يشارك في إبادة غزة.. ما سر هيمنة اللوبي الصهيوني على الحياة السياسية بألمانيا؟
الصهيونية تهيمن على الحياة السياسية في ألمانيا
غير آبهة بالانتقادات الدولية، دافعت وزيرة خارجية ألمانيا أنالينا بيربوك عن حق إسرائيل في قتل الفلسطينيين المدنيين بقصف المناطق التي يعيشون فيها، إذا كان هناك "إرهابيون يسيئون استخدامها".
وقالت أمام برلمان بلادها بمناسبة مرور عام على العدوان الإسرائيلي على غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول2023، "عندما يختبئ عناصر حماس بين الناس وخلف المدارس، فإن الأماكن المدنية تفقد وضع الحماية لأن الإرهابيين ينتهكونها".
وفي هذا السياق، نشرت وكالة الأناضول مقالاً للكاتب التركي "كمال إينات" سلط فيه الضوء على الهيمنة الصهيونية على الحياة السياسية في ألمانيا.
داعمة للإبادة
بدأ الكاتب مقاله بالقول إن كثيرا من الأخبار المثيرة للاهتمام ترددت في الأسابيع الأخيرة عن الفوضى في سياسة ألمانيا تجاه إسرائيل.
فبعد أن عارضت إسبانيا، إحدى الدول الأربع الكبرى في الاتحاد الأوروبي، بيع الأسلحة لإسرائيل، تبعتها فرنسا وإيطاليا في الموقف نفسه، ما جعل ألمانيا تواجه موقفا خطيرا.
ومع مغادرة "شركاء الجريمة" واحداً تلو الآخر بدأت المخاوف تتزايد بشأن جلوس ألمانيا، التي تعد ثاني أكبر دولة مقدِّمةٍ للدعم العسكري لإسرائيل بعد الولايات المتحدة، على "كرسي المتهم" بتهمة "دعم الإبادة الجماعية".
في الواقع، لقد بدأت ألمانيا تشعر بالقلق عندما رفعت نيكاراغوا دعوى ضدها في محكمة العدل الدولية بتهمة "المشاركة في الإبادة الجماعية".
وعقب الحرب العالمية الثانية وأحداث الهولوكوست تحول أمن إسرائيل إلى "سياسة دولة ذات أولوية" بالنسبة لألمانيا.
ومع ذلك، فإن دعم الإبادة الجماعية التي ارتكبت علناً أمام أعين الرأي العام العالمي والتي كانت موضوع التقاضي في كل من محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، بالإضافة إلى مسألة بيع الأسلحة لإسرائيل قد أصبحت تكلفة لا تطاق على نحو متزايد بالنسبة لبرلين.
بالإضافة إلى ذلك فقد بدأ بعض السياسيين من الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر، الذين هم أعضاء في الحكومة الائتلافية الفيدرالية، يشعرون بالحاجة إلى انتقاد إسرائيل والصهيونية مع توسع حجم الإبادة الجماعية وامتدادها إلى لبنان.
وأشار الكاتب التركي إلى أن هناك سببين رئيسين لهذه الانتقادات:
أولاً، يشكل الناخبون اليساريون قاعدة لكلا الحزبين، وقد بدأ الناخبون الذين يشعرون بالانزعاج من موقف أحزابهم الداعم لمجازر إسرائيل بالتحول نحو اليسار المتطرف.
كما أن الانخفاض الكبير في نسبة الأصوات التي حصل عليها كلا الحزبين في الانتخابات الأخيرة في ساكسونيا وتورينغن وبراندنبورغ يعكس تأثير سياستهما الخارجية غير المتسقة.
ثانياً، يمكن القول إن شعور بعض السياسيين من هذه الأحزاب بالمسؤولية الأخلاقية تجاه المجازر التي ترتكبها إسرائيل يؤثر أيضاً على نظرتهم النقدية تجاه الإبادة الجماعية.
ألمانيا أسيرة الصهيونية
من أحد الأمثلة على هذا الوضع هي النقاشات التي جرت في البوندستاغ الألماني قبل أيام حول منشور على وسائل التواصل الاجتماعي لنائبة رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي أيدان أوز أوغوز.
وقد شاركت أوز أوغوز على حسابها على إنستغرام منشوراً تضمّن صورة لمبنى كان قد احترق بسبب الهجمات الإسرائيلية. لكنها تعرضت للعديد من الانتقادات من قبل السياسيين والسفير الإسرائيلي لمعارضتها للمجازر الصهيونية.
واضطرت أوز أوغوز، التي اتهمت بأنها معادية للسامية بسبب انتقادها المذابح الإسرائيلية، إلى الاعتذار عن منشورها.
وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك من جهتها أدلت بتصريحات أثارت جدلا واسعا في اجتماع لإحياء ذكرى السابع من أكتوبر في البرلمان الفيدرالي، إذ قالت: "يمكن أن تفقد الأماكن المدنية وضعها المحمي لأن الإرهابيين يستغلونها.".
وأشار الكاتب التركي إلى أنه بهذه التصريحات التي تبرر قتل المدنيين، تعرضت بيربوك لانتقادات حادة من منظمات حقوق الإنسان.
كما أثارت تساؤلات حول أنّه كيف يمكن لوزيرة خارجية تنتمي لحزب يعد حماية حقوق الإنسان من أولوياته أن تتبنى موقفاً يتجاهل القانون الدولي بهذا الشكل.
بعد فترة وجيزة من هذه التصريحات أظهرت الأخبار المنشورة في صحيفة بيلد، المعروفة بأنها بوق الصهيونية في ألمانيا، أن بيربوك كانت تحاول في الواقع تليين اللوبي الصهيوني ومنع الهجمات ضدها بهذه التصريحات.
وفي 13 و14 و15 أكتوبر نشرت صحيفة بيلد عناوين مثل "الخضر يوقفون سرا مساعدات الأسلحة لإسرائيل"، و"حصار الأسلحة على إسرائيل هو تعبير عن المعايير المزدوجة" و"الخضر يسيئون فهم التاريخ الألماني".
واتهمت الحكومة بعدم السماح بتصدير الأسلحة إلى إسرائيل بسبب عرقلة بيربوك ونائب المستشار روبرت هابيك، وانتقدت بشدة هذين السياسيَّين.
بالطبع لم تقتصر هذه الاتهامات على صحيفة بيلد، فقد نشرت دي فيلت، الصحيفة الرئيسة الأخرى لمجموعة سبرينغر الإعلامية المعروفة بخدماتها للصهيونية، عناوين رئيسة تطالب باستقالة بيربوك وهابيك.
وفي بيئة يطالب فيها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلوني بحظر مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل، يعد استهداف بيربوك وهابيك من قبل اللوبي الصهيوني بهذه الطريقة، على الرغم من دعمهما للمجازر الإسرائيلية، مؤشراً على ضعف ألمانيا في مواجهة الصهيونية.
من جانبه، أعلن المستشار الألماني أولاف شولتس أن بلاده ستواصل بيع الأسلحة لإسرائيل من الآن فصاعداً.