تحسن العلاقات العربية الإيرانية التركية.. كيف ينعكس سلبا على إسرائيل؟

2 months ago

12

طباعة

مشاركة

باتت إسرائيل في "وضع إستراتيجي معقد"، فبينما طوت عديد من دول المنطقة خلافاتها ودخلت في عمليات تطبيع بعد نحو عقد من التوترات، تزداد في المقابل عزلة إسرائيل بالشرق الأوسط.

حيث أتى التعاون الإقليمي بين الدول الكبرى في الشرق الأوسط على حسابها، كما أسهمت حرب الإبادة التي يشنها الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة، في تعميق تلك العزلة المتنامية.

من ذلك المنطلق، يوضح معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي الدوافع الرئيسة للانفراج في العلاقات الإقليمية، مستشهدا بعدد من النماذج العملية حدثت خلال السنوات الماضية.

ويركز المعهد على تقييم "انعكاسات المصالحات التي تمت على الوضع الإستراتيجي للدول العربية، وعلى إسرائيل أيضا".

تغيرات إقليمية

يرصد المعهد، في مستهل تقريره، أبرز التغيرات الإقليمية التي حدثت في المنطقة خلال السنوات الماضية.

فيقول: "شهدت خريطة الترتيبات في الشرق الأوسط تغيرات كبيرة في السنوات الأخيرة، واتخذت الدول العربية الرئيسة، وكذلك إيران وتركيا، خطوات نحو تخفيف التوترات بينها".

وتابع: "وبعضها ذهب إلى ما هو أبعد من مجرد الحد من التوترات، حيث جددت العلاقات الدبلوماسية، وعمقت العلاقات الاقتصادية، بل وفي العديد من الحالات بدأ التعاون الأمني".

وبدا أن دول المنطقة تسعى لطي صفحة الماضي، حيث يفسر المعهد تلك التحركات بـ "التطلع إلى إنهاء نحو عقد من الصراعات، واختيار مسار الحوار والتعاون".

وفي هذا السياق، يتحدث المعهد أن هذه الحالة الإقليمية، التي يرى أن "المصلحة وحدها" هي من دفعت دول المنطقة لتطبيع علاقاتها. ويخلص من ذلك إلى نتيجة مفادها "إمكانية التطبيع بين الدول المختلفة دينيا وأيديولوجيا وأخلاقيا".

ويتابع مؤكدا على ذات الفكرة: "الأمر لا يتعلق بقرارات ذات قيمة أخلاقية أو مصالحة عميقة على أساس أيديولوجي أو ديني -على سبيل المثال بين السنة والشيعة- بل بتقديرات نفعية مصلحية تهدف إلى تحسين وضعهم الإستراتيجي".

وعزا أسباب تلك الانفراجة الإقليمية لثلاثة أسباب رئيسة؛ الأول يتعلق بـ"الشكوك حول الدعم الأميركي"، حيث باتت الدول العربية تشكك في الدعم الأمني الذي توفره أميركا لهم، الأمر الذي دفعهم، وفق المعهد، إلى محاولة تحسين وضعهم بأنفسهم.

وأردف: "تحسن العلاقات بين دول الخليج وإيران هو جزء من التحوط من المخاطر لدول الخليج". كما "سمحت الدول العربية كذلك، بوجود موطئ قدم لروسيا والصين في المنطقة، اللتين تسعيان من جانبهما إلى زيادة نفوذهما في المنطقة على حساب الولايات المتحدة".

وقد أسهمت الدولتان بالفعل في التأثير على العلاقات الإقليمية، ويظهر ذلك بوضوح في عام 2023، حيث يشير المعهد إلى أن "الصين كانت الوسيط في الاتفاق على استئناف العلاقات بين السعودية وإيران، وروسيا هي التي قامت بالوساطة بين السعودية وسوريا".

أما السبب الثاني، فكان تحت عنوان: "الاهتمام بالشؤون الداخلية"، حيث رأى أن "للدول العربية مصلحة في تخفيف حدة الصراعات الخارجية، من أجل توجيه الاهتمام إلى البحث عن حلول للقضايا الداخلية المشتعلة".

