لبنان طالب به منذ بدء الطوفان.. لماذا تطرح إيران الآن تطبيق القرار 1701؟

a month ago

12

طباعة

مشاركة

على الرغم من دعوات الحكومة اللبنانية لتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 1701 لوقف العدوان على لبنان، أعلنت إيران وبشكل التفافي أنها جاهزة للتفاوض من أجل وقف لإطلاق النار في هذا البلد.

فبينما تسعى مع الأطراف الدولية لوقف العدوان عبر الامتثال لبنود القرار الدولي 1701 الصادر عام 2006، تفاجأت بيروت بتصريحات لرئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف أثارت غضب الحكومة اللبنانية.

"إعلان الوصاية"

إذ نقلت صحيفة "لو فيغارو" الفرنسية عن رئيس البرلمان الإيراني قوله في 16 أکتوبر/تشرين الأول 2024 إن "إيران مستعدة للتفاوض مع فرنسا بشأن تطبيق القرار الدولي 1701 في لبنان ووقف إطلاق النار".

واستدرك قاليباف: "إيران مستعدة للتفاوض مع فرنسا، الدولة التي تحمي لبنان تقليدياً، حول الشروط الملموسة لتطبيق قرار الأمم المتحدة الرقم 1701، لكننا نرى ضوءاً خافتاً في نهاية النفق ".

وكان قاليباف زار بيروت في 12 أكتوبر 2024 وقاد طائرة الإيرباص الرسمية لإيران، وهبط على مدرج مطار رفيق الحريري الدولي. 

وأمام هذه التصريحات الإيرانية، بدا واضحا أن إيران "نصّبت نفسها مفاوضا رسميا" باسم اللبنانيين وحتى الحكومة اللبنانية وفق المراقبين من دون التشاور مع بيروت.

وقد خرج رئيس الحكومة اللبناني نجيب ميقاتي في اليوم التالي وندد بما وصفه بـ"التدخل الفاضح" في الشأن اللبناني إثر تصريحات قاليباف.

وقال ميقاتي في بيان صادر عن مكتبه "نستغرب هذا الموقف الذي يشكّل تدخلا فاضحا في الشأن اللبناني، ومحاولة لتكريس وصاية مرفوضة على لبنان".

وأورد البيان أن ميقاتي طلب من "وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بوحبيب استدعاء القائم بأعمال السفارة الايرانية في بيروت ميثم قهرماني والاستفسار منه عن حديث رئيس البرلمان الإيراني".

وبالفعل شددت الوزارة خلال اللقاء، "حرص لبنان على بذل الجهود الدبلوماسية اللازمة لوقف العدوان الاسرائيلي المتمادي عليه من خلال تطبيق القرار 1701"، والتعويل "على ممارسة الدولة اللبنانية لسلطتها وسيادتها".

وأضافت الخارجية اللبنانية أن قهرماني أبدى "تفهّم إيران وحرصها على لبنان وسيادته".

ومثل هذا الموقف نادر على الصعيد الرسمي في لبنان منذ سنوات، في ظل تحكم حزب الله المدعوم من إيران، بالقرار السياسي، وفي ظل شلل مؤسساتي وأزمة سياسية ناتجة من انقسامات عميقة في البلاد.

لكن اللافت أن إيران بدأت في هذا التوقيت المطالبة بتطبيق القرار 1701 وليس في السابق قبل حتى اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله وكبار القادة في الحزب بغارات إسرائيلية على لبنان.

والنقطة الأكثر إثارة هي أن دعوة إيران لتطبيق القرار الدولي جاءت في ظل تصدي حزب الله منذ مطلع أكتوبر 2024 للتوغل البري الإسرائيلي جنوب لبنان.

وينص القرار على نشر الجيش اللبناني على طول الحدود مع إسرائيل وانسحاب حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني وهو سيناريو يقول المراقبون إن الحزب رفض تطبيقه عقب الثامن من أكتوبر 2023 حينما فتح جبهة إسناد لغزة.

والقرار 1701 تبناه مجلس الأمن الدولي في 11 أغسطس/آب 2006، وطالب بوقف العمليات القتالية، بعد حرب مدمرة استمرت 33 يوما بين "حزب الله" والجيش الإسرائيلي.

