اقتصاد تركيا بعد انتخابات إسطنبول.. كيف تغيرت أجواء الاستثمار؟
نشرت صحيفة "يني شفق" التركية، مقالا للكاتب إردال طاناس كاراغول، تحدث فيه عن الخطوة المقبلة بعد انتهاء الانتخابات البلدية في إسطنبول -التي أحدثت ضجة كبيرة في تركيا والمنطقة بأسرها- كما تناول فيه الوضع الاقتصادي وكيف تغيرت أجواء الاستثمار في البلد.
لم يلتفت الكاتب لأبعاد المنافسة السياسية المحتدمة داخليا حول منصب رئيس بلدية إسطنبول الكبرى، ولا الدعاية الانتخابية "الشرسة" التي صاحبت جولة الإعادة والاتهامات المتبادلة بين أنصار الحزبين الأكبر اللذين خاضا الانتخابات، وهما: حزب العدالة والتنمية الحاكم، وحزب الشعب الجمهوري.
وقال كاراغول في مقاله، إن الانتخابات في إسطنبول انتهت، وعليه، فإن أهم خطوة الآن في تركيا، هي عملية إنعاش الاقتصاد من جديد وإزالة جو من الركود يهيمن عليه، مضيفا: أن التوترات السياسية بين تركيا والولايات المتحدة يجب أن تنتهي والوصول إلى حلول وسط ومنتصف طريق، لاسيما بعد اللقاء المتوقع عقده نهاية الشهر الجاري بين الرئيسين التركي والأمريكي.
وبحسب الكاتب، فإنه على الرغم من وجود بعض المخاطر السياسية في الأسواق العالمية في الآونة الأخيرة، إلا أنه يوجد مناخ إيجابي في الاقتصاد، مبينا: رغم أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي لم يجر أي تغييرات في قرار سعر الفائدة في الاجتماع الأخير، فمن المحتمل جدا أن يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة في اجتماعه في أواخر يوليو/تموز المقبل.
وفي هذا السياق، يوضح الكاتب، أنه "من المتوقع أن يكون للقرار المحتمل لخفض أسعار الفائدة تأثير إيجابي على جميع الأسواق العالمية، وخاصة في الأسواق الناشئة".
وأشار إلى أن "هناك مبلغا كبيرا للغاية من الأموال يتم تداولها بين دول العالم؛ ولذا، إنها فرصة مهمة لجذب هذه الأموال إلى البلاد بسبب الاتجاه النزولي في أسعار الفائدة، وأسعار الفائدة السلبية في بعض البلدان، وفي هذا الصدد، حان الوقت لتحويل الفرصة إلى ميزة لتلك البلدان التي يمكنها سحب هذه الموارد".
ما هي المخاطر المحتملة؟
على هذا السؤال، وتحت هذا العنوان، قال الكاتب: إن "إحدى المخاطر السياسية المحتملة، هو الحديث عن تصاعد التوتر بين إيران والولايات المتحدة يوميا في مضيق هرمز، وحتى الكلمات الرنانة، والخطوات الملموسة التي تصل إلى نقطة الحرب تنطوي على خطر مهم بالنسبة للاقتصاد وكذلك بالنسبة لأسواق الطاقة العالمية".
وأوضح الكاتب، أن "من المخاطر الأخرى هو التأثير المحتمل للحروب التجارية المستمرة بين الولايات المتحدة والصين على التجارة العالمية، ولقد تسببت الأزمات والقلق بين الولايات المتحدة والصين في العام 2018، بحدوث نوع من التوتر العالمي على التجارة العالمية".
وأردف: "في الواقع، استمرت النزعات الحمائية (سياسة اقتصادية لدعم المنتوج الوطني) في عام 2019، وتقلصت تجارة السلع العالمية بنسبة 2.2 في المئة في الربع الأول من عام 2019؛ وتجدر الإشارة إلى أن البلدان التي شهدت هذا الانكماش في التجارة العالمية شكلت سياسات الاستيراد والتصدير الخاصة بها قبل هذه التطورات".
من ناحية أخرى، شدد الكاتب على ضرورة عدم إغفال، التوترات المستمرة، بين تركيا والولايات المتحدة، ولا ينبغي نسيان التوترات بسبب الصواريخ الروسية "أس-400".
وبناء عليه يضيف الكاتب: يجب أن يكون اللقاء المتوقع عقده على هامش قمة العشرين المزمع انعقادها الشهر الجاري بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترمب والتركي رجب طيب أردوغان، مهمًا لإنهاء هذا التوتر، والوصل إلى حلول وسط بين الطرفين مهم للغاية، بل يجب أن تكون هذه فرصة من الضروري استغلاها لآخر درجة.
