مفاوضات السلام بالسودان.. من يلوي ذراع الآخر؟

12

طباعة

مشاركة

اختلاف كبير شهدته جولة المفاوضات الأخيرة، التي استضافتها "جوبا" عاصمة جنوب السودان، بين المجلس السيادي السوداني والحكومة الانتقالية من جهة، وبين الفصائل والحركات السودانية المسلحة من جهة أخرى، عن سابقتها من المفاوضات التي استضافتها كل من الخرطوم وأديس أبابا والقاهرة.

وجديد مفاوضات هذه الجولة، أنها لم تكن بين المجلس العسكري الانتقالي، وقوى المعارضة، وإنما كانت مع المجلس السيادي وحكومته الانتقالية، اللتان يشارك فيهما ممثلين عن قوى الحرية والتغيير، والتي كانت قبل أسابيع شريكة للحركات الثورية في المطالبة برحيل العسكر.

وتهدف هذه المفاوضات إلى تحقيق السلام، وضمان وقف دائم لإطلاق النار في مناطق النزاع الثلاث (ولايات دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان).

وكعادة الأحداث السودانية، فقد تضاربت الأخبار الصادرة عن قادة الفصائل المشاركين في المفاوضات، ففي الوقت الذي اعتبرها البعض أنها لم تبرح مكانها، رآها آخرون أنها حملت الكثير من التفاؤل الذي يمكن البناء عليه خلال المرحلة المقبلة.

وثيقة القضايا

التقدم الأبرز في الجولة الأخيرة التي جرت يومي 18 و19 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، كان بين الحكومة السودانية، والحركة الشعبية - الشمال بقيادة عبد العزيز آدم الحلو، حيث اتفق الطرفان على أجندة التفاوض، التي ستتم مناقشتها خلال الفترة التي حددتها وثيقة إعلان المبادئ، التي تم التوقيع عليها في جوبا الشهر الماضي، وحددت قضايا المفاوضات بينهما حول ثلاثة محاور أساسية، تشمل القضايا السياسية والمسائل الإنسانية والترتيبات الأمنية.

وحسب الوثيقة التي وقعها عن المجلس السيادي الجنرال شمس الدين الكباشي، وعن الحركة الشعبية عمار آمون، فإن الطرفين يؤكدان على إعلان مبادئ كخارطة طريق تحكم العملية التفاوضية. وسيتم تحديد بدء الجولة المباشرة في القضايا السياسية من قبل الوسيط الجنوب سوداني، بعد تسليم كل طرف رؤيته حول الملف السياسي وترتيب أجندته.

ويرى مراقبون أن المجلس السيادي رغم أنه لم يصل لاتفاق ملزم من الحركات المسلحة بترك السلاح، إلا أنه استطاع تحقيق العديد من النقاط الإيجابية التي خاطب من خلالها المجتمع الدولي، بسعي المجلس وحكومته لإنهاء العنف من جانبه، وهو ما ترجمه رئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان، بقرار وقف العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش ضد الحركات المسلحة في كل أطراف السودان.

ووفق المراقبين، فإن تصريحات كل من رئيس وفد المجلس السيادي في لقاءات جوبا شمس الدين الكباشي، وتصريحات المتحدث باسم الحكومة محمد حسن التعايشي في الخرطوم، قد سارت في طريق قرار البرهان، الذي أصدره قبل بدء المفاوضات بيوم واحد، بل إن الكباشي حاول مغازلة المشاركين في الجلسة الافتتاحية بتأكيده أنه جاء للمفاوضات بنية صادقة للتوصل إلى اتفاق سلام مع الحركة الشعبية - شمال، ينهي به معاناة المواطنين.

وما يلفت النظر كما تناول الإعلام السوداني أن تصريحات التعايشي ربما تشابهت في ألفاظها مع تصريحات الكباشي، حيث أكد للصحفيين في الخرطوم أن الإرادة الصادقة التي جاءت بها الحكومة الانتقالية للحوار مع الحركات المسلحة، ساهمت في التوصل إلى هذا الاختراق الكبير في المفاوضات.

وحسب التصريحات التي صدرت عن ممثلي باقي الفصائل المشاركة بالمفاوضات، فإن مجرد التوصل لاتفاق حول القضايا التي سيتم طرحها بين الحكومة والحركة الشعبية- شمال، يمثل إنجازا في حد ذاته، وهو ما عبر عنه رئيس فريق الوساطة في حكومة جنوب السودان توت قلواك، بتأكيده أن ما تم التوصل إليه، يعد خطوة مهمة في العملية السلمية التي جمعت الطرفين في محادثات مباشرة لأول مرة، وفي سبيل التوصل إلى اتفاق سلام ينهي الحرب ويعيد الاستقرار إلى السودان.

