المجلس العسكري السوري.. ما الدافع وراء إحياء فكرته بعد دفنها لسنوات؟

مصعب المجبل | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

لا تزال فكرة إنشاء المجلس العسكري السوري الانتقالي حبيسة المناقشات بين فئة من الضباط المنشقين عن النظام السوري، وإن كان للفكرة وجاهتها في أوساط المعارضة، إلا أنها تواجه عقبات داخلية ودولية.

يسعى هؤلاء بشكل منفرد ودون أي صيغة رسمية أو تبن دولي لمشروعهم، لبلورة فكرة المجلس وتقليل العقبات التي تواجه ولادة المجلس لاقتناعهم بأن الحل سيكون سياسيا في سوريا وليس عسكريا.

تشكيل مجلس عسكري مشترك بين ضباط منشقين وضباط من الجيش النظامي السوري لم تتلطخ أيديهم بدماء السوريين، طرحت عام 2016 كخطوة تستبق هيئة الحكم الانتقالي الواردة ببيان "جنيف 1" عام 2012.

الاتجاه آنذاك كان يبحث عن تشكيل المجلس العسكري ليتسلم زمام الحكم في سوريا، ويشرف على عملية الانتقال السياسي كقوة عسكرية وأمنية؛ نتيجة تضاؤل فرصة تشكيل هيئة الحكم الانتقالية.

وكان الهدف أيضا التمهيد عبر هذا المجلس لخروج القوات الأجنبية والمليشيات من سوريا.

ما يجعل فكرة المجلس العسكري في حالة انتعاش، هو مواصلة كتل محددة من الضباط المنشقين عن النظام السوري في الداخل والخارج البحث نظريا بمشروع المجلس.

مناف طلاس

شبكة "الشرق نيوز" المعارضة أكدت أن اجتماعات عقدت لعدة أيام بين الضباط العسكريين المنشقين عن نظام بشار الأسد بحضور العميد الركن مناف طلاس، بجانب شخصيات سياسية في العاصمة الفرنسية باريس، وانتهت 9 أغسطس/ آب 2021.

رئيس هيئة أركان الجيش الحر سابقا العميد الركن عبد الإله البشير، إضافة لعدد من الضباط السوريين الموجودون في الداخل السوري شاركوا من خلال تقنيات الفيديو عبر الإنترنت.

اللقاء تناول وفق الشبكة عدة مسائل وعلى رأسها "تطورات الأوضاع السورية والعوائق التي ما زالت تقف في وجه الحل في سوريا".

كما تناول الاجتماع "فكرة ومشروع المجلس العسكري وضروراته الحتمية لأجل إنجاح الحل في سوريا، إلى جانب المجلس السياسي والقضائي وغيرهما من مجالس المرحلة الانتقالية".

وطالما أكد الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية أن تأسيس مجلس عسكري مشترك في سوريا، شأن مرتبط بالمرحلة الانتقالية وتأسيس هيئة الحكم الانتقالي التي لا دور لبشار الأسد فيها.

وذلك بحسب ما قرره بيان "جنيف 1"، والقرارات الدولية ذات الصلة.

مسألة عودة مناف طلاس حاكما عسكريا لسوريا يلفها كثير من التعقيدات، إذ تحتاج لإجماع الفاعلين الأساسيين في الملف السوري، وقبول المعارضة السورية الرسمية به كجزء منها.

وذلك لكون طلاس لم ينخرط ضمن المعارضة طوال فترة انشقاقه، وفق مراقبين.

لم يصدر تعليق من مناف طلاس بشأن المجلس العسكري رغم الضجيج الإعلامي الذي أحدثته شخصيات سورية معارضة بارزة التقى بعضها أكثر من مرة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في موسكو.

روسيا من جانبها نفت حدوث أي مناقشات بشأن المجلس العسكري الذي يروج له.

