بعد فوز تبون بولاية ثانية.. ما مستقبل العلاقات بين تركيا والجزائر؟
"إعادة انتخاب تبون تعد تمهيدا لمستقبل التعاون الإستراتيجي والعلاقات بين تركيا والجزائر"
إعادة انتخاب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لولاية ثانية، فتح الباب عن مصراعيه للحديث عن تأثير ذلك على العلاقات التركية الجزائرية وفرص التعاون والتحديات.
وفي 8 سبتمبر/ أيلول 2024، أعلنت اللجنة المستقلة للانتخابات في الجزائر، فوز تبون بالسباق الرئاسي محققا نسبة 94.65 بالمئة من الأصوات.
تعاون إستراتيجي
ونشر مركز "أورسام" التركي مقالا للكاتب، كان ديفيجي أوغلو، قال فيه إن "إعادة انتخاب تبون بنسبة 94.65 بالمئة في انتخابات رئاسة الجمهورية، هي نتيجة تعزز موقفه كزعيم في السياسة الداخلية وقوته في السياسة الدولية".
وأشار الكاتب التركي إلى أن "إعادة انتخاب تبون يعد تمهيدا لمستقبل التعاون الإستراتيجي والعلاقات بين تركيا والجزائر".
وتابع: “رغم أن العلاقات بين تركيا والجزائر تمتد تاريخيا حتى فترة الدولة العثمانية، إلا أن هذه الروابط أصبحت في الوقت الحاضر أعمق وأكثر إستراتيجية في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية والثقافية”.
وشدد ديفيجي أوغلو على أن "إعادة انتخاب تبون تقدّم فرصا جديدة للاستثمارات التركية في الجزائر ولنشاط الشركات التركية، وذلك نظرا للأولوية التي توليها إدارة تبون لمشاريع الطاقة والبنية التحتية".
واستطرد: "بالأخص، فإن التعاون في مجال البنية التحتية والموارد الطبيعية يشكل أساس العلاقات الاقتصادية بين البلدين، بينما تشكل قضايا الأمن مثل صناعة الدفاع ونقل التكنولوجيا ومكافحة الإرهاب عناصر أخرى حاسمة للتعاون".
ورأى أن “الفترة الثانية لتبون قد تكون فترة تَتَعزّز فيها السياسات المتعددة الأوجه التي تتبعها تركيا في إفريقيا، وهذا قد يسهم في رفع العلاقات التركية الجزائرية إلى مستوى شراكة إستراتيجية”.
تنويع اقتصادي
وأردف ديفيجي أوغلو: "كان لدى تبون منافسَان رئيسان في الانتخابات التي جرت في 7 سبتمبر، وهما، عبد العالي حساني شريف (3.17 بالمئة) ويوسف أوشوشي (2.16 بالمئة).
وذكر أن “المرشحين ادّعيا بعد إعلان نتائج الانتخابات بوجود تجاوزات، وانتقدا نسب المشاركة التي أعلنتها الهيئة الوطنية المستقلة للانتخابات”.
فعلى سبيل المثال، زعم فريق حملة حساني أن الأصوات تم استخدامها جماعيا في بعض المناطق وأن نتائج الانتخابات تم زيادتها اصطناعيا.
ومع ذلك، أفادت الهيئة الوطنية المستقلة للانتخابات بأن "العملية كانت شفافة وأعطت ضمانات للشعب والمرشحين بأنه لم يكن هناك أي تلاعب".
وتم الإعلان أيضا أن نسبة المشاركة في الانتخابات بلغت حوالي 48 بالمئة.
وعلق الكاتب التركي أن “تلك النسبة تشير إلى أن جزءا كبيرا من الشعب يفضل عدم المشاركة في العملية الانتخابية وتشير إلى أن لدى المجتمع الجزائري موقفا متحفظا تجاه السياسة”.
من ناحية أخرى، يعتمد الاقتصاد الجزائري إلى حد كبير على الموارد الهيدروكربونية وتعد ممثلة إستراتيجية في تأمين إمدادات الطاقة في أوروبا.
وأسهم الارتفاع في أسعار الطاقة الذي حصل بعد حرب روسيا وأوكرانيا في زيادة أهمية الجزائر الإستراتيجية.
وتشكل صادرات الطاقة جزءا كبيرا من إيرادات الجزائر الخارجية وتعد مصدرا أساسيا في النمو الاقتصادي.
ومع ذلك، فقد أدى هذا الوضع إلى تقييد التنوع الاقتصادي وجعل البلاد عرضة لتقلبات أسعار النفط، بحسب الكاتب ديفيجي أوغلو.
وتابع: "يتألف سكان الجزائر بشكل كبير من الشباب، وقد أصبحت سوقا جذابة للمستثمرين الأجانب بفضل الدعم الذي تقدمه الدولة".
ومع ذلك، يتطلب تحويل هذه الاستثمارات لنمو اقتصادي مستدام إلى تنفيذ إصلاحات شاملة وتنويع الاقتصاد.