وأكمل: "إذ تسعى البلدان الفقيرة أو تلك التي كانت تعاني من أزمة اقتصادية، إلى إعادة التأهيل الاقتصادي".

وأضاف: "كما أن هناك رغبة واضحة بين الدول الغنية المنتجة للنفط في تحقيق مشاريع، بعضها طموح للغاية، يُنظر إليها على أنها مهمة لاستقرارها وازدهارها في المنطقة على المدى الطويل".

ووفق المعهد، "كانت إيران الدافع الثالث وراء إعادة هيكلة العلاقات معها، حيث أدى التهديد الذي تفرضه إيران ووكلاؤها في المنطقة، إلى دفع جيرانها إلى التعامل بطريقة محسوبة وتجنب تصعيد التوترات معها، والاعتراف بقوتها، بما في ذلك وضعها النووي، والاعتراف بأن التحركات الاقتصادية الرامية إلى وقفها ربما تكون قد استنفدت".

وأضاف: "كما تخشى بعض الدول، خاصة دول الخليج، من تصاعد التوتر في الصراع بين إيران وإسرائيل، ومن خلال تحسين علاقاتها مع إيران تسعى جاهدة إلى النأي بنفسها، قدر الإمكان، عن أي صراع إقليمي يمكن أن يضر بها".

وفي سياق التطبيع الإقليمي، يشير إلى أن "دولة الإمارات كانت أول من سلك هذا المسار في أواخر عام 2018 وبداية عام 2019، وذلك عندما آل الحوار الإماراتي مع نظام بشار الأسد إلى إعادة فتح سفارتها في دمشق، وتسريع الحوار بين نظام الأسد والدول العربية الرئيسة من أجل التطبيع، وعلى رأسها السعودية".

وتابع المعهد: "بلغ مسار عودة سوريا إلى الحضن العربي ذروته مع عودتها إلى جامعة الدول العربية في قمة الرياض عام 2023، بمشاركة الرئيس السوري بشار الأسد".

وأكمل: "حيث جددت معظم الدول العربية، التي كان يسعى بعضها لإسقاط نظام الأسد، علاقاتها الدبلوماسية معه وبدأت في تقديم المساعدات الاقتصادية له".

وأردف: "الاستثناء البارز في هذا السياق هو قطر، التي تصر على رحيل الأسد، بدعوى ارتكابه جرائم ضد الإنسانية، كشرط لتجديد العلاقات بين البلدين".

وعلى مستوى البيت الخليجي، ذكر وقائع "اتفاق العلا" في يناير/ كانون الثاني 2021، قائلا: "عقب مفاوضات مطولة قادتها السعودية، جددت عدد من الدول العربية المركزية علاقاتها مع قطر أيضا، بعد حصار سياسي واقتصادي فرض على الدوحة عام 2017".

وأضاف المعهد: "وأسفر الاتفاق عن تجديد العلاقات وعودتها إلى مسارها الطبيعي، بل إن العلاقات بين قطر ومصر والمملكة العربية السعودية تحسنت مقارنة بالسنوات التي سبقت الأزمة".

واستدرك: "لكن من ناحية أخرى، فإن العلاقات بين قطر والبحرين تتحسن تدريجيا وببطء، إذ لم توافق البحرين وقطر على إعادة سفيريهما إلى الدوحة والمنامة إلا في يوليو/ تموز 2024، أي بعد مرور أربع سنوات ونصف على توقيع اتفاق المصالحة".

بعد ذلك، اتجهت الرياض صوب جارتها الجنوبية اليمن، لإيجاد حل للأزمة مع الحوثيين، إذ قال المعهد: "عُقد اتفاق في أبريل/ نيسان 2022 بين السعودية والمتمردين الحوثيين المدعومين من إيران، والذين يسيطرون على مناطق واسعة من اليمن".

وأكمل: "وتوصل الطرفان إلى تفاهمات تتضمن وقف إطلاق النار المستمر حتى الآن".

ويرى أن حرب اليمن أنهكت الرياض بشكل كبير، مما دفعها لعقد اتفاق مع الحوثيين، فيقول: "وتحرص الرياض منذ فترة طويلة على ترك الحرب في اليمن خلفها، والتي كلفتها ثمنا اقتصاديا وأمنيا باهظا".

