معهد عبري: علاقات إسرائيل الجيدة مع قبرص تعوض تدهور العلاقات مع تركيا

4 months ago

12

طباعة

مشاركة

 لا تزال جهود إعادة توحيد قسمي جزيرة قبرص، الشمالي والجنوبي، تواجه صعوبات كبيرة منذ 50 عاما، وسط صراع تاريخي طويل بين تركيا واليونان.

ويصادف 20 يوليو/تموز 2024، ذكرى مرور 50 عاماً على "عملية السلام" التي أطلقتها القوات المسلحة التركية في نفس اليوم من عام 1974.

وفي هذا الصدد، يناقش معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي الوضع السياسي في قبرص بعد ما أسماه “الغزو التركي للجزيرة”.

وشنت تركيا العملية المذكورة لإنهاء قمع واضطهاد القبارصة في جنوب قبرص اليونانية للقبارصة الأتراك، ولإحلال السلام وحماية حقوق الأقلية التركية في الجزيرة.

وأيضا لقطع الطريق أمام المحاولات اليونانية لضم الجزيرة. التي أسفرت بعد نجاحها عن إسقاط حكم المجلس العسكري (الطغمة العسكرية) في اليونان.

غير معترف بها

ويستعرض المعهد تاريخ الصراع على قبرص بين تركيا واليونان، مشيرا إلى الجهود المبذولة من المجتمع الدولي لتوحيد الجزيرة.

وفي هذا الإطار، عرج على العلاقات الحالية بين قبرص وإسرائيل، ويرى أنها تعد تعويضا جزئيا عن العلاقات المتوترة بين تل أبيب وأنقرة.

 ولفت إلى أن قبرص (الجنوبية) تلعب دورا مهما في ديناميكيات الشرق الأوسط، بما في ذلك التعاون مع إسرائيل واليونان في مواجهة التهديدات الإقليمية.

وبأخذ العدوان الإسرائيلي الحالي على غزة في الحسبان، يتحدث المعهد عن تأثير ذلك على المنطقة بأكملها، بما في ذلك قبرص.

وعن هذه الذكرى، يقول المعهد إنه في 20 يوليو 1974، شنت تركيا عملية عسكرية جوية وبحرية ضد جمهورية قبرص، ردا على الانقلاب الذي نفذته الأخيرة قبلها بـ 5 أيام.

وبحسب المعهد، كان انقلاب المجلس العسكري اليوناني، الذي حكم اليونان في ذلك الوقت، وراء خلع مكاريوس الثالث من منصبه واستبدال به القومي المؤيد لإينوسيس -أي الوحدة مع اليونان-، نيكوس سامبسون. 

وبالعودة إلى العملية التركية، يقول معهد الأمن القومي إن "المبرر الرئيس الذي قدمته أنقرة لعملها العسكري كان يستند إلى اتفاقية الضمان الموقعة في 16 أغسطس/ آب 1960 بين بريطانيا العظمى واليونان وتركيا وقبرص". 

وتنص المادة الأولى من الاتفاقية على أن "قبرص ستحافظ على استقلالها وسلامة أراضيها وأمنها ودستورها". 

فيما تنص المادة الثانية على أن "اليونان وتركيا وبريطانيا العظمى هي الدول الضامنة لهذه المبادئ". 

بالإضافة إلى أن المادة الرابعة تسمح للدول الضامنة بالعمل على إعادة الوضع إلى وضعه السابق في حالة انتهاك مواد المعاهدة، والقيام بذلك من جانب واحد إذا ثبت استحالة العمل المشترك. 

وبحلول 25 أغسطس 1974، تمكنت تركيا من السيطرة على أكثر من ثلث الجزيرة، واستمر هذا الوضع حتى 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 1983، عندما أعلنت قيام جمهورية شمال قبرص التركية.

والجمهورية القبرصية التركية معترف بها من قبل تركيا فقط، وعلى الرغم من أنها تعمل كدولة بحكم الأمر الواقع، إلا أنها غير معترف بها ككيان سيادي من قبل معظم الدول والمنظمات الدولية. 