وسيكون تسريع الإصلاحات الاقتصادية ومكافحة البطالة وتشجيع الاستثمار الأجنبي خطوات رئيسة لاستقرار الاقتصاد على المدى الطويل في البلاد.
وفي هذا السياق، فإن كيفية تحقيق تنويع الاقتصاد بعيدا عن النفط والغاز الطبيعي “ستكون واحدة من التحديات الرئيسة التي سيواجهها تبون”، وفق ديفيجي أوغلو.
وأضاف: “تتمثل أهداف تنويع الاقتصاد التي سيواجهها تبون خلال الفترة الثانية في فتح أبواب فرص جديدة للتعاون بين تركيا والجزائر”.
واسترسل: “حيث يمكن أن تتعزز الشراكة الإستراتيجية بين البلدين بشكل أكبر في قطاعات غير النفط والغاز لتحقيق النمو”.
وسيكون التعاون في مجالات الطاقة والبنية التحتية وصناعة الدفاع والدبلوماسية الثقافية من بين الفرص الجديدة التي يمكن أن تتطور في فترة تبون الثانية.
وقال ديفيجي أوغلو إن “الاستثمارات التركية في الجزائر تركّز بشكل خاص على قطاعات البنية التحتية والطاقة والصناعة”.
بالإضافة إلى ذلك، تسهم شركات الطاقة التركية في استغلال موارد النفط والغاز الجزائرية.
وفي هذا السياق، يعد التعاون في مجال الطاقة أحد الأسس الرئيسة للعلاقات الاقتصادية بين البلدين.
ومع ذلك، تهدف الاتفاقيات التي تم التوصل إليها عام 2022 إلى زيادة استثمارات تركيا في الغاز الطبيعي والطاقة المتجددة في الجزائر.
وتبرز شركات المقاولات التركية في الجزائر من خلال المشاريع الكبيرة، بل ويمكن القول إن الاستثمارات التركية في الجزائر “تتوسّع بشكل خاص في قطاعات النسيج والسيارات والبناء”.
وبحلول عام 2023، بلغ إجمالي الاستثمارات التركية في الجزائر حوالي 5 مليارات دولار.
التعاون الأمني
وقال ديفيجي أوغلو: “بالإضافة إلى العلاقات الاقتصادية، يتمتع التعاون في مجال الأمن بأهمية كبيرة بين البلدين، حيث يتعاونان في مكافحة الإرهاب وتأمين الحدود والأمن الإقليمي”.
وأضاف أن “الديناميكيات الأمنية في شمال إفريقيا، لا سيما عدم الاستقرار في ليبيا وتهديد الإرهاب في منطقة الساحل، تعد عواملَ تؤثر بشكل كبير على الأمن والاستقرار في المنطقة”.
وفي هذا السياق، يعد التعاون العسكري والأمني بين تركيا والجزائر "ذا أهمية بالغة".
بالإضافة إلى ذلك، يتم دعم التعاون العسكري بين البلدين من خلال توريد منتجات صناعة الدفاع والتدريبات المشتركة.
وتهدف تركيا إلى توفير نقل التكنولوجيا في مجال صناعة الدفاع إلى الجزائر.
وتُصّدر شركات الدفاع التركية مجموعة متنوعة من المركبات العسكرية وأنظمة الدفاع إلى الجزائر.
وعلى سبيل المثال، وفقا لبيانات معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام، قامت تركيا ببيع 6 طائرات بدون طيار (أكسونجور) عام 2022 و 12 طائرة (أنكا) عام 2023.
وبالتالي، تشير نتائج الانتخابات في الجزائر إلى إطار إيجابي للعلاقات التركية الجزائرية، ويمكن أن تفتح الباب أمام شراكة أقوى وأكثر إستراتيجية في إطار السياسة المتعددة الأوجه التي تتبعها تركيا في إفريقيا.
ويمكن أن يكون التعاون بين البلدين في الفترة الثانية لتبون، بحسب ديفيجي أوغلو، “عميقا وشاملا” في مجالات الطاقة والبنية التحتية وصناعة الدفاع والدبلوماسية الثقافية.
وبذلك يمكن أن تتقدم الاستثمارات التركية في الجزائر، خاصة نشاط الشركات التركية في قطاعات البنية التحتية والطاقة والصناعة، بموازاة أهداف النمو الاقتصادي للجزائر.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يدعم التعاون في مجال الأمن بين تركيا والجزائر مصالح الأخيرة في مجال الأمن الإقليمي والاستقرار.
وقال ديفيجي أوغلو إن “خطة الإصلاح الاقتصادي لتبون والسياسات الإقليمية لتركيا قد تعزّز شراكة إستراتيجية طويلة الأمد تخدم مصالح البلدين”.
وتابع: “وبالتالي، تشير نتائج الانتخابات في الجزائر إلى أن التعاون الحالي مع تركيا سيستمر في إطار أوسع، وسيتم تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية بين البلدين”.