تعيين رئيس وزراء جديد في السودان.. حكومة توافق أم انقسام جديد؟

منذ شهرين

12

طباعة

مشاركة

عطفا على سيرته الذاتية وتجاربه الدولية، أصدر رئيس مجلس السيادة الانتقالي قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، قرارا بتعيين رئيس وزراء جديد لتولي مهام الحكومة الانتقالية.

ووقع الاختيار على كامل الطيب إدريس، الموظف السابق في الأمم المتحدة، وهو بحسب مجلة "نيغريتسيا" الإيطالية، شخص "يتمتع بسيرة ذاتية مناسبة للدور الذي أُسند إليه".

وترى أن "العثور على شخصية كهذه لم يكن أمرا هينا؛ إذ إن عملية البحث عن شخصية مقبولة ومؤهلة ومتاحة، كانت صعبة".

مع ذلك، أثار تعيين إدريس في 19 مايو/ أيار 2025، ردود فعل متباينة في الداخل والخارج؛ حيث أشارت المجلة إلى أن "التحركات الأولى لرئيس الوزراء ولّدت توترات داخلية جديدة".

تطبيع الوضع

وقد ظل منصب رئيس الوزراء شاغرا منذ 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، حين تمت الإطاحة بالحكومة الانتقالية التي كان يرأسها عبد الله حمدوك، الاقتصادي والموظف السابق في الأمم المتحدة.

ووفق المجلة “كان يعمل حمدوك على قيادة البلاد نحو مؤسسات ديمقراطية، بعد أن أطاح حراك شعبي عام 2019 بنظام الرئيس عمر البشير، الذي حكم البلاد لمدة تقارب الثلاثة عقود”.

وتابع: "وبعد عام ونصف العام من محاولات عديدة لإيجاد شخصية توافقية لتولي منصب رئيس الوزراء وتشكيل حكومة ذات مظهر مقبول، اندلع الصراع في أبريل/ نيسان 2023 بين الجيش والدعم السريع، اللذين كانا حتى ذلك الحين حليفين في المجلس، مما جعل حالة الطوارئ العسكرية تطغى على الحاجة إلى حل سياسي".

ورأت المجلة أنه "من أجل الخروج من حالة العزلة الدولية التي فرضها الانقلاب على البلاد، بدا ضروريا (تطبيع) الوضع".

وتابعت: "فعلى سبيل المثال، كان يطالب بذلك الاتحاد الإفريقي، الذي علّق عضوية السودان بسبب الحكم العسكري، ولا يزال يعد إعادة قبول السودان أمرا سابقا لأوانه".

وأضافت: "كما أصبح من الضروري تقديم رد سياسي على إعلان تشكيل حكومة موازية (حكومة السودان الجديد) من قبل التحالف الذي تقوده الدعم السريع، والذي تأسس رسميا في نيروبي خلال فبراير/ شباط 2025".

وأوضحت المجلة الإيطالية أن "تعيين رئيس الوزراء الجديد قوبل بردود فعل متباينة، فقد عبر رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، محمود علي يوسف، عن ارتياحه ودعمه لتعيين رئيس وزراء يمضي في اتجاه حكومة ديمقراطية وشاملة".

واستدركت: "لكن هذه التصريحات بدت متفائلة أكثر من اللازم، في ظل الوضع المؤسف للعلاقات بين مختلف الأطراف الفاعلة على الساحة السياسية السودانية".

وأشارت إلى أن هذه التصريحات "دفعت الدعم السريع إلى القول إن الاتحاد الإفريقي بدأ ينحاز إلى موقف الجيش، في حين كان من المفترض أن يحافظ على حياديته التي تميز بها حتى اللحظة".

النظام القديم 

أما الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، فقد كان أكثر تحفظا؛ حيث أعرب عن أمله في ألا يكون تعيين رئيس الوزراء سوى الخطوة الأولى نحو تشكيل حكومة واسعة القاعدة من التكنوقراط تعمل من أجل السلام.

وفي الداخل السوداني، وكما كان متوقعا، أبدت القوى السياسية السودانية مواقف متباينة؛ فقد "جاء الدعم الكامل من أحمد هارون الذي وصف كامل إدريس بأنه خبير وطني مستقل، مناسب وقادر على مواجهة تحديات السودان". 

ولفتت المجلة إلى أن "هارون مطلوب لدى المحكمة الجنائية الدولية؛ بسبب جرائم ارتكبت خلال حرب دارفور في العقد الأول من الألفية".

