واشنطن بوست: إطلاق سراح المعتقلين بمصر مستبعد رغم تهديدات كورونا
دعت صحيفة واشنطن بوست الأميركية العالم إلى عدم نسيان عشرات الآلاف من المعتقلين داخل السجون المصرية في ظل انتشار فيروس كورونا، مع الاستمرار بإطلاق حملات للضغط من أجل الإفراج عنهم.
وكتب الناشط الحقوقي المصري، محمد سلطان مقالا في الصحيفة قال فيه: إن جائحة فيروس كورونا قد أصابت العالم بالشلل التام أكثر من أي وقت مضى، وقد فاق الرعب من الفيروس كافة الحدود.
رعب السجون
وتابع: أن "الرعب يختلف من مجموعة بشرية إلى أخرى وفق ظروف المعيشة، فالبعض منا قلق بشأن قدرته على توفير المواد الغذائية لأسرته أو مواد النظافة، والبعض قلق من الإصابة بالفيروس".
وأضاف: "هناك الكثيرون في الطرف الآخر من الكرة الأرضية، في مصر قلقون على أحبائهم الضعفاء المحبوسين ظُلما في أشد الظروف في العالم صعوبة، والتي يطلق عليها مقابر الأحياء، والتي يمكن وصفها بأنها قاتلة، وأقصد هنا السجون المصرية".
وأردف الكاتب: "استيقظت يوم الثلاثاء (١٧ مارس/آذار ٢٠٢٠) على أنباء أول إصابة بفيروس "كوفيد -19" في سجن وادي النطرون، حيث يُحتجز والدي كسجين سياسي في مصر منذ عام 2013".
وأوضح: "أتصور كيف أن السجناء المصريين، مكتظين مثل السردين في الأبراج الحصينة تحت الأرض، بدون تهوية، يترقبون الانتشار الوشيك للفيروس بينهم نتيجة الظروف الصحية الصعبة. يبدو كمشهد من فيلم رعب، لكن هذه هي الحقيقة القاتمة لحوالي 60 ألف سجين سياسي في مصر قد يتسلل إليهم الوباء عبر أبواب زنزاناتهم".
في الأسبوعين الماضيين، جرى تهريب رسالة من سجن آخر تدّعي وجود حالات متعددة من المسجونين ظهرت عليهم أعراض الإصابة بفيروس كورونا، ومع ذلك، في حين أفرجت بعض الأنظمة الأكثر قمعية في المنطقة مثل إيران والبحرين والأردن عن بعض السجناء لمنع أزمة إنسانية ذات أبعاد أسطورية، فإن مصر لا تكاد تقترب من التفكير في تلك الكارثة.
حتى في غياب التهديد بانتشار الجائحة، فإن السجون المصرية معروفة بأوضاعها غير الإنسانية. يقول الكاتب: "هذا العام، توفي صديقي مصطفى قاسم، تاجر قطع غيار السيارات المصري الأميركي البالغ من العمر 54 عاما من نيويورك، بعد أن أضرب عن الطعام احتجاجا على ست سنوات من الاحتجاز غير العادل".
قصص حية
كان مصطفى الأميركي الوحيد الذي مات في السجون المصرية في التاريخ الحديث، لكنه كان من بين 678 مصريا يعانون من الإهمال الطبي ثم يموتون في السجن خلال السنوات الأخيرة.
وقال: "لقد عانيت من الإهمال الطبي المتعمد بنفسي في عام 2013، خضعت لعملية جراحية بشكل ارتجالي في سجن طرة من قبل طبيب سجين من دون تخدير أو تعقيم".
وعن تفاصيل ذلك، يتابع: "استخدم الطبيب زردية وشفرة مستقيمة بدلا من مشرط لإزالة مسامير معدنية مقاس 13 بوصة تم وضعها في ذراعي اليسرى لدعم وإصلاح الأضرار التي لحقت بي بسبب رصاصة أُصبت بها على أيدي قوات الأمن المصرية، لأشهر بعد ذلك، لم أحصل على أي رعاية طبية على الإطلاق، على الرغم من الطلبات المتعددة المقدمة من حكومة الولايات المتحدة".