وفي نفس الإطار جاءت تصريحات المتحدث باسم الحركة الشعبية الجاك محمود الجاك، بأن إعلان المبادئ الذي تم التوقيع عليه يمثل خارطة الطريق للتفاوض بين الطرفين، وهو نفس ما ذهب إليه الأمين العام للحركة الشعبية عمار أمون، بأن هناك التزام بالعملية السلمية للوصول إلى اتفاق سلام عادل مع الحكومة الانتقالية.

لماذا هي مهمة؟

ويشير تحليل موسع لصحيفة "الشرق الأوسط" الصادرة من لندن، إلى أن أهمية ما تم التوصل إليه بين الحكومة الانتقالية، والحركة الشعبية – شمال، يدلل على تغيير واضح في قناعات الحركة عن أهمية العملية السلمية، خاصة وأنها كادت أن تمتنع عن أول جولة للمفاوضات المباشرة بين الجانبين، بعد اتهامها للحكومة بمهاجمة أحد مواقعها التي تسيطر عليها في جنوب كردفان.

وهذا الأمر دفع برئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان لإصدار مرسوم دستوري بوقف إطلاق النار في كل أنحاء البلاد، وهي الخطوة التي ثمنتها الحركة وقررت المشاركة في الجولة الأولي التي شهدت توقيع الاتفاق على أجندة التفاوض بين الجانبين.

ويضيف البعض على الرأي السابق، بأن توقيع الاتفاق أغلق الباب أمام مطالب بعض الحركات الثورية بتأجيل المفاوضات وترحيلها لمدة أسبوعين آخرين، وهو الطرح الذي كانت تتبناه "الجبهة الثورية" السودانية، والتي أكد المتحدث باسمها سيف الدين عيسى، بأنهم طلبوا من الوسطاء تأجيل التفاوض لمزيد من التفاهمات، مشيرا إلى أن الوساطة وافقت من حيث المبدأ على طلب الجبهة الثورية، لكنها طالبت بأجندة واضحة للتفاوض.

ماذا تريد الحركة؟

ورغم حالة التفاؤل التي صاحبت الاتفاق على إعلان مبادئ التفاوض، إلا أن هناك من ينظر بشك وريبة، للجلسات القادمة، خاصة وأن ما تم تسريبه عن مطالب الحركة الشعبية يمكن أن يتصادم مع العديد من مكونات الحكومة الانتقالية، وربما يعيد الوضع في السودان لنقطة الصفر.

وحسب صحيفة "سودان تربيون": فإن وفد الحركة طرح حزمة من القضايا في ورقة إعلان المبادئ، من بينها الدعوة الى علمانية الدولة، وضرورة مراعاة التنوع الذي يعيشه السودان عند تقسيم السلطة فضلا عن قضايا أخرى.

كما أكدت الحركة على أنه في حال تعذر التجاوب مع هذه المطالب فإنه يطالبون بمنح كردفان والنيل الأزرق حق تقرير المصير، كما جرى مع جنوب السودان عندما تم توقيع اتفاق السلام في كوماسي وأديس أبابا والقاهرة خلال الفترة من 2003 وحتى 2005.

ويدعم الرأي السابق البروفسور يوسف نبيل في مقال نشره بجريدة سودانيل بالتزامن مع انطلاق المفاوضات، حذر فيه من المصير الذي ينتظر جنوب كردفال والنيل الأزرق، بعد تزايد دعوات حق تقرير المصير التي تطالب بها الحركة الشعبية- شمال.

ويري الكاتب السوداني أن إجراء المباحثات في جنوب السودان يثير الشكوك، خاصة وأن مبادرة السلام التي تقدم بها رئيس جنوب السودان، سلفاكير ، لم تأت إلا بعد زيارة البرهان في 27 مايو/ آيار الماضي، متوقعا أن تظهر تسويات عديدة في الأفق قريبا.

ويطرح نبيل تساؤلا له مغزى خطير، وهو: هل تقدم البرهان لسلفاكير بالتنازل عن هاتين الولايتين المتاخمتين للجنوب أم إنها وسيلة ضغط وإستراتيجية يحاول العسكر اتباعها  لإجبار تلك الحركات المسلحة على الاتفاق على وثيقة سلام شامل دون الفحص و"التمحيك"؟

ويضيف قائلا: "تبدو الفرضية الأخيرة غير مرجحة لأن أولى القواعد التي تحكم منطق العسكريين في كل بقاع الأرض بأنه لا تفاوض تحت الضغط مهما تكن الأحوال، وهذا ما يفسر مذبحة القيادة العامة في 3 يونيو/حزيران 2019، حيث كانت المفاوضات جارية بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، ومن ثم حدث ما حدث وهو معلوم للجميع.