وعلى جانب آخر، ينص قراران لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على أن "إعلان استقلال جمهورية شمال قبرص التركية في عام 1983 غير قانوني وباطل"، وفق تعبير المعهد.

خطة فاشلة

وفي 11 نوفمبر 2002، وضع الأمين العام السابع للأمم المتحدة كوفي عنان، خطة تهدف إلى حل القضية القبرصية من خلال تسوية شاملة. 

تقترح الخطة التي روج لها عنان "تشكيل حكومة على شكل دولة مشتركة"، حيث يتولى كيان قانوني دولي واحد مسؤولية العلاقات الخارجية والاتحاد الأوروبي، على أن تُدار معظم المسؤوليات الحكومية اليومية من قبل كل مجتمع من المجتمعات نفسها. 

وعلى مدى الأشهر الستة عشر التالية، تضمنت المفاوضات إدخال تعديلات عديدة على خطة عنان لتلبية مطالب الطائفتين القبرصية اليونانية والتركية. 

وخلال هذه الفترة، حدثت تغييرات سياسية كبيرة فيما يتعلق بمن أجرى المفاوضات، وفق المعهد.

إذ استُبدل بزعيم قبرص التركية، رؤوف دنكتاش، المعروف بموقفه المتشدد، محمد علي طلعت الذي أيد الترتيب، أثناء وجوده في جمهورية قبرص. 

بالإضافة إلى ذلك، استبدل بالرئيس القبرصي اليوناني غلافكوس كليريدس، ‏نظيره تاسوس بابادوبولوس، الذي كان لديه موقف أكثر تشككا فيما يتعلق بخطة الأمم المتحدة. 

وبعد هذه التغيرات، يقول المعهد الإسرائيلي إن "الوضع أصبح أكثر تعقيدا بعدما وقعت جمهورية قبرص اليونانية على معاهدة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في 16 أبريل/ نيسان 2003".

وتتضمن هذه المعاهدة عضوية قبرص في الاتحاد الأوروبي بدءا من الأول من مايو/ أيار 2004، بغض النظر عما إذا جرى التوصل إلى تسوية أم لا.

ثم في عام 2004، قدم عنان خطة نهائية منقحة، قُدمت للاستفتاء في كل من شقي الجزيرة في 24 أبريل من نفس العام. 

ورغم أن القبارصة الأتراك كانوا مؤيدين للخطة، إلا أن نظراءهم اليونانيين رفضوها بفارق كبير، مما أدى إلى توقف المبادرة، وفق ما لفت إليه المعهد. 

وكرد فعل على موقفهم، شدد عنان على "ضرورة استعداد القبارصة اليونانيين لحل المشكلة القبرصية من خلال اتحاد فيدرالي ثنائي الطائفة".

وعزا عنان فشل الخطة إلى "انعدام الثقة العميق والتغيرات السياسية والسياق الجيوسياسي المعقد، بما في ذلك انضمام قبرص إلى الاتحاد الأوروبي".

وعلى مدى أكثر من عشر سنوات بعد الاستفتاء على خطة عنان، يؤكد معهد الأمن القومي الإسرائيلي على أن "المناقشات بين الجانبين لم تحقق أي تقدم يذكر". 

ويشير إلى أن محادثات كرانس مونتانا السويسرية، التي بدأت في 28 يونيو/حزيران 2017، عُدت فرصة حاسمة لدفع المفاوضات بشأن الصراع الذي طال أمده. 

وعلى الرغم من الآمال الأولية بإحراز تقدم، سرعان ما وصلت المحادثات إلى طريق مسدود بشأن القضايا الأمنية بسبب تعزيز الجانبين لمواقفهما. 

وفي 30 يونيو 2017، تدخل الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، وأصدر سلسلة من النقاط الرئيسة التي يجب التركيز عليها، داعيا الجانبين إلى تقديم مقترحاتهما بحلول نهاية الأسبوع التالي. 

ومع ذلك، بحلول 3 يوليو 2017، لم يُحرز سوى تقدم ضئيل، مع إصرار تركيا على الضمانات الأمنية مع عرض انسحاب جزئي للقوات.

في المقابل كانت قبرص اليونانية تدفع من أجل الانسحاب الفوري لجميع القوات التركية وإلغاء اتفاقية الضمان. 