وتابع: "وهو هدف تشاركها فيه أيضا الولايات المتحدة، التي ترغب في إنهاء الحرب التي أودت بحياة حوالي 150 ألف شخص بشكل مباشر، وضعف هذا العدد بشكل غير مباشر، وذلك من أجل التركيز على تنفيذ إصلاحات داخلية ومشاريع طموحة".

ويبدو أن السعودية باتت حريصة أكثر من أي وقت مضى على تجنب القتال والتصعيد مع الحوثيين، فيقول المعهد: "ولم يؤد انضمام الحوثيين إلى الحرب ضد إسرائيل وانتهاكهم حرية الملاحة في البحر الأحمر منذ نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، رغم تهديدات الحوثيين، إلى تجدد القتال ضد السعوديين".

التطبيع مع إيران

كذلك لفت المعهد إلى مسار تهدئة التوترات وتحسين العلاقات بين إيران والدول العربية السنية، وفي مقدمتها دول الخليج.

وأشار إلى "أن الانفراج بدأ في سبتمبر/ أيلول 2019، عندما أدركت قيادات السعودية وخاصة ولي العهد محمد بن سلمان، تفوق إيران العسكري عليهم".

حيث "مثَّل الهجوم الإيراني على المنشآت النفطية الرئيسة في السعودية، وعدم رد واشنطن على هذا الهجوم، نقطة تحول بالنسبة للمملكة، أسهمت في النهاية إلى تحول في الموقف السعودي تجاه إيران".

واستطرد المعهد: "تضمن ذلك التحول محاولات للحوار وتصريحات تصالحية تجاه إيران، لكن من غير الواضح ما إن كان ذلك أدى إلى وقف أو تقليل الدعم السعودي للعناصر المناوئة في إيران".

من جهتها، استفادت إيران كذلك من التطبيع مع السعودية، الذي بلغ ذروته في استئناف العلاقات بين البلدين في مارس/ آذار 2023، حيث عدته طهران "فرصة لتحسين مكانتها الإقليمية وتعزيز الردع ضد إسرائيل".

وأضاف المعهد: "ويأتي ذلك خصوصا في ظل عملية التطبيع بين إسرائيل والدول العربية، ومحاولات إسرائيل لتشكيل تحالف إقليمي ضد إيران".

وتنظر طهران إلى تحسين العلاقات مع العالم العربي "كإنجاز سياسي، وتعبير إضافي عن تغيير ميزان القوى الإقليمي لصالحها، واعتراف متزايد بمكانتها من قبل الدول العربية، بما في ذلك تلك المرتبطة بالمعسكر المؤيد للغرب، مثل مصر والسعودية".

من ناحية أخرى، يشير إلى أن "تحسين العلاقات بين إيران والدول العربية، قد يوفر لإيران فرصة لتوسيع الروابط الاقتصادية والتجارية في المنطقة ضمن إطار (اقتصاد المقاومة)، الذي يعتمد على زيادة الاعتماد الذاتي، وتقليل الاعتماد الاقتصادي على الغرب من خلال تنويع مصادر الدخل وزيادة التجارة مع الأسواق الإقليمية".

لكن اصطدمت تلك التطلعات بواقع مخيب للآمال، فيوضح المعهد أنه "لم يُنتِج تحسين العلاقات بين إيران وجيرانها، بما في ذلك استئناف العلاقات مع السعودية، النتائج الاقتصادية المرجوة بالنسبة لإيران حتى الآن، بسبب عدم رغبة السعودية في الاستثمار في الاقتصاد الإيراني جراء العقوبات المفروضة على إيران، والمشاكل الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد الإيراني".

وعد المعهد أن "تجديد العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية، في مارس/ آذار 2023، هو الأهم في إطار الانفراج الإقليمي حتى الآن، حيث إن المنافسة الأيديولوجية والجيو إستراتيجيجية بينهما، كانت عاملا إقليميا رئيسا في العقود الأخيرة".

