسنوات عديدة. حيث نشأت تنظيمات مثل داعش واستفادت من حالة الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة، مما أدى إلى تعميق أزمات الأمن.
خامسا، لا تزال أزمتا التمثيل السياسي والحكم المشترك موجودة في الشرق الأوسط. حيث تؤدي الهياكل المجزأة في المنطقة وأنظمة الكوتا الطائفية/الدينية (كما هو الحال في لبنان) إلى مشاكل التمثيل السياسي.
مشاكل مماثلة
وأردف رقيب أوغلو: تظهر الأزمات الخمسة الرئيسة المذكورة أعلاه بأشكال مختلفة في مناطق مثل سوريا وفلسطين.
فعلى سبيل المثال، فيما يخص تقاسم الأراضي والموارد، تواجه كل من فلسطين وسوريا مشكلات مماثلة.
وفي فلسطين تتجلى هذه الأزمة في اعتداءات إسرائيل المستمرة، ورغبتها الجامحة في السيطرة على القدس، وإرهاب المستوطنين، بالإضافة إلى استغلال الموارد الطبيعية.
بينما في سوريا، أدى الدعم الروسي والإيراني للنظام إلى تقاسم الأراضي وبناء قواعد عسكرية، فضلا عن الانخراط في تجارة المخدرات والنفط، مما أسهم في زعزعة استقرار البلاد.
أما فيما يتعلق بأزمات الشرعية فقد عاشت كل من سوريا وفلسطين أوضاعا متشابهة.
ففي سوريا يفتقر النظام الذي حكم البلاد منذ 61 عاما إلى الشرعية، حيث ظل بعيدا عن الشعب ولا يتمتع بأي شكل من أشكال الانتخابات الديمقراطية أو الشفافية.
وفي فلسطين تواجه السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس أزمة شرعية متفاقمة بسبب غياب الانتخابات منذ عام 2005، واستخدام القوة ضد المواطنين وفصائل المقاومة في الضفة الغربية، خاصة في جنين.
وأضاف الكاتب التركي: تمثل أزمات الأمن قاسما مشتركا آخر بين سوريا وفلسطين.
ففي سوريا أدى تركيز النظام على حماية بقائه بدلا من تأمين البلاد إلى تصاعد الاضطرابات المسلحة وانعدام الاستقرار.
أما في فلسطين فإن تركيز منظمة التحرير الفلسطينية (فتح) على مواجهة فصائل المقاومة بدلا من مواجهة الاحتلال الإسرائيلي يعمق أزمة الأمن في البلاد.
وتابع: تواجه كل من سوريا وفلسطين أزمات عميقة في التمثيل السياسي وإدارة الحكم.
ففي سوريا يتسم النظام بغياب التعددية السياسية وافتقاده لأية رؤية شاملة تمثل أطياف المجتمع كافة. وفي فلسطين يؤدي غياب الانتخابات ونظام الحكم المجزأ إلى تعقيد الوضع السياسي.
وأشار الكاتب إلى أن البراغماتية التي أظهرتها أخيرا جهات مثل هيئة تحرير الشام وحركة حماس قد تُشير إلى إمكانية التغلب على هذه الأزمات.
كما أن توجه هذه الجهات نحو تبني حلول شاملة وقابلة للتطبيق في إطار الانتقال إلى كيان سياسي يعزز التفاؤل بإمكانية حل الأزمات تدريجيا.
تحولات إقليمية
وأضاف رقيب أوغلو أن منطقتي فلسطين وسوريا شهدتا تحولات إقليمية بارزة مع انطلاق عمليتي طوفان الأقصى وردع العدوان.
حيث بدأت الأولى في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 كاستجابة فلسطينية للتطبيع مع إسرائيل والاعتداءات المستمرة على المسجد الأقصى وحصار غزة، ما أدى إلى زعزعة الوضع القائم لإسرائيل.
أما الثانية، فقد انطلقت في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 على يد المعارضة السورية كجزء من التحولات الإقليمية المستمرة، واستهدفت العملية إسقاط النظام السوري المدعوم من روسيا وإيران.