وبذلك، تعثرت الجهود المبذولة لسد الفجوة واتسعت الخلافات في الرأي إلى قضايا الحكم مثل تداول الرئاسة وحقوق الملكية. 

وفي النهاية، في 7 يوليو 2017، اعترف غوتيريش بفشل المحادثات، مما يشير إلى اختتام المؤتمر والحاجة إلى تقييم متجدد، وفق المعهد.

أكثر تعقيدا

وفي إطار ما ذُكر سابقا، يقول معهد الأمن الإسرائيلي إنه "طوال المفاوضات في قبرص، توصل الجانبان إلى درجات متفاوتة من الاتفاق بشأن قضايا الاتحاد الأوروبي والحكم والمواطنة والتعويض عن الممتلكات، على الرغم من أن التفاصيل لا تزال غير واضحة إلى حد كبير". 

وبحسب المعهد، شملت القضايا الرئيسة بنية الدولة، حيث يسعى القبارصة الأتراك إلى إنشاء دولتين مؤسستين متساويتين.

في حين يفضل القبارصة اليونانيون تشكيل دولة موحدة من جمهورية قبرص بسبب تشكيل القبارصة الأتراك أقلية سكانية. 

وهنا، يوضح المعهد أن وضع الأقلية يجعل الاعتراف المتبادل وفكرة الرئاسة الدورية أمرا صعبا، حيث تطالب قبرص اليونانية بالأولوية بفترات أطول.

وعلى جانب آخر، يلفت إلى أن الخلافات المحيطة بالإدارة امتدت إلى مسألة السيطرة على وزارة الخارجية والعلاقات الخارجية، مما يكشف عن توترات عميقة مع اليونان وتركيا.

وبخلاف أن قضايا الملكية بقيت دون حل، يشير إلى أن قبرص اليونانية سعت إلى تقليص سيطرة الجانب التركي من 37 إلى نحو 28 بالمئة فيما يخص قضية الأراضي.

وبشكل عام، يذهب المعهد إلى أن "هذه القضايا بلا شك شكلت تحديات في المفاوضات في قبرص، لكن أكبر عائقين كانا مسألة الضمانات الأمنية وتمركز القوات التركية في الجزيرة، واللذين تسببا في انهيار الاتصالات بين الجانبين".

وبهذا الشأن، يوضح أن قبرص اليونانية تصر باستمرار على الانسحاب الكامل لجميع القوات العسكرية التركية من الجزيرة، وهو ما سيدخل حيز التنفيذ فور اعتماد الاتفاق. 

ووفقا للمتحدثين باسمها، فإن الضمانات الأمنية من الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي كافية لجميع مواطني قبرص.

إذ إنه بعد دمج الجزيرة بأكملها في الاتحاد الأوروبي، لن تكون هناك حاجة إلى ضمانات أمنية من دول ثالثة مثل تركيا أو اليونان أو المملكة المتحدة.

وفي المقابل، يلفت المعهد إلى أن قبرص التركية وتركيا رأتا أن هناك التزاما باتفاقية الضمانات واتفاقية التحالف لعام 1960. 

وفي هذا السياق، ينوه إلى أن جمهورية شمال قبرص أعطت الإذن لتركيا بالاستيلاء على قاعدة جوية تقع على الجانب التركي من الجزيرة كمركز لنشر الطائرات بدون طيار، مما يعني تصعيدا حادا للوضع. 

وفي هذا الصدد، يسلط المعهد الأمني الأضواء على أنه "منذ عام 2020، تتزايد الدعوات بين أنقرة وقبرص التركية لتنفيذ حل الدولتين، وعدم محاولة توحيد الجزيرة كما هو مقترح حتى الآن".

وبالنظر إلى المستقبل في إطار هذا الوضع المعقد، يتناول معهد الأمن القومي الإسرائيلي سيناريوهين رئيسين يمكن تصورهما. 

وعن السيناريو الأول، يقول إنه "على الرغم من الإخفاقات الماضية، قد تكون هناك جهود متجددة نحو إجراء مفاوضات جادة لإعادة توحيد قبرص". 