ومن وجهة نظره، "فالسعودية هي من بادرت بعملية التقارب مع إيران، والتي شملت حتى الآن إعادة فتح البعثات الدبلوماسية، والتصريحات الإيجابية لكبار المسؤولين في البلدين، والزيارات التاريخية". 

وتدرك الرياض جيدا حدود قوتها وفاعليتها أمام طهران، إذ يشير المعهد إلى أنه "لا تراود السعودية أي أوهام بشأن القدرة على إحداث تغيير في السياسة الإيرانية في المنطقة، وما زال الاتفاق في حد ذاته إنجازا خفف التوترات وحسن الوضع الإستراتيجي للمملكة، خاصة على خلفية تزايد التوترات الإقليمية في أعقاب السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023".

كذلك، يشير المعهد إلى أن "السعودية باتت أكثر تشككا بشأن الدعم الأميركي المقدم لها". 

وأردف: "فالمساعدات الأميركية الواسعة لإسرائيل منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، مع عدم وجود رد أميركي على الهجوم على أراضيها في عام 2019، يؤكد على تفرد واشنطن للقضية الإسرائيلية فقط".

على الضفة الأخرى، دأبت إيران كذلك -خاصة عقب الحرب في غزة- على مضاعفة جهودها لتحسين علاقاتها مع العالم العربي، مستغلة أحداث الحرب للترويج لأيديولوجيتها الرافضة للتطبيع مع إسرائيل، حسب مزاعم المعهد العبري.

إذ يقول المعهد إن "إيران تقود حملة سياسية بهدف إنهاء الحرب في أسرع وقت ممكن"، مدعيا أن ذلك "من أجل الحفاظ قدر الإمكان، على القدرات الحكومية والعسكرية لحركة حماس".

وأكمل: "ومنذ اندلاع الحرب، أكد مسؤولون إيرانيون كبار على التقارير المتعلقة بتجميد اتصالات التطبيع الإسرائيلية مع السعودية، وقدموها كدليل آخر على نجاح حماس وضعف إسرائيل".

وأردف: "وفيما يتعلق بإيران، تقدم الحرب في غزة دليلا آخر على عدم جدوى التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل، وهذا يتوافق مع كلام المرشد الإيراني علي خامنئي الذي صرح قبل أيام من هجوم حماس بأن تطبيع العلاقات مع النظام الصهيوني هو من باب (الرهان على حصان خاسر)".

واستشهد المعهد بتصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، كتعبير عن جهود إيران المستمرة، لتعزيز علاقاتها مع دول المنطقة.

إذ صرح، في أغسطس/ آب 2024، بأن "إيران تسعى جاهدة لرفع مستوى علاقاتها مع دول المنطقة، خاصة مصر، وأن إيران والبحرين اتفقتا على العمل على حل خلافاتهما وتجديد علاقاتهما".

ويتضح من ذلك أن "الحكومة الجديدة في طهران، برئاسة مسعود بزشكيان، ملتزمة بمواصلة اتجاه تحسين العلاقات، كما تجلى هذا الأمر خلال فترة حكومة الرئيس السابق إبراهيم رئيسي"، بحسب المعهد.

التطبيع مع تركيا

وعلى ضفة البحر المتوسط، كانت أيضا عجلة التطبيع تسير بين تركيا وجيرانها العرب، حيث أشار المعهد إلى توتر العلاقات بين أنقرة ومصر ودول الخليج، بسبب "طموحات تركيا الإقليمية، ودعمها لجماعة الإخوان المسلمين بشكل عام، ولقطر خلال سنوات المقاطعة". 

وأردف: "لكن منذ عام 2021، أخذت العلاقات منحى مختلفا. فمنذ ذلك الحين، تحسنت العلاقات بين هذه الأطراف، وأصبحت الزيارات رفيعة المستوى متكررة".

حيث دفعت المصالح المشتركة أنقرة وكلا من دول الخليج ومصر للسير في مسار التطبيع، فبينما استفادت أنقرة من الخليج في التخفيف من حدة أزمتها الاقتصادية، اجتذبت بدورها الأسلحة التركية شهية السعودية ومصر لإنهاء القطيعة مع تركيا.

