بعد هزيمة المحليات.. هل يتفكك تحالف العدالة والتنمية والحركة القومية التركي؟

12

طباعة

مشاركة

منذ هزيمة الانتخابات المحلية التي مني بها تحالف الجمهور الحاكم في تركيا في 31 مارس/ آذار 2024، تعصف به ادعاءات عديدة بشأن قرب نهاية هذا التحالف الذي أوشك على إكمال عامه الثامن في السياسة التركية بالعقد الأخير.

ويتشكل تحالف الجمهور من حزبي العدالة والتنمية (يمين وسط تقدمي) بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان والحركة القومية (يميني) بقيادة السياسي المخضرم دولت بهتشلي.

مراجعة ذاتية

في ضوء التصريحات الصادرة عن زعيمي الحزبين بالأسابيع الأخيرة، تأكد دخول تحالف الجمهور، في عملية مراجعة ذاتية، وفق مراقبين.

في البداية، قال الرئيس أردوغان في كلمة ألقاها ليلة الانتخابات بعد التأكد من الهزيمة: "بالطبع سنضع أسباب هذا التراجع على الطاولة. سنحدد الأسباب بشكل جيد ونقوم بالتدخلات اللازمة في كل مكان نخسر أو نتراجع فيه".

وفي اجتماع حزبي في 17 أبريل/ نيسان 2024، وجه رسالة بعثت الأمل بشأن مستقبل الحزب مفادها: "لن ينتهي الأمر حتى نقول إنه انتهى".

وقال: "أيا كان اتجاه تقدير الشعب الذي يخرج من صندوق الانتخابات، فهو مقبول ومكانه فوق رؤوسنا، ولا يمكن للسياسي الاستخفاف بإرادة الشعب أو تجاهلها".

كذلك أعطى الرئيس أردوغان أهمية خاصة لحزب العدالة والتنمية في كلمته. فقال: "مهما قال البعض، سيستمر حزب العدالة والتنمية في كونه حزب هذه الدولة، حزب هذا الشعب، وسيكون أمل مئات الملايين".

وإثر هزيمة الانتخابات، ظهرت خطابات مختلفة في الرأي العام التركي تتحدث عن احتمالية تفكك تحالف الجمهور. 

كذلك أثارت ردود فعل حزب الحركة القومية على تصريحات بعض المقربين من حزب العدالة والتنمية تساؤلات حول وجود مشاكل بين الحزبين.

ملاسنات على أعلى مستوى

ففي منتصف أبريل 2024، أدلى وزير المالية محمد شيمشك بتصريح باللغة الإنجليزية في منتدى “غلوبال أوتلوك فروم” الذي نظمه معهد التمويل الدولي في واشنطن أثار ضجة كبيرة داخليا، قال فيه: "علينا إقناع السكان المحليين بأن التضخم سينخفض".

ليرد عليه بهتشلي في رسالة يوم 23 أبريل، قال فيها: "لا يمكن لأحد أن ينكر أن العقلية المفسدة التي تسعى إلى التقليل من قيمة الشعب التركي، من خلال استخدام عبارة (السكان المحليين)، هي المسؤول الرئيس عن الفضائح التي تعرضنا لها في الأيام الأخيرة". 

وقد أثارت هذه التصريحات نقاشا ساخنا في الكواليس السياسية. وطرحت تساؤلات حول إذا ما كانت بداية النهاية بين حزب الحركة القومية وحزب العدالة والتنمية.

وفي نفس الشهر، كتب الصحفي المقرب من أردوغان عبد القادر سلفي، مقالا في صحيفة “حرييت”، ذكر فيه أن "الرئيس أردوغان سيعود إلى مبادئ تأسيس حزب العدالة والتنمية الإصلاحية".

وأشار سلفي إلى أن "احتجاز الحقوقي ورجل الأعمال عثمان كافالا ومشاركين في احتجاجات "غيزي بارك" (2013) لم يفد حزب العدالة والتنمية".

وأضاف سلفي: “ستكون هذه خطوة من شأنها طمأنة تركيا أيضا. ما فائدة احتجاز عثمان كافالا؟ ما فائدة بقاء مشاركين في احتجاجات غيزي في السجن لسنوات؟”.

وتابع: “حان الوقت لتغيير المناخ وقدوم الربيع. وذلك عبر تبني حزب العدالة والتنمية هويته الإصلاحية التي تسير نحو هدف الاتحاد الأوروبي”.

ومضى يقول: "انظروا حينها كيف سينتعش الاقتصاد. هذا ما جعل حزب العدالة والتنمية حزبا في بدايته. الصيغة واضحة: نمو الاقتصاد وتوسيع الحريات".

ليرد عليه، الأمين العام لحزب الحركة القومية، إسماعيل بيوكاتمان بالقول: “في مقالته المليئة بالهذيان، حاول عبد القادر سلفي القول إن إطلاق سراح كافالا المرتبط بعصابات إرهابية سيكون له فائدة اقتصادية لتركيا”. 

وأضاف في منشور عبر إكس: “لقد عاد سلفي إلى أصله، أي المتحدث باسم الشبكات العالمية التي تسعى إلى رهن إرادة الشعب بالعمليات الاقتصادية”. 