وكان وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، أكد، أن أردوغان سيلتقي ترامب على هامش مشاركته في قمة مجموعة العشرين المقررة عقدها في اليابان يومي 28-29 يونيو/حزيران الجاري. وقال جاويش أوغلو، إن أردوغان سيبحث مع نظيره قرار الانسحاب الأمريكي من سوريا، واللجنة المشتركة وإنشاء المنطقة الآمنة، إضافة إلى مناقشة موضوع إدلب والعديد من القضايا.
وينعقد اللقاء المزمع بين أردوغان وترامب، وسط توتر يسود العلاقات التركية الأمريكية، لأسباب عدة أبرزها شراء أنقرة منظومة "أس-400" الروسية التي ترفضها واشنطن، وتهديد الأخيرة بإقصاء تركيا من مشروع تصنيع مقاتلات "أف-35".
وكان تشاووش أوغلو، أكد، أن بلاده اشترت دفاعات صاروخية روسية وتناقش موعد استلامها بغض النظر عن أي عقوبات أمريكية، مضيفا أن الولايات المتحدة تجد نفسها في عزلة وهي تضغط على تركيا أيضا بشأن الطائرة "أف-35".
وأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) في وقت سابق من الشهر الجاري وقف تدريب الطيارين الأتراك على الطائرة المقاتلة "أف-35" في قاعدة جوية أمريكية في ولاية أريزونا بعد أن اشترت تركيا النظم الدفاعية الروسية "أس-400".
الأولوية في الاقتصاد التركي
ولفت الكاتب إلى أنه بعد انتخابات إسطنبول، وخاصة مع الأجواء الإيجابية للأسواق المحلية، وكذلك، انخفاض أسعار الفائدة على جدول أعمال الأسواق العالمية، هناك حاجة إلى تحركات جديدة للاستفادة من هذه الفرص، التي منها التخفيض المنتظر في أسعار الفائدة في بنك الاحتياطي الفيدرالي، وبالتالي احتمالية هبوط سعر الفائدة وذلك بعد ثباتها لمدة عامين تقريبا، وهي فرصة لنزول سعر الفائدة لأقل من 20 بالمئة.
وأبقى البنك المركزي التركي على سعر الفائدة الرئيسي دون تغيير، مؤكدا الحفاظ على تشديد السياسة النقدية بهدف احتواء المخاطر في منحنى التسعير وتعزيز عملية خفض معدلات التضخم. وقرر البنك، الإبقاء على سعر إعادة الشراء لأجل أسبوع عند 24 في المئة بعد أن رفعه بمقدار 11.25 نقطة مئوية خلال العام الماضي.
ورفع البنك المركزي سعر إعادة الشراء المرة الماضية في سبتمبر/أيلول الماضي، لدعم الليرة التركية المنهارة، التي دفعت أزمتها الاقتصاد إلى الركود للمرة الأولى منذ 10 سنوات بعد انكماش بلغ 3 في المئة خلال الربعين الأخيرين من العام الماضي، كما واصل انكماشه 2.6 في المائة على أساس سنوي في الربع الأول من العام الحالي.
وتراجعت الليرة التركية 30 في المائة مقابل الدولار العام الماضي بسبب مخاوف المستثمرين، والتوترات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة التي قادت إلى مزيد من انهيار الليرة العام الماضي.
وأضاف الكاتب: إن "الاستثمار في الاقتصاد التركي، أكبر عائق لزيادة التكلفة المالية، فانخفاض أسعار الفائدة سوف يسهم بشكل كبير في التغيير الإيجابي للعديد من المؤشرات الاقتصادية".
ووفقا لطرح الكاتب، فبالتالي، يعد الاقتراض بأسعار فائدة منخفضة أمرا حيويا في الوصول إلى الموارد المالية، وخاصة في الأسواق العالمية، ويوضح الكاتب: ذلك لأن الفائدة المنخفضة ضرورية لإنهاء انكماش وتباطؤ النمو الاقتصادي بسبب انخفاض عجز الحساب الجاري.
وتابع: "تركيا، في هذه الفترة عليها أن تبذل الجهود من أجل تحسين مساحة الاستثمار على أرضها، وزيادة الجهود لإزالة الحواجز التي تحول دون وصول رأس المال ومقاومة من لا يريد لهذه الأموال الاستثمار في البلاد لأسباب مختلفة".
وأكد الكاتب في ختام مقاله، أن "هذه الجهود ستكون فرصة مهمة للحد من علاوة المخاطرة في البلاد، وتحسين التصنيف الائتماني للبلد، وبالتالي خفض أسعار الفائدة على الاقتراض".