وأوضح المعهد: "في إطار حاجة تركيا إلى الاستثمارات لتعزيز وتحسين وضعها الاقتصادي، تم الاتفاق في مارس/ آذار 2024، على بدء اتصالات رسمية بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي بشأن اتفاقية التجارة الحرة".

في المقابل، لفت إلى أن "السعودية وتركيا وقعتا على اتفاقية لبيع طائرات بدون طيار (الدرون) إلى المملكة العربية السعودية، وتعد تلك الصفقة، أكبر اتفاقية تصدير دفاعية في تاريخ تركيا، والتي تتضمن نقل التكنولوجيا العسكرية إلى الرياض". 

كما رأى أن "الاهتمام المصري بالطائرات بدون طيار التركية، يمكن أن يفسر بعض دوافع ذوبان الجليد بين تركيا ومصر منذ عام 2022".

أما فيما يتعلق بسوريا، يشير المعهد إلى إنه "على الرغم من أن الخلافات بين الدولتين لا تزال كبيرة، فإن الجهود الروسية واضحة، مع عوامل أخرى، لتحقيق انفراجة في العلاقات بين البلدين".

وأردف: "حتى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال صراحة، في بداية يوليو/ تموز 2024، إنه من المتوقع أن يتم قريبا توجيه دعوة للحوار مع الرئيس السوري بشار الأسد".

وتتمثل أبرز نقاط الخلاف، في مناطق السيطرة التركية شمالي سوريا والمطلب السوري بانسحاب القوات التركية، إضافة إلى الطلب التركي بعودة ملايين اللاجئين السوريين إلى سوريا.

ويرى أنه "إذا تمكن الطرفان من التغلب على العقبات القائمة في طريق تجديد العلاقات، فستتمكن تركيا من إصلاح علاقاتها مع جميع الدول العربية، التي تضرر بعضها بشدة بسبب تبعات الربيع العربي، الذي أدى، من بين أمور أخرى، إلى حروب أهلية، تحولت إلى صراعات على النفوذ الإقليمي".

وخلص المعهد إلى أن "رهانات الدول الإقليمية نجحت بالفعل في تحقيق أهدافها من عملية التطبيع"، حيث رأى أن "هذا الوضع عاد بالفائدة على الجميع، فقد أخرج بعضهم من العزلة السياسية، وحسن الظروف الاقتصادية للآخرين، وعزز الوضع الأمني لبعض الدول".

عزلة إسرائيلية

وعن انعكاسات مسار التطبيع الإقليمي على الكيان الإسرائيلي، يقول المعهد إن "الظروف المختلفة، لا سيما بعد الحرب الحالية في قطاع غزة، أدت إلى إبراز حقيقة مفادها أن إسرائيل باتت أكثر عزلة في المنطقة، على الأقل في الآونة الأخيرة".

لكنه أشار، في الوقت ذاته، إلى أن إسرائيل استفادت كذلك من حاجة دول المنطقة إلى تحسين وضعها الإستراتيجيجي، مستشهدا بما حدث من تحسين للعلاقات بين إسرائيل وتركيا خلال عام 2022، وحتى أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

ورغم أن إسرائيل ليست جزءا رئيسا من عملية التطبيع، إلا أنها تأثرت بهذا المسار، وفق المعهد.

إذ رأى أن "تعزيز الوضع الإستراتيجي لدول الخليج، لا سيما السعودية، نتيجة الاتفاقات مع إيران والحوثيين، قد يكون له انعكاس إيجابي من وجهة نظر إسرائيل".

موضحا أن هذه النظرة الإيجابية كون أن الفائدة عائدة على دول تعدها إسرائيل حاليا "معتدلة نسبيا".

ولفت إلى أن "تحسن العلاقات بين إيران ودول الخليج لا يشكل في حد ذاته عائقا أمام تحسين العلاقات بينها وبين إسرائيل".

وأردف: "بل يمكن القول إن الترتيبات الرسمية بين إيران والدول الخليجية قد تكبل أيدي إيران عن محاولات المساس بها".

