تشجع العرب على عدم دعمها.. لماذا تحارب الإمارات السلطة الفلسطينية؟

حسن عبود | 5 months ago

12

طباعة

مشاركة

"علي بابا والأربعين حرامي"، وصف أطلقه وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد على السلطة الفلسطينية، فتح باب التساؤلات المتكررة عن أسباب عدم رضا أبوظبي عن القيادة في رام الله.

وبدأ التوتر بين السلطة الفلسطينية والإمارات بالتصاعد خلال السنوات الأخيرة وخاصة بعد تطبيع الدولة الخليجية مع إسرائيل، لكن يبدو أن فصوله لم تنته واستمرت حتى خلال العدوان على قطاع غزة.

فقد شكل العدوان حلقة جديدة من اتهام الإمارات للسلطة بقيادة محمود عباس بالفساد وسوء الإدارة وعدم القدرة على حكم قطاع غزة.

المشادة الأخيرة

وبحسب ما روى موقع "أكسيوس" الأميركي في 6 يونيو/حزيران 2024 نقلا عن 5 مصادر مطلعة، عقد اجتماع في 29 أبريل/نيسان من نفس العام، بين وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، ونظرائه في السعودية ومصر والأردن وقطر والكويت والإمارات، لكنه خرج عن مساره.

وإضافة إلى هؤلاء، حضر الاجتماع الذي عُقد في العاصمة السعودية الرياض على هامش اجتماع المنتدى الاقتصادي العالمي، حسين الشيخ، أمين سر حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح والذراع اليمنى والخليفة المحتمل للرئيس محمود عباس.

ووفقا للموقع الأميركي، كان الهدف من الاجتماع هو مناقشة إستراتيجية مشتركة لمرحلة ما بعد الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، حيث تنادي أطراف بدور للسلطة الفلسطينية هناك، بينما يتبنى آخرون ومن بينهم الإمارات وجهة نظر مختلفة.

وأشار إلى أنه وبحسب المصادر، قال الشيخ خلال اللقاء إن السلطة الفلسطينية تجري إصلاحات وأنشأت حكومة جديدة بناء على طلب الولايات المتحدة والدول العربية، لكنها لا تحصل على الدعم السياسي والمالي الكافي.

وقالت المصادر إنه مع قرب نهاية الاجتماع، رد عبد الله بن زايد، وقال إنه لم ير أي إصلاح مهم داخل السلطة الفلسطينية.

وبحسب ما قاله مصدران للموقع، فقد أطلق وزير الخارجية الإماراتي آنذاك على القيادة الفلسطينية وصف "علي بابا والأربعين حرامياً".

كما زعم أن كبار المسؤولين في السلطة الفلسطينية "عديمو الفائدة"، وبالتالي "استبدالهم ببعضهم بعضا لن يؤدي إلا إلى النتيجة نفسها".

وتساءل “لماذا تقدم الإمارات المساعدة للسلطة الفلسطينية دون إجراء إصلاحات حقيقية؟”.

ونقل الموقع عن المصادر قولها إن الشيخ رد على وزير الخارجية الإماراتي بأن “السلطة لن تسمح لأحد أن يُملي عليها كيفية إجراء إصلاحاتها”.

وبحسب المصادر، حاول وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان آل سعود، تهدئة الخلاف الساخن، وقال إن الإصلاحات تستغرق وقتا.

لكن الموقع أوضح أن الاجتماع كان قد خرج عن نطاق السيطرة بالفعل، حيث صرخ الجانبان على بعضهما بعضا، وغادر الوزير الإماراتي الغرفة غاضبًا.

وذكر أن وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، غادر الاجتماع وعاد بعد عدة دقائق برفقة نظيره الإماراتي الذي اعتذر بعد ذلك لبلينكن عما حدث.

وأكد مسؤول إماراتي لـ"أكسيوس" تصريحات وزير الخارجية، وقال إنه "إذا أولت السلطة الفلسطينية اهتماما كبيرا بشعبها كما تفعل بالتنسيق الأمني ​​مع إسرائيل فإن الفلسطينيين سيكونون في وضع أفضل بكثير".

صورة مكبرة

وازدادت حالة عدم الثقة المتبادلة بين الإمارات والسلطة الفلسطينية في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.

ودعمت الإمارات مطلع عام 2020 خطة ترامب المعروفة باسم صفقة القرن والتي هدف من خلالها إلى تصفية وإنهاء القضية الفلسطينية.

وأعلن ترامب وقتها بنود "صفقة القرن" التي تنص على تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بناء على صيغة حل الدولتين مع بقاء القدس عاصمة "موحدة" لإسرائيل، إضافة إلى سيادة إسرائيل على غور الأردن والمستوطنات في الضفة الغربية.

وفي أغسطس/آب 2020، رأى أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الراحل، صائب عريقات، أن الإمارات أول دولة تقر بصفقة القرن الأميركية المزعومة.