مبعوث بوتين إلى سوريا ألكسندر لافرنتيف أكد في تصريحات صحفية فبراير/ شباط 2021 أن هذا الحديث "تضليل متعمد يهدف لنسف المحادثات والعملية السياسية السورية".

مناف طلاس، هو نجل وزير الدفاع السوري الأسبق مصطفى طلاس، والمقرب من الرئيس حافظ الأسد، خرج من سوريا في 5 يوليو/ تموز 2012.

كان ذلك في عملية أمنية معقدة بمساعدة الاستخبارات الفرنسية، وفق تأكيد طلاس، الذي استقر في باريس.

ولد مناف في مدينة الرستن شمال حمص عام 1964، وتخرج من المدرسة الحربية في حمص، وكان قائدا لـ"اللواء 104" في الحرس الجمهوري المكلف بحماية بشار الأسد قبل مغادرة سوريا وفراره إلى تركيا ومنها إلى فرنسا.

وشكل انشقاق طلاس أهمية كبيرة لقربه الشخصي من بشار وعلاقاته المتداخلة والقوية مع تجار الطائفة السنية ومع الضباط العلويين، فضلا عن كونه خازن أسرار أبيه العسكرية.

منذ بداية انشقاق طلاس عن النظام السوري اتبع تكتيكا خاصا، إذ رفض الظهور الإعلامي المتكرر، ولم ينخرط في جسد المعارضة السورية.

اختار لنفسه كما قال في تصريحات صحفية أن "يكون طرفا وفاقيا"، ما يمنحه مساحة مستقلة يتواصل فيها مع المعارضة ومع من وصفهم بـ"الشرفاء داخل النظام".

بدون صيغة رسمية

مصدر مقرب من الاجتماع يقول: إن "مشروع المجلس العسكري الوطني انطلق منذ شهور بدعوة من العميد طلال فرزات، وما طرحه أعضاء المجلس الذي انضم إليه أكثر من 2000 ضابط وعسكري، كان لافتا".

ويبين المصدر لـ"الاستقلال" أن "الطروحات كانت مدروسة ومهنية إذ جرى تعريف دور الجيش في المرحلة الانتقالية وبعد الاستقرار، والتأكيد على أن مشروعهم ضمن إطار الحل السياسي والقرارات الدولية وهيئة الحكم الانتقالية".

المصدر، يلمح إلى أن لقاء باريس الجديد يندرج في إطار "الزيارات العادية التي يقوم بها الضباط للجنرال مناف طلاس وليس لها أي صيغة رسمية".

ويؤكد أيضا أن اللقاء "يأتي ضمن الإعدادات التي يقوم بها الضباط لبلورة فكرة المجلس والمشاورات التي تجري دوما بينهم بخصوصه". 

ويذهب للقول: إن "كان ثمة رسالة يريدها المجلس بهذا التوقيت فهي أن الضباط يعملون وجاهزون للانخراط في أي حل قادم لسوريا وأنهم موجودون وأنه لا بديل عنهم في حل سوري ضمن اختصاصهم ودورهم".

"وربما الرسالة الأهم موجهة إلى روسيا المتوترة من تصرفات الأسد الحمقاء، إذ توالت صيحات المقربين من روسيا بعد يقين موسكو بأنها لن تستطيع تعويم الأسد ونظامه"، وفق المصدر.

ويوضح أنه "وبالتالي إذا أرادت روسيا تحقيق أية نتائج في سوريا يجب السير في الحل وفق قرار مجلس الأمن (2245) للتخلص من قانون قيصر".

القرار الصادر 18 ديسمبر/ كانون الأول 2015، يمهد لخارطة الحل السياسي في سوريا، عبر 4 نقاط هي: "الحكم الانتقالي، والدستور، والانتخابات، ومكافحة الإرهاب".

لاحقا اقترح المبعوث الأممي السابق لسوريا ستيفان دي ميستورا في وثيقة له تنفيذ "بيان جنيف 1" لتشكيل ثلاثة أقسام، هي: "هيئة انتقالية، ومجلس عسكري مشترك، ومؤتمر وطني".

