نظام الأسد.. لماذا مثل سقوطه صدمة كبرى لدى "القوميين المصريين"؟

"التيار القومي المصري من أوائل الداعمين لنظام الأسد منذ مهد الثورة السورية"
سقوط الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، بهروبه إلى روسيا ودخول قوات الحكومة الانتقالية إلى دمشق، كان بمثابة زلزال سياسي في المنطقة وصلت ارتداداته سريعا إلى مصر.
وشكل نهاية حكم حزب "البعث" لسوريا بعد 61 عاما، صدمة للقوميين المصريين، تحديدا الذين شنوا حملة سياسية وإعلامية ضد الثورة السورية، وحزنا على انهيار النظام.
غاية الغرابة
السياسي المصري حمدين صباحي، كان من أوائل المعلقين على سقوط نظام الأسد، وقال في تدوينة عبر منصة "إكس" في 8 ديسمبر: "آه يا سوريا الحبيبة.. الطعنة غائرة في قلب العروبة.. لكن العروبة لن تموت".
وصباحي من وجوه التيار القومي، حيث ترأس سابقا حزب الكرامة الناصري، ثم دشن عام 2012 التيار الشعبي (ينتمي إلى التوجه القومي) الذي دخل به المنافسة في الانتخابات الرئاسية آنذاك.
كذلك يشغل حمدين حاليا منصب أمين عام المؤتمر القومي العربي، وعرف عنه دعمه الكامل للأسد، ووصل الأمر إلى أن زار دمشق مطلع أغسطس/ آب 2023، التقى فيها بالمخلوع.
وكان اللقاء مع رموز قومية عربية أخرى، وتم تحت عنوان "مع سوريا في وجه الحصار والعدوان والاحتلال"، وقد أثارت زيارة حمدين إلى الأسد حالة غضب في الأوساط الشعبية والسياسية المصرية.
أما وزير القوى العاملة السابق (في أول وزارة تشكلت عقب الانقلاب العسكري في مصر عام 2013) والقيادي القومي كمال أبو عيطة، فرأى أن سقوط سوريا ودمشق بهذه السهولة دون مواجهة رسمية أو شعبية "في غاية الغرابة".
وفي كلمته خلال ندوة عقدها الحزب الناصري تحت عنوان "سوريا ومشروع تقسيم الوطن العربي"، قال أبو عيطة إنه "مندهش من عدم وجود أي رد فعل مصري على سقوط سوريا".
كما هاجم الإعلامي المصري والنائب بالبرلمان مصطفى بكري، الحكومة الانتقالية السورية بقوة واتهمها أنها مدعومة من أميركا وإسرائيل.
وقال بكري المحسوب على نظام السيسي والتيار القومي في آن واحد، عبر “إكس” في 8 ديسمبر إن "الأسد غادر دمشق إلى جهة غير معلومة، الإرهابيون سيطروا على دمشق، الآن بدأت الفوضى في سوريا، ومنها إلى بقية العالم العربي".
وأكمل: "انتظروا أبو محمد الجولاني.. انتظروا الانتقام وبوادر الحرب الأهلية.. انتظروا هيمنة الصهاينة والمتصهينين علي القرار السوري.. لا تسعدوا كثيرا بسقوط بشار".
دعم قديم
وكان التيار القومي المصري من أوائل الداعمين لنظام بشار منذ مهد الثورة السورية، وفي 13 فبراير/ شباط 2013، زار وفد منهم، برئاسة أمين عام الحزب الناصري، أحمد حسن، الأسد، في دمشق.
وذلك في وقت كان يقوم فيه النظام السوري بمجازر مروعة ضد شعبه، لقمع الثورة ومطالب الإصلاح والحرية.
وفي تلك الزيارة أعلن رئيس حركة اليسار المصري، إبراهيم بدراوي، مساندته لنظام الأسد في مواجهة ما وصفه بـ"الحرب الهمجية الشرسة التي تتعرض لها سوريا".
المثير أن مصر كان يقودها في تلك الفترة الرئيس المدني المنتخب محمد مرسي، الذي وجه دعمه الكامل لسوريا، وقال في خطاب شهير له في يونيو/ حزيران 2023، قبل أيام قليلة من انقلاب السيسي عليه، "لبيك يا سوريا".
وقتها واجه مرسي معارضة شرسة من القوميين والناصريين، حتى إن الأمين العام للحزب الناصري، أحمد حسن، علق على تصريحات مرسي أمام قمة "عدم الانحياز" التي قال فيها: "إن نظام بشار الأسد فقد شرعيته"، لافتا إلى أن تصريحات رئيس مصر تمثل دعوة للتدخل الأجنبي في الشأن السوري.
بينما كان الرئيس الراحل يسعى إلى وقف نزيف الدم الذي استمر لسنوات بعد ذلك، ووثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها عن العام 2023، مقتل 230 ألفا و224 مدنيا سوريا بينهم 15272 قتلوا تحت التعذيب.
بالإضافة إلى اختفاء واعتقال 154 ألفا و816 شخصا، وتشريد قرابة 14 مليون سوري، كضحايا لقمع الثورة على يد الأسد ونظامه.
إرسال مقاتلين
ولم تكتف التيارات القومية المصرية بدعم الأسد قولا بل بالفعل والقتال أيضا، وكانت فرضية وجود مقاتلين مصريين بجوار بشار، قد أكدها المسؤول السياسي للحرس القومي العربي، باسل الخراط، المتورط في تجنيد آلاف المقاتلين العرب الذين حاربوا إلى جوار جيش النظام السوري في حواره مع صحيفة "الوطن" المصرية في 26 يناير/ كانون الثاني 2017.