وقال عريقات في بيان صحفي، آنذاك إن "الإمارات كافأت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على جرائم الحرب التي يرتكبها بحق أبناء الشعب الفلسطيني، مقابل ورقة تين عنوانها تجميد مؤقت لعملية ضم الأراضي الفلسطينية، فيما أكد الأخير أنه سيستمر بخططه، ولن يتخلى عنها".

وفي نفس العام، طبعت أبوظبي العلاقات مع تل أبيب في خطوة عدتها الرئاسة الفلسطينية، عبر بيان، "خيانة من الإمارات للقدس والأقصى والقضية الفلسطينية"، وتبعها سحب سفير السلطة من أبوظبي. 

وقال عريقات في مقابلة مع قناة الجزيرة القطرية في نفس الشهر: "الإمارات قطعت علاقتها معنا منذ 2014، وفوجئنا باتفاق التطبيع مع إسرائيل الذي لا نعرف ما مصلحة أبوظبي به".

ومما عكس حجم الغضب في تلك السنة، رفض السلطة الفلسطينية تسلم شحنات مساعدات لمواجهة فيروس كورونا، كانت قد أوصلتها طائرات إماراتية إلى دولة الاحتلال.

ولكن عموما، بدأ التوتر بين الجانبين قبل ذلك بسبب استضافة الإمارات محمد دحلان العضو المفصول من حركة فتح ومستشار الرئيس الإماراتي محمد بن زايد.

ويعد دحلان المنافس الرئيس لعباس الذي طرده من الحركة بسبب شبهات فساد، وهو ما يزيد الشكوك الفلسطينية الرسمية على الدوام تجاه تحركات الإمارات.

وبعد التطبيع، قالت تقارير عربية وإسرائيلية إن الاتفاق يضمن عودة دحلان مجددا إلى السلطة الفلسطينية، حيث يتمتع مستشار ابن زايد بدعم قوي لدى شريحة من حركة فتح بغزة وكذلك في مخيمات اللاجئين بالضفة الغربية.

المطالبة بإصلاحات

وإضافة إلى ذلك، دفع الإماراتيون أخيرا من أجل تعيين سلام فياض رئيس الوزراء الفلسطيني الأسبق في نفس المنصب كونه يعد أحد منتقدي عباس.

وأكد موقع أكسيوس أنه “قبل تعيين رئيس الوزراء الفلسطيني الجديد محمد مصطفى (في مارس/آذار 2024)، مارس الإماراتيون ضغوطًا على إدارة بايدن ضده بدعوى أنه أحد المقربين من عباس”.

ويرى أن الخلاف الساخن الأخير يعكس الشكوك حول الإصلاحات التي تخطط لها السلطة الفلسطينية والخلافات بين القادة العرب، وكلاهما يمكن أن يشكل تحديًا لجهود إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، لصياغة إستراتيجية ما بعد الحرب لغزة.

وأكثر من ذلك، جرى خلال القمة العربية الأخيرة بالبحرين في مايو/أيار 2024، تعديل القرارات المتعلقة بالدعم المالي لموازنة السلطة الفلسطينية، بناء على تحفظ شديد اللهجة أبدته دولة الإمارات.

ونقلت صحيفة المدن اللبنانية عن مسؤول فلسطيني في 17 مايو، أن التوتر حدث بعد مساع إماراتية لتغيير نص قرار القمة العربية الخاص بتقديم "شبكة أمان مالية للسلطة"، حيث قدمت أبو ظبي تحفظا عنوانه أن دعم الأخيرة "يجب أن يكون مشروطاً بحكومة نزيهة وشفافة".

هذا التحفظ أغضب السلطة التي قدمت مذكرة أدانت فيها ما وصفتها بتدخل الإمارات بالشأن الداخلي الفلسطيني، وعدم "احترامها السيادة الفلسطينية"، ثم تدخلت مصر والأردن والمغرب والسعودية لوقف المناكفة.

وانتهى الأمر بسحب السلطة مذكرة الإدانة للإمارات، وسحب الأخيرة تحفظها بعد تراشق إعلامي ولئلا يحوي البيان النهائي للقمة “اتهامات متبادلة غير لائقة”.

ولذلك، قال المسؤول الفلسطيني: إن قرار القمة العربية بشأن "شبكة الأمان العربية" الخاصة بدعم موازنة السلطة الفلسطينية، جاء في صيغة غير ملزمة، وذلك بعد خضوعه للتعديل على إثر موقف الإمارات المتحفظ.

وعلق بالقول: "لا أحد يجبر أبو ظبي على تقديم مساعدات لنا، لكن لماذا الإساءة لنا؟، ولماذا التناغم مع موقف أميركا التي تضغط علينا بحجة الإصلاحات وتغيير جوهر السلطة؟".

وتابع المصدر أن موقف الإمارات جاء في وقت لدى الحكومة الإسرائيلية قرار سياسي بتصفية السلطة الفلسطينية، ويرى أن أي "تضييق للخناق المالي على السلطة يقدم خدمة لإسرائيل"، وفق قوله.