وتابع: "يجب على سلفي، الذي يتولى دور المتحدث باسم معارضي الإرادة الوطنية، أن يعلم جيدا أن هذا الحساب الخبيث لا ينجح، والشعب التركي لا يستسلم، وتحالف الجمهور لا يبتلع هذه الألعاب اللفظية القذرة".

أردوغان حاضر

بعد هذه التطورات، أجرى الرئيس أردوغان زيارة إلى العراق وأدلى بتصريحات للصحفيين على متن الطائرة خلال عودته ولم يغب عن الأنظار حضور الكاتب عبد القادر سلفي -الذي استهدفه حزب الحركة القومية- بجانب أردوغان. 

وهذا الأمر أثار السؤال حول إذا ما كان الرئيس أردوغان عبر هذه الصورة يتخذ مسافة بينه وبين حزب الحركة القومية.

كذلك أثار عدم حضور زعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشلي حفل الاستقبال المعتاد بمناسبة يوم السيادة في مجلس الأمة التركية في 23 إبريل 2024 الجدل مرة أخرى.

وفي 24 أبريل، تم مشاركة رسالة مبطنة من قبل حزب الحركة القومية عبر مقطع مصور على إكس كشف عن قيام بهتشلي بنزهة في الحديقة، وتعمل في الخلفية أغنية مشهورة للفنان فردي تايفور تقول إنني “لو أقول إنك خائن، فأنت من تدفعني لذلك”

وبدأ نقاشا في الرأي العام حول معنى كلمات الأغنية. وزعم أن رسالة بهتشلي هذه موجهة إلى  حزب العدالة والتنمية.

وفي هذا السياق، كتب المحلل نوراي باباجان: "بعد انتقاده للإدارة الاقتصادية، هناك حديث في أوساط حزب العدالة والتنمية عن إرسال بهتشلي لرسالة عبر هذه الأغنية. 

وتم تفسير الأغنية على أنها "رسالة مبطنة" موجهة من قبل حزب الحركة القومية، بعد مطالب "التغيير والتحول الديمقراطي" التي تم التعبير عنها داخل حزب العدالة والتنمية بعد هزيمة الانتخابات، بينما يرفض حزب الحركة القومية تغيير بنية تحالف الجمهور الحالية.

البحث عن تحالف جديد

ويعتقد بعض المراقبين أن حزب العدالة والتنمية يبحث عن تحالف جديد أو مختلف، مستشهدين باحتمالية استقبال الرئيس أردوغان لرئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض (علماني) أوزغور أوزيل في القصر الرئاسي، مشيرين إلى أن هذا اللقاء يحمل رسالة مفادها القدرة على العمل معا بشأن بعض القضايا.

وقال نائب رئيس كتلة حزب الشعب الجمهوري مراد أمير لهيئة الإذاعة البريطانية في نسختها التركية"، إن الاجتماع بين أردوغان وأوزيل سيبحث أولا المشاكل الأساسية التي يعاني منها الشعب.

وأضاف: "كما سيبحث انتهاكات الحقوق، خاصة على المستوى الدستوري في تركيا. فهناك حاجة إلى اتخاذ خطوات في بعض القضايا في القضاء".

وتابع: "نحن على دراية بالصعوبات التي تواجهها تركيا على الصعيد الدولي. 

وتعليقا على المشهد، يقول الصحفي فاروق أكسوي، إن "تحالف الجمهور انتهى نظريا، لكنه لا يزال قائما عمليا، وسيستمر لفترة من الوقت".

وأضاف لـ"الاستقلال": “شكل الحزبان هذا التحالف في ظروف استثنائية بعد 15 يوليو/ تموز 2016، وعملوا على حماية تركيا من تداعيات محاولة الانقلاب وبناء نظام جديد”. 

وتابع: "تحولت هذه الفترة الفوضوية إلى عملية ظهرت فيها ممارسات غير ديمقراطية وتضررت السياسة الديمقراطية/ المحافظة". 

وبينما عزز حزب الحركة القومية عمقه الأيديولوجي، ضعف حزب العدالة والتنمية وتآكل، بحسب الصحفي التركي.

ومضى أكسوي يقول: كان حزب الحركة القومية هو الرابح في التحالف، بينما كان حزب العدالة والتنمية هو الخاسر. وأظهرت الانتخابات المحلية الأخيرة لحزب العدالة والتنمية وأردوغان  أنهم يتجهون نحو النهاية".

وحين سئل عن إذا ما كان حزب العدالة والتنمية سيبحث عن تحالف جديد، أجاب أكسوي: “حتى لو دخل حزب العدالة والتنمية في بحث عن تحالف جديد، فسوف يواجه صعوبة في العثور على حلفاء”. 

وأضاف: “فالتقارب أو التحالف مع حزب الشعب الجمهوري غير ممكن. فقد خرج حزب الشعب الجمهوري من الانتخابات الأخيرة بصفته الحزب الأول. وبالتالي، فقد حزب العدالة والتنمية فرصة اختيار حليفه، لأنه أصبح الحزب الثاني". 

وأردف بالقول: هناك احتمال يتمثل في تشكيل “جبهة وطنية”، لكن لا يوجد حديث عن تحالف بين حزب الشعب الجمهوري وحزب العدالة والتنمية، أو بين الأخير وحزب الشعوب الديمقراطي (كردي)".