ومن زاوية أخرى، يوضح أن "سياسة الانفراج لا تمنع الانتقادات من إيران وتركيا بشأن وجود علاقات بين الدول العربية وإسرائيل، أو عدم اتخاذها موقفا حادا بما فيه الكفاية ضد إسرائيل في القضية الفلسطينية منذ اندلاع الحرب، لكنها تحد من هذه الانتقادات إلى مستوى مقبول بالنسبة للدول العربية".

ويرى أن "الدول العربية تحاول اتباع سياسة متوازنة بين رغبتها في الحفاظ على شراكتها الأمنية مع أميركا، التي تعد إسرائيل جزءا منها، والتي تجلت في الصراعات الأخيرة بين إسرائيل وإيران. وبين حرصها على الحفاظ على العلاقات الدبلوماسية، والعلاقات الاقتصادية بينها وبين إيران وتركيا".

ومع ذلك، يحذر المعهد من أن "وجود إيران في منطقة العتبة النووية، وزيادة نفوذها الإقليمي، قد يدفع عددا من الدول العربية، خوفا من منها، وبسبب الضغوط من اتجاهها، إلى تبريد علاقاتها مع إسرائيل، على الأقل على المستوى العام".

علاوة على ذلك، يوضح المعهد أنه "كلما تحسن الوضع الأمني للدول العربية بفضل سياسة الانفراج، فإن حاجتها إلى المساعدة الإسرائيلية تتضاءل".

ويرى أنه "لطالما رأت إسرائيل أن هناك فائدة لتفكيك الصفوف في الفضاء العربي، وقد تكون هذه الفكرة لا تزال قائمة".

من ذلك المنطلق، رأى المعهد، أن "تلك التهدئة الإقليمية لا تخدم مصالح إسرائيل، خصوصا عندما يتعلق الأمر بتحسين العلاقات بين الدول الإسلامية والعربية بدون تدخل أميركي، وبالأخص عندما يتعلق الأمر بتحسين العلاقات، حتى وإن كان ذلك على السطح فقط، بين إيران والفضاء العربي".

وقال: "بالإضافة إلى ذلك، بما أن إسرائيل ليست طرفا في التهدئة، وبما أن عزلتها تتعمق، فإن الفكرة القائلة بأن التهدئة تضر بالمصالح الإسرائيلية ستتعزز".

وأردف: "وبما أن هذه الاتجاهات مدفوعة باحتياجات عميقة ومستمرة لدول رئيسة في المنطقة، فإنها تتطلب اهتماما إسرائيليا، خاصة في ضوء آثارها على استمرار محاولات الاندماج الإسرائيلي في المنطقة وقدرتها على التعامل مع أعدائها".

من جهة أخرى، رأى أن عمليات الانفراج في المنطقة، قد تكون ذات مردود إيجابي لإسرائيل، فقال: "إن التهدئة تبرز أهمية التطبيع بين إسرائيل والدول العربية، مع التركيز على السعودية وإقامة تسوية مع الفلسطينيين، خاصة من أجل أن يكونوا جزءا من بديل إقليمي للتحالف المؤيد لإيران".

ويدعو المعهد قادة الاحتلال إلى "التفكير في كيفية توفيق مبادرة إدارة الرئيس بايدن لتعزيز التطبيع بين إسرائيل والسعودية، مع اتجاه التهدئة".

وحول أهمية السعودية بالنسبة لإسرائيل، شدد المعهد على أنها "شريك أمني مهم وموثوق لإسرائيل والولايات المتحدة". 

وأكد على "وجود إمكان واحتمال لتعميق العلاقات معها، وقد أثبتت الرياض ذلك في 14 أبريل/ نيسان 2024، على سبيل المثال".

 حيث يقصد التقارير العديدة التي كشفت عن التعاون بين الاحتلال والولايات المتحدة من جهة، والمملكة السعودية من جهة، في التصدي للهجمات الإيرانية على إسرائيل.

“كما أن تعاون السعودية مع إسرائيل، مع أو بدون اتفاق تطبيع بين الدولتين، سيحد من قدرة السعودية على الحفاظ في ذات الوقت على علاقات جيدة مع إيران ومع إسرائيل، ومواصلة التلاعب بين الاثنين كما فعلت في الماضي”، يختم المعهد.