وحسب الكاتب السوداني: فإن مخطط تفكيك تلك المناطق أو انفصالها أو تبعيتها لاحقا لجنوب السودان فرضية رائجة جدا، ويبدو أن التسوية السياسية لاقت رواجا كبيرا.

خاصة وأن موقع ولاية جنوب كردفان الجغرافي مميز جدا للجنوب، حيث يحدها من الشمال ولاية شمال كردفان ومن جهة الشمال الشرقي ولاية النيل الأبيض، ومن الجنوب جمهورية جنوب السودان، وهي متاخمة لمنطقة أبيي الغنية بالنفط التي تقع في ولاية غرب كردفان، حيث تحدها من الشمال ولاية جنوب كردفان ومن الجنوب ولاية بحر الغزال لدولة جنوب السودان.

ويشير الكاتب أيضا إلى أنه في 21 سبتمبر/أيلول 2019 كان هناك تسويق لـ "صفقة" بين الخرطوم وجوبا على أن تكون "أبيي"، منطقة تكامل بين السودان وجنوب السودان.

الإمارات على الخط

ويتهم تقرير نشرته شبكة الجزيرة، دولة الإمارات العربية، بالوقوف وراء حركات الانفصال السودانية، وأن الأموال الإماراتية كانت وراء المظاهرات التي شهدتها مدينة كسلا مؤخرا، حيث هدد المتظاهرون بالانفصال، وبناء دولة جديدة تضم 3 من ولايات شرق السودان.

وربط التقرير بين حالة الغليان الشعبي في مدينة كسلا والمظاهرات الاحتجاجية المُطالبة بالانفصال، وأحداث العنف الدامية بين قبيلتي بني عامر والنوبة في بورتسودان، وتزامن ذلك مع نشاط عسكري لإحدى الحركات الانفصالية المسلحة التي يقودها عمر محمد طاهر، المقرب من الإمارات والمقيم بإريتريا.

ووفق التقرير نفسه، فإنه بالتزامن مع الدعوات التي أطلقها ناشطون لمنح شرق السودان حصته كاملة في السلطة الانتقالية، أو منحه حق تقرير المصير، كانت هناك ورش وحملات توعية نفذها ناشطون ومنظمات مجتمع مدني للتعريف بحق تقرير المصير لولاية النيل الأزرق القريبة من ولايات شرق السودان الثلاث (البحر الأحمر، كسلا والقضارف).

وهذا الأمر دفع رئيس حزب دولة القانون والتنمية محمد علي الجزولي، لاتهام الإمارات بالسعي لتكرار النموذج اليمني في السودان، من خلال دعم الحكومة المركزية في الخرطوم، وأيضا دعم التحركات الشعبية والعسكرية ضدها في ولايات شرق السودان، على غرار ما فعله المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن.

ماذا يجلب السلام؟

السؤال السابق كان محل خلاف وجدال في الصحف السودانية بالتزامن مع مفاوضات السلام التي استضافتها جوبا قبل أيام، وأهمية السؤال أنه تزامن مع تعليقات وكتابات تناولتها وسائل التواصل الاجتماعي، متعلقة بصراع المناصب داخل المجلس السيادي والحكومة الانتقالية وباقي مؤسسات الدولة، وأن الجميع بما فيهم قوى الحرية والتغيير، مشغولون بالمناصب، ولا يعنيهم إقرار السلام في السودان بعد نجاح الثورة في تحقيق العديد من الأهداف.

وحسب الكاتبة السودانية بصحيفة السوداني، هبة علي: فإن عددا من أعضاء المجلس السيادي مثل محمد حسن التعايشي، واجهوا هذه الحملة بإعلان استعدادهم التنازل عن مناصبهم لصالح تحقيق السلام، بينما أعلن الرجل القوي في المجلس السيادي محمد حمدان دقلو “حميدتي” استعداده للتنازل عن منصبه لرئيس الحركة الشعبية - شمال، عبد العزيز الحلو لأجل السلام.

وتشير الكاتبة، إلي أن عملية السلام تحتاج لحلول جذرية، وأن الحل الرئيس فيها يتمثل في مناقشة قضايا الحرب والأراضي واللاجئين والنازحين وكل قضايا وآثار الحرب وتأثيرها الاجتماعي على المجتمع طوال السنوات السابقة.