كما طالب القرار بإيجاد منطقة بين الخط الأزرق الفاصل بين لبنان وإسرائيل، ونهر الليطاني (جنوب)، تكون خالية من أي مسلحين ومعدات حربية وأسلحة، ما عدا تلك التابعة للجيش اللبناني وقوة الأمم المتحدة المؤقتة "اليونيفيل".

ومبادئ هذا القرار المتعلقة بالأمن والاستقرار والتوصل إلى حل طويل الأمد عند الحدود اللبنانية مع إسرائيل تظل "صالحة" حاليا.

وقد كان هناك انخراط أميركي وفرنسي لتنفيذ القرار الأممي، وبنده الخاص المتعلق بالمنطقة الخالية" نتيجة للإلحاح الإسرائيلي لضمان أمن مستوطنات الحدود الشمالية.

ويؤكد مراقبون أن تطبيق القرار 1701 يجب أن يكون من الجهتين اللبنانية والإسرائيلية على حد سواء، لا كما تريد تل أبيب من جانب واحد.

لبنان مع القرار 

وخلال الفترة الأخيرة وبعد بدء إسرائيل عدوانها على لبنان في 23 سبتمبر/أيلول 2024، بلغ إجمالي القتلى بمن فيهم الذين سقطوا منذ الثامن من أكتوبر 2023، أكثر من 2350 شخصا إضافة لأكثر 11 ألف إصابة بينهم عدد كبير من النساء والأطفال.

فضلا عن تسجيل أكثر من مليون و340 ألف نازح من مختلف القرى اللبنانية في الجنوب، وسط أزمة صحية وإنسانية كبيرة تزداد حدتها يوما بعد آخر جراء مواصلة الطيران الإسرائيلي غاراته على لبنان.

وأمام ذلك، كثفت الحكومة اللبنانية مساعيها الدبلوماسية لدفع الدول الغربية لإلزام إسرائيل لوقف العدوان بموجب القرار الدولي 1701.

وخلال اتصال مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 12 أكتوبر 2024، أكد رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، حليف حزب الله، على الموقف الرسمي الذي تبنته الحكومة والمُطالب بوقف فوري لإطلاق النار ونشر الجيش اللبناني حتى الحدود الدولية تطبيقا للقرار الأممي 1701.

وفي اليوم التالي، شدد ميقاتي في اتصال مع ماكرون على أن "الأساس هو وقف العدوان الإسرائيلي وعودة النازحين إلى مناطقهم، وتطبيق القرار 1701 كاملا وإلزام إسرائيل بوقف عدوانها وخروقاتها والتقيد الكامل بمضمون القرار".

ووضمن مساعيها لإنهاء المواجهات في جنوب لبنان، قدمت فرنسا في وقت سابق من عام 2024، عبر وزير خارجيتها ستيفان سيجورنيه، مبادرة تقترح انسحاب وحدة النخبة التابعة لـ"حزب الله" مسافة عشرة كيلومترات من الحدود، بينما توقف تل أبيب ضرباتها.

إلا أن وحدة الرضوان التابعة لحزب الله لم تنسحب، وجرى تهميش المبادرة الفرنسية التي قال ميقاتي نهاية أبريل/نيسان 2024 إنها تشكل إطارا عمليا لتطبيق القرار الدولي 1701.

وجاء رمي إيران بورقة القرار ليعكس تغيرا كبيرا في حساباتها، خاصة أن لبنان طالب منذ بدء المواجهة في أكتوبر 2023 بتطبيق الأمر وإنهاء المواجهات لكن حزب الله رفض وأكد أنه عدم توقف جبهة الإسناد قبل وقف العدوان على غزة.

ويرى بعض المراقبين أن إيران اضطرت للتهدئة بعد رؤيتها لمشاهد التوغل الإسرائيلي في البلدات اللبنانية ومحاولة عبور نهر الليطاني، توازيا مع تلويح تل أبيب بشن هجمات كبيرة على طهران ردا على هجماتها الصاروخية على إسرائيل مطلع أكتوبر 2024.