وأوضحت أن هارون "كان آخر رئيس لحزب المؤتمر الوطني؛ الحزب الذي مكن الرئيس المعزول عمر البشير من الحكم".

وأشارت المجلة إلى أنّ “الحزب حُل عقب سقوط النظام، ولا يزال محظورا في البلاد، أما هارون، فقد فرّ من السجن، برفقة شخصيات بارزة أخرى من الحزب، في الأيام الأولى من اندلاع النزاع في أبريل 2023”.

وتعتقد المجلة أن تصريحات هارون "تؤكد ما يذهب إليه كثير من المحللين والنشطاء السودانيين، من أن التوجه السياسي الذي اعتمده الجيش، يمثل في جوهره استعادة للنظام القديم".

وأضافت: "فالواقع أن حزب المؤتمر الوطني، المحظور نظريا، لا يزال نشطا ويخطط لمستقبل السودان، مستقبل يكون فيه للجيش دور محوري".

قلق وشكوك

"أما القوى التي لا تصطف إلى جانب أي من الطرفين المتحاربين، فقد أبدت ردود فعل يغلب عليها القلق والاستياء". بحسب المجلة.

فقد وصف المتحدث باسم حزب المؤتمر السوداني، نور الدين بابكر، تعيين رئيس الوزراء بأنه "محاولة يائسة لتلميع وجه حكومة بورتسودان".

ورأى أن القرار “قد يؤدي إلى تعميق الانقسامات الداخلية بدلا من تقليصها”. مشيرا إلى أنه "قرار أحادي يفتقر إلى الشرعية الشعبية والمؤسسية".

وأردفت المجلة: "ولم تغب عن المشهد تصريحات حمدوك، وهو الآن زعيم تحالف (صمود)، وهي شبكة تضم قوى سياسية وحركات معارضة ومنظمات مجتمع مدني تعمل من أجل حل سياسي للأزمة".

وقد أدلى حمدوك بأحدث تصريحاته، في 4 يونيو/ حزيران 2025، لوكالة "أسوشيتد برس"، من المغرب؛ حيث كان يشارك في مؤتمر حول الحوكمة نظمته مؤسسة "مو إبراهيم"، وهي منظمة إفريقية غير حكومية تهدف لتحديد وتقييم وتعزيز القيادة والحوكمة الرشيدة في إفريقيا.

وفي هذه المناسبة أيضا، كرر أن "النزاع في السودان لا يمكن أن يُحسم عسكريا"، معتبرا أن "أيا من الطرفين لا يملك القدرة على الانتصار بطريقة تضمن وحدة البلاد والانتقال الديمقراطي".

وأضاف أن "أي محاولة لتشكيل حكومة في ظل الظروف الحالية، هي محاولة زائفة وعديمة الجدوى".

توازن داخلي 

وتقدّر المجلة أنه "رغم توقع الكثيرين أن خطوة البرهان لن تلقى إجماعا تاما، إلا أن أحدا لم يتوقع أن يُعرض قرار تعيين إدريس توازن القوى الداخلي للخطر بشكل فوري".

وأوضحت مقصدها قائلة: "ففي الأول من يونيو/ حزيران 2025، قام كامل إدريس بحل الحكومة القائمة، وهي حكومة كانت ثمرة مفاوضات طويلة بين القوى الداعمة لها".

وأضافت: "جاءت ردود الأفعال على الفور، ففي اليوم التالي، صرّح جبريل إبراهيم، وزير المالية ورئيس حركة العدل والمساواة، وهي حركة مسلحة من دارفور، بأن حل الحكومة يقوض التماسك الداخلي وينتهك اتفاق جوبا، الذي بموجبه شاركت الحركات المسلحة في الحكومة الانتقالية".

واستطردت: "كان التصريح خطيرا بما يكفي لأن يتدخل مالك عقار، نائب الرئيس ورئيس جناح من الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال، وهي إحدى الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا". 

واسترسلت المجلة: "وفي لقاء جمعه برئيس الوزراء، أكد له التزام الجميع بالتعاون لإنجاز المهمة الصعبة التي أخذها على عاتقه".

وترى أن "أولى الاختبارات الحاسمة أمام كامل إدريس ستكون هي تشكيل الحكومة نفسها، إذ ستعتمد عليها مدى شرعيته في الداخل، وكذلك قدرته على أداء دور إقليمي ودولي".

واختتمت المجلة قائلة: "عليه أن يُثبت أنه ليس مجرد واجهة شكلية، بل شخصية مستقلة تملك زمام المبادرة، كما هو متوقع من أي رئيس وزراء حقيقي".