وقال الخراط إنهم "قاموا بتشكيل معسكر تدريب خاص، مكون من كتيبتين من الشباب وصل تعدادهم في البداية إلى 330 كانوا من مختلف الجنسيات، منهم مصريون وفلسطينيون وتونسيون ولبنانيون ويمنيون وأردنيون وسعوديون".
وتابع: "بدأت مرحلة التدريب العسكري الشاقة، ببساطة فنحن مقاتلون عرب إلى جوار الجيش السوري".
ومما ذكره مسؤول الحرس القومي العربي، أنه "وصل عدد مقاتلينا إلى 1500، واستشهد منا نحو 52، وكان أول شهيد (بحسب وصفه) مصريا كنيته (أبو بكر المصري)، وقد اختار هذه الكنية لتقابل كنية أبوبكر البغدادي".
وتأسست مليشيا الحرس القومي العربي، أواخر عام 2012 بقيادة اللبناني أسعد حمود المعروف باسم الحاج ذو الفقار العاملي، وهو ابن حيدر العاملي (قيادي قومي لبناني)، وضمت تحت رايتها شبابا ينتمون للتيار القومي والناصري من دول عربية، منها تونس والجزائر ومصر والأردن ولبنان وفلسطين والعراق.
وفي 21 ديسمبر 2020، نشرت صحيفة "الاستقلال" تقريرا بعنوان "أجندات خارجية على حساب تونس.. ماذا تخبئ حقيبة التيار القومي؟" حيث كشف عن وجود كتيبة ضمن الحرس القومي العربي تحمل اسم "الشهيد محمد البراهمي" والتي تقاتل في سوريا منذ العام 2013 إلى جانب قوات بشار.
وأكد "وجود مقاتلين مصريين وتونسيين ضمن الكتيبة، وأن محمد العماري الملقب بـ (الجنرال) هو تونسي الجنسية، ويعد أحد أبرز قيادات مليشيا الحرس القومي، الذين يقاتلون في سوريا".
ورغم أن هذه المجموعات القومية التي تسافر إلى سوريا خارج نطاق القوات المسلحة المصرية، لكن نظام السيسي يغض الطرف عنها مثلما يسمح للتيارات الناصرية بتنظيم فعاليات مساندة لنظام الأسد، وبعضهم ينظم زيارات لدمشق ومظاهرات تأييد.
سياسة غض الطرف التي يتبناها نظام السيسي تجاه هذه المجموعات شجعت العديد من الشباب المنتمين للتيار القومي بالانخراط في القتال ضمن قوات الحرس القومي العربي في سوريا، مع غيرهم من سائر الجنسيات مثل مصر وتونس والجزائر وفلسطين وغيرهم.
عداء الإسلاميين
وقال الباحث السياسي المصري أحمد راغب، إن "من محاسن الثورة السورية أنها كشفت طبيعة كثير من الأجندات والتوجهات في منطقتنا العربية، والتي ظلت لعقود تتشدق بالمقاومة والممانعة، ثم اتضح أنها لا تقاوم إلا الشعوب ولا تمنع إلا حق الشعب في الحياة الكريمة والكرامة".
وأضاف راغب لـ"الاستقلال" أن "الثورة كشفت مدى الارتباط القوي بين القومية العربية وحزب البعث السوري بقيادة آل الأسد، وكان التيار القومي يتشدق بشعارات العروبة والاستقلال، رغم أن الأسد فتح أبواب بلاده منذ زمن للمليشيات الإيرانية والحرس الثوري، إلى أن وصل به الحال أن سلمها لروسيا التي لجأ إليها في النهاية بعد أن قتل شعبه وأحرق وطنه".
وعن سبب دعم التيارات القومية المصرية لحزب البعث والأسد على حساب سوريا قال: "لا يغفل وجود خلافات تاريخية بين الطرفين قامت على أساس تعارض بعض المصالح، تحديدا خلال فترة الوحدة الفاشلة بين مصر وسوريا (1958-1961)، ومع ذلك فإن التواصل لم ينقطع، لأن التيار القومي المصري يعد بشار الأسد المتبقي الوحيد من حقبة عبد الناصر، وأحلامه المجهضة".
لكن راغب أرجع الدعم القوي والمطلق بين القوميين المصريين ونظام البعث "المجرم" على حد وصفه إلى بعد آخر يتعلق باتفاق كليهما على “عداء الإسلاميين، والخوف من وصول الإسلاميين إلى السلطة بصفتهم العدو الأكبر ونموذج التأخر والرجعية كما في أدبيات الناصرية، وأطروحات البعثيين”.
وأضاف: "لا ننسى أن القومية العربية ولدت بالشام أساسا لمواجهة الخلافة العثمانية والعمل على إسقاطها، وهو ما أكده القومي العربي جورج أنطونيوس في كتابه (يقظة العرب) بأن أفكار القومية ظهرت على يد طلاب من (الكلية البروتستانتية السورية) ومنها وصلت إلى مصر وتونس".
وتابع: “أنها عملت على الانفصال عن الخلافة العثمانية تحديدا في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، وصولا إلى منع الاتحاد تحت إطار إسلامي”.
واستطرد راغب: "لذلك فإن البعث في سوريا أو القوميين في مصر هما امتداد لتلك الحالة المتطرفة التي أغرقت المنطقة لسنوات طويلة في وحل تلك الأفكار، التي دفعت الشعوب ثمنها، وكذلك الدول التي رأينا كيف وصلت إلى حالة من الضعف والتفكك والانهزام غير مسبوقة".