وخاصة أن القرار 1701 متفق على تطبيقه في الوقت الراهن بينما هناك خلاف مع إسرائيل حول التوقيت، وفق مراقبين.

حتى أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أكد خلال اتصال مع رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في 18 أكتوبر 2024، التزام واشنطن بالتوصل إلى حل دبلوماسي في لبنان وفق القرار الدولي رقم 1701.

"استثمار تفاوضي"

ويبدو أن معادلات القوة والنفوذ في لبنان لم تعد كسابق عهدها بعد اغتيال حسن نصر الله في 27 سبتمبر 2024 بغارة إسرائيلية على بيروت.

إذ أن محاولة الوصاية الإيرانية على لبنان، ليست زلة دبلوماسية من قبل رئيس البرلمان، بل تعكس حجم النفوذ الإيراني في بيروت، والذي تضخم منذ تأسيس حزب الله من قبل الحرس الثوري الإيراني عام 1982.

وحينما زار وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بيروت في 4 أكتوبر 2024 سأل نجيب ميقاتي خلال اللقاء به "ما الرسالة التي يريد أن أنقلها إلى مرشد الثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي وللرئيس مسعود بزشكيان؟".

فرد عليه ميقاتي قائلا: "رسالتنا واضحة وهي تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 1701 لوقف العدوان على لبنان"، وفق ما نقلت قناة "إم تي في" اللبنانية المحلية.

وضمن هذه الجزئية، قال الكاتب السياسي اللبناني أسعد بشارة لـ "الاستقلال": "ما قاله رئيس البرلمان الإيراني يؤكد أن إيران تفاوض لمصلحتها الخاصة مع الأميركيين عبر فرنسا على أشلاء اللبنانيين وحتى البيئة المؤيدة لها في لبنان".

وأضاف بشارة: "نحن أمام وصاية إيرانية على لبنان حتى أن ميقاتي الذي ينسق مع رئيس البرلمان نبيه بري وحزب الله لم يستطع الصبر على ما قاله رئيس برلمان إيران".

وأردف: "ولهذا فإن قاليباف وكأنه يقول إن كل المؤسسات الحكومية في لبنان هي مجرد ديكور وأن البلد ولاية تابعة للنفوذ الإيراني وهي كذلك لكن لا ينبغي لطهران أن تفرض وصاية على بيروت".

وذهب بشارة للقول: "حرب المساندة لغزة لعبة ابتدعتها إيران وخاطرت بحزب الله ووضعته بالمواجهة مع إسرائيل لدرجة أنه بعد اغتيال حسن نصر الله أصبحت طهران أكثر استشراسا باللعب بورقة الحزب الذي لا يعترف بوجود دولة ويقول إنه جزء من محور المقاومة".

وختم بالقول: "تدخل إيران في لبنان وسلبها للقرار اللبناني سيؤدي إلى دمار البلد واستعمال بيروت كمنصة أمامية للتحرشات ثم التفاوض مع الأميركيين على سلامة النظام الإيراني والمشروع النووي وبقاء الاستقرار في طهران". 

من جانبه، رأى الكاتب السياسي اللبناني طوني أبي نجم، أن "ما قاله رئيس البرلمان الإيراني هو ما تسعى إليه إيران في لبنان وهو التحكم بقرار فتح أو إيقاف الحرب".

وأضاف أبي نجم في تصريحات تلفزيونية، أن "الحكومة اللبنانية دعت منذ أكتوبر 2023 لتطبيق القرار 1701 واليوم بيروت تريد نزع أي سلاح غير شرعي وحصر السلاح بيد الجيش اللبناني".

وأردف: "إذ كانت إيران تريد أن تلتزم بما تريده الدولة اللبنانية، فيجب عليها أن تطلب من حزب الله الذي يأخذ ماله وسلاحه من إيران باعتراف نصر الله، أن يسلم سلاحه للشرعية".

وختم بالقول: "إن النفوذ الإيراني بدأ يتراجع في لبنان وهذا ما دفع الحكومة اللبنانية لاستعادة السيادة لدرجة المطالبة باستدعاء القائم بالأعمال الإيرانية في بيروت".