بالكاد نجوت، يضيف: "وفي النهاية أطلق سراحي. تخيل معاناة عشرات الآلاف من المصريين الآخرين الأقل حظا مني، والذين يقبعون في زنازين السجون المزدحمة مع القليل من الهواء، غالبا ما يوجد ما يصل إلى 20 سجينا يعيشون في كل زنزانة مساحتها 200 قدم مربع، يتقاسمون صنبورا واحدا وفتحة واحدة في الأرض كمرحاض".
ليس فقط السجناء هم الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس، يمكن للحراس والضباط ذوي الرتب الدنيا الذين يستخدمون وسائل النقل العام للوصول إلى السجون بسهولة أن ينقلوا الفيروس إلى داخل السجون ونشرها بين السجناء.
ويضيف سلطان: "لن يفرق الفيروس بين السجناء والسجانين، ومن غير المحتمل أن تحصل أي من المجموعتين على الرعاية الطبية اللازمة لتقييد كورونا واحتوائه وإنقاذ الأرواح".
انتشار كورونا
وأبلغت المراكز الأميركية لمكافحة الأمراض والوقاية عن ما لا يقل عن 60 حالة في 15 ولاية أميركية مرتبطة برحلات نهر النيل المتعددة في مصر، مما جعل القاهرة مرتعا لتصدير الوباء حول العالم. وقدّر باحثون من جامعة تورنتو ما لا يقل عن 6000 حالة إصابة بفيروس كورونا في مصر، في حين أبلغت الحكومة عن 210 حالات فقط.
ومع ذلك، كانت استجابة مصر أبطأ بشكل كبير من الانتشار المحتمل للفيروس، فبدلا من الضغط من أجل إجراء اختبارات له وممارسة الشفافية على نطاق واسع، سحبت السلطات المصرية اعتمادها لصحفي من الجارديان قدم تقريرا عن نتائج جامعة تورنتو.
وفيما يتعلق بالسجون، أوقفت الحكومة زياراتها لمدة 10 أيام، واعتقلت أربع سيدات احتججن على الخطر الوشيك لأحبائهن في السجن. ويبين الكاتب: "هذا الوباء هو أحد أعداء البشرية الأكثر فتكا، ولا يوجد طريق لهزيمته دون جهد جماعي، يجب أن يشمل هذا الجهد القضاء على الظروف التي يمكن أن ينتشر فيها.
وقال: إنه يمكن لرئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي "إنقاذ وجهه وكسب بعض رأس المال السياسي الذي تشتد الحاجة إليه من خلال القيام بالأمر المعقول والإنساني".
ودعا الكاتب إلى تقليل تكدس السجون من خلال إطلاق سراح جميع السجناء الضعفاء، مثل كبار السن، والذين يعانون مضاعفات صحية أساسية وجميع السجناء المحتجزين من دون محاكمات، مضيفا: "بينما تستعد مصر لإغلاق محتمل أو حظر تجوال، يجب أن تكون هذه أولوية قبل فوات الأوان".
وأضاف: "لا يمكنني إخفاء خوفي القاتل على أبي المسجون ظلما، الذي يبلغ من العمر 61 عاما والمعرض لخطر كبير بسبب مرض السكري والتهاب الكبد الوبائي C وارتفاع ضغط الدم والسجن ست سنوات".
كما أعرب عن خشيته على حياة زياد العليمي، وهو مدافع شاب عن حقوق الإنسان وعضو سابق في البرلمان يعاني من مرض السكري وارتفاع ضغط الدم والربو. وقال: "أخشى على آلاف الأرواح البريئة المنسية والمهملة، وعلى أسرهم التي كانت معاناتها أكبر من أن تتحملها".
وختم الكاتب مقاله: "دعونا لا ننسى أكثر الناس عجزا في جميع أنحاء العالم، وهم سجناء مصر، دعونا ندعم وننشر الدعوات لإطلاق سراحهم، إنها مسؤوليتنا الجماعية أن نتأكد من أن تلك السجون - مقابر الأحياء - لا تتحول إلى مقابر الموتى".