وقال في الوثيقة: "منذ لحظة إنشاء الهيئة الانتقالية، تتمتع بسلطة مطلقة بكل الشؤون العسكرية والأمنية، وتشرف على المجلس العسكري".

من هنا بدأ العسكريون السوريون مرحلة العصف الذهني لبناء مجلس عسكري سوري وبحث ما يواجهه من تحديات وعوائق.

وذلك أملا منهم في أن يأتي اليوم الذي يصبح الحل في سوريا ضرورة حتمية ويجري إضفاء الطابع المؤسساتي عليه.

عقبات وتحديات

الخبير العسكري السوري العميد عبدالله الأسعد يضع يده على أبرز العقبات التي تواجه المجلس العسكري الانتقالي.

ويقول لـ"الاستقلال": أهمها "المليشيات المندمجة ضمن ما كان يسمى الجيش العربي السوري"، معتبرا أنها "أخطر أنواع الضغط على الجيش الذي طعم بعناصر إيرانية وأفغانية وعراقية ولبنانية".

ويرى العميد أن أهمية تشكيل المجلس العسكري الانتقالي تنبع من ضرورة "تفكيك المليشيات وإخراجها خارج الجيش الذي يجب تحويله لوطني، بعد أن أصبح خاصا بحماية الأسد".

الخبير العسكري يعتبر أن الاجتماع "دوري للتشاور بين طلاس والضباط لترتيب تشكيل المجلس العسكري، وتذليل العقبات المحتملة من النظام الذي لن يقبل بالمجلس والذي يعني تنحية الأسد".

ويؤكد أن "المجلس العسكري الانتقالي في سوريا مشروع مطروح قديما ومن يتحدث عنه هي فرنسا نظرا للعلاقة الوثيقة بين العميد مناف طلاس وباريس".

ويشير إلى أنه "لا يمكن تشكيل مجلس عسكري حاليا دون هيئة حكم انتقالي جديدة يكون أحد أعمدتها الأساسية تشكيل مجلس عسكري".

ومهما كانت درجة قبول وتأييد الضباط لفكرة المجلس العسكري السوري من وراء الكواليس، يبقى مصيره معلقا بمدى حدوث التوافقات الدولية لخروجه للنور.

وهذا ما أكد عليه الخبير العسكري عبدالله الأسعد، ويقول: إن "فرنسا لا تستطيع وحدها عمل شيء دون إجماع دولي على تشكيل هذا المجلس، ودخوله للداخل السوري وإعطائه صلاحيات كبيرة".

ويستدرك: "لكن المجتمع الدولي مشلول بالفيتو الروسي والصيني، وبالتالي فإن تشكيل المجلس العسكري ضرورة حتمية لكن بعد صدور قرار تحت الفصل السابع في مجلس الأمن".

فكرة إنشاء مجلس عسكري انتقالي في سوريا تؤيده كيانات معارضة للحفاظ على الأمن ومنع الفوضى خلال فترة الانتقال السياسي عبر هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية.

إلا أنه لا إجماع واضح على من سيقود المجلس ومن هم الضباط المشكلون له، وهذا ما يلفت إليه الصحفي السوري فراس علاوي.

يؤكد أنه "رغم وجود كتل مؤيدة لمشروع المجلس العسكري بالداخل السوري وفي تركيا إلا أن هؤلاء لا يعتبرون أنفسهم بديلا عن أي تكتل سياسي آخر، وأنهم جزء مكمل حسب القرار 2254".

علاوي يقول لـ"الاستقلال": إن "الاجتماعات التي تدور في فرنسا بين مناف طلاس والضباط تبعث برسائل بأن الوقت حان لتطبيق القرار (2254) الذي يحتاج لقوة عسكرية وبرية وأمنية".