ماذا تريد؟

وعما تريده الإمارات من هذه المواقف تجاه السلطة، يقول المحلل السياسي ناصر الصوير إن الدولة الخليجية “لديها مشروع سياسي اقتصادي في المنطقة فهي تتدخل بشكل مباشر في أكثر من دولة عربية وشرق أوسطية مثل السودان وفلسطين وحتى وصل الأمر إلى تركيا”.

وأضاف لـ"الاستقلال": “لدى الإمارات مشروع متكامل في أراضي السلطة قائم على إنهاء حكم الرئيس محمود عباس وإحلال محمد دحلان مكانه وإعادته للأراضي الفلسطيني”.

ولفت إلى أن الإمارات تناصب السلطة الفلسطينية العداء عبر احتضان دحلان وتياره المنفصل عن حركة فتح وتجهزهم من أجل تولي الحكم.

و"لذلك نجدها تعمل جاهدة لإجهاض كل محاولات السلطة للنهوض وإفشالها في كل المجالات وتأليب الدول الأخرى عليها وإجهاض أي أفكار لدعمها"، وفق تقدير الصوير.

وفي خضم العدوان على غزة، ظهر دحلان فجأة في مقابلة أجرتها معه في أبوظبي صحيفة إيكونوميست البريطانية وهو يعرض "خطته" لما بعد الحرب.

ورد دحلان على الشائعات التي تقول إنه الاختيار الإسرائيلي لإدارة غزة، رافضا الفكرة ومؤكدا أنه سيكون الشخص الذي سيأتي “لتنظيف الفوضى بعد نهاية الحرب”.

وقدم مؤهلاته للقيادة، مدعيا أنه يعرف غزة جيدا وقضى 40 عاما يقاتل من أجل القضية الفلسطينية، زاعما أنه يعرف الإسرائيليين أيضا.

وأصبح دحلان مستشارا مقربا لمحمد بن زايد، وزعم أنه أدخل 50 مليون دولار في العام من الإمارات إلى غزة، كما بنى شبكة دعم له في مخيمات اللاجئين بالضفة الغربية.

وفي مقابلة أخرى مع صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية في 14 فبراير/شباط 2024، أطلق دحلان شعار “لا عباس ولا حماس” وهو يتحدث عن مرحلة ما بعد الحرب.

دحلان كشف أيضا عن "خطة عربية" بشأن مرحلة ما بعد الحرب في الضفة الغربية وغزة معا، وقالت "نيويورك تايمز" إن "القادة العرب يناقشون تفاصيلها سرا" مع أميركا.

وزعم أن “الخطوط العريضة للخطة العربية ستقوم بموجبها إسرائيل وحماس بتسليم السلطة إلى زعيم فلسطيني جديد ومستقل يمكنه إعادة بناء غزة تحت حماية قوة حفظ سلام عربية”، دون أن يحدده.

وتشير المقابلة، التي أجرتها صحيفة "نيويورك تايمز" مع دحلان من مقر إقامته في الإمارات، إلى الدور الذي قد يلعبه في أي مستقبل للقطاع الذي تحكمه حركة حماس، خاصة أنه كان المسؤول عن الأمن الوقائي (الاستخبارات) في غزة قبل هروبه منها.

ويحظى دحلان بدعم من الإمارات، كما يعول على مساندة مصر له، بحكم علاقاته الوثيقة مع رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، ليحكم غزة التي كان يديرها بالفعل بالحديد والنار قبل انتخابات 2006 وسيطرة حماس عليها عام 2007.

وبشكل عام، يؤكد الصوير لـ"الاستقلال" أن “دور الإمارات السياسي خلال العدوان، أقل ما نقول أنه غريب ومستهجن ولا يستطيع العقل أن يتصوره”.

وأردف: “فقد تحالفت مع إسرائيل وقدمت لها تسهيلات وسيرت قوافل البضائع عبر الخط البري الجديد، بعد الجهد الحوثي لمنع وصول السفن إلى الكيان عبر البحر الأحمر”.

وختم بالقول: “هذا كله يؤكد أن هذه الدولة بمنأى عن الموقف العربي حتى الضعيف أصلا، لكن أصبحت تناصبه العداء وباتت حليفة لأعداء الفلسطينيين والأمة العربية برمتها”.

وبدوره، يتفق المحلل السياسي إبراهيم المدهون مع سابقه بالقول إن “الإمارات على خلاف مع السلطة برئاسة عباس وترى أنه يجب استبداله وغير راضية عن أداءها السياسي”، مؤكدا أنها “تميل لمحمد دحلان”.

ويؤكد في حديث لـ"الاستقلال" أن مواقف الإمارات تنبع من رؤيتها لغياب السلطة الفلسطينية في كثير من الملفات “مما ينعكس على خطواتها العملية وسياستها تجاهها”.

ولا يعتقد المدهون أن الإمارات معنية باليوم التالي للحرب على غزة حاليا، لكنه يرى أن علاقة دحلان بها قد يعطيها مستقبلا دور سياسي أكبر إلى جانب جهودها الإغاثية تجاه الشعب الفلسطيني، وفق تقديره.