ولفت الكاتب النظر إلى أن عمليتي طوفان الأقصى وردع العدوان لم تكونا تحركات مفاجئة، بل كانتا نتيجة لخطط طويلة الأمد.
وأوضح ذلك قائلا: جاءت عملية "طوفان الأقصى" نتيجة تراكم طويل من الأحداث مثل تطبيع العلاقات مع إسرائيل، والاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى، والحصار المفروض على غزة.
أما في سوريا فقد كانت الضربات الروسية المتكررة على إدلب، وسياسات تغيير التركيبة السكانية التي تنفذها إيران، واستغلال الموارد السورية من قبل المليشيات المدعومة من الولايات المتحدة، مثل "قوات سوريا الديمقراطية"، دافعا أساسيا لإطلاق عملية المعارضة.
وأشار الكاتب التركي إلى أن كلتا العمليتين متشابهة في النتائج، حيث جذبت العملية التي انطلقت تحت اسم "طوفان الأقصى" انتباه العالم، خاصة مع العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد غزة وانتهاكات حقوق الإنسان.
كما تحطم التصور الإسرائيلي عن قوة إسرائيل اللامحدودة وعلى إثره فقد فرّ أكثر من 500,000 مستوطن من البلاد.
وبالمثل، أثبتت عملية "ردع العدوان" في سوريا هشاشة النظام رغم الدعم الروسي والإيراني، وأجبرت القوى المدعومة دوليا مثل "قسد" على تغيير خطابها للبقاء.
إلى أين يتجه المسار؟
وأوضح رقيب أوغلو أن هناك ثلاثة سيناريوهات محتملة حول الاتجاه الذي قد يتطور فيه المسار الحالي في كل من فلسطين وسوريا:
السيناريو الأول هو التحول الإقليمي، وهذا السيناريو قد يستغرق عقودا لتحقيقه. فمع تأثير طوفان الأقصى يمكن أن تُشكل الأزمات الفلسطينية والسورية أساساً لتحولات سياسية وجيوسياسية في المنطقة.
حيث يمكن أن تبرز تحركات جديدة في مناطق مثل الأردن ومصر ومواقع جغرافية أخرى بالمنطقة.
أما السيناريو الثاني فهو ظهور أنظمة جديدة، فبعد استقرار الأوضاع في فلسطين وسوريا قد تتجه حركات مثل حماس وهيئة تحرير الشام إلى بناء كيانات دولية.
ففي فلسطين يمكن أن يؤدي تعاون حماس مع منظمة التحرير الفلسطينية إلى إقامة دولة ضمن حدود 1967.
أما في سوريا فقد تتبنى هيئة تحرير الشام والجيش الوطني إدارة شاملة تُخرج البلاد من هيمنة القوى الأجنبية مثل روسيا وإيران، مع رفض أي وجود للميليشيات الإرهابية مثل حزب العمال الكردستاني.
بينما السيناريو الثالث يتمحور حول تحول أو تجميد الأزمات، ويعتمد هذا السيناريو على تأثير القوى الإقليمية والدولية.
على سبيل المثال قد يؤدي التنسيق بين الولايات المتحدة وتركيا، خاصة في ظل قيادة ترامب، لاتخاذ موقف مشترك ضد إرهاب حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي.
وقد يؤدي امتناع الولايات المتحدة عن معارضة الجهود التركية إلى تغيير التوازنات في سوريا. كذلك، فإن أي تغيير في الدعم الأمريكي لإسرائيل قد يؤثر على التطورات في فلسطين.
وذكر الكاتب أنه في الوقت الذي تمتلك فيه جهات فاعلة عالمية مثل الصين وروسيا وجهات فاعلة إقليمية أخرى مثل إيران والسعودية ومصر تأثيرا محدودا في منطقتي الأزمة، كانت تركيا ولا زالت تساهم بشكل مباشر في العمليات المتعلقة بكل من الملفين السوري والفلسطيني.
فإن تركيا التي تدافع عن مكافحة الإرهاب ووحدة الأراضي في سوريا تقف ضد الإبادة الجماعية الإسرائيلية في فلسطين. وتتخذ المزيد والمزيد من الخطوات الدبلوماسية الصارمة لعزل إسرائيل..