وأما بشأن السيناريو الثاني، يوضح أنه "مع مرور الوقت، وفي ضوء حقيقة أن تركيا أصبحت أقل ميلا إلى قبول اتحاد قبرص، فقد تدفع باتجاه الاعتراف الدولي بتقسيم الجزيرة".

ويعتقد المعهد أن تركيا قد تفكر حتى في ضم الجزء الشمالي من الجزيرة، على الرغم من أن مثل هذه الخطوة من غير المرجح أن تمنحها حرية عمل أكبر مما تتمتع به حاليا. 

وبشكل عام، يذهب المعهد إلى أن "كلا السيناريوهين يشير إلى تأثير أكبر لتركيا على التطورات مقارنة باليوم".

 محاطة بالضغوط

وبالنظر إلى المشهد من وجهة نظر إسرائيل، يعزو المعهد الأمني العلاقات المزدهرة مع جمهورية قبرص اليونانية واليونان منذ عام 2010 إلى حد كبير إلى تدهور العلاقات التركية الإسرائيلية.

وبالإشارة إلى كونها "تعويضا" عن تدهور العلاقات التركية الإسرائيلية، يلفت المعهد إلى أن العلاقة الثلاثية بين إسرائيل واليونان وقبرص أثمرت العديد من الفوائد. 

وتتيح هذه العلاقة تعاونا أكبر في شرق البحر الأبيض المتوسط ​​في مجالات مختلفة، بما في ذلك الطاقة والأمن والاستعداد للتغيرات المناخية والحد من آثارها، فضلا عن الاستعداد للأحداث الطارئة. 

ورغم أنه يبدو أن قبرص لا تعيد النظر في علاقاتها مع إسرائيل بعد عملية "طوفان الأقصى"، إلا أنه لا بد من الاعتراف بالضغوط التي تتعرض لها، بحسب رأي المعهد.

وبشأن هذه الضغوط، يقول إن "الحكومة والرأي العام في قبرص ليسا محصنين ضد تأثير الانتقادات الدولية لإسرائيل، والتي عُبر عنها منذ بداية الحرب". 

وتلعب قبرص دورا حاسما في الممر الإنساني البحري المصمم لمساعدة سكان غزة، مما يعزز أهمية الجمهورية ويظهرها بصورة "المشاركة الدولية الغربية المتزايدة في شرق البحر الأبيض المتوسط". 

على جانب آخر، يلفت المعهد إلى أن “قبرص تلقت تهديدات مباشرة من كل من حزب الله وتركيا، حال مساعدتها إسرائيل في حالة تصعيد الحرب مع لبنان”، وفق قوله.

ففي 19 يونيو 2024، وجه الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله تهديدا صريحا لقبرص، محذرا إياها من مغبة فتح مطاراتها وقواعدها أمام إسرائيل لشن هجوم على لبنان، لأن ذلك سيجعلها "جزءا من الحرب".

علاوة على ذلك، يكشف المعهد عن ارتباط تحسن العلاقات بين إسرائيل وقبرص واليونان أيضا بجهود التطبيع التي تبذلها تل أبيب مع دول الخليج العربي. 

ولفت إلى أن "الحرب التي اندلعت في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 كانت سببا في تبريد فرص التطبيع هذه، وهو التطور الذي يؤدي بدوره إلى تقليص جدوى تنفيذ أفكار التعاون الإقليمي". 

ومن ناحية أخرى، يمكن القول إن قبرص تتأثر أيضا بالتدفق المتزايد للاجئين السوريين من لبنان، وقد يؤدي التصعيد الكبير بين تل أبيب وبيروت إلى زيادة عدد اللاجئين اللبنانيين الذين يصلون إلى شواطئها.

وفي النهاية، يختتم المعهد تقريره بالقول إن العلاقات الإسرائيلية القبرصية لم تتحول قط إلى تحالف عسكري، لكن إسرائيل تعد  "قبرص الصديقة" جزءا من خططها الطارئة. 

ومن وجهة نظره، "يتعين على إسرائيل أن تنتبه إلى التحديات التي تواجهها قبرص، وأن تبذل كل ما في وسعها لمنع تفاقم هذه التحديات".

